رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سوريا جديدة.. أم حرب أهلية ثانية؟

صورة‭ ‬جديدة،‭ ‬وذاكرة‭ ‬تُلقى‭ ‬بنفس‭ ‬المشاهد‭ ‬أمام‭ ‬الأعين‭ ‬فى‭ ‬سوريا‭.. ‬وكلما‭ ‬رأيت‭ ‬تحطيم‭ ‬التماثيل‭ ‬فى‭ ‬الميادين،‭ ‬رأيت‭ ‬ملامح‭ ‬الأيام‭ ‬المقبلة‭ ‬تترى‭ ‬بنفس‭ ‬السيناريوهات‭ ‬التى‭ ‬حدثت‭ ‬فى‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬فرحًا‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬المزعومة،‭ ‬فإذا‭ ‬بالشعوب‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬فوضى،‭ ‬تُقوِّض‭ ‬الدولة،‭ ‬وتؤدى‭ ‬إلى‭ ‬التقسيم‭.. ‬وبدلًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تنعم‭ ‬تلك‭ ‬الشعوب‭ ‬بحريتها،‭ ‬إذا‭ ‬بها‭ ‬تقع‭ ‬فى‭ ‬أتون‭ ‬حروب‭ ‬أهلية‭ ‬تأكل‭ ‬الأخضر‭ ‬واليابس،‭ ‬وتترك‭ ‬الدولة‭ ‬دويلات،‭ ‬تتنازعها‭ ‬أهواء‭ ‬من‭ ‬استطاعوا‭ ‬خوض‭ ‬غمار‭ ‬اللعبة‭ ‬التى‭ ‬جاءت‭ ‬على‭ ‬جثة‭ ‬الوطن،‭ ‬ليستفيق‭ ‬الجميع‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬منْ‭ ‬وعد،‭ ‬ودعم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التحرر‭ ‬والحرية،‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬طمع‭ ‬واحتل‭ ‬ونهب،‭ ‬واستولى‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شىء،‭ ‬ولم‭ ‬يترك‭ ‬إلا‭ ‬المرارة‭ ‬التى‭ ‬تتجرعها‭ ‬الشعوب‭ ‬التى‭ ‬هللت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حرية،‭ ‬اتضح‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬سرابًا‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬رمضاء‭.‬

سقطت‭ ‬سوريا‭ ‬بين‭ ‬يدى‭ ‬المجهول،‭ ‬فصائل‭ ‬اتحدت،‭ ‬لكنها‭ ‬سُرعان‭ ‬ما‭ ‬تتشرذم،‭ ‬فى‭ ‬خلافات‭ ‬تقسيم‭ ‬الكعكة،‭ ‬وعدو‭ ‬تربص‭ ‬بالشام‭ ‬حتى‭ ‬واتته‭ ‬الفرصة،‭ ‬فلم‭ ‬يضيع‭ ‬وقتًا،‭ ‬بل‭ ‬احتل،‭ ‬ساعة‭ ‬الانتصار‭ ‬المُعلن،‭ ‬أراضى‭ ‬من‭ ‬سوريا،‭ ‬وضرب‭ ‬كل‭ ‬الأصول‭ ‬العسكرية‭ ‬السورية،‭ ‬ليترك‭ ‬أهلها،‭ ‬أيًا‭ ‬كانت‭ ‬انتماءاتهم‭ ‬وولاءاتهم،‭ ‬عرايا‭ ‬من‭ ‬أى‭ ‬شىء‭ ‬يستر‭ ‬عورة‭ ‬أراضيهم،‭ ‬إذا‭ ‬أرادت‭ ‬إسرائيل‭ ‬غزو‭ ‬المزيد‭ ‬منها‭.. ‬إسرائيل‭ ‬التى‭ ‬تركت‭ ‬السوريين‭ ‬يرقصون‭ ‬فى‭ ‬الشوارع،‭ ‬ابتهاجًا‭ ‬بسقوط‭ ‬نظام‭ ‬الرئيس‭ ‬بشار‭ ‬الأسد،‭ ‬وبينما‭ ‬أبومحمد‭ ‬الجولانى‭ ‬يخطب‭ ‬فى‭ ‬المسجد‭ ‬الأموى‭ ‬بدمشق‭ ‬خطاب‭ ‬النصر،‭ ‬فإذا‭ ‬بها‭ ‬تدك‭ ‬المطارات‭ ‬والقوعد‭ ‬العسكرية‭ ‬فى‭ ‬العاصمة،‭ ‬ومواقع‭ ‬المدفعية‭ ‬والدفاعات‭ ‬الجوية‭ ‬ومصانع‭ ‬تطوير‭ ‬الصواريخ،‭ ‬ومخازن‭ ‬الأسلحة،‭ ‬فى‭ ‬حملة‭ ‬جوية‭ ‬واسعة،‭ ‬حولت‭ ‬سماء‭ ‬دمشق‭ ‬إلى‭ ‬سحابات‭ ‬من‭ ‬الدخان‭ ‬الأسود،‭ ‬والناس‭ ‬يتساءلون‭ ‬ من‭ ‬أين‭ ‬يأتى‭ ‬هذا‭ ‬الجحيم؟‭. ‬ وقد‭ ‬أصبحت‭ ‬سوريا‭ ‬خاوية‭ ‬من‭ ‬أسلحتها،‭ ‬فارغة‭ ‬خزائنها،‭ ‬وقد‭ ‬تفرّق‭ ‬جيشها‭ ‬فى‭ ‬الأنحاء‭.. ‬ليبقى‭ ‬السؤال‭ ‬الأهم‭ ‬ كيف‭ ‬يبدو‭ ‬‮«‬اليوم‭ ‬التالى»‬‭ ‬ فى‭ ‬دمشق؟،‭ ‬خصوصًا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬داعم‭.. ‬فإيران‭ ‬خرجت،‭ ‬ومن‭ ‬ورائها‭ ‬روسيا،‭ ‬وإسرائيل‭ ‬طامعة،‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدو‭ ‬تُصنِّف‭ ‬الفصائل‭ ‬المُقاتلة‭ ‬‮ «جماعات‭ ‬إرهابية‮»‬‭!‬

والآن‭.. ‬يُمثِّل‭ ‬التنبؤ‭ ‬بمستقبل‭ ‬سوريا‭ ‬تحديًا،‭ ‬حيث‭ ‬فاجأ‭ ‬زوال‭ ‬الحكومة‭ ‬السريع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬راقبوا‭ ‬المنطقة‭ ‬لسنوات‭.. ‬ومع‭ ‬أن‭ ‬انهيار‭ ‬حكومة‭ ‬الرئيس‭ ‬بشار‭ ‬الأسد،‭ ‬أثار‭ ‬الابتهاج‭ ‬داخل‭ ‬سوريا‭ ‬وخارجها،‭ ‬لكنه‭ ‬أغرق‭ ‬البلاد‭ ‬أيضًا‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬عميقة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭.. ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬هناك‭ ‬أسئلة‭ ‬أساسية‭ ‬حول‭ ‬حكومة‭ ‬البلاد‭ ‬وأمنها‭ ‬واقتصادها،‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إجابة‭.. ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬المحللين‭ ‬يقولون‭ ‬إن‭ ‬التنبؤ‭ ‬بما‭ ‬سيحدث‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أصبح‭ ‬أكثر‭ ‬صعوبة،‭ ‬لأن‭ ‬زوال‭ ‬الحكومة‭ ‬كان‭ ‬مفاجئًا،‭ ‬و«من‭ ‬الصعب‭ ‬تحقيق‭ ‬عملية‭ ‬انتقال‭ ‬سلس‭ ‬فى‭ ‬وضع‭ ‬سريع‭ ‬الحركة‭..‬ فالسرعة‭ ‬وعدم‭ ‬اليقين‭ ‬يشكلان‭ ‬مخاطر‭ ‬كثيرة‭ ‬لما‭ ‬سيأتى‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمساءلة‭ ‬والحكم‭ ‬الرشيد‭ ‬لحماية‭ ‬مصالح‭ ‬الشعب‭ ‬السورى‮»‬‭.. ‬ فقد‭ ‬حكم‭ ‬الأسد‭ ‬سوريا‭ ‬لما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬ربع‭ ‬قرن،‭ ‬وقمع‭ ‬انتفاضة‭ ‬المدنيين‭ ‬وتمردًا‭ ‬بدأ‭ ‬عام‭ ‬2011‭.. ‬فى‭ ‬الحرب‭ ‬التى‭ ‬تلت‭ ‬ذلك،‭ ‬قتل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬مليون‭ ‬سورى،‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬مئتا‭ ‬ألف‭ ‬مدنى،‭ ‬وفر‭ ‬ملايين‭ ‬الأشخاص‭ ‬من‭ ‬البلاد‭..‬ نعم،‭ ‬‮ «هذه‭ ‬لحظة‭ ‬للاحتفال‭ ‬بها،‭ ‬وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬فرحة‭ ‬السوريين‭ ‬اليوم،‭ ‬هذا‭ ‬أمر‭ ‬مفهوم،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬أيضًا‭ ‬قلق‭ ‬بشأن‭ ‬ما‭ ‬سيحدث‭ ‬غدًا»‮‬‭.‬

●●●

إن‭ ‬السؤال‭ ‬الأكثر‭ ‬إلحاحًا‭ ‬هو‭: ‬ما‭ ‬مدى‭ ‬سرعة‭ ‬قدرة‭ ‬الجماعات‭ ‬المقاتلة‭ ‬على‭ ‬تأمين‭ ‬العاصمة،‭ ‬ومنع‭ ‬حدوث‭ ‬فراغ‭ ‬فوضوى‭ ‬فى‭ ‬السلطة،‭ ‬وما‭ ‬هى‭ ‬خططها‭ ‬الآن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حققت‭ ‬هدفها‭ ‬المتمثل‭ ‬فى‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالأسد؟‭.. ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يتضح‭ ‬إلى‭ ‬أى‭ ‬مدى،‭ ‬ومدى‭ ‬سرعة‭ ‬بسط‭ ‬تحالف‭ ‬المعارضة‭ ‬سيطرته‭ ‬على‭ ‬البلاد‭ ‬بأكملها،‭ ‬وهو‭ ‬عامل‭ ‬حاسم‭ ‬لاستعادة‭ ‬الاستقرار،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانوا‭ ‬سيظلون‭ ‬متحدين‭ ‬بعد‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالرئيس‭ ‬السورى‭.. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬كيف‭ ‬ستُوازن‭ ‬الحكومة‭ ‬الجديدة‭ ‬بين‭ ‬المصالح‭ ‬المتنافسة‭ ‬للقوى‭ ‬الأخرى‭ ‬التى‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬أراض‭ ‬فى‭ ‬سوريا،‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬بإمكانها‭ ‬إدارة‭ ‬عملية‭ ‬انتقالية،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬ستنجح‭ ‬فى‭ ‬دفع‭ ‬تكاليف‭ ‬الخدمات‭ ‬المدنية،‭ ‬وهى‭ ‬مهمة‭ ‬أساسية‭ ‬ولكنها‭ ‬ضرورية‭ ‬لأى‭ ‬دولة‭ ‬عاملة؟

إن‭ ‬الوضع‭ ‬فى‭ ‬سوريا‭ ‬يمكن‭ ‬مقارنته‭ ‬بالعراق‭ ‬عام‭ ‬2003، ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أنهت‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الحكم‭ ‬الطويل‭ ‬لصدام‭ ‬حسين‭.. ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬توتر‭ ‬التفاؤل‭ ‬الأولى‭ ‬بشأن‭ ‬احتمالات‭ ‬الانتقال‭ ‬الديمقراطى‭ ‬السلمى،‭ ‬لأسباب‭ ‬ليس‭ ‬أقلها‭ ‬أن‭ ‬النهب‭ ‬اجتاح‭ ‬العاصمة‭ ‬بغداد،‭ ‬وأدى‭ ‬تزايد‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬والعنف‭ ‬فى‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬طائفية‭ ‬وحشية‭.. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬المتمردين‭ ‬أطاحوا‭ ‬بالأسد‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬البلاد،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يُعزز‭ ‬شرعيتهم‭ ‬الشعبية،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قول‭ ‬لهيب‭ ‬هيجل‭.. ‬إذ‭ ‬يدير‭ ‬أبومحمد‭ ‬الجولانى،‭ ‬زعيم‭ ‬هيئة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام،‭ ‬الجماعة‭ ‬المتمردة‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬مرتبطة‭ ‬بتنظيم‭ ‬القاعدة،‭ ‬والتى‭ ‬كانت‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬محافظة‭ ‬إدلب‭ ‬فى‭ ‬شمال‭ ‬غرب‭ ‬سوريا،‭ ‬حكومة‭ ‬تسترشد‭ ‬بأيديولوجية‭ ‬إسلامية‭ ‬سنية‭ ‬محافظة‭ ‬ومتشددة‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭.. ‬لكن‭ ‬‮«‬هيجل‮»‬‭ ‬أشارت‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬أظهر‭ ‬تسامحًا‭ ‬مع‭ ‬الأقليات‭ ‬الدينية‭ ‬والعرقية‭ ‬فى‭ ‬البلاد‭ ‬فى‭ ‬المناطق‭ ‬التى‭ ‬سيطرت‭ ‬فيها‭ ‬جماعته،‭ ‬‮«‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المؤشرات‭ ‬إيجابية،‭ ‬لكن‭ ‬هل‭ ‬ستصمد؟‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬سوريا‭ ‬اليوم‭ ‬أكثر‭ ‬فقرًا‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬عام‬2003‭ ‬ وبالتالى‭ ‬فإن‭ ‬الضغوط‭ ‬المجتمعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬أكبر‭.‬

ومن‭ ‬أجل‭ ‬فهم‭ ‬الخطوات‭ ‬التالية‭ ‬المحتملة‭ ‬لسوريا،‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬بمكان‭ ‬النظر‭ ‬فى‭ ‬دعم‭ ‬إيران‭ ‬الطويل‭ ‬الأمد‭ ‬لنظام‭ ‬الأسد‭ ‬وكيف‭ ‬تطور‭ ‬دوره،‭ ‬كما‭ ‬قالت‭ ‬لينا‭ ‬الخطيب،‭ ‬الزميلة‭ ‬المشاركة‭ ‬فى‭ ‬Chatham House‭.. ‬كان‭ ‬الأسد‭ ‬حليفًا‭ ‬وثيقًا‭ ‬لإيران،‭ ‬لكن‭ ‬الحكومة‭ ‬فى‭ ‬طهران‭ ‬تخلت‭ ‬عنه‭ ‬فى‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة‭ ‬وتخلت‭ ‬عن‭ ‬سوريا،‭ ‬موطئ‭ ‬قدمها‭ ‬الرئيسى‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬العربى‭.. ‬لقد‭ ‬ضعفت‭ ‬إيران‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬الصراع،‭ ‬بما‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ميليشيا‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬المدعومة‭ ‬من‭ ‬إيران،‭ ‬فى‭ ‬لبنان،‭ ‬والتى‭ ‬بدأت‭ ‬بـ«طوفان‭ ‬الأقصى‮» ‬‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬فى‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬حماس،‭ ‬قوتها‭ ‬الوكيلة‭ ‬لها‭ ‬فى‭ ‬غزة‭.‬

وعلى‭ ‬مدى‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬كانت‭ ‬القوة‭ ‬النارية‭ ‬الروسية‭ ‬هى‭ ‬التى‭ ‬أبقت‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬فى‭ ‬السلطة،‭ ‬حتى‭ ‬الأحداث‭ ‬الاستثنائية‭ ‬التى‭ ‬وقعت‭ ‬خلال‭ ‬الساعات‭ ‬الماضية‭.. ‬سقطت‭ ‬دمشق،‭ ‬وتم‭ ‬إسقاط‭ ‬الرئيس‭ ‬السورى،‭ ‬ويقال‭ ‬إنه‭ ‬سافر‭ ‬إلى‭ ‬موسكو،‭ ‬التى‭ ‬أعلن‭ ‬تليفزيونها‭ ‬الرسمى،‭ ‬عن‭ ‬مصدر‭ ‬فى‭ ‬الكرملين،‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬منحت‭ ‬الأسد‭ ‬وعائلته‭ ‬اللجوء‭ ‬‮«لأسباب‭ ‬إنسانية»‮‬‭ .. ‬لكن‭ ‬الأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬فى‭ ‬غضون‭ ‬أيام‭ ‬قليلة،‭ ‬انهار‭ ‬مشروع‭ ‬الكرملين‭ ‬فى‭ ‬سوريا،‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬ظروف‭ ‬دراماتيكية‭ ‬للغاية،‭ ‬مع‭ ‬عجز‭ ‬موسكو‭ ‬عن‭ ‬منعه‭.. ‬وأعلنت‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الروسية‭ ‬فى‭ ‬بيان‭ ‬لها،‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬موسكو‭ ‬‮ «‬تتابع‭ ‬الأحداث‭ ‬المأساوية‭ ‬فى‭ ‬سوريا‭ ‬بقلق‭ ‬بالغ‮»‬،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭ ‬يشكل‭ ‬ضربة‭ ‬لهيبة‭ ‬روسيا‭.. ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يتعلق‭ ‬بالهيبة‭ ‬فقط‭.. ‬ففى‭ ‬مقابل‭ ‬المساعدة‭ ‬العسكرية،‭ ‬منحت‭ ‬السلطات‭ ‬السورية‭ ‬روسيا‭ ‬عقود‭ ‬إيجار‭ ‬لمدة‭ ‬تسعة‭ ‬وأربعين‭ ‬عامًا‭ ‬للقاعدة‭ ‬الجوية‭ ‬فى‭ ‬حميميم‭ ‬والقاعدة‭ ‬البحرية‭ ‬فى‭ ‬طرطوس‭ . ‬لقد‭ ‬نجحت‭ ‬روسيا‭ ‬فى‭ ‬تأمين‭ ‬موطئ‭ ‬قدم‭ ‬مهم‭ ‬فى‭ ‬شرق‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬وأصبحت‭ ‬القواعد‭ ‬مراكز‭ ‬مهمة‭ ‬لنقل‭ ‬قوات‭ ‬فاجنر‭ ‬الروسية‭ ‬داخل‭ ‬وخارج‭ ‬إفريقيا‭.. ‬السؤال‭ ‬الرئيسى‭ ‬الذى‭ ‬يواجه‭ ‬موسكو‭ ‬هو‭ ‬ ماذا‭ ‬سيحدث‭ ‬لتلك‭ ‬القواعد‭ ‬الروسية‭ ‬الآن؟

ذكر‭ ‬بيان‭ ‬الكرملين،‭ ‬الذى‭ ‬أعلن‭ ‬عن‭ ‬وصول‭ ‬الأسد‭ ‬إلى‭ ‬موسكو،‭ ‬أن‭ ‬مسئولين‭ ‬روسًا‭ ‬كانوا‭ ‬على‭ ‬اتصال‭ ‬بممثلى ‭ ‬‮«المعارضة‭ ‬المسلحة‭ ‬السورية‮» ‬‭ ‬وأن‭ ‬زعماء‭ ‬المعارضة‭ ‬ضمنوا‭ ‬أمن‭ ‬القواعد‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬والبعثات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬على‭ ‬الأراضى‭ ‬السورية،‭ ‬فيما‭ ‬قالت‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الروسية،‭ ‬إن‭ ‬القواعد‭ ‬فى‭ ‬سوريا‭ ‬وُضِعَت ‬‮«‬فى‭ ‬حالة‭ ‬تأهب‭ ‬قصوى‮»‬،‭ ‬لكنها‭ ‬ادعت‭ ‬أنه‭ ‬‮ «لا‭ ‬يوجد‭ ‬تهديد‭ ‬خطير‭ ‬لها‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬الحالى‮» ‬‭ ‬، وزعم‭ ‬التليفزيون‭ ‬الروسى‭ ‬الرسمى،‭ ‬بأن‭ ‬روسيا‭ ‬‮ «كانت‭ ‬تأمل‭ ‬دائمًا‭ ‬فى‭ ‬المصالحة‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬المختلفة‭ ‬فى‭ ‬سوريا‭.. ‬والآن،‭ ‬نحن‭ ‬لسنا‭ ‬غير‭ ‬مبالين‭ ‬بما‭ ‬يحدث‭ ‬فى‭ ‬سوريا،‭ ‬لكن‭ ‬أولويتنا‭ ‬هى‭ ‬أمن‭ ‬روسيا‭ ‬نفسها‭.. ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬فى‭ ‬منطقة‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الخاصة‭ ‬بحرب‭ ‬روسيا‭ ‬فى‭ ‬أوكرانيا‮» ‬ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تسع‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬ضخ‭ ‬روسيا‭ ‬للموارد‭ ‬اللازمة‭ ‬لإبقاء‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬فى‭ ‬السلطة،‭ ‬فإن‭ ‬الروس‭ ‬يُقال‭ ‬لهم‭ ‬إن‭ ‬لديهم‭ ‬أمورًا‭ ‬أكثر‭ ‬أهمية‭ ‬للقلق‭ ‬عليها‭.‬

●●●

وقبل‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬عما‭ ‬تفعله‭ ‬إسرائيل‭ ‬الآن‭ ‬فى‭ ‬الأراضى‭ ‬السورية،‭ ‬دعونا‭ ‬نتذكر‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬إسرائيل‭ ‬تقدمه‭ ‬من‭ ‬مساعدات‭ ‬سرية‭ ‬للمتمردين‭ ‬السوريين‭.. ‬تمويل‭ ‬مباشر‭ ‬وغذاء‭ ‬ووقود‭ ‬وإمدادات‭ ‬طبية،‭ ‬قدمتها‭ ‬الدولة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لإبقاء‭ ‬داعش‭ ‬والقوات‭ ‬المتحالفة‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬فى‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬المجاورة‭ ‬تحت‭ ‬السيطرة‭.‬

فى‭ ‬يونيو‭ ‬2017‭ ‬كشفت‭ ‬تقارير‭ ‬إخبارية،‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬قدمت‭ ‬للمتمردين‭ ‬السوريين‭ ‬تمويلًا‭ ‬ومساعدات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬عازلة،‭ ‬فى‭ ‬منطقة‭ ‬الحدود‭ ‬عند‭ ‬مرتفعات‭ ‬الجولان‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وجارتها‭ ‬التى‭ ‬مزقتها‭ ‬الحرب‭.. ‬ذكرت‭ ‬صحيفة‭ ‬‮ «‬وول‭ ‬ستريت‭ ‬جورنال‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬السلطات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬قدمت‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬والغذاء‭ ‬والوقود‭ ‬والإمدادات‭ ‬الطبية‭ ‬للمتمردين‭ ‬الذين‭ ‬يقاتلون‭ ‬ضد‭ ‬حكومة‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭.‬

ويُعتقد‭ ‬أن‭ ‬الدعم‭ ‬المُفترض‭ ‬للمتمردين‭ ‬بدأ‭ ‬فى‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2013،‭ ‬فى‭ ‬عهد‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬السابق،‭ ‬موشيه‭ ‬يعلون،‭ ‬بهدف‭ ‬إنشاء‭ ‬‮«‬منطقة‭ ‬عازلة‮»‬‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬المسلحين‭ ‬المتطرفين،‭ ‬مثل‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬والقوات‭ ‬المتحالفة‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الحدود‭ ‬الإسرائيلية‭.. ‬وذكرت‭ ‬الصحيفة،‭ ‬أن‭ ‬وحدة‭ ‬خاصة‭ ‬تابعة‭ ‬للجيش‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬أُنشئت‭ ‬للإشراف‭ ‬على‭ ‬عملية‭ ‬المساعدات‭ ‬المكلفة،‭ ‬والتى‭ ‬تمنح‭ ‬أبومُصعب‭ ‬الجولانى،‭ ‬زعيم‭ ‬‮ «‬فرسان‭ ‬الجولان»‬‭  ‬ما‭ ‬يقدر‭ ‬بنحو‭ ‬خمسة‭ ‬آلاف‭ ‬دولار‭ ‬راتبًا‭ ‬شهريًا‭. ‬ غير‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬تمويل‭ ‬ما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬أربع‭ ‬مجموعات‭ ‬متمردة‭ ‬أخرى‭ ‬تحظى‭ ‬بدعم‭ ‬غربى‭ .. ‬وتستخدم‭ ‬هذه‭ ‬المجموعات‭ ‬الأموال‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والغربية،‭ ‬لدفع‭ ‬رواتب‭ ‬المقاتلين‭ ‬وشراء‭ ‬الذخيرة‭.‬

وبحسب‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬فى‭ ‬تقرير ‭ ‬‮«وول‭ ‬ستريت‭ ‬جورنال‮»‬،‭ ‬بدأ‭ ‬التحالف،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬شق‭ ‬مقاتلو‭ ‬‮«فرسان‭ ‬الجولان‮»‬‭ ‬الجرحى‭ ‬طريقهم‭ ‬إلى‭ ‬الحدود‭ ‬وتوسلوا‭ ‬إلى‭ ‬الجنود‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬المساعدة‭ ‬الطبية‭.. ‬وقال‭ ‬المتحدث‭ ‬باسم‭ ‬المجموعة،‭ ‬معتصم‭ ‬الجولانى،‭ ‬للصحيفة،‭ ‬‮ «لقد‭ ‬وقفت‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬جانبنا‭ ‬بطريقة‭ ‬بطولية‭.. ‬ لم‭ ‬نكن‭ ‬لننجو‭ ‬لولا‭ ‬مساعدة‭ ‬إسرائيل» ‬‭.. ‬وقالت‭ ‬قوات‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلى،‭ ‬إنها‭ ‬‮«‬ملتزمة‭ ‬بتأمين‭ ‬حدود‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ومