رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشعب فعل ما أراد.. عندما فهم التحديات

العنوان أعلاه، من كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسى، «المصريون أرادوا وفهموا، وهذا ما يجعلنى مُطمئنًا، حيث يُظهر الناس على مواقع التواصل الاجتماعى ردود فعل واعية ومتفهمة تجاه التطورات»، فى إشارة إلى أن الشعب المصرى، بعدما جرَّب حكم جماعة الإخوان فى مصر لمدة عام، ورأوا كيف اختطفت هذه الجماعة الدولة المصرية، انتفض ضدهم، وأسقط حكمهم فى الثلاثين من يونيو 2013.. وهذا كلام ليس بالجديد، بل إن الرئيس كثيرًا ما يذكره فى مناسبات عدة.. فقد سبق أن لفت الرئيس إلى أن هناك ملحوظتين مهمتين لا بد من تسجيلهما للشعب المصرى؛ أولهما حجم الوعى والفهم والقدرة على التفريق من جانب المصريين خلال الفترة الأخيرة، وذلك يؤكد أنه لا خوف على الأوضاع الراهنة والمستقبلية فى مصر، «هناك محاولات كثيرة تمت لتحريك المصريين خلال السنوات الماضية من قوى كثيرة جدًا، تريد تقليب الرأى العام والشعب المصرى، لكن الشعب المصرى واعٍ، ولم يتعامل مع مثل هذه المحاولات، وقام بإفشالها».. الملحوظة الثانية، التى يريد أن يوضحها ويسجلها للمصريين، هى أن تعاطف المصريين مع فكرة الدين كان قبل تلك الفترة بلا حدود، ونتيجة لوعى المصريين المتزايد، بدأوا يبحثون ويفحصون جيدًا قبل التعاطف.. وهذا شىء جديد يدل على وعى المصريين وقدرتهم على الفرز بين الصواب والخطأ.

أكد الرئيس أن بناء البلاد أو ضياعها يعتمد على قادتها الذين يتخذون القرارات، مُشددًا على أن ذلك لا يتحقق من خلال المعجزات، بل من خلال إرادة أصحاب البلد.. وقال الرئيس السيسى، خلال لقائه، الأحد الماضى، بمقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، بعدد من سيدات ورجال الصحافة والإعلام ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات، إن سوريا فى عهد محمد على تختلف عن سوريا الحالية، فموقعها الجيوسياسى قوى، ولكن فى نفس الوقت، ثمة مُحددات تحكمها، إلى أن يشاء الله بأن يُنجى البلاد بأصحابها وليس بمعجزات، وأن من يتخذون القرار أصحاب البلد، إما يقومون بهدمها أو يبنونها.. وأشاد، خلال كلمته، بالشعب المصرى ووعيه تجاه جميع التحديات المحيطة، مثل التهجير القسرى، وضرورة التصدى له.. وأكد وجود خطر من الجماعات أو العناصر الخاملة، رغم الجهود الأمنية المبذولة، كما أبدى ثقته فى قدرة المصريين على مواجهة هذه التحديات بفضل الله وبفضل تلاحمهم، «المصريون، منذ عام 2011 وحتى اليوم، أثبتوا وعيهم ووقوفهم جنبًا إلى جنب لحماية بلادهم»، مشيرًا إلى أهمية وجود مؤسسات قوية مثل الجيش والشرطة، ولكن الأهم هو الإرادة والفهم العميق لدى الشعب.. ومع كل ذلك، فإن لنا رئيسًا، لم يقم بأى أفعال تضر بمصالح الآخرين، «حاجتين بفضل الله معملتهمش.. إيدى لم تلوث بالدماء، ولا خدت مال حد.. وربنا يحفظ مصر طول ما المصريين على قلب رجل واحد وإيد واحدة مع جيشهم وشرطتهم».

حذَّر السيسى من «وجود جماعات أو عناصر خلايا نايمة.. على الرغم من الجهد الأمنى الموجود».. والذى يعتقد بزوال قدرة الإخوان المسلمين على التأثير على وعى الشعوب، فهو واهم، كما يقول الكاتب والمفكر ثروت الخرباوى، بل أصبحت خطيرة جدًا.. فالإخوان يتحركون الآن فى الخفاء، لأن شعار الإخوان الآن «حطموا مصر بالمصريين»، فخطر الإخوان لا يزال محدقًا بالبلاد، ويجب الحذر منه وبشدة، ولا يزال ينظر إلينا بعيون الذئب، لينقض على فريسته بعد ذلك، كما فعل مجموعة منتخبى الإرهاب الذى ذهب إلى مدينة حلب السورية، حيث شنت الجماعات المسلحة التى من بينها جماعة الإخوان، عمليات إرهابية على حلب وقد سبق للإخوانى صفوت حجازى المسجون حاليًا- أن أعلن عن تجهيز مجموعات إخوانية شبابية للقتال فى سوريا ضد الجيش السورى عام 2013.. وقد تحالف تنظيما القاعدة وداعش مع الإخوان فى سوريا، إلا أن الخرباوى «مطمئن أن جيش مصر قوى»، والأهم رفع وعى المصريين بالتحديات، وما حدث فى سوريا لن يحدث فى مصر بفضل الجيش المصرى.

●●●

الدليل على وعى المصريين هو أنه، مع سقوط الرئيس السورى، بشار الأسد، اشتعلت على ساحة مواقع التواصل الاجتماعى، معارك بين فريقين، أحدهما ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين، المُصنفة «إرهابية» رسميًا منذ نحو عقد، يزعم إمكانية تكرار السيناريو السورى فى البلاد، وآخر يقوده مصريون شرفاء، استبعدوا بشكل قاطع تكرار النموذج السورى فى بلدهم، بالإشارة إلى الدعم الشعبى الكبير الذى يحظى به كل من النظام والجيش المصرى، عادّين أنهما «الضامن لاستقرار البلاد وحمايتها من أى تهديدات».. المعركة «السوشيالية» مع الإخوان، كان أحد أسلحتها «الرد المباشر» على المزاعم التى يُروجها عناصر الجماعة أو من المحسوبين عليها.. فمع دعوة محمد محسوب، وزير الشئون القانونية الأسبق فى عهد الرئيس الراحل محمد مرسى، إلى «إطلاق سراح المعتقلين، وإلغاء القوائم الإرهابية»، وفق زعمه، فى تغريدة على منصة X، قام عضو من مجلس النواب بالرد، قائلًا: «مش قادر يقتنع إن الشعب المصرى رماهم فى مزبلة التاريخ بإرادته الحرة، وأن الجيش الوطنى المصرى رفض كل الضغوط الأمريكية وغير الأمريكية عشان استمرارهم وتمكينهم».

وبرّر البعض استحالة تكرار السيناريو السورى فى مصر، بالتأكيد على أن الظروف التى أدت إلى اندلاع الأحداث فى سوريا، تختلف تمامًا عن الظروف الحالية فى مصر، مُراهنين على الوعى الشعبى، ومؤكدين أن الشعب المصرى أكثر وعيًا بالمخاطر التى تهدد استقرار البلاد، وأنه لن يُسمح بتكرار تجربة الفوضى، إذ الكاتب والمدون المصرى، لؤى الخطيب، عبر صفحته على X، «طبعًا كل من الإخوان والمطاريد وداعمى الدواعش، بيدندنوا من امبارح على نغمة إمتى النموذج السورى المُلِهم يتكرر فى مصر.. امتى نلاقى السجون بتتفتح والفوضى تعم الأرجاء، ويتبخر الجيش المصرى فتزهزه معانا».. وشدّد آخرون على الإجراءات الأمنية التى تتبعها السلطات المصرية، مؤكدين على أن الأجهزة الأمنية المصرية تتخذ الإجراءات الاحترازية اللازمة لمواجهة أى محاولات لزعزعة الأمن والاستقرار.. وقال الإعلامى وعضو مجلس النواب المصرى، مصطفى بكرى، على منصةX، «من يتآمرون على الجيش ويتعمدون الإساءة إليه، لا يختلفون عن داعش وجبهة النصرة.. هؤلاء خونة الأوطان فى كل مكان».

