الجولانى على طريق الإخوان.. التحالف مع إسرائيل!
تعددت الدلالات التى رصدها مراقبون، حول أول تعليق لقائد «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، الملقب بأبى محمد الجولانى، على التوغل الإسرائيلى فى سوريا.. ورأى البعض فى ذلك، تبادلًا علنيًّا للرسائل بين الجولانى وإسرائيل، يحمل جانبًا من طمأنة تل أبيب بزوال التهديد الإيرانى لها من سوريا، وتلميحات بأن التوغل الإسرائيلى فى سوريا، قد يفتح المجال لعودة الوجود الإيرانى عبر الأذرع والميليشيات.. إلا أن امتناع الجولانى عن مواجهة التوغل الإسرائيلى، يعكس ما يعتقده البعض من أنه «صنيعة» أمريكية بالتعاون مع تركيا، لحماية أمن إسرائيل، إذ قال الجولانى مؤخرًا، إن الحلول الدبلوماسية هى الطريق الوحيد لضمان الأمن والاستقرار، بعيدًا عن المغامرات العسكرية غير المحسوبة، وإن قواته ليست بصدد خوض صراع مع تل أبيب، وإن الحكومة السورية المؤقتة لا تُعادى المجتمع الإيرانى.
وإذا كان الجولانى يتعامل فى هذه المرحلة مع إيران، كعدو أول فى سوريا؛ فإن ذلك يعطى تطمينات لإسرائيل، التى لن تتراجع عن فرصة التوغل فى الداخل السورى، لأن الجولانى يسعى لتقديم رسائل واضحة لواشنطن، بضرورة إيجاد صيغة تفاهم تُقنع إسرائيل بالتراجع عن توغلها فى سوريا، حيث إن صمته إزاء العدوان الإسرائيلى، قد يُستغل من قبل الإيرانيين لاتهامه بحماية أمن إسرائيل وضياع الأراضى السورية، ما قد يؤدى إلى الانقلاب عليه، خصوصًا أن البعض يرى أن أول تعليق للجولانى على التوغل الإسرائيلى دون أى تحرك، يعكس أن مهمة الحكم فى المنطقة قد أُسندت إليه بإشراف أمريكى، شريطة حماية أمن إسرائيل، ويُغذى الشكوك حول «هيئة تحرير الشام» كصنيعة أمريكية بالتعاون مع تركيا، تهدف إلى القضاء على أذرع إيران فى سوريا، كما أن موقفه يعكس توافقًا مع هدف واشنطن، فى كسر النفوذ الإيرانى فى سوريا، ومع رغبة تركيا فى أن تحل محل إيران كقوة إقليمية فى المنطقة، مع تعزيز نفوذها فى الساحة السورية.
وإن كان أبومحمد الجولانى، أو أحمد الشرع، وسواء كانت جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام.. إن هى إلا أسماء سموها، هم وآباؤهم الأولون، جماعة الإخوان، لحاجات فى نفس يعقوب، يجب قضاؤها، وهى إضعاف سوريا، وإفساح المجال أمام إسرائيل للسيطرة على الشام.. فالتاريخ يروى لنا ما هو أفدح من ذلك من أفعال أهل الشر، جماعة الإخوان وأذيالها.. وكما تتعدد دلالات تصريحات الجولانى بشأن إسرائيل، فقد سبق وتعددت تحالفات الإخوان مع الكيان الصهيونى.
●●●
أسهمت جماعة الإخوان فى قيام دولة إسرائيل، لأنها من أسهم بتهجير اليهود العرب من مصر وبلدان أخرى إلى إسرائيل، كما أن أحد المحسوبين على الإخوان، وهو مفتى القدس، أمين الحسينى، كان مساهمًا فى تهجير اليهود إلى إسرائيل، ولولا تهجير يهود مصر والعراق وتونس والمغرب واليمن والبلدان الأخرى العربية والإسلامية، لما كانت إسرائيل بهذه القوة، إذ إنه فى ليلة واحدة، استقبلت إسرائيل مائة وأربعين ألف يهودى من العراق، فيهم المهندس والطبيب، وفيهم الكاتب والمؤلف والمعلم.. كما أوضح الدكتور رشيد الخيون، الكاتب والمفكر المتخصص فى شئون التراث الإسلامى، فى حديث نُشر له فى السادس عشر من سبتمبر 2017.. وأشار فى لقاء تليفزيونى مع الكاتب والصحفى اللبنانى، محمد قواص، إلى أن مسئولية وجود إسرائيل ليس محسوبًا على القادة والسياسيين العرب فى ذلك الوقت فقط، بل أيضًا بسبب الإسلام السياسى، الذى يمثله الإخوان المسلمون، مؤكدًا أن الإخوان لا يعترفون بالبراجماتية السياسية، ويعملون بواقع تسييس الدين.. مُنتقدًا السنوات الطويلة التى كفَّر خلالها الإخوان الناس، واغتالوا ورفعوا الإسلام، كراية للوصول للسلطة والمال، وأن «الأسلمة» كانت تعنى قبل ألف سنة، أن المسلمين كانوا يعيشون ضمن منطق دينى وقبلى، ولكن اليوم أصبح معنى «الأسلمة»، خلق معارضة وقوة وعنف.
لذلك، وفى نفس العام، وكنوع من الاعتراف بالجميل، نشر وزير الخارجية الإسرائيلى الأسبق، شلومو بن عامى، مقالًا فى مجلة Project Syndicate، طالب فيه الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، وقتها، بعدم اتخاذ قرار باعتبار الجماعة جماعة «إرهابية»، مؤكدًا أن ترك الحرية للجماعة سيكون مفيدًا لأمريكا ولإسرائيل والمنطقة العربية.. وفى مقاله، زعم بن عامى أن مواجهة جماعة الإخوان المسلمين ستحول كل الإسلاميين إلى تبنى العنف وهذا ما لا نريده، زاعمًا أن فتح المجال للإخوان للمشاركة فى السياسة سيقلل من حدة عنفها، والتخفيف من آرائها.. واعترف وزير الخارجية الإسرائيلى، بأن فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسى، كانت «صفر ديمقراطية»، وأن الإخوان خلال فترة حكمهم تعاملوا مع الديمقراطية على أنها «أمر لا قيمة له»، لكنه عاد وأكد أن وجود الإخوان فى الحكم كان مفيدًا، ضاربًا المثل بما حدث أثناء حرب غزة 2012، أثناء حكم مرسى، وكيف ساعد مرسى فى إقناع حماس بوقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل.. وقال شلومو فى مقاله، إنه فى عالم السياسة، لا بد من حسابات عقلانية وبناء تحالفات، حتى لو كانت تلك التحالفات مع تيارات إسلامية مُعادية للديمقراطية، فهذا حسب رأى شلومو يدعم جرهم إلى منطقة الاعتدال، وإعادة التفكير فى آرائهم المتطرفة.. وناقض شلومو نفسه، حين اعترف بأن من يقُل إن الأحزاب الإسلامية المحسوبة على الإخوان، حين تعلن رفضها العنف، فإنها تفعل ذلك من باب «التحركات التكتيكية»، ولا يأتى من إيمان عميق برفض العنف، ولكنه رأى أن تلك المجموعة التكتيكية من الحركات، قد تغير فى النهاية الأيديولوجية العنيفة، التى تتخذها الجماعة إلى أيديولوجيات أقل عنفًا.
