رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بين المشهد السورى ونعمة الوطن

بينما كان البعض يحتفلون بسقوط بشار الأسد، واصفين المشهد بنجاح ما يسمى الثورة، وبينما كان البعض يحاولون تلميع متطرف جديد يدعى الجولانى ذو باع وتاريخ طويل فى التطرف والإرهاب، فخفف لحيته وغير كنيته وارتدى رابطة عنقه وصار بمثابة المُخلص المنتظر الذى سيملًا دمشق عدلًا كما مُلئت جورًا وظلمًا، وكانت خطبته الافتتاحية من المسجد الأموى فى دمشق كأننا أمام أحد كبار الفاتحين وآخر سلالة الأمويين، وفى غمرة هذه التداعيات يمكن قراءة الأحداث عبر مجموعة من المشاهد المختلفة، وهى على النحو التالى.

المشهد الأول: إحدى الثائرات السوريات الأحرار تحقق أول إنجاز للثورة السورية بحمل مجموعة من الأطباق الصينى، فكانت أول من يحصد مكتسبات الثورة، كما دلف أحد عناصر الشعب الثائر والمنتشى لمطبخ بشار الأسد؛ ليفتح إناء من المخلل السورى اللذيذ ويتذوق شرائحه بتلذذ لاعنًا ذلك الرئيس المخلوع، وآخر يقتحم الثلاجة الشخصية لبشار الأسد؛ ليجدها مكدسة بالدجاج المذبوح الُمعد للطبخ؛ ليكتشف مدى فساد النظام المخلوع ولتذهب سوريا وأراضيها وحدودها إلى الجحيم، وصولًا لأقصى درجات كشف حقيقة الثوار الأحرار من نبش قبر حافظ الأسد هذا الفعل المجنون الذى عبر بوضوح عن سلوك المرحلة والقائمين على المرحلة.

المشهد الثانى: الجيش الإسرائيلى يجتاح سوريا العزيزة ويعلن نتنياهو أن إسرائيل ستغير وجه الشرق الأوسط وتؤسس مكانتها بالمنطقة، ويعلن أن الجولان صارت للأبد إسرائيلية، وطارت المقاتلات الإسرائيلية لتضرب مفاصل القدرة العسكرية للدولة السورية فى مقتل وتقضى على أى أمل لوجود قدرة عسكرية لجيش وطنى حاضرًا ومستقبلًا.

ورغم أن التاريخ لا يعيد نفسه- كما يشاع- لكن المشاهد البائسة بنكهة الكوميديا السوداء تكررت كمأساة أو بالأحرى كملهاة، السوريون ينظفون الشوارع، يدهنون الأرصفة، الإرهابيون يحتفلون بالفتح المبين، فقد انتصروا على عدو الداخل تمامًا كما أوصاهم سيد قطب، ونسى الجولانى أن الجولان كانت أقرب له من دمشق، لكنها الأدبيات المتطرفة واحدة ومجرى سير الأحداث واحد، صفحات التواصل الاجتماعى تحتفى بالورد اللى فتح فى جنانين دمشق وتحرير السجون ونهب المحتويات وإطلاق النكات على بشار الأسد وعائلته، التقديرات تختلف عن أطنان الذهب المُهربة وأن هذه الأطنان لابد أن توزع على الشعب السورى، حيث يبلغ نصيب كل فرد رقم خزعبلى كفيل بفتح مطعم شاورما فى أفضل المواقع، ولتسقط الأوطان ولتذهب إلى الجحيم ولتنتصر المخططات والبروباجندا ومناضلى الكيبورد والتواصل الاجتماعى، ولتحتل اللحى الغبراء قصر الشعب، ولتتغزل الحالمات بوسامة حسن الصباح الجديد بعد أن خفف لحيته وارتدى البذات الفاخرة ليطوى صفحة الإرهاب والتطرف وجبهة النصرة خالعًا عمامته القندهارية ليرتدى بذلته الفرنسية.

ومن الحديث على أشلاء يجثم فوقها الجولانى وحشاشيه، إلى الحديث على وطن يحمل همه رجل يدعى عبدالفتاح السيسى.. هنا يمكن أن نفهم نعمة الوطن ونعمة الاستقرار ومعنى الدولة، كانت طيور الظلام دائمًا ما تسخر من خوف الوطنيين على مصر ومقولتهم مش أحسن ما نبقى زى سوريا وليبيا والعراق، لتثبت الوقائع والأحداث أن هذه المقولة هى قدس الأقداس، وأنها هى الحقيقة الوحيدة فى كل العبث الدائر فى المنطقة، وأن مصر نجت دائمًا من مقصلة المخططات بفضل شعبها وجيشها، هذا الشعب الذى لم يبرح هذه الأرض تحت أى ظرف، لم يسجل التاريخ أى هجرات للمصريين أمام أى جائحة أو مجاعة أو حرب أو احتلال أو عدوان أو هبات، وهنا فقط ستدرك لماذا مصر هى الاستثناء الوحيد فى معادلة التخريب وسرطان التجريف، هنا ستدرك مدى قيمة أن ترى صورة لرئيس دولتك بين جيش دولتك وشرطتها وشعبها مصطفين على قلب رجل واحد، هنا ستدرك أن المخططات تصطدم وتتفتت على حدود القاهرة تمامًا كما حدث كل مرة وكل حقبة ومع كل مخطط ومع كل غزو.