مصر العظيمة المتماسكة
فى اللحظة الراهنة، اللحظة القاسية الملتبسة العاجلة بإيقاع الحرب والاضطراب الكبير، يشعر الإنسان السوى المنتمى إلى بلد النيل والأهرام، بانتماء صادق، بقلق رهيب على وطنه العظيم وبيته وأهله وأصدقائه وجيرانه ومعارفه، بل على كل طوبة وشجرة حوتهما الأرض الطيبة التى عاش فيها أزمنته، باختلاف مراحلها وتطوراتها.
ولقد يكون يعلم أن وطنه متماسك، لا فرق فيه، على الحقيقة، بين دين وآخر، وبين غنى وفقير، اللهم إلا تلك الفروق الشكلية التى يحاول أهل الفتن تضخيمها وتعزيز أبعادها دومًا لتصبح جوهرية؛ ومن ثم يقع الصراع الفظيع الذى يفضى إلى الهلكة، إلا أنه يعلم أن الناس الذين عاشر طباعهم وسمع شكاواهم متسامحون يقينًا، وإن كانوا ينشدون حلولًا لمشكلاتهم، وهذاك طبيعى تمامًا، فإنهم ينشدونها من خلال القنوات الشرعية لا الأفعال التخريبية، وكم يطلبون أن تنحسر موجات الفساد وتنكسر شوكاته، وأن تنفتح الآفاق المسدودة فتحتضن خطاهم برعايتها؛ فلا يداخل نفوسهم شك بعد ذلك فى امتلاك البلد العبقرى الذى امتلك التغنى بمآثرة قلوبهم وأرواحهم.
لا شىء يساوى أن ينام الإنسان على سريره مطمئنًا، بعد أن تأكد لديه بعده عن الخطر، وما أشد الخطر لو شعر بأن الوطن الذى يضم السرير والنوم والأحلام مهدد، إما بأعداء الخارج الطامعين أو بأعداء الداخل المتمردين الذى يساعدون الغرباء، من حيث يفهمون أو لا يفهمون، على سرقة الشمس وقتل الأمل.
كل كاتب لا يكتب الآن عن حسه الجميل ببلده مخطئ، وكل شاعر وفنان لا يعبران عن حبهما لبلدهما واعتزازهما بها، بالصورة الذكية التى يريانها تؤثر فى الآخرين، مقصران، ولا أريد أن أصف الناس بأوصاف جارحة، إلا أن المقصر يستحق أن يجرح!
مصر، يا أيها الذين تبكون على ما يجرى للبلدان الأخرى من الشر والسوء، بحرارة بالغة، ولا بأس بالأمر فكلنا أشقاء، هى جائزة الذين يريدون لوطننا العربى بأسره التفكك والانهيار؛ لأنها القائدة بحق والرائدة بحق، بل كل عربى يضعها فى القلب من إكباره واهتمامه؛ لدرايته بمكانها ومكانتها وثقل حضارتها وأمجادها وعظم حجمها.
على المصريين الذين يريدون لبلدهم الأمان أن يجتمعوا لحمايتها ونصرتها، والحماية والنصرة معنيان يتحققان بإخلاص الأعمال الشريفة، يجتمعون موقنين أن فى شتاتهم شتات أمتهم، أن يتركوا اختلافاتهم عاجلًا، أيًا كانت، فهى ثغرة قد يمر منها المتربصون الخائنون.
كل شىء سيصبح أفضل مع الوقت، هذا ما يجب أن نؤمن به حاليًا، إيمانًا قطعيًا، ولكن لن يكون شىء واحد بخير ما دمنا نصر على التشرذم الذميم، وليكن اليسار واليمين كيانًا واحدًا، بمعنى ما، إذا كان فى اتحادهما خلاص وطنهما ما يكبل إرادته الحرة ويعطل سيره المستقيم، وليكن كذلك كل فريق مع نقيض توجهه، وليعل، فى كل نهار، صياح تلاميذ المدارس الصغار: تحيا مصر.