لكن شلومو تغافل عن ذكر ما كشف عنه محمد حبيب، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان السابق، عام 2015، من تفاصيل لقاءات سرية جمعت بين قادة الإخوان والسفير الإسرائيلى فى القاهرة عام 2009، وتعاون قادة الجماعة مع ريتشارد أرميتاج، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية وقتئذ، هيلارى كلينتون، للتعاون وإسقاط نظام الرئيس الراحل حسنى مبارك، وتوصيل الإخوان لسدة الحكم فى مصر، مقابل الالتزام بأمن إسرائيل ولجم حماس.. إذ قال حبيب، إن الجماعة كانت تشارك سنويًا فى احتفال السفارة الأمريكية بالقاهرة بعيد الاستقلال، الذى يُقام فى الرابع من يوليو من كل عام منذ 1987 وفى عام 2009.. وعندما كان نائبًا للمرشد العام، فوجئ بالدكتور محمد سعد الكتاتنى، رئيس البرلمان الأسبق، يروى أمامه فى اجتماع المكتب العام للجماعة بالمقطم، أنه كان مشاركًا فى الاحتفال الذى أقامته السفارة، ولاحظ أن السفير الإسرائيلى بالقاهرة يقترب منهم ويصافحهم، واضطروا هم، تطبيقًا للبروتوكول ومنعًا للحرج، أن يصافحوه، «فاستشطت غضبًا، وأبلغت قادة الجماعة المتواجدين اعتراضى، على أن تتم زيارة مثل هذه دون علمى كنائب للمرشد، واعتذر الكتاتنى عن ذلك، حتى فوجئت بالصحفى عبدالعظيم حماد، يكشف نقلًا عن حافظ أبوسعدة، الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، الذى كان حاضرًا فى حفل السفارة، أن ريتشارد أرميتاج مساعد هيلارى كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، وعرَّاب صفقة وصول الإخوان للحكم، هو من رتب لقاء المصافحة بين وفد الإخوان والسفير الإسرائيلى، وأنه انتحى بالطرفين جانبًا خلال الحفل لمدة ساعة كاملة، فى لفتة لاحظها جميع المشاركين فى الحفل».
كان وفد الإخوان يضم سعد الكتاتنى وسعد الحسينى وحازم فاروق، وأن لقاءهم السفير الإسرائيلى كان فى وجود السفير الأمريكى أيضًا، ومعه أرميتاج كما يقول حبيب، ودار الحديث حول الخطة التى تم التنسيق حولها بين الطرفين منذ عام 2005، وكانت تُمهد لإسقاط نظام مبارك وتوصيل الإخوان لسُدة الحكم، مضيفًا أنه كان شاهدًا على رسالة أمريكية وصلت إلى الإخوان فى 2005، وعقب انتخاب مبارك لفترة رئاسية جديدة، مفادها أن الإدارة الأمريكية، وبعد جهد جهيد، أيقنت أن نظام مبارك ينبغى إسقاطه، وأنه حان الوقت لذلك، ولديها خطة للتخلص منه عن طريق اندلاع تظاهرات حاشدة فى مصر، وتكثيف الحشود الشعبية فى الميادين العامة لإجباره على الرحيل، وأن الاخوان هم البديل القادم لنظامه.. وقد أكد حافظ أبوسعدة، الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، رحمه الله، صحة الواقعة، وقال إن السفير الإسرائيلى التقى بالفعل وفد الإخوان بقيادة سعد الكتاتنى، خلال احتفال السفارة الأمريكية بعيد الاستقلال فى يوليو 2009، وتنحَّى بهم جانبًا، بحضور مساعد وزير الخارجية الأمريكى ريتشارد أرميتاج.
يواصل حبيب كلامه عن أنه فى انتخابات مكتب الإرشاد، لاختيار المرشد الجديد للجماعة 2010، قبل أحداث يناير بشهور، «كنت مرشحًا لمنصب المرشد، وكدت أحصل على أعلى الأصوات، وفوجئت باختيار المرشد الحالى، محمد بديع، وعلمت بعد ذلك، أن بديع وقع الاختيار عليه منذ فترة ليست بالقصيرة، وقبل الانتخابات، من خلال اتصالات سرية تمت بين قيادات الإخوان والإدارة الأمريكية».. وقال إنه «هناك خطابات متبادلة بينهما تشهد على ذلك، وتضمنت تلك الخطابات رسالة لمهدى عاكف، المرشد السابق، تطلب منه وقف العمليات الانتحارية فى فلسطين، إذا كانت هناك نية للتعاون مع البيت الأبيض.. وبعد لقاءات عديدة بين عاكف وشخصيات أمريكية، رأت واشنطن أنه غير مؤهل للتعاون، وكنت أنا البديل، لكنهم علموا بأننى لا أريد السلطة، لأن عقيدتى تؤمن بأن وصول الإخوان للسلطة مستحيل قبل عشرات السنين، وأن وصولها لها قبل ذلك يُعجّل بنهايتها، وهو ما حدث فعلًا.. ولذلك رأت واشطن، أن صفقتها لن تنجح فى وجودى، فطلبت من قادة الجماعة دعم محمد بديع، لأنه هادئ وغير صدامى ولديه ميل للرغبات الأمريكية.. ومع ذلك، التزمت بنتيجة الانتخابات، وقامت الثورة، وتحقق للإخوان ما أرادته واشنطن لها، واكتسحت البرلمان، سواء مجلس الشعب أو الشورى، بعد رحيل نظام مبارك».. ويختم نائب المرشد السابق للجماعة قائلًا، «حاولت قدر استطاعتى، صد بعض الطموحات التى قد تعصف بالجماعة، ومنها ترشيح الشاطر لرئاسة الجماعة، وقلت لهم إن هذا الترشيح سيُكلف الجماعة والوطن غاليًا، ولم تستجيب، وكانت النهاية فعلًا، وتخلت عنها أمريكا، ولم يعد لها وجود فى المشهد السياسى أو الشعبى فى مصر الآن».
