لا تُعادِ جمهورك
لم أشغل نفسى كثيرًا ولا قليلًا كما لم أشغلك قارئى العزيز بالكتابة عن هموم كرة القدم أو مناوشات عشاقها أو خلافات معجبيها. لم يكن هذا الموقف زهدًا فى اللعبة أو كراهية لها، بل على العكس فأنا أستهلك من وقتى ساعات أسبوعية للمتابعة وللتشجيع أيضًا.
كل ما فى الأمر أننى على قناعة أن كرة القدم لدينا ليست كمثيلتها فى كل دول العالم. نحن صرنا شديدى التعصب فى تشجيعنا، كما أن كرتنا أقل بكثير جدًا من أن تخسر صديقًا أو قريبًا بسبب اختلاف وجهة نظركما حيالها، أو أن ترتكب معصية بسب أحد عناصرها إذا خذلك بفشله فى تسديد كرة أو التصدى لأخرى. كرة القدم عندنا مجرد نسخة باهتة لما نتابعه عالميًا، ولهذا صرنا نرى مشجعين مصريين كثرًا لفرق عالمية تستحق التشجيع فعلًا.
ورغم كل فتور حماسنا تجاه الأندية المصرية، فإننا احتفظنا بانتماء قديم وشغف نسبى تجاه هذا الفريق أو ذاك. يزداد هذا الشغف إذا كان منتخبنا الوطنى طرفًا فى منافسة، أو حين يخوض نادٍ مصرى مباراة حاسمة ينال بعدها كأسا فيرتفع علم مصر ويعزف نشيدها الوطنى. وحتى هذا الأمر الراقى، الذى يزيد من الانتماء الوطنى ويعزز من الولاء للبلد، ضربه المتعصبون فى مقتل. نعم، فعلوا ولا يزالون، ألم تتابع من خرج عبر شاشاتنا الوطنية ليقول إنه لن يشجع ناديًا مصريًا فى منافسة عالمية، بل وسيشجع منافسه نكاية فى جمهور هذا النادى؟!
ورغم مواقفنا الشخصية السلبية تجاه اللعبة ومنسوبيها فإننا لا نتورع عن الإشادة بما يستحق الإشادة، والإشارة إلى ما يستوجب التوقف عنده ولفت النظر إليه. من هذا ما حدث فى مباراة الأمس بين الأهلى المصرى وشباب بلوزداد الجزائرى. لن أتحدث عن فنيات المباراة أو مجرياتها، فليس لى أن أفتى فيما لا أفهم، ولكننى سأتحدث عما وقع من خلاف بين لاعبى الأهلى وجمهوره المتحمس دائمًا والغيور طوال الوقت والمهيأ للفوز فى كل مباراة!! كان هذا الجمهور قد استاء بشدة إثر خروج فريقه أمام باتشوكا فى مباراة حاسمة كانت كفيلة بصناعة تاريخ جديد للنادى حين يواجه الريال فى مباراة تحسم لقبا وبطولة هى الأكبر والأهم عالميًا على مستوى الأندية.
فسر الجمهور الخسارة بأنها جاءت على إثر تراخ من بعض اللاعبين وإهمال من آخرين، فجاء هذا الجمهور فى مباراة الأمس رافعًا لافتات العتاب والتهديد للاعبيه. ورددت الجماهير شعارات قاسية تجاه الفريق ككل وتجاه لاعبين بعينهم.
زاد الطين بلة ذلك الهدف المباغت الذى افتتح به الضيف الجزائرى أهداف المباراة، فازداد غضب الجمهور على لاعبيه وجهازهم الفنى. ومع انتهاء الشوط الأول يعوض الأحمر بهدف أول، ويعود اللاعبون فى الشوط الثانى أكثر تحفزًا للخصم ويمطر شباكه بنصف دستة أهداف لتنتهى المباراة باستعادة الفريق لثقة جمهوره واستحقاق تحيته المعتادة فى أعقاب كل انتصار محلى أو دولى.
وهنا تحدث المفاجأة ويأتى القرار الانفعالى بمغادرة الفريق دون تحية جمهوره كرد فعل على عتاب الجمهور القاسى قبيل المباراة وأثنائها. أيًا كان هذا الشخص الذى أوعز للفريق باتخاذ هذا الموقف المستغرب والذى قد يراه البعض مستحقًا، إلا أننى أرى أنه خانه التوفيق تمامًا. عتاب جمهورك يا صاحب القرار، أمر فى منتهى الصحة ولومه كان هو سبب الاستفاقة السريعة.
وفى رأيى أن من نصحك بمعاندة جمهورك لا يحب لك الخير مطلقًا ويذكى نيران الفتنة بينكما. تواضع لجمهورك وقت النصر ولا تتعالَ عليه، واعترف بالخطأ وقت الهزيمة لتتجاوزها سريعًا. ليس هناك من يلعب المباراة منفردًا، حتى ولو كان فريقًا كاملًا، جمهورك هو اللاعب الأول فى الفريق فكيف تجرؤ على معاداته؟! نصيحتى للاعبى الأهلى ولكل اللاعبين فى كل الفرق، لا تعادوا جمهوركم فتتضاعف خسارتكم وتفقدوا الجمهور الذى هو السند الحقيقى لكل اللاعبين، تقبلوا عتاب المحب والتقطوا من نصائحه ما يفيد فقد تكون تلك النصائح بابًا للخلاص من كل مشاكلكم ومشاكلهم. ولا تعادوا جمهوركم بمعاندته فتخسروه للأبد، وتخسروا مكانتكم وصدارتكم وترتيبكم.