سوريا جديدة.. أم حرب أهلية ثانية؟
صورة جديدة، وذاكرة تُلقى بنفس المشاهد أمام الأعين فى سوريا.. وكلما رأيت تحطيم التماثيل فى الميادين، رأيت ملامح الأيام المقبلة تترى بنفس السيناريوهات التى حدثت فى العراق من قبل، فرحًا بالديمقراطية المزعومة، فإذا بالشعوب فى مواجهة فوضى، تُقوِّض الدولة، وتؤدى إلى التقسيم.. وبدلًا من أن تنعم تلك الشعوب بحريتها، إذا بها تقع فى أتون حروب أهلية تأكل الأخضر واليابس، وتترك الدولة دويلات، تتنازعها أهواء من استطاعوا خوض غمار اللعبة التى جاءت على جثة الوطن، ليستفيق الجميع على أن منْ وعد، ودعم من أجل التحرر والحرية، هو من طمع واحتل ونهب، واستولى على كل شىء، ولم يترك إلا المرارة التى تتجرعها الشعوب التى هللت من أجل حرية، اتضح أنها كانت سرابًا بعد أيام رمضاء.
سقطت سوريا بين يدى المجهول، فصائل اتحدت، لكنها سُرعان ما تتشرذم، فى خلافات تقسيم الكعكة، وعدو تربص بالشام حتى واتته الفرصة، فلم يضيع وقتًا، بل احتل، ساعة الانتصار المُعلن، أراضى من سوريا، وضرب كل الأصول العسكرية السورية، ليترك أهلها، أيًا كانت انتماءاتهم وولاءاتهم، عرايا من أى شىء يستر عورة أراضيهم، إذا أرادت إسرائيل غزو المزيد منها.. إسرائيل التى تركت السوريين يرقصون فى الشوارع، ابتهاجًا بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وبينما أبومحمد الجولانى يخطب فى المسجد الأموى بدمشق خطاب النصر، فإذا بها تدك المطارات والقوعد العسكرية فى العاصمة، ومواقع المدفعية والدفاعات الجوية ومصانع تطوير الصواريخ، ومخازن الأسلحة، فى حملة جوية واسعة، حولت سماء دمشق إلى سحابات من الدخان الأسود، والناس يتساءلون من أين يأتى هذا الجحيم؟. وقد أصبحت سوريا خاوية من أسلحتها، فارغة خزائنها، وقد تفرّق جيشها فى الأنحاء.. ليبقى السؤال الأهم كيف يبدو «اليوم التالى» فى دمشق؟، خصوصًا أنه لم يبق على الأرض داعم.. فإيران خرجت، ومن ورائها روسيا، وإسرائيل طامعة، والولايات المتحدو تُصنِّف الفصائل المُقاتلة «جماعات إرهابية»!
والآن.. يُمثِّل التنبؤ بمستقبل سوريا تحديًا، حيث فاجأ زوال الحكومة السريع العديد من الأشخاص الذين راقبوا المنطقة لسنوات.. ومع أن انهيار حكومة الرئيس بشار الأسد، أثار الابتهاج داخل سوريا وخارجها، لكنه أغرق البلاد أيضًا فى حالة عميقة من عدم اليقين.. ولا تزال هناك أسئلة أساسية حول حكومة البلاد وأمنها واقتصادها، بحاجة إلى إجابة.. حتى أن بعض المحللين يقولون إن التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك أصبح أكثر صعوبة، لأن زوال الحكومة كان مفاجئًا، و«من الصعب تحقيق عملية انتقال سلس فى وضع سريع الحركة.. فالسرعة وعدم اليقين يشكلان مخاطر كثيرة لما سيأتى بعد ذلك، فيما يتعلق بالمساءلة والحكم الرشيد لحماية مصالح الشعب السورى».. فقد حكم الأسد سوريا لما يقرب من ربع قرن، وقمع انتفاضة المدنيين وتمردًا بدأ عام 2011.. فى الحرب التى تلت ذلك، قتل أكثر من نصف مليون سورى، من بينهم مئتا ألف مدنى، وفر ملايين الأشخاص من البلاد.. نعم، «هذه لحظة للاحتفال بها، وبالنظر إلى فرحة السوريين اليوم، هذا أمر مفهوم، لكن هناك أيضًا قلق بشأن ما سيحدث غدًا».
●●●
إن السؤال الأكثر إلحاحًا هو: ما مدى سرعة قدرة الجماعات المقاتلة على تأمين العاصمة، ومنع حدوث فراغ فوضوى فى السلطة، وما هى خططها الآن بعد أن حققت هدفها المتمثل فى الإطاحة بالأسد؟.. كما لم يتضح إلى أى مدى، ومدى سرعة بسط تحالف المعارضة سيطرته على البلاد بأكملها، وهو عامل حاسم لاستعادة الاستقرار، أو ما إذا كانوا سيظلون متحدين بعد الإطاحة بالرئيس السورى.. كما أنه ليس من الواضح كيف ستُوازن الحكومة الجديدة بين المصالح المتنافسة للقوى الأخرى التى تسيطر على أراض فى سوريا، وما إذا كان بإمكانها إدارة عملية انتقالية، أو حتى ما إذا كانت ستنجح فى دفع تكاليف الخدمات المدنية، وهى مهمة أساسية ولكنها ضرورية لأى دولة عاملة؟
إن الوضع فى سوريا يمكن مقارنته بالعراق عام 2003، بعد أن أنهت القوات الأمريكية الحكم الطويل لصدام حسين.. سرعان ما توتر التفاؤل الأولى بشأن احتمالات الانتقال الديمقراطى السلمى، لأسباب ليس أقلها أن النهب اجتاح العاصمة بغداد، وأدى تزايد عدم الاستقرار والعنف فى نهاية المطاف إلى حرب أهلية طائفية وحشية.. ومع ذلك، فإن المتمردين أطاحوا بالأسد من داخل البلاد، ما قد يُعزز شرعيتهم الشعبية، على حد قول لهيب هيجل.. إذ يدير أبومحمد الجولانى، زعيم هيئة تحرير الشام، الجماعة المتمردة التى كانت مرتبطة بتنظيم القاعدة، والتى كانت تسيطر على معظم محافظة إدلب فى شمال غرب سوريا، حكومة تسترشد بأيديولوجية إسلامية سنية محافظة ومتشددة فى بعض الأحيان.. لكن «هيجل» أشارت إلى أنه أظهر تسامحًا مع الأقليات الدينية والعرقية فى البلاد فى المناطق التى سيطرت فيها جماعته، «كل هذه المؤشرات إيجابية، لكن هل ستصمد؟»، كما أن سوريا اليوم أكثر فقرًا بكثير من العراق عام2003 وبالتالى فإن الضغوط المجتمعية والاقتصادية أكبر.
ومن أجل فهم الخطوات التالية المحتملة لسوريا، من الأهمية بمكان النظر فى دعم إيران الطويل الأمد لنظام الأسد وكيف تطور دوره، كما قالت لينا الخطيب، الزميلة المشاركة فى Chatham House.. كان الأسد حليفًا وثيقًا لإيران، لكن الحكومة فى طهران تخلت عنه فى الأيام الأخيرة وتخلت عن سوريا، موطئ قدمها الرئيسى فى العالم العربى.. لقد ضعفت إيران بعد عام من الصراع، بما فى ذلك من خلال ميليشيا حزب الله المدعومة من إيران، فى لبنان، والتى بدأت بـ«طوفان الأقصى» على إسرائيل فى السابع من أكتوبر 2023 من قِبل حماس، قوتها الوكيلة لها فى غزة.
وعلى مدى ما يقرب من عقد من الزمان، كانت القوة النارية الروسية هى التى أبقت بشار الأسد فى السلطة، حتى الأحداث الاستثنائية التى وقعت خلال الساعات الماضية.. سقطت دمشق، وتم إسقاط الرئيس السورى، ويقال إنه سافر إلى موسكو، التى أعلن تليفزيونها الرسمى، عن مصدر فى الكرملين، عن أن روسيا منحت الأسد وعائلته اللجوء «لأسباب إنسانية» .. لكن الأهم من ذلك، هو أنه فى غضون أيام قليلة، انهار مشروع الكرملين فى سوريا، فى ظل ظروف دراماتيكية للغاية، مع عجز موسكو عن منعه.. وأعلنت وزارة الخارجية الروسية فى بيان لها، عن أن موسكو «تتابع الأحداث المأساوية فى سوريا بقلق بالغ»، إلا أن سقوط نظام الأسد يشكل ضربة لهيبة روسيا.. لكن الأمر لم يكن يتعلق بالهيبة فقط.. ففى مقابل المساعدة العسكرية، منحت السلطات السورية روسيا عقود إيجار لمدة تسعة وأربعين عامًا للقاعدة الجوية فى حميميم والقاعدة البحرية فى طرطوس . لقد نجحت روسيا فى تأمين موطئ قدم مهم فى شرق البحر الأبيض المتوسط، وأصبحت القواعد مراكز مهمة لنقل قوات فاجنر الروسية داخل وخارج إفريقيا.. السؤال الرئيسى الذى يواجه موسكو هو ماذا سيحدث لتلك القواعد الروسية الآن؟
ذكر بيان الكرملين، الذى أعلن عن وصول الأسد إلى موسكو، أن مسئولين روسًا كانوا على اتصال بممثلى «المعارضة المسلحة السورية» وأن زعماء المعارضة ضمنوا أمن القواعد العسكرية الروسية والبعثات الدبلوماسية على الأراضى السورية، فيما قالت وزارة الخارجية الروسية، إن القواعد فى سوريا وُضِعَت «فى حالة تأهب قصوى»، لكنها ادعت أنه «لا يوجد تهديد خطير لها فى الوقت الحالى» ، وزعم التليفزيون الروسى الرسمى، بأن روسيا «كانت تأمل دائمًا فى المصالحة بين الأطراف المختلفة فى سوريا.. والآن، نحن لسنا غير مبالين بما يحدث فى سوريا، لكن أولويتنا هى أمن روسيا نفسها.. ما يحدث فى منطقة العملية العسكرية الخاصة بحرب روسيا فى أوكرانيا» وعلى الرغم من تسع سنوات من ضخ روسيا للموارد اللازمة لإبقاء بشار الأسد فى السلطة، فإن الروس يُقال لهم إن لديهم أمورًا أكثر أهمية للقلق عليها.
●●●
وقبل أن نتحدث عما تفعله إسرائيل الآن فى الأراضى السورية، دعونا نتذكر ما كانت إسرائيل تقدمه من مساعدات سرية للمتمردين السوريين.. تمويل مباشر وغذاء ووقود وإمدادات طبية، قدمتها الدولة الإسرائيلية لإبقاء داعش والقوات المتحالفة مع إيران فى الحرب الأهلية المجاورة تحت السيطرة.
فى يونيو 2017 كشفت تقارير إخبارية، عن أن إسرائيل قدمت للمتمردين السوريين تمويلًا ومساعدات كبيرة من أجل الحفاظ على منطقة عازلة، فى منطقة الحدود عند مرتفعات الجولان بين إسرائيل وجارتها التى مزقتها الحرب.. ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن السلطات الإسرائيلية قدمت كميات كبيرة من المال والغذاء والوقود والإمدادات الطبية للمتمردين الذين يقاتلون ضد حكومة بشار الأسد.
ويُعتقد أن الدعم المُفترض للمتمردين بدأ فى وقت مبكر من عام 2013، فى عهد وزير الدفاع السابق، موشيه يعلون، بهدف إنشاء «منطقة عازلة» خالية من المسلحين المتطرفين، مثل تنظيم الدولة الإسلامية والقوات المتحالفة مع إيران على طول الحدود الإسرائيلية.. وذكرت الصحيفة، أن وحدة خاصة تابعة للجيش الإسرائيلى أُنشئت للإشراف على عملية المساعدات المكلفة، والتى تمنح أبومُصعب الجولانى، زعيم «فرسان الجولان» ما يقدر بنحو خمسة آلاف دولار راتبًا شهريًا. غير ما تقوم به إسرائيل من تمويل ما يصل إلى أربع مجموعات متمردة أخرى تحظى بدعم غربى .. وتستخدم هذه المجموعات الأموال الإسرائيلية والغربية، لدفع رواتب المقاتلين وشراء الذخيرة.
وبحسب ما ورد فى تقرير «وول ستريت جورنال»، بدأ التحالف، بعد أن شق مقاتلو «فرسان الجولان» الجرحى طريقهم إلى الحدود وتوسلوا إلى الجنود الإسرائيليين للحصول على المساعدة الطبية.. وقال المتحدث باسم المجموعة، معتصم الجولانى، للصحيفة، «لقد وقفت إسرائيل إلى جانبنا بطريقة بطولية.. لم نكن لننجو لولا مساعدة إسرائيل» .. وقالت قوات الجيش الإسرائيلى، إنها «ملتزمة بتأمين حدود إسرائيل، ومنع إنشاء خلايا إرهابية وقوات معادية.. بالإضافة إلى تقديم المساعدات الإنسانية للسوريين الذين يعيشون فى المنطقة»، وفى حين زعم الأسد، فى السابق، أن الدولة اليهودية تدعم الجماعات المتمردة، التى تشير إليها حكومته بـ«الإرهابية»، فإن عناصر من المعارضة اتهمت إسرائيل بالمساعدة فى إبقاء النظام فى السلطة، إذ كان من النادر للغاية، أن ترد السلطات السورية على الضربات الإسرائيلية.
واليوم قال جيش الاحتلال الإسرائيلى، فى بيان له، إنه سيطر على أراضٍ على الجانب السورى من الحدود فى مرتفعات الجولان، بعد انهيار نظام الأسد. وهذه هى المرة الأولى التى تسيطر فيها إسرائيل على أراضٍ فى سوريا منذ حرب عام 1973.. وقد أبلغت إسرائيل الولايات المتحدة مُسبقًا بعمليتها للسيطرة على المنطقة العازلة على الحدود مع سوريا، وعدة مواقع رئيسية أخرى على الجانب السورى من الحدود، وأبلغت إسرائيل إدارة الرئيس الأمريكى، جو بايدن أن هذه خطوة مؤقتة ستستمر بضعة أيام إلى بضعة أسابيع، حتى يستقر الوضع الأمنى على طول الحدود.. وقد سبق وأدى اتفاق فصل القوات بين إسرائيل وسوريا عام 1974، إلى إنشاء منطقة عازلة على الحدود فى مرتفعات الجولان .. ومنذ ذلك الحين، تم نشر قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك على جانبى المنطقة العازلة .. إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، أعلن أمس، عن انتهاء هذا الاتفاق.. وعليه، سيطر الجيش الإسرائيلى أيضًا على الموقع العسكرى السورى الاستراتيجى على جبل الشيخ، أعلى نقطة على الحدود بين البلدين، وطلبت قوات الجيش الإسرائيلى من السكان المتواجدين فى القرى والبلدات السورية على طول الحدود، البقاء فى منازلهم حتى إشعار آخر، بينما نفذت عشرات الغارات الجوية ضد القواعد والمنشآت ومستودعات الأسلحة العسكرية السورية، استهدفت أنظمة الدفاع الجوى للجيش السورى وبطاريات المدفعية والمنشآت التى كانت مرتبطة فى الماضى ببرنامج الأسلحة الكيميائية السورى، وقال مسئول إسرائيلى «إننا مسئولون عن التأكد من عدم وقوع أنظمة الأسلحة الاستراتيجية فى الأيدى الخطأ».. وقام رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، يسرائيل كاتس، بزيارة الحدود يوم الأحد واستمعا إلى إحاطة من قادة الجيش الإسرائيلى، وقال نتنياهو، إن انهيار نظام الأسد يوفر فرصة عظيمة، وزعم أن ذلك كان «نتيجة مباشرة» للعمليات الإسرائيلية ضد حزب الله وإيران .. وأضاف «نرسل يد السلام إلى كل من هم خارج حدودنا فى سوريا.. إذا كان بوسعنا إقامة علاقات حسن جوار وعلاقات سلمية مع القوى الجديدة الناشئة فى سوريا، فهذه هى رغبتنا».!!.
●●●
يأتى الدور على سؤال: أين تقف تركيا بعد سقوط نظام الأسد فى أيدى المعارضة السورية؟
إن العلاقات طويلة الأمد والمُعقدة، التى تربط تركيا بفصائل المعارضة المختلفة، تجعلها اللاعب الرئيسى فى المضى قدمًا فى انتقال سوريا، لكن اتجاه أنقرة غامض .. وتعد تركيا، التى تشترك فى حدود طولها قرابة ستمائة ميل مع سوريا، أحد الداعمين الرئيسيين لجماعات المعارضة التى كانت تهدف إلى الإطاحة بالأسد منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2011.. وفى حين رفض المسئولون الأتراك بشدة مزاعم أى تورط، يعتقد المراقبون أن الهجوم، الذى يبدو أنه يتماشى مع الأهداف التركية طويلة الأمد، لم يكن من الممكن أن يستمر دون موافقة أنقرة .. لقد سمح ذلك لتركيا، من خلال وكيلها السورى، الجيش الوطنى السورى، بالرد على القوات الكردية فى سوريا المتحالفة مع عدوها اللدود، حزب العمال الكردستانى.. وإذا كانت أنقرة قد أدرجت جماعة هيئة تحرير الشام، الجماعة الجهادية التى قادت المسيرة التى استمرت عشرة أيام نحو دمشق، على قائمة المنظمات الإرهابية، إلا أن الشواهد دللت على أن تركيا عمِلَت إلى جانبها منذ سنوات فى شمال سوريا، ويُعتقد أنها تمارس نفوذًا كبيرًا على هذه الجماعة.
فى البداية، أعلنت تركيا عن دعمها وحدة أراضى سوريا، وكان آخر ما تريده، هو منطقة حكم ذاتى يسيطر عليها الأكراد على حدودها، أو نزوح جديد للاجئين بسبب عدم الاستقرار.. ونفذت أنقرة عدة عمليات توغل فى سوريا منذ عام 2016 بهدف صد تنظيم الدولة الإسلامية أو المسلحين الأكراد، وإنشاء منطقة عازلة على طول حدودها، وهى الآن تسيطر على مساحة من الأراضى فى شمال سوريا.. وكانت تركيا قد شاركت فى السابق فى الجهود الدبلوماسية لحل الصراع بين النظام والمتمردين، بما فى ذلك إجراء محادثات مع الداعمين الرئيسيين للأسد، روسيا وإيران.. وفى الآونة الأخيرة، سعت أنقرة إلى المصالحة مع الأسد من أجل التخفيف من التهديد الذى تُشكله الميليشيات الكردية على تركيا، وضمان العودة الآمنة للاجئين. لكن الأسد رفض المبادرات التركية والآن، رفض المسئولون الأتراك بشدة، مزاعم التورط فى الهجوم المناهض للحكومة، مؤكدين معارضتهم للتطورات التى تُزيد من عدم الاستقرار فى المنطقة، «كل التصريحات التى تزعم بأن تركيا حرضت على ذلك أو دعمته غير صحيحة.. إنها كلها أكاذيب».. بينما يقول المحللون، إن الهجوم الذى يشنه المتمردون كان ليصبح مستحيلًا، لولا الضوء الأخضر من تركيا.. ويرد الأتراك بأن أنقرة أوقفت الهجوم لعدة أشهر.. وفى النهاية، مضت قوات المعارضة قُدمًا فى الهجوم، بعد أن هاجمت الحكومة السورية مناطق تسيطر عليها المعارضة، منتهكة بذلك الاتفاقات بين روسيا وإيران وتركيا لتهدئة الصراع.. وأكد هؤلاء المسئولون وانتبه!! أن الهجوم كان من المفترض فى البداية أن يكون محدودًا، لكنه توسع بعد أن بدأت قوات الحكومة السورية فى التراجع عن مواقعها!
إن سقوط الحكومة السورية قد يشكل عدة مخاطر على تركيا، بما فى ذلك إرسال موجة جديدة من اللاجئين نحو الحدود التركية إذا اندلعت الفوضى.. إن «الخطر الأول الذى تريد تركيا تجنبه بأى ثمن، هو التفكك الإقليمى لسوريا، مع تنافس هياكل السلطة المختلفة على الحصول على الحكم الذاتى على أراضيه».. وأشار بعض المحللين، إلى أن الهجوم الذى يشنه المتمردون قد يؤدى إلى تأجيج التوترات مع داعمى سوريا، إيران وروسيا.. ومنذ عام 2022 ، تسعى تركيا إلى تطبيع العلاقات مع سوريا .. لكن الأسد أصر على انسحاب القوات التركية من شمال سوريا، فى حين تؤكد تركيا أنها لا تستطيع الانسحاب طالما استمرت التهديدات من الميليشيات الكردية.. ولكن ما إذا كان تغيير الحكم فى سوريا سيسمح لتركيا بإبعاد وحدات حماية الشعب عن حدودها، يبقى أمرًا غير واضح.. وإن كانت التقارير تشير إلى أن هيئة تحرير الشام طورت علاقات جيدة مع وحدات حماية الشعب، التى ترأس قوات سوريا الديمقراطية.. وتنظر تركيا إلى وحدات حماية الشعب باعتبارها منظمة إرهابية، على الرغم من تحالفها مع الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وتتوقع تركيا أن يكون لها رأى مهم فى الشكل الجديد لسوريا،» المفاوضات ستقرر مستقبل سوريا، وستكون تركيا مؤثرة، لكن الولايات المتحدة ستؤثر أيضًا، وكذلك دول الشرق الأوسط التى ستمول إعادة إعمار سوريا.. صحيح أن تركيا قد لا تكون قادرة على السيطرة على هيئة تحرير الشام، فى سعيها لتحقيق مصالحها الخاصة.. لكن هيئة تحرير الشام هى ورقة رابحة» فهل تريد تركيا حقًا أن تُدير منظمة جهادية دولة مجاورة لها؟
●●●
فى واشنطن.. تشعر الولايات المتحدة وحلفاؤها بالقلق، من أن انهيار الجيش السورى وقوات الأمن الأخرى، والفوضى التى تجتاح البلاد، سوف يسمح للجماعات الإرهابية بالاستيلاء على أسلحة خطيرة كانت فى حوزة نظام الأسد .. وقال الرئيس بايدن فى كلمة ألقاها الأحد، «سندعم جيران سوريا لبنان والعراق والأردن وإسرائيل من أى تهديد قد ينشأ من سوريا»، .. بينما أوضح وزير الخارجية، أنتونى بلينكن، «إننا سندعم الجهود الدولية لمحاسبة نظام الأسد وداعميه، على الفظائع والانتهاكات التى ارتكبت ضد الشعب السورى، بما فى ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية».. ويقول »AXIOS« إن نظام الأسد استخدمها ضد المدنيين السوريين عام 2013، منتهكًا «الخط الأحمر» الذى حدده الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما، قبل عام من ذلك، عند مناقشة ما قد يؤدى إلى التدخل العسكرى الأمريكى.. وفى نهاية المطاف، تراجع أوباما عن تهديداته بقصف سوريا، وأبرم صفقة مع روسيا لتدمير مخزونات الأسلحة الكيميائية لنظام الأسد.. لكن مسئولين استخباراتيين أمريكيين وغربيين يعتقدون، أن النظام انتهك الاتفاق واحتفظ ببعض أسلحته الكيميائية.
وإذا كانت القوات الجوية الإسرائيلية قد نفذت، على مدى الثمانية وأربعين ساعة الماضية، غارات جوية ضد العشرات من القواعد العسكرية السورية ومستودعات الأسلحة، والمرافق التى كانت جزءًا من برامج الأسلحة الكيميائية والصواريخ الباليستية السورية، بحسب مسئولين إسرائيليين.. أعلنت القيادة المركزية الأمريكية Centcom، عن أنها نفذت «عشرات الضربات الجوية الدقيقة»، التى كانت تهدف إلى القضاء على معسكرات تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» وسط سوريا.
جاءت الضربات فى إطار مهمة مستمرة «لتعطيل وإضعاف وهزيمة داعش، من أجل منع الجماعة الإرهابية من تنفيذ عمليات خارجية، وضمان عدم سعى داعش للاستفادة من الوضع الحالى، لإعادة تشكيل نفسها فى وسط سوريا»، بحسب بيان للقيادة المركزية الأمريكية.. لكن خلف الكواليس، قال مسئول أمريكى أمس الأحد، إن إدارة بايدن ركزت فى الأيام الأخيرة على الأسلحة الكيميائية السورية، إذ إن الولايات المتحدة لديها «معلومات جيدة» عن حالة مخزون الأسلحة السورية، وإن خبراء الاستخبارات الأمريكية يعتقدون أنها لا تزال تحت السيطرة، «نحن نتخذ تدابير حذرة للغاية فى هذا الشأن.. نحن نفعل كل ما فى وسعنا لضمان عدم وصول هذه المواد إلى أى شخص والاعتناء بها.. و«نريد التأكد من تدمير أو تأمين الكلور أو الأشياء التى هى أسوأ بكثير.. وهناك العديد من الجهود فى هذا الصدد مع الشركاء فى المنطقة».
فى الجانب الآخر .. وبينما كان المتمردون السوريون فى طريقهم إلى دمشق يوم السبت، أصدروا بيانًا من غرفة الحرب المشتركة الخاصة بهم، يؤكدون فيه أنهم لا يهتمون بالأسلحة الكيميائية التى يمتلكها نظام الأسد.. وقالوا إنهم سيتعاملون مع القواعد والمنشآت العسكرية التابعة لنظام الأسد بمسئولية، وتعهدوا بتأمين البنية التحتية وعدم السماح لها بالوقوع فى الأيدى الخطأ.. وإنهم أيضًا مستعدون للتنسيق مع المجتمع الدولى بشأن مراقبة الأسلحة والمواقع الحساسة فى سوريا، وتقديم ضمانات بأنهم لن يستخدموا أى أسلحة محظورة بموجب القانون الدولى.
وإذا أردت أن ترى الصورة الكبيرة للوضع فى سوريا، فقد حدد بايدن السياسة الأمريكية بشأن الأزمة هناك، خلال الأيام الثلاثة وأربعين المتبقية من إدارته فى خطاب ألقاه يوم أمس الأحد، قال فيه، إنه سيتحدث إلى زعماء الشرق الأوسط فى الأيام المقبلة، وسيرسل مسئولين أمريكيين كبارًا إلى المنطقة لمناقشة الوضع، موضحًا، «سنعمل مع كل المجموعات السورية، لإرساء مرحلة انتقالية نحو سوريا مستقلة ذات سيادة تخدم كل السوريين»، !!.. وأكد أن الشعب السورى هو الذى يقرر مستقبله، لكن الولايات المتحدة مستعدة لدعم هذه العملية!!.. وبين السطور: أرسل بايدن رسالة إلى زعيم الجماعة الإسلامية الرئيسية، أبومحمد الجولانى، دون أن يذكره أو يذكر تنظيمه، هيئة تحرير الشام، بالاسم.. واعترف بايدن بأن «بعض الجماعات المتمردة التى أطاحت بالأسد لها سجلها المروع فى مجال الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان»، مع أن مسئولًا أمريكيًا أكد أن إدارة بايدن كانت تتواصل فى الأيام الأخيرة مع جميع مجموعات المعارضة السورية، بما فى ذلك هيئة تحرير الشام، «نحن على اتصال مع كل المجموعات السورية ولدينا طرق للتواصل مع الجميع فى سوريا»، .. ولقد أخذنا علمًا «بالتصريحات التى أدلى بها زعماء هذه الجماعات المتمردة فى الأيام الأخيرة ..إنهم يقولون الأشياء الصحيحة الآن، ولكننا سوف نُقيِّم ليس فقط أقوالهم، بل وأفعالهم أيضًا».
وفى الختام.. يبقى أن نقول، إن بايدن وصف نهاية نظام الأسد بأنها «عمل أساسى من أعمال العدالة»، لكنه حذر من أن «إسقاط طاغية واحد ثم صعود طاغية جديد فى مكانه، سيكون بمثابة إهدار لهذه الفرصة التاريخية»، وتلك أشياء لا تُحددها إلا واشنطن.. وصلت الرسالة؟! حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.