●●●
جانب آخر من تحالف الإخوان مع إسرائيل، يكشفه جمال عبادى، مدير وحدة دراسات التطرف والإرهاب فى معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومى، يختص بما فعله الإخوانى من الأقلية العربية فى إسرائيل، منصور عباس، الذى يؤكد، أنه ليس غريبًا عنه وعن شخصيته، فهو معروف بإثارته للإشكاليات، وكان أحد أسباب انفراط عقد القائمة العربية المشتركة فى الانتخابات الإسرائيلية السابقة على عام 2021، فقد كان جزءًا من القائمة واختلف مع باقى الأطراف، وصدرت منه تصريحات أثارت الغضب ضده، منها التصريح المتماهى مع الرؤية الإسرائيلية، وهو أن «الأسرى الفلسطينيين مخربون وإرهابيون».. يقول عبادى، «ليست اللقطة الأولى ولن تكون الأخيرة، تلك التى ظهر فيها الإخوانى من الأقلية العربية فى إسرائيل، منصور عباس، إلى جوار زعيم يهودى من اليمين المتطرف وحلفائه، بعد لحظات من الموافقة على توليه رئاسة الوزراء ومنحه أغلبية حاكمة فى البرلمان.. اللقطة كشفت عن حقيقة ثابتة، وهى أن الإخوان يتحالفون مع إسرائيل سرًا وجهرًا، رغم مزاعم قياداتهم ومنصاتهم ومنابرهم الإعلامية بالعداء مع الدولة العبرية، التى يصفونها بالكيان الصهيونى لإثارة مشاعر أنصارهم، والوقائع كثيرة، منها ما هو مثبت وخرج للعلن، ومنها ما زال فى إطار السرية، والصفقات بين الجانبين لم ولن تتوقف.
منصور عباس، القيادى الإخوانى، لم يقم باتصالات مع الإسرائيليين من تلقاء نفسه، فالأمور التنظيمية للجماعة لا تسمح باتخاذ قرارات فردية، لأمور خطيرة واستراتيجية مثل هذه دون موافقة التنظيم الدولى، ما يعنى أن القرار صدر من قيادات التنظيم الدولى فى العاصمة البريطانية لندن، لفرع التنظيم فى إسرائيل، وما يدعم ذلك، أن منصور لم يكن الأول، بل سبقه مؤسس الحركة الإسلامية عبدالله نمر درويش، الذى كان يعقد اجتماعات علنية مع رؤساء إسرائيل ورؤساء الحكومات الإسرائيلية علنًا ودون مواربة.. ويضيف عبادى، أن منصور هو أحد تلاميذ عبدالله نمر درويش، ويعتبر امتدادًا لمدرسته، وهى مدرسة تعتمد على سياسة «التقية» لتحقيق مصالح براجماتية ونفعية لحزبه وجماعته، رغم أن تلك السياسة تثير الانقسامات داخل المجتمع العربى فى إسرائيل، مشيرًا إلى أن تصريحات الرجل غير متوازنة، وتعبر عن تناقضات جماعة الإخوان وسياستها، التى تهدف فى النهاية لمصلحة الجماعة والحزب التابع لها، بعيدًا عن أى مصالح وطنية أو عربية.. لذلك، فإن تبريرات منصور لما فلعه بتحالفه مع اليمين، من أنه حقق انتصارًا على نتنياهو وأزاحه من السلطة، رغم أنه يعلم ويدرك أن النظام فى إسرائيل يعتمد على سياسات ثابتة لا تتغير بتغير الأشخاص، مؤكدًا أن ما يقوله منصور، هو محاولة لتجميل صورة الإخوان، بعد أن كشف ما حدث أنها جماعة تلعب على كل الحبال، وتمارس السياسة بطريقة لا أخلاقية أملًا فى الوصول لأقصى مكاسب ممكنة لها ولفصيلها.