جبهة أخرى من المعارك «السوشيالية»، فُتحت مع الإعلان عن تكليف محمد البشير بتولى رئاسة حكومة انتقالية فى سوريا، حتى أول مارس المقبل، وهو «صاحب الميول الإخوانية»، وروَّج ناشطون مقطع فيديو للبشير، وهو يستند إلى مقولة لمؤسس الإخوان، حسن البنا.. واستدعى ناشطون مصريون اسم هشام قنديل، رئيس وزراء مصر فى عهد الإخوان، للتشبيه بينه وبين البشير، حيث راج هاشتاج «#هشام_قنديل» وظل متصدرًا لـ«التريند» خلال الساعات الماضية.. وحذّر الإعلامى، أحمد موسى، من أن تتم «أخونة» سوريا، «البشير هو تكرار لتجربة محمد مرسى، وأخونة الدولة المصرية ومفاصلها ومؤسساتها» واتفق كثير من التفاعلات على «الهاشتاج»، على أن البشير هو «هشام قنديل النسخة السورية»، وأشار البعض إلى أن «التاريخ يعيد نفسه فى بعض الدول العربية».

بالتوازى، اندلعت حرب كلامية بين مُغردين مصريين وطنيين، وبين أنصار جماعة الإخوان، كون الطرف الأخير يأمل فى إمكانية تكرار السيناريو السورى فى مصر، حيث حذَّر رواد السوشيال من مخططات الإخوان.. وأعلن مغردون عن دعمهم للرئيس عبدالفتاح السيسى، فى ظل ما يتطلع إليه الإخوان من عودة الهاربين خارج البلاد إلى مصر، على غرار دخولهم دمشق، مُحذرين من فتن الإخوان.. وقارن آخرون بين التجربة السورية والتجربة المصرية، لافتين إلى تنظيم الإخوان الدولى ما زال منتعشًا، ولديه قدرات سياسية ومالية وإعلامية، هى التى استهدفت سوريا ومصر الفترة الماضية.. ولم ينس النشطاء استدعاء ذكر الرئيس المصرى الراحل، محمد حسنى مبارك، الذى تم تداول اسمه فى عدد كبير من التغريدات، حيث ثمَّن أصحابها «حفاظ مبارك على مصر وعلى أرضها، وعدم هروبه خارج البلاد» مثل بشار، رغم الإطاحة به عقب مظاهرات الخامس والعشرين من يناير 2011.

●●●

وينظر العديد من الناشطين «أرامل أحداث يناير»، إلى ما يحدث فى سوريا بعين الحذر والترقب.. فالعديد من هؤلاء شاركوا فى الاحتجاجات على نظام الرئيس الأسبق، حسنى مبارك، عام 2011، أو على الأقل أيدوها، ويخشون أن ما حدث فى بلادهم قد يكون أيضًا مصيرًا محتومًا للسوريين، أو على الأقل أن تفشل ثورتهم، باختلاف التفاصيل، وتعكس تعليقات هؤلاء على مواقع التواصل، خلال الساعات التى أعقبت تقدم قوى المعارضة السورية واستحواذها على المدن السورية تباعًا وسقوط بشار الأسد، مشاعر مختلطة من الخوف واليأس والأمل فى آن واحد.. يتذكر هؤلاء مشاعر الفرحة العارمة فى فبراير 2011 فى مصر، بعدما ألهمتهم ثورة تونس وخروج رئيسها، زين العابدين بن على، من السلطة.. ومع ذلك، فإن الأحداث التى شهدتها مصر بعد ذلك أفقدتهم هذا الشغف، بعدما خطف الإخوان منهم السلطة، بينما يشعر العديد من الإسلامويين بمرارة شديدة من إطاحة الشعب بحكم محمد مرسى والإخوان.

وبعد التطورات الأخيرة فى سوريا، كتب وائل عباس، الذى كان من أبرز ناشطى يناير، «ليس معنى أن من وصل للسلطة فى سوريا مجرمون أن بشار كان كويس.. وليس معنى أن من وصلوا للسلطة فى سوريا خرَّجوا المعتقلين، أنهم مش ها يدَّخلوا معتقلين جدد بدالهم».. وكتب الناشط جمال عيد، كتب فى فيسبوك، «الفرحة بسقوط المجرم بشار، فرحة مجروحة، بضبابية خلفية المعارضة.. هل ستُدشن حكمًا ديمقراطيًا؟، أم ستدشن حكمًا دينيًا قمعيًا بديلًا عن حكم الأسد الديكتاتورى؟».. وجاء فى تعليق آخر لسيدة تقول إنها شاركت فى مظاهرات يناير، «أنا من ساعة ثورة يناير وأصبح عندنا صدمة.. لا أفرح كثيرًا دون أن أفهم ما يجرى.. ما هى أيديولوجية المعارضة السورية.. ومَنْ الجماعات أو البلاد الداعمة لها؟».. وتتساءل أخرى، «هما اللى عمالين يقولو سوريا اتحررت دول، هما نفسهم اللى قالوا ثورة يناير نجحت.. صح؟!!».

لقد سعد الشعب المصرى، كما إخوانهم السوريون، بسقوط بشار الأسد، لكن الأيادى على القلوب، من مستقبل غامض ينتظر سوريا، يُعيد إلى الصدارة، المرارة التى شعر بها المصريون، يوم أن سقطت مصر فى أيدى الإخوان.. بل إن الدولة المصرية، التى تحتضن جاليات سورية كبيرة، سمحت بالاحتفالات بسقوط نظام بشار الأسد بضوابط، حيث تجمع السوريون يرفعون أعلامًا سورية، وهتفوا ضد بشار الأسد، ووزعوا الحلوى.. فى حين فضل البعض الاحتفال فى المنزل احترامًا للقوانين المصرية، لكنه فى الوقت ذاته قام بتوزيع الحلويات فى محيط سكنه.. وعرضت بعض المطاعم التى يمتلكها سوريون أو تحمل أسماء سورية، خصومات، أو قدمت عروض احتفالًا بسقوط نظام الأسد.. وبحسب الأرقام الرسمية، يتواجد فى مصر حوالى مليون ونصف سورى، وقد شهدت منطقة السادس من أكتوبر، بمحافظة الجيزة، التى يتواجد فيها عدد كبير من الجالية السورية، خروج بعضهم للاحتفال.

واعتبر السيسى أن «المصريين، من 2011 إلى اليوم، وقفتهم هى من حمت بلدهم.. طبعًا فيه مؤسسات موجودة، فيه جيش موجود وده كويس، فيه قوات شرطة مدنية، فيه وزارة الداخلية وده كويس.. لكن فيه إرادة شعب، أراد فهم رد فعلهم تجاه كل التطورات، واعٍ جدًا وفاهم جدًا». وأضاف: «أنتم ترون مواقع التواصل وتعليقات الناس، الكلام اللى بيتقال هو اللى مطمنى إن الناس فى مصر منتبهة وفاهمة ومصدقة ومستحملة عشان بلدها.. الشعب المصرى هو حصن مصر وطبعًا ربنا قبل الكل».. ففى لقاء اتسم بالصراحة والوضوح، خلال لقائه بعدد من الإعلاميين 

والصحفيين، أعرب الرئيس السيسى عن ثقته العميقة فى الشعب المصرى، واصفًا إياه بأنه «حصن مصر» الذى يدافع عن الوطن ويحميه فى وجه التحديات.. فى عالم يموج بالاضطرابات، يقف المصريون كالبنيان المرصوص، متحدين وواعين، فى مواجهة كل ما يحيط بهم من صعاب.. أكد أن قوة مصر الحقيقية ليست فقط فى مؤسساتها الراسخة من جيش وشرطة، ولكن فى إرادة شعبها الواعى والمتماسك.. «الشعب المصرى هو حصن مصر»، قالها الرئيس بلهجة تنبض بالامتنان والفخر، مشيرًا إلى أن الشعب هو من حمى البلاد منذ 2011، عندما عصفت التغيرات الإقليمية بالدول من حولنا.

كلمات الرئيس السيسى جاءت كرسالة أمل للمصريين، داعيًا الجميع إلى مواصلة الاصطفاف والعمل بروح الفريق، من أجل بناء مصر قوية وعصرية، وأكد أنه مطمئن، لأن المصريين ليسوا فقط مُدركين لحجم التحديات، بل هم على استعداد لتحملها من أجل وطنهم.. فالشعب المصرى هو الحصن، والرؤية هى المستقبل، والإرادة هى المفتاح.. وبهذه الكلمات، اختصر الرئيس السيسى رؤيته لدور الشعب فى حماية الوطن، وبناء الدولة التى تليق بأحلام المصريين.

●●●

نعود إلى كلمة الرئيس السيسى، على هامش اجتماع فى مقر القيادة الاستراتيجية فى العاصمة الإدارية الجديدة، بشأن العلاقات المصرية مع الإدارة الأمريكية الجديدة للرئيس المنتخب، دونالد ترامب، إذ قال الرئيس، إن «هناك تواصلًا مع الإدارة الجديدة.. فيه تواصل معها وهناك حجم من الثقة المتبادل بيننا، ورأينا محل تقدير وقبول لديهم، وسنُكمل على هذا، لإيجاد حلول للقضايا العالقة، مثل قضية غزة والسودان وسوريا طبعًا».. وأشار السيسى إلى أن «العلاقة الاستراتيجية تعرضت لاختبارات كثيرة، وأكدت أنها صامدة وقوية وقادرة، والتجارب أكدت هذا، ثم أكدت التجارب حاجة الولايات المتحدة الأمريكية لاستمرار وثبات علاقاتها الاستراتيجية مع مصر».. لقد سبق أن قال ترامب إن الرئيس السيسى أنقذ العالم من داعش، وأكد أنه «يقوم بعمل رائع» وسط ظروف «صعبة»، على «استراتيجية فعالة لمكافحة الإرهاب». 

وخلال استقباله فى أبريل 2017، للرئيس السيسى، الذى يزور البيت الأبيض للمرة الأولى منذ انتخابه رئيسًا، وصف ترامب الرئيس السيسى بأنه «رئيس عظيم، يؤدى مهمة عظيمة»، وقال: «نحن نقف بكل وضوح وراء الرئيس السيسى.. ونقف بشكل واضح أيضًا وراء مصر والشعب المصرى».. وأضاف: «لديكم، مع الولايات المتحدة ومعى شخصيًا، صديق كبير وحليف كبير.. لدينا كثير من القواسم المشتركة».. وقال أيضًا: «نحن قريبون منذ المرة الأولى التى التقينا فيها»، مشيرًا إلى لقائه السيسى فى نيويورك فى سبتمبر من نفس العام، فى ذروة حملة الانتخابات الرئاسية. 

يقول الرئيس السيسى إن «مصر مرت فى الفترة الماضية بالأصعب، فيما يتعلق بتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادى وتحقيق التنمية، وإننا نسير فى الطريق الصحيح، الأمر الذى انعكس فى ثقة مؤسسات التمويل الدولية فى الاقتصاد المصرى».. نعم، تستمر جهود الدولة فى العمل على تحسين أداء مؤشرات الاقتصاد الكلى، التى انعكست إيجابيًا على تقييمات اقتصاد مصر فى التقارير الدولية، لتشيد مؤسسات لها وزن وثقل عالمى بأداء الحكومة، متوقعة معدلات نمو إيجابية للعامين القادمين، خصوصًا وكالة «فيتش» للتصنيف الائتمانى وصندوق النقد الدولى، وهو ما أكده الدكتور عبدالمنعم السيد، الخبير الاقتصادى ورئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية، أن تحسن أداء مؤشرات الاقتصاد الكلى لمصر، ودفع المؤسسات الدولية للاحتفاء بهذا الأداء فى تقاريرها وآخرها وكالة «فيتش» للتصنيف الائتمانى، وسط زيادة تدفقات النقد الأجنبى والإجراءات الإصلاحية العديدة التى أخذتها الدولة على عاتقها، إذ رفعت الوكالة التصنيف الائتمانى لمصر من B- إلى B، مع نظرة مستقبلية مستقرة، مستندة فى تصنيفها الإيجابى إلى التزام مصر بسداد أقساط وخدمة الديون المستحقة وعدم التأخر عن السداد، بجانب ارتفاع احتياطى النقد الأجنبى إلى 11.4 مليار دولار خلال أول تسعة أشهر من العام الحالى، لتسجل 46,7 مليار دولار.. وشدد على أهمية الدور الذى لعبه البنك المركزى المصرى بسياسته النقدية التى حركت المياه الراكدة، «الثقة فى السياسات النقدية ومرونة المركزى المصرى».

●●●

إن ما لا يمكن تغافله هو أنه بعد أحد عشر عامًا من «سقوطها التاريخى»، خلال ثورة الشعب المصرى على حكمها، فى الثلاثين من يونيو 2013، تعيش جماعة الإخوان حالة من «التشرذم والتيه»، ما بين محاكمات محلية وملاحقات دولية وخلافات تنظيمية داخلية.. إذ يرى الخبراء أن الجماعة، التى حظرتها السلطات المصرية، وعدَّتها «تنظيمًا إرهابيًا»، بشكل رسمى عام 2014، تعيش حالة «موت سريرى بعد سقوط تاريخى»، أسهمت فيه حالة الانقسامات والصراعات بين قياداتها وسجن رموزها، متوقعين استمرار أفول نجمها وبألا تسمح السلطات المصرية بأى مسار عودة يُنقذها من حالة «التيه».. فبعد عام من وصول الإخوان إلى كرسى الرئاسة، عبر مرشحهم محمد مرسى، خرج ملايين المصريين فى الثلاثين من يونيو، مطالبين برحيلهم.. ومع تمسك الجماعة، برفض خيار الانتخابات المبكرة، سقط التنظيم وحُوكم قياداته وكوادره، بتهم مرتبطة بـ«التخابر وارتكاب عنف والتحريض عليه».

ومع خروجهم من الحكم، خرج آلاف من المنتمين للجماعة خارج مصر، ودشنوا منابر مُعادية للسلطات المصرية، وحافظوا على منصات مُتلفزة وأخرى على مواقع التواصل الاجتماعى، لبثِّ ما عدَّته السلطات «تحريضًا يوميًا»، قبل أن تشهد الجماعة انقسامًا تنظيميًا وفكريًا، أدى إلى ظهور ثلاث مجموعات، كلٌّ منها يدَّعى أنه القيادة، وأن مَن سواه خارج عنها ولا يحمل اسمها.. ووسط هذا الانشطار التنظيمى بالخارج، دخل التنظيم «حالة العدم» فى مصر، بعد حظره وملاحقة قياداته، مع رفض الرئيس السيسى إجراء أى مصالحة معه، ووصف المنتمين إليه بأنهم «أهل الشر».

وعلى مدار الأحد عشر عامًا، واجه الإخوان مئات القضايا فى محاكمات طالت أعدادًا كبيرة من قياداتها وكوادرها، وتصبح الجماعة الآن، وهى تنكمش خارجيًا، وينحسر تأثيرها فى مسارات إعلامية ومنصات تُحرض ضد السلطات المصرية.. وقد سبق لها أن لعبت قبل الثلاثين من يونيو على مسارات الإعلام ومنصات التواصل فى التجنيد والحشد، وبعد نجاح ثورة الشعب ضدها، بدأت الجماعة مرحلة ثانية، انتهجت خلالها عمليات العنف، مع نشر التحريض والتشكيك ضد الدولة عبر تلك المسارات، مستغلين الأزمات الاقتصادية نتيجة الظروف العالمية والدولية.. وتراجع دعم عدد من الدول التى لجأ عناصر الإخوان إليها، وتكفلت جهود سياسية ودبلوماسية مصرية بتضييق الخِناق على وجود الجماعة فى تلك الدول.. فمن الاستقبال والترحاب صيف 2013، إلى دعم مشروط، ثم طلبات للمغادرة فى السنوات الأخيرة.. كان هذا هو حال الجماعة فى تركيا وقطر، وسط أحاديث تنقلها منصات موالية للجماعة، عن خروج أعداد من قيادات ورموز التنظيم بالخارج من البلدين، إلى جانب إغلاق قنوات مُناصرة للجماعة، مثل «مكملين»، التى كان مقرها إسطنبول، واستقرارها جميعًا فى لندن، بعد تحفظات تركية وقطرية على توجيه عناصر الجماعة انتقادات إلى السلطات المصرية.

ولم تعرف الجماعة سقوطًا منذ تأسيسها فى مصر عام 1928، مثل الذى فعلته ثورة الثلاثين من يونيو 2013، إذ لأول مرة يجرى «إسقاطهم شعبيًا»، بعيدًا عن قرارات السلطات المصرية السابقة بالحل أو توقيف النشاط، كما يقول الباحث فى شئون جماعات الإسلام السياسى، ماهر فرغلى، إن «تنظيم الإخوان انهار داخل مصر، وجزء كبير منه داخل السجن وخارج البلاد.. الموجودون من التنظيم خارج البلاد فى حالة تشظٍّ وأجندات مختلفات وصراعات مالية وتنظيمية».. ويرى أن «بقاء التنظيم بين الاستقطاب الداخلى فى صراعات التنظيم، والسقوط التاريخى لها بمصر والانهيار، يؤكد أنه سيعانى مستقبلًا، وسيبقى غائبًا عن الساحة المصرية، دون أن يرى هدنة أو مصالحة من السلطات بمصر».. ولا يتوقع أى تغيير فى أفكار الجماعة مستقبلًا، واستمرار انهيارها على المستويات كافة.. وهو ما اتفق معه الباحث فى شئون الجماعات وحركات الإسلام السياسى، أحمد بان، من أن «مجرد اعتبار الجماعة فى حالة تيه، يعنى أنه يمكن أن تكون هناك حياة للتنظيم مستقبلًا بعد أن يفكر.. لكن الصحيح أن التنظيم فى حالة من الموت السريرى ويعيش مرحلة أفول ونهاية».. ولا يُعتقد أن الجماعة فى حالة كمون اضطرارى أو اختيارى، «هذا أيضًا يعنى قدرة التنظيم على التعافى والعودة.. والحقيقية أننا إزاء جماعة عقلها غائب، وتشهد انقسامات تنظيمية، أدت إلى ظهور ثلاثة كيانات أو أكثر خارج البلاد».. كما لا يُتوقَّع أن «يتعافى تنظيم الإخوان مما وضع نفسه فيه، بعد سقوطه المدوِّى والتاريخى الذى شارك فى صنعه بيده.. فالتنظيم فى ظل هذه الانقسامات، لا يمكن أن يكون له مستقبل وعودة لمسار القيادة المركزية الصارمة، التى اكتسبت الجماعة فاعلية بسببها لسنوات طويلة، وبالتالى لا يُتوَّقع لهذا التنظيم أى فعل مؤثر فى المدى المنظور».. ويُعتقد أن حرص الجماعة على إبقاء منصة إعلامية لها، جزء من معركتها التى تعمل فيها على التشكيك فى كل الأنظمة، ولا تستطيع تركها.. لكنَّ هذا لا يعنى قُدرةَ لها على التأثير أو تغيير المشهد.

لقد انتهى جناح الإخوان الإرهابى داخل مصر، مع توالى العمليات الأمنية ضدهم، ولا مستقبل لها بالبلاد، ولن يلاقوا ظهيرًا شعبيًا مرة أخرى مهما كانت الأزمات، وحاليًا، ينشطون من الخارج، عبر كتائب إلكترونية للتشكيك فى جميع مؤسسات الدولة، مستغلّين الأزمة الاقتصادية.. ما يستدعى أن «تتواصل جهود مواجهة الجماعة على المستوى الإعلامى والفكرى، وعبر الأزهر والكنيسة جنبًا إلى جنب مع الضربات الأمنية، حتى يُقضى تمامًا على كابوس الإخوان للنهاية».. إذ إن التنظيمات الإرهابية وإسرائيل تستغل ما يحدث فى سوريا لتنفيذ أهدافهما فى مصر، ويستغل تنظيم الإخوان الإرهابى الحالة نفسها لاستدعاء عناصره بالخارج، فى محاولة لإحداث فوضى مرة أخرى كما حدث فى 2011.. إذ تُحرِّض إسرائيل وتنظيم الإخوان الإرهابى ضد الجيش المصرى، بهدف إسقاط النظام كما حدث من قبل.. وهنا، يتخوف خبراء فى شئون الجماعات المتشددة، من قيام دولة إخونية فى سوريا، حيث قام الجولانى بالجانب الخاص بحمل السلاح، ثم يقوم الإخوان بالجانب الآخر، المتعلق بتداول السلطة وبناء حكومة جديدة يشكلونها، ومن ورائهم فصائل جهادية تحمى حكمهم على غرار الحرس الثورى الإيرانى.. فى ظل حالة من الترقب المحلى والعالمى لمصير البلاد، وكيفية إدارتها فى المستقبل القريب، مع تصدر رئيس هيئة تحرير الشام، أبومحمد الجولانى، للمشهد وخطبته فى الجامع الأموى.. لكنا نعود فنستلهم كلمة الرئيس السيسى بأن «الشعب المصرى هو حصن مصر».

حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.