إنقاذ علماء سوريا!
قبل حوالى 20 عامًا، وبعد سقوط حكم الرئيس العراقى صدام حسين، بدأت عمليات اغتيال العلماء العراقيين واحدًا تلو الآخر، وكل من بقى داخل العراق طالته يد الغدر، وفى الأمس، أى بعد 24 ساعة فقط من سقوط حكم الرئيس بشار الأسد، قُتل أول عالم سورى، وهو الدكتور حمدى إسماعيل ندى، عالم الكيمياء المتخصص فى صناعة الأدوية، وبعده بساعات اغتيلت الدكتورة زهرة الحمصية، عالمة الذرة الميكروبيولوجية السورية بمنزلها. وهكذا، سوف نشهد يوميًا حوادث اغتيال لعلماء سوريا الواحد تلو الآخر، وكما دمر العدو سلاح الجيش السورى كاملًا، لن يتهاون فى التخلص من العقول السورية، فهم صُناع المستقبل وأمل سوريا فى العودة إلى الحياة مرة أخرى.
من أخطر مظاهر الفراغ الأمنى التى شهدها العراق بعد سقوط النظام هو سيطرة الجماعات المسلحة على العديد من المناطق، إلى جانب القوات الأجنبية، الأمريكية والبريطانية فى معظمها، مما خلق بيئة فوضوية سهلت لأجهزة المخابرات تنفيذ هذه الاغتيالات دون الخوف أو محاسبة، فلا أمن ولا أمان بعد سقوط الحكم وتسريح الجيش.
والعلماء فى كل العصور هم ملك للبشرية جمعاء، وليسوا ملكًا لأوطانهم فقط، ولكن السياسة الصهيونية لا تعرف العلم ولا تهتم بالبشرية، وتضع مصلحتها فوق كل اعتبار، وبالقطع، يضع جهاز الموساد، الذى يرتع الآن داخل الأراضى السورية، مصلحته فوق كل اعتبار أيضًا، وهدفه الأساسى هو القضاء على مستقبل سوريا وضمان عدم قيامها مرة أخرى، وكم من عقول كانت ستفيد البشرية غيبت بالقتل على أيدى أجهزة مخابرات دول الشر المتربصة بالأمة العربية.
كان الانتقام السياسى بعد رحيل حكم حزب البعث العراقى من الأسباب التى ساهمت فى عمليات الاغتيال، لكنه كان السبب الأقل أهمية، والحقيقة أن الكثير من العلماء العراقيين كانوا مرتبطين بالبرنامج العسكرى وتطوير الأسلحة العراقية، فكان الهدف واضحًا أمام الموساد والـ CIA وغيرهما.
وبالطبع، حاول بعض الجهات استغلال الظرف العراقى لنقل الخبرات العلمية والتكنولوجية التى يتمتع بها العلماء العراقيون إلى خارج البلاد، لا سيما فى مجالات حساسة، مثل الطاقة والصناعات المتقدمة، وقد نجح بعض العلماء العراقيين فى الهروب إلى الخارج بحثًا عن الأمان، مما تسبب فى فقدان الكثير من الكفاءات.
بينما طالت الاعتداءات الهمجية للتنظيمات المسلحة أيضًا العديد من المراكز والمختبرات البحثية، مما ألحق ضررًا جسيمًا بالبنية التحتية للبحث العلمى فى العراق.
وبالطبع، فشلت الحكومات العراقية فى حماية علمائها، وأصيب المجتمع العلمى بالإحباط، وكاد العراق يفقد القدرة على النهوض، رغم قدراته المالية الكبيرة التى يتمتع بها كثانى أكبر منتج للبترول فى العالم.
وللسوريين أيضًا خبرات كبيرة فى مجالات حيوية، مثل الطاقة النووية والكيمياء والهندسة والزراعة وغيرها، مما يجعلهم أهدافًا مغرية لأطراف عديدة فى الصراع السورى. ولكن للأسف، فإن الوضع الأمنى المنهار فى سوريا يسهل تنفيذ عمليات الاغتيال ويزيد من التهديدات التى يواجهها العلماء.
بعض الدول الإقليمية تسعى أيضًا إلى استقطاب الخبرات السورية بدلًا من حمايتهم، ما يرفع من احتمالات استهداف العلماء أو اختطافهم؛ للاستفادة منهم، وهذا يزيد من احتمالية تكرار مأساة العراق، ويزيد من قتامة المشهد السورى فى الحاضر والمستقبل.