●●●
عبر تاريخها الطويل، تُتاجر جماعة الإخوان، بالدين، وتتبنى الخطاب الأصولى، مُدعية حمايتها القضية الفلسطينية، لكن دائمًا ما يظهر من حين إلى آخر وجهها الحقيقى، فى «المغازلة والتودد» للمحتل الإسرائيلى.. فتلعب على دغدغة المشاعر بكلمات المعاناة والرحمة، وتتملق مشاعر الجمهور البسيط بوجه ماكر وكلمات زائفة.. الجماعة التى تلبس دائمًا عباءة الدين، ولا تعرف إلا مصلحتها وأهدافها الوضيعة، وعملها ضد مصر والمنطقة العربية، لا تقف فقط عند حدود التخريب بدعم ونشر الإرهاب، بل أيضًا فى التودد والتقرب إلى دولة الكيان الصهيونى، ولم لا؟، ومؤسس الجماعة الأول تطارده تهم أنه «يهودى»، وكان على اتصال بالحاخامات فى إسرائيل.
منذ نحو سبعين عامًا، وبالتحديد عام 1949، كشف الأديب والمفكر الكبير، عباس محمود العقاد، فى مقال له نشر فى جريدة «الأساس» المصرية، فى عدد 2 يناير من العام سالف الذكر، يهودية مؤسس جماعة الإخوان، حسن البنا، موضحًا أن أصوله مغربية، وشبه دعوات الإخوان بالدعوات الإسرائيلية، حيث جاء فى المقال، «الفتنة التى ابتُليَت بها مصر على يد العصابة التى كانت تسمى نفسها بالإخوان المسلمين، هى أقرب الفتن فى نظامها إلى دعوات الإسرائيليين والمجوس، وهذه المُشابَهة فى التنظيم، هى التى تُوحى إلى الذهن أن نسأل: لمصلحة مَنْ تُثار الفتن فى مصر وهى تحارب الصهيونيين؟!.. السؤال والجواب كلاهما موضع نظر صحيح، ويزداد تأملنا فى موضع النظر هذا، عندما نرجع إلى الرجل الذى أنشأ تلك الجماعة، فنسأل من هو جده؟.. إن أحدًا فى مصر لا يعرف من هو جده على التحديد؟.. وكل ما يقال عنه إنه من المغرب، وإن والده كان «ساعاتى»، والمعروف أن اليهود فى المغرب كثيرون، وأن صناعة الساعات من صناعتهم المألوفة، وإننا هنا فى مصر نكاد نعرف «ساعاتى» كان يعمل بهذه الصناعة، قبل جيل واحد من غير اليهود».
دورية «فلسطين اليوم»، فى عددها الصادر فى فبراير 2013، كشفت عن مخاطبات تمت بين حسن البنا، وحاخامات وكبار الطائفة الإسرائيلية، التى وضح فيها بجلاء، أن الإخوان كانوا على وعى تام بالدور الصهيونى ليهود مصر، وأن موقف يهود مصر اتسم بالغموض والمراوغة من الناحية الرسمية، فلم يتخذوا موقفًا واضحًا ولو ظاهريًا مؤيدًا لعرب فلسطين.. ورغم وضوح موقف يهود مصر الذين هجروا إلى إسرائيل، ودورهم فى قيام دولة الكيان الصهيوني، لم ينس الإخوان علاقتهم الوطيدة بهم، حتى إن القيادى الإخوانى البارز، عصام العريان، خرج قبل وفاته بتصريحات مُستفزة، أثناء فترة حكم المعزول محمد مرسى، فى سدة الحكم، يطالب فيها عودة اليهود المصريين من إسرائيل، واسترداد أملاكهم، ما سيفسح المجال للفلسطينيين للعودة إلى أراضيهم، على حد تعبيره، قائلًا: «كل مصرى له الحق فى العودة لبلده.. وأطالب يهود مصر بالرجوع، لأن بلدهم أولى بهم من إسرائيل»، متسائلًا فى الوقت ذاته «جمال عبدالناصر طردهم ليه؟».. وكان ذلك التصريح أحد غرائب تصريحات قيادات الإخوان، فكيف يخرج أحدهم ويطلب عودة مواطنين عاشوا فى أحضان الكيان، وأصبحوا جزءًا من الصهيونية؟!.. كما أقحم فى حديثه الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، رغم أنه لا يوجد أى دليل تاريخى يُقر بأن ناصر طرد اليهود من مصر.. وتعرضت الجماعة التى كانت تحاول مُغازلة الكيان الصهيونى، على غرار كلمات المعزول مرسى «عزيزى شيمون بيريز» للهجوم، واعتبر عدد كبير من المحللين حينها، أن عودة اليهود لمصر يترتب عليه، إن حدث، تعويضات ضخمة من الدولة.
وقد خرج المذيع الإخوانى، محمد ناصر، فى حلقة من برنامجه على قناة «مكملين»، ليغازل أيضًا اليهود ودولة الكيان الصهيونى، بعدما ادعى أنه شاهد فيلمًا تسجيليًا لسيدة يهودية إسرائيلية من أصل مصرى، وهى تتكلم مثل المصريين، وإنها تأكل الملوخية وتحبها وتكره عبدالناصر، وتتكلم عن تلك الحقبة بكل مرارة، مدعية أن عبدالناصر أخذ أموالهم،.. وهى بالطبع ادعاءات لا أصل لها ولا دليل عليها، مؤكدًا فى الآن ذاته، أن لهؤلاء اليهود الحق فى المطالبة بتعويضات كبيرة، وأنه من الممكن أن تتبنى تركيا حملة من أجل هذا الأمر!!
●●●
يوجد فيلم وثائقى، يرصد طبيعة العلاقة بين الإخوان وإسرائيل، نشرت الباحثة المتخصصة فى تحليل الخطاب الإعلامى الإسرائيلى، الدكتورة رانيا فوزى، فى الذكرى العاشرة لفض اعتصامى رابعة والنهضة، يرصد لقاءات بين قادة الإخوان وإسرائيل.. كشفت رانيا، خلال الفيديو الذى نشرته عبر صفحتها على «فيسبوك» عن رصد إسرائيل أحداث الخامس والعشرين يناير «وهروب عناصر حماس من السجون المصرية، ومنهم أيمن نوفل، المُلقب بفأر الأنفاق، مرورًا بصعودهم لسدة الحكم، وكيف كانت إسرائيل على علم بالمخطط الأمريكى لتأجيج الثورة فى مصر، مع الاتفاق المسبق مع جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية على ضمان أمن وأمان إسرائيل».. وتتضمن الفيلم مشاهد من لقاءات لقيادات جماعة الإخوان الإرهابية، ومنهم المنشق عبدالمنعم أبوالفتوح مع قنوات إسرائيلية قبل الثورة، وتحديدًا فى عام 2009، وكيف أنه دعا الفلسطينيين للاعتراف بإسرائيل، فى حين أنه بعد الثورة وإعلان ترشحه للرئاسة، وصفها بـ«العدو»، وكذلك عصام العريان الذى خرج يوم الثالث من فبراير 2011، قبل تنحى مبارك بأيام، على إحدى القنوات الإسرائيلية، يتحدث عن إخضاع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل إلى الاستفتاء الشعبي، فى حين بعد وصول الجماعة الإرهابية سدة الحكم دعا اليهود ليفسحوا مكانًا للفلسطينيين ويعودوا مجددًا إلى مصر!!
كما رصدت الباحثة، تبادل الرسائل العلنية والسرية بين إسرائيل وقيادات الإخوان، وكيف أبدى الإخوان استعدادهم لضمان أمن وأمان إسرائيل بعد صعودهم للحكم، وفى المقابل، تم رصد تصريحاتهم السلمية على لسان محمد بديع أثناء إدلائه بصوته فى الانتخابات، بالتأكيد على المحاورة بالكلمة الطيبة وليس بالخرطوش، بينما استخدموا السلاح فى اعتصام رابعة والنهضة، وقاموا بالعمليات الإرهابية فى سيناء بعد عزل مرسى.. ورصدت الباحثة تصريحات عوزى أراد، مستشار نتنياهو عام 2011، وكيف أنه كان فى البيت الأبيض يوم سقوط مبارك، وكشف أن عزل مبارك وتأييد ثورة الخامس والعشرين من يناير، كان بدعم من الأمريكان، تمهيدًا لصعودهم لسدة الحكم، تنفيذًا لمخطط إسقاط الدول العربية فى وحل الربيع العربى والفوض الخلاقة!!
وبما أنه من المعروف، أن وجود مصر فى حالة ضعف، هو حرص إسرائيلى مستمر.. فعندما كان الإخوان متواجدين فى السلطة، أدخلوا مصر فى حالة من الاضطراب والتطرف وتشرذم المجتمع، وبالتالى سينصرف المجتمع إلى الاهتمام بشئونه الداخلية، وتتحول مصر إلى دولة فاشلة منغمسة فى مشاكلها الداخلية، ولا تستطيع تنمية قدرات الدولة الشاملة، سواء القدرة الاقتصادية أو العسكرية التى تجعل من مصر فى مكانتها الإقليمية، والمطالبة بالقضايا العربية.. وكان وجود الإخوان فى الحكم يمنح إسرائيل قدرة الحفاظ على اغتصابهم حقوق الشعب الفلسطينى.. لقد سبق لجماعة الإخوان أن عقدت اتفاقًا مع اسرائيل بتسليم جزء من صحراء سيناء لتسكين الفلسطينيين بها، وأن مثل هذا الاتفاق يؤكد أن جماعة الإخوان المسلمين مستعدة للتحالف مع الشيطان، فى سبيل تحقيق أهدافها والتواجد على الساحة السياسية والوصول إلى الحكم.
●●●
وبما أن الإخوان قد سقطت عنها ورقة التوت، وانفضح أمرها بين العالمين، فكان على إسرائيل أن تعتمد على نفسها، إلى حين.. وهذا ما كشفته الخبيرة فى تحليل الخطاب الإعلامى الإسرائيلى، الدكتورة رانيا فوزى، صاحبة الفيلم التسجيلى عن لقاءات قادة الإخوان بالإسرائيليين، ولكن هذه المرة، من خلال نص الوثيقة الاستراتيجية الإعلامية، التى تنتهجها الدبلوماسية العامة الإسرائيلية ضد العالم العربى وخصوصًا مصر.
كشفت الوثيقة عن سياسة إسرائيل الإعلامية بكل أذرعها، سواء بوزارة الخارجية أو المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى، وكل الدوائر التى تعمل فى مجال الحروب النفسية ضد العالم العربى، فى شعبة الاستخبارات العسكرية، لضمان اختراق العالم العربى وتحسين صورة إسرائيل، والعمل على تشويه صورة القيادات العربية فى أعين شعوبها.. وحسبما كشف نص الوثيقة السرية التى تنتهجها إسرائيل فى حروبها الإعلامية الموجهة بالأساس ضد مصر، والدول العربية، بما فيها الدول الخليجية، فإن مدير عام الخارجية الإسرائيلية، عوديد يانون، وضع هذه الوثيقة السرية ونشرها فى مجلة Kivunim الصهيونية، وتحديدًا فى العاشر من يوليو 1983، أى بعد عام من استكمال الانسحاب الإسرائيلى من سيناء، خصيصًا للحروب النفسية عبر الإعلام ضد مصر والدول العربية التى جاء فى نصها، أن الوسائل فى تحقيق ذلك، هى: الضغط على الإعلاميين فى العالم.. مضايقة الزعماء العرب.. إجراءات الترهيب.. نشر المواد المزيفة.. تحريف كلام الشخصيات العربية فى الخارج.. الابتزاز غير اليهودى.. بهدف تشويه سمعة وتضليل الشخصيات الرئيسية فى العالم العربى.. إثارة التوترات والمخاوف.. والتأكيد على حقيقة أن إسرائيل يمكن أن تلجأ إلى إجراءات وأساليب قاسية ومجنونة.. دون أى تردد ودون أى تحفظ مادى أو أخلاقى!!
وتشير الدكتورة رانيا فوزى، فى استعراض ما ورد فى هذه الوثيقة نصًا، حول الحروب النفسية ضد العالم العربى عبر الإعلام، أنها قد ورد فيها «استخدام أى خبر أو مقال عربى ضد شخصية أو منظمة أو دولة عربية بكل الوسائل على الفور، والتشهير والتضليل تجاه الشخصيات الرئيسية فى العالم العربى، فى كل فرصة وتحريضهم ضد بعضهم، والاستفادة من كل موقف حاد وإشكالى فى الدول العربية لخلق التوترات.. كذلك زيادة حدة الاحتكاكات الجوهرية بين الدول العربية والأفراد بمختلف الوسائل، بما فى ذلك الابتزاز العلنى، مع العمل على الكشف عن الحقائق غير السارة فى العالم العربى لبعض القطاعات العربية.. وكذلك التأكيد بشكل خاص على حقائق التعايش بين العرب والإسرائيليين، بمن فيهم عرب المناطق المحتلة.. والعمل على استخدام مضامين الثقافة واللغة العربية لأغراض الدعاية والخداع السياسى بكل الوسائل، وخصوصًا فى أوقات التوتر والطوارئ، حتى بين الدول العربية.. تقديم إسرائيل فى صورة إيجابية، إنسانية، ولكن بشكل خاص، باعتبارها أقوى قوة فى المنطقة إلى الأبد، بغض النظر عما سيفعله العرب ضدنا، وما هى الإجراءات التى سيتخذونها.. والتأكيد على أن إسرائيل يمكن أن تلجأ إلى إجراءات وأساليب قاسية ضد الدول العربية ومصالحها دون أى تحفظات.. والترهيب وكشف حقائق حول معاملة إسرائيل للإرهابيين، حتى لو لم تكن هناك صحة فى ذلك، لأغراض الحرب النفسية فقط، وبالوسائل للعالم العربى بشكل عام».
إلا أن مصر خصوصًا، تنال نصيب الأسد من حروب جديدة تتعرض لها من قِبل إسرائيل، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تستهدف فئة الشباب.. إذ إن المحددات الاستراتيجية لخطاب الدبلوماسية الرقمية الإسرائيلية نحو مصر؛ تستهدف استقطاب الشباب المصرى على مواقع التواصل الاجتماعى بشتى الطرق، فى محاولة منهم لتغيير قناعاته الراسخة إزاء عدائية إسرائيل لمصر، حيث تراهن إسرائيل على أن المصريين محدودو الثقافة، لكن الواقع على النقيض من ذلك، فالمصريون يتابعون العمليات العسكرية ضد الفلسطينيين وسقوط الضحايا من المدنيين وغيرهم، وبالتالى لا جدوى من الاستمالات العاطفية لدفع المصريين للتطبيع.. وتشمل الخطة الإعلامية الإسرائيلية المرسومة لحروب الوعى ضد مصر، وفق ما ورد فى الوثيقة السرية لمدير عام فى الخارجية الإسرائيلية، التشديد على التوترات الداخلية فى مصر، وزيادة حدة التوترات والغليان عند اكتشافها.. التشهير بشخصيات مصرية فى عيون شعبهم بوسائل علنية أو سرية.. كشف حقائق صعبة عن الحكومة المصرية وقادة السلطة.. التأكيد على أن كل الإنفاق على التسلح مقابل الفقر والضغط السكانى، وتقديم بديل السلام بصورة ملموسة للشعب المصرى، لتحسين كل حياة المصريين إذا ما توقفت مصر عن الحرب.. إلا أن محاولات إسرائيل على أرض الواقع، غير ذات جدوى، لأن الصورة المحفورة فى أذهان المصريين، لا سيما فئة الشباب الرافض للتطبيع، لا تتغير فى تعريفها العلمى نحو الأفراد والمؤسسات إلا بتغيير السلوك.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين