رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوكرانيا تنتقم فى سوريا.. وبوتين يفاوض المتمردين!

تلقى المتمردون السوريون، الذين وصلوا إلى السلطة فى دمشق نهاية الأسبوع الماضى، طائرات بدون طيار ودعمًا آخر من عملاء المخابرات الأوكرانيين، الذين سعوا إلى تقويض روسيا وحلفائها السوريين، وفقًا لمصادر مطلعة على الأنشطة العسكرية الأوكرانية فى الخارج.. وقالت هذه المصادر إن المخابرات الأوكرانية أرسلت نحو عشرين من مشغلى الطائرات بدون طيار ذوى الخبرة، وحوالى 150 طائرة بدون طيار، إلى مقر المعارضة فى إدلب بسوريا قبل أربعة إلى خمسة أسابيع لمساعدة هيئة تحرير الشام، وهى جماعة المعارضة الرئيسية التى تتخذ من هناك مقرًا لها.. وتعتقد مصادر استخباراتية غربية أن المساعدات من كييف لعبت دورًا فى الإطاحة بالرئيس السورى، بشار الأسد.. لكنها كانت ملحوظة كجزء من جهد أوكرانى أوسع نطاقًا، لضرب العمليات الروسية فى الشرق الأوسط وإفريقيا وداخل روسيا نفسها.
كان برنامج المساعدة الأوكرانى فى سوريا سرًا مكشوفًا، على الرغم من أن كبار مسئولى إدارة بايدن قالوا مرارًا وتكرارًا، إنهم لم يكونوا على علم بذلك.. ودافع أوكرانيا واضح: فى مواجهة هجوم روسى داخل بلادهم، بحثت المخابرات الأوكرانية عن جبهات أخرى يمكن أن تتسبب فيها فى كسر أنف روسيا وتقويض عملائها.. وقد أعلن الأوكرانيون عن نواياهم.. إذ نقلت صحيفة Kyiv Post، فى مقال نشر فى الثالث من يونيو الماضى، عن مصدر فى جهاز المخابرات العسكرية الأوكرانى، المعروف باسم «جور»، إنه «منذ بداية العام، شن المتمردون السوريون، بدعم من عملاء أوكرانيين، ضربات عديدة على المنشآت العسكرية الروسية فى المنطقة».. ويشكو المسئولون الروس منذ أشهر، من الجهود شبه العسكرية الأوكرانية فى سوريا.. إذ قال ألكسندر لافرينتييف، الممثل الخاص لروسيا فى سوريا، فى مقابلة أجريت مع وكالة تاس: «لدينا بالفعل معلومات تُفيد بأن المتخصصين الأوكرانيين من مديرية المخابرات الرئيسية فى أوكرانيا، موجودون على أراضى إدلب».
وكان وزير الخارجية الروسى، سيرجى لافروف، قد قال كلامًا مُشابهًا فى سبتمبر بشأن «مبعوثى المخابرات الأوكرانيين» فى إدلب.. وأشار إلى أنهم كانوا يجرون «عمليات قذرة»، وفقًا لصحيفة «الوطن» السورية، التى أكدت أن اللفتنانت جنرال، كيريلو بودانوف، رئيس حكومة التحرير الشعبية، كان على اتصال شخصيًا بهيئة تحرير الشام.. وقبل أن يطيح هجوم هيئة تحرير الشام بالأسد، أكد المسئولون الروس أن صلة أوكرانيا بالجماعة المتمردة، كانت محاولة لتجنيد مقاتلين سوريين لحربها ضد الكرملين.. وزعم تقرير صدر فى سبتمبر فى موقع إلكترونى يسمى The Cradle، أن أوكرانيا عرضت خمسة وسبعين طائرة بدون طيار فى صفقة «طائرات بدون طيار مقابل مقاتلين» مع هيئة تحرير الشام.. لكن لا يوجد أى دليل مستقل يدعم هذا الادعاء الروسى.
ومن الواضح أن روسيا فوجئت بالتقدم السريع لهيئة تحرير الشام فى دمشق.. ولكن من المثير للاهتمام أن المصادر الروسية حاولت التقليل من الدور الأوكرانى.. ونقل مقال نُشر فى الثانى من ديسمبر الحالى، فى Middle East Eye، عن حساب روسى على «تليجرام»، قيل إنه يعكس وجهات نظر الجيش الروسى، قلل من مساعدة كييف: «أولًا، قام أعضاء جور بزيارة إدلب، لكنهم بقوا هناك لفترة قصيرة فقط»، وهو ما لا يكفى لتدريب السوريين على تشغيل الطائرات بدون طيار» UAV، من نقطة الصفر.. و«ثانيًا، لطالما كان لدى هيئة تحرير الشام برنامج طائرات بدون طيار خاص بها».
العملية السورية ليست المثال الوحيد لعمل المخابرات العسكرية الأوكرانية فى الخارج لمضايقة العملاء الروس.. إذ ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية BBC فى أغسطس، أن أوكرانيا ساعدت المتمردين فى شمال مالى فى نصب كمين للمرتزقة الروس من مجموعة فاجنر.. وقالت هيئة الإذاعة البريطانية إن هجوم السابع والعشرين من يوليو، أسفر عن مقتل أربعة وثمانين من عناصر فاجنر.. وأشاد أندريه يوسف، المتحدث باسم الحزب الوطنى الثورى، بعملية مالى بعد عدة أيام، قائلًا إن المتمردين الماليين «تلقوا المعلومات الضرورية، وليس فقط المعلومات التى مكنت من إجراء عملية عسكرية ناجحة ضد مجرمى الحرب الروس»، ووفقًا لـBBC فإنه بعد الهجوم، قطعت مالى علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا.. وقد تعهد بودانوف، فى أبريل 2023، بأن أوكرانيا ستلاحق الروس المذنبين بارتكاب جرائم حرب «فى أى جزء من العالم».
ومثل غزوات أوكرانيا فى إفريقيا وهجومها على منطقة كورسك داخل روسيا، تعكس العملية السرية فى سوريا محاولة لتوسيع ساحة المعركة، وإلحاق الأذى بالروس فى المناطق التى ليسوا مستعدين فيها.. صحيح، لم تكن مساعدات أوكرانيا بالطائرة بدون طيار، هى «القشة التى كسرت ظهر ذلك البعير»، إذا جاز التعبير.. لكنها ساعدت، بطريقة صغيرة على الأقل، فى إسقاط أهم عميل لروسيا فى الشرق الأوسط.. ومثل فشل إسرائيل فى توقع اجتياح حماس عبر السياج الحدودى من غزة فى السابع من أكتوبر 2023، رأت روسيا المتمردين المدعومين من أوكرانيا قادمين، لكنها لم تستطع التعبئة لوقف الهجوم ومنع العواقب المدمرة.
●●●
أدى سقوط الرئيس السورى بشار الأسد إلى ارتباك داعمه الرئيسى، روسيا، وكشف عن حدود القوة العسكرية للكرملين ونفوذه العالمى.. ولكن بالنسبة للرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، فإن خسارة أقرب حلفائه فى الشرق الأوسط قد لا تكون سوى انتكاسة مؤقتة، فى سعيه إلى تحقيق جائزة جيوسياسية أعظم: الانتصار فى أوكرانيا.. يقول المحللون العسكريون والسياسيون إن الفوز بالحرب فى أوكرانيا أصبح هدفًا شاملًا بالنسبة لبوتين.. هذه النتيجة من شأنها أن تبرر للزعيم الروسى الخسائر البشرية والاقتصادية الهائلة التى تكبدها نتيجة للصراع، وتحمى دولة روسيا ومكانتها العالمية، وتعوِّض عن الإخفاقات الاستراتيجية فى أماكن أخرى، مثل سوريا.. وقد كتب ألكسندر بونوف، المحلل السياسى فى مركز كارنيجى روسيا- أوراسيا، وهى مجموعة بحثية: «إن رهان بوتين على الحرب فى أوكرانيا مرتفع للغاية، لدرجة أن الانتصار هناك من شأنه أن يجلب لروسيا مكافأة تاريخية: إما كل شىء أو لا شىء».. «إذا كان يعتقد أن مصير العالم يتقرر فى دونباس، فإن مستقبل سوريا سيتقرر هناك أيضًا».
فى الأمد القريب، وبينما تناور موسكو للحفاظ على قواعدها العسكرية فى سوريا، قد يُكثف بوتين هجومه المُكلف فى أوكرانيا لاستعادة بعض الهيبة.. وقد دعا المعلقون الروس- المؤيدون للحرب- بوتين إلى القيام بذلك على وجه التحديد، فى حين طالبوا أيضًا بشروط سلام أكثر صرامة فى أوكرانيا، لتجنب نوع وقف إطلاق النار غير الحاسم، الذى أدى فى نهاية المطاف إلى سقوط الأسد.. ومن شأن السيناريوهين أن يعقدا وعد إدارة دونالد ترامب القادمة، بإنهاء القتال فى أوكرانيا بسرعة.. ومع انهيار نظام الأسد، سخر الرئيس المنتخب دونالد ترامب من روسيا لفشلها فى إنقاذ حليفها، ودعا بوتين إلى التوصل إلى اتفاق بشأن أوكرانيا، دون أن يوضح كيف قد يبدو هذا الاتفاق.. وكتب ترامب على منصته للتواصل الاجتماعى Truth Social: «روسيا فى حالة ضعف الآن بسبب أوكرانيا والاقتصاد السيئ.. أنا أعرف فلاديمير جيدًا.. هذا هو وقته للتحرك».. وأشار المحللون إلى أن إحدى السمات الأكثر ثباتًا فى حكم بوتين الغامض، الذى دام خمسة وعشرين عامًا، هى نفوره من التصرف من مواقف ضعف واضحة أو الخضوع للضغوط الخارجية.
كانت أوصاف بوتين لكيفية تحقيق النصر الروسى فى أوكرانيا غامضة على الدوام.. وبحلول العام الماضى، تخلى الجيش الروسى عن محاولاته لشن هجمات كبرى، من شأنها أن تطيح بالدولة الأوكرانية.. وركز بدلًا من ذلك على شرق أوكرانيا، فمارس فى الوقت نفسه ضغوطًا على قوات كييف فى أجزاء متعددة من الجبهة، وقصف المدن الأوكرانية والبنية الأساسية الحيوية.. وفسر الخبراء العسكريون هذه الاستراتيجية على أنها محاولة لاستنزاف الجيش والمجتمع الأوكرانى، وإجبار كييف على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.. ولقد أشار بوتين ضمنًا، إلى أن أى اتفاق سلام لا بد وأن يسمح لروسيا بالاحتفاظ على الأقل بالأراضى التى احتلتها بالفعل، وأن يضمن حياد أوكرانيا العسكرى، أى عدم انضمامها إلى حلف شمال الأطلسى.. كما تريد روسيا قمع القدرة العسكرية لأوكرانيا.. وقال بوتين فى منتدى فى جنوب روسيا الشهر الماضى: «لا ينبغى لنا أن نتحدث عن وقف إطلاق النار لمدة نصف ساعة أو نصف عام، حتى يتمكنوا من إعادة إمداد الذخيرة»، فى إشارة إلى أوكرانيا، التى رفضت مرارًا، أى شروط سلام من شأنها إضفاء الطابع الرسمى على خسارة أراضيها، أو منع البلاد من السعى للحصول على عضوية حلف شمال الأطلسى.. وعلى المدى القريب، قد يؤدى التراجع الذى مُنيت به موسكو فى سوريا، إلى تقليص مساحة التوصل إلى تسوية بشكل أكبر.
بالنسبة لبعض المحللين الروس، فإن النقاش حول رد فعل بوتين المحتمل على سقوط الأسد، يخفى درسًا أكثر أهمية من الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ ثلاثة عشر عامًا: «صعوبة الفوز فى صراع طويل الأمد».. لقد أثبتت الحملة العسكرية الروسية لحشد أعداء الأسد فى جيوب أنها غير مجدية فى نهاية المطاف، وهو وهم النصر الذى قد يتردد صداه فى أوكرانيا.. وفى مقال كتبه رسلان بوخوف، الخبير العسكرى الروسى البارز، عن سوريا لصحيفة Sant Kommer الروسية، قال:  «فى عالمنا الحديث، لا يمكن تحقيق النصر إلا فى حرب سريعة وقصيرة.. إذا لم تتمكن من تأمين نجاحك فى المجال العسكرى والسياسى، فسوف تخسر فى النهاية، بغض النظر عما تفعله».. وهذا صحيح.
●●●
قبل ما يقرب من سبع سنوات بالضبط.. وقف الرئيس فلاديمير بوتين مع القوات الروسية فى قاعدتها الجوية فى سوريا، وأعلن بفخر النصر على «الإرهابيين» فى ذلك البلد، كجزء من التدخل العسكرى للكرملين لدعم حكومة بشار الأسد فى خضم الحرب الأهلية.. وفى نهاية الأسبوع الماضى، أصبحت تلك المكاسب التى تحققت بشق الأنفس، مجرد ذكرى بعيدة.. فقد فر الأسد على عجل إلى موسكو، بعد أن انهارت سلطته خلال الهجوم الخاطف الذى شنته المعارضة المسلحة، والذى لم يتمكن حلفاؤه الدوليون الرئيسيون، روسيا وإيران، من وقفه.. لقد كشف فشل الكرملين فى منع سقوط الأسد السريع عن حدود قوة روسيا، وأضعف نفوذها الدولى فى مرحلة محورية من حربها فى أوكرانيا.
مع سقوط الأسد، أصبح مستقبل القواعد الروسية فى سوريا- موطئ قدمها العسكرى الوحيد خارج الاتحاد السوفييتى السابق- موضع تساؤل.. لقد تقلص عدد الطائرات الحربية الروسية فى قاعدة حميميم الجوية، من بضع عشرات إلى بضع طائرات فقط، على الرغم من أنها لا تزال تشكل نقطة لوجستية رئيسية، تستخدمها طائرات الشحن العسكرية الروسية، التى تنقل المقاتيلن الخاصين والإمدادات إلى إفريقيا، للتزود بالوقود، وفقدانها من شأنه أن يفرض مشاكل لوجيستية على العمليات هناك.. وقال الخبير فى شئون الشرق الأوسط، نيكولاى سوخوف، المقيم فى موسكو: «كانت أهمية سوريا بالنسبة لعمليات روسيا فى إفريقيا لا تقدر بثمن».. وتستخدم السفن الحربية الروسية قاعدة طرطوس البحرية للصيانة والتزود بالوقود، وتجديد الإمدادات أثناء زياراتها إلى البحر الأبيض المتوسط.. وفى حين اجتاحت قوات المعارضة التى أطاحت بالأسد سوريا، أجرت البحرية والقوات الجوية الروسية تدريبات فى شرق البحر الأبيض المتوسط، وكانت طرطوس مركز عملياتها.
وبينما منح بوتين الأسد وعائلته حق اللجوء فى روسيا، تواصلت موسكو مع السلطات السورية الجديدة لمحاولة ضمان أمن قواعدها وتمديد إقامتها.. وسرعان ما تم رفع علم المعارضة على السفارة السورية فى موسكو.. وقال المتحدث باسم الكرملين، ديميترى بيسكوف، ردًا على سؤال بشأن القواعد، إنها ستكون موضوع مناقشات مستقبلية مع السلطات الجديدة.. وقال: «إننا نشهد الآن فترة من التحول وعدم الاستقرار الشديد، لذا فمن الواضح أن الأمر سيستغرق وقتًا وسيتطلب محادثة جادة مع أولئك الذين سيتولون السلطة».. وتقول التقارير إن القادة السوريين الجدد وعدوا بعدم مهاجمة المنشآت العسكرية الروسية.. وأشارت برونوين مادوكس، المديرة والرئيسة التنفيذية فى Chatham House، إلى أن «أى حكومة تنشأ فى دمشق من المتوقع- فى الوقت الحالى  أن تحترم الاتفاق الذى توصل إليه الأسد، والذى يمنح روسيا استخدام قاعدة عسكرية على الساحل السورى».. لكنها أضافت أن «هذا الأصل المهم مُعرض للخطر»، وهو ما يعرض نفوذ روسيا الإقليمى للخطر.
لقد وجه سقوط الأسد السريع ضربة قوية لبوتين، فى وقت يستعد فيه لإدارة أمريكية جديدة، وما يعنيه ذلك بالنسبة للحرب فى أوكرانيا. وقد تعهد الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، بالتفاوض لإنهاء الصراع.. ويشير العديد من المراقبين، إلى أن الخسارة المُهينة لحليف روسيا الوحيد فى الشرق الأوسط، قد أضعفت مكانة الكرملين على الساحة العالمية، وقد تضعف يد بوتين فى أى مفاوضات بشأن أوكرانيا.. وفى تعليق لها، كتبت تاتيانا ستانوفايا، من مركز كارنيجى روسيا وأوراسيا، أن «القضية الرئيسية، هى كيف ستحاول موسكو الآن التكيف مع الحقائق الجديدة؟.. وما إذا كانت ستتمتع بالمرونة الكافية للتعامل مع الأسياد الجدد فى سوريا، الذين يبدو أنهم مهتمون بتجنب الصراع مع موسكو فى الوقت الحالى».. وهناك أيضًا احتمال أن يتخذ بوتين موقفًا أكثر تشددًا فى المفاوضات، لتجنب الظهور بمظهر الضعيف.. وأضافت ستانوفايا أن «انهيار الأسد هز بوتين أيضًا، مما جعله أقل ميلًا لإظهار المرونة فى التعامل مع أوكرانيا.. لقد كلفته الحرب فى أوكرانيا، إلى حد ما، سوريا، وهو ما يعزز عدم رغبته فى تقديم تنازلات».
●●●
على أى حال، يبدو أن روسيا تتجه إلى الدبلوماسية للحفاظ على نفوذها فى سوريا، حيث انخرطت فى موجة من التواصل مع المتمردين، الذين وصفتهم بالإرهابيين قبل أيام فقط.. وقال المتحدث باسم الكرملين، دميترى بيسكوف، إن السلطات الروسية تتخذ كل «الخطوات اللازمة، لإقامة اتصال فى سوريا مع الجهات القادرة على ضمان أمن القواعد العسكرية»، القاعدة الجوية الكبيرة فى شمال غرب سوريا، والمنشأة البحرية فى ميناء طرطوس على البحر الأبيض المتوسط.. وفى وقت سابق، قال مصدر فى الكرملين، لوسائل إعلام روسية رسمية، إن زعماء المعارضة السورية وافقوا على ضمان سلامة القواعد العسكرية والمؤسسات الدبلوماسية الروسية فى سوريا، إذ تتمتع القاعدتان بأهمية كبيرة بالنسبة لروسيا: فمنشأة طرطوس تمنح فلاديمير بوتين القدرة على الوصول إلى ميناء فى المياه الدافئة، فى حين استخدمت موسكو قاعدة حميميم الجوية، كنقطة انطلاق لنقل المقاتلين العسكريين التابعين لها داخل وخارج إفريقيا.. ويقول المراقبون إن السؤال الرئيسى الآن هو: ما إذا كانت روسيا ستتمكن من التوصل إلى اتفاق مع القادة الجدد فى سوريا للاحتفاظ بقواعدها؟.
يقول دارا ماسيكوت، الزميل فى مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى: «أفترض أن روسيا تريد الاحتفاظ بقواعد إذا استطاعت من خلال المفاوضات.. الموارد التى يمكنها تقديمها: المال، والمُقايضة، والنفط والغاز، والمرتزقة المحدودين.. ما يهم هو ما إذا كان التحالف السورى سيقبل أى شىء منهم».. واعتبارًا من يوم الإثنين الماضى، ظلت معظم الأصول العسكرية الروسية فى القاعدتين، و«إذا حدث الإخلاء، فسيكون ذلك واضحًا».. ولم يقدم الكرملين الكثير من التفاصيل حول مستقبل القواعد، مشيرًا إلى أنه من السابق لأوانه، تحديد ما ينتظر وجوده العسكرى فى سوريا.. ولكن فى الخلفية، يبدو أن المسئولين الروس أطلقوا حملة تواصل تستهدف القادة الذين أطاحوا بالأسد.. وخلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، خففت موسكو ووسائل الإعلام التى تسيطر عليها الدولة، بشكل ملحوظ، من خطابها تجاه جماعة هيئة تحرير الشام الإسلامية.. وانتقلت وكالتا الأنباء الروسيتان الرائدتان، ريا نوفوستى وتاس، من وصف هيئة تحرير الشام بأنها «إرهابية» إلى وصفها بأنها «معارضة مسلحة».. والتناقض واضح: فقبل أيام قليلة فقط، خلال مؤتمر صحفى فى الدوحة، أكد وزير الخارجية الروسى، سيرجى لافروف، بغضب واضح، أن هيئة تحرير الشام هى منظمة إرهابية مدعومة من الغرب «ولا ينبغى السماح لها بالاستيلاء على الأراضى فى سوريا».. وفى إشارة أخرى إلى حرص روسيا على التواصل مع القيادة الجديدة فى دمشق، رفعت السفارة السورية فى موسكو العلم ذا النجوم الثلاث الخاص بالجماعات المتمردة السورية.. وفى سياق آخر، وجّه السفير السورى فى موسكو انتقادات لاذعة للأسد فى مقابلة مع قناة روسيا اليوم، حيث قال: «إن هروب رأس هذا النظام بهذه الطريقة البائسة والمذلة.. يؤكد صحة التغيير ويجلب الأمل فى فجر جديد».
ويبدو أن التحول فى النهج الروسى قد أثمر بعض الثمار المبكرة.. فعلى النقيض من إيران، التى تعرضت سفارتها فى دمشق للنهب، ظلت سفارة موسكو على حالها.. وذكرت وكالة تاس نقلًا عن مصادر سورية، أن المعارضة «ليست لديها خطط لاختراق» القاعدتين العسكريتين الروسيتين.. وأشار مراقبون إلى أن موسكو قد تتبنى استراتيجية فى سوريا، مماثلة لنهجها مع طالبان، التى صنفت كمنظمة إرهابية منذ عام 2003، لكن الكرملين استقطبها بعد استيلائها على السلطة فى أفغانستان عام 2021.. وقال نيكولاى سوكوف، الدبلوماسى الروسى والسوفيتى السابق، والباحث البارز فى مركز فيينا لنزع السلاح ومنع الانتشار: «إن موسكو تفضل التعامل مع أولئك الذين يتمتعون بالسلطة والسيطرة، وتتخلص من أولئك الذين يفقدونها».. وهذا يترك الأسد فى موقف غير ذى أهمية فى العاصمة الروسية، بعد أن أصبح غير مفيد بالنسبة لبوتين!!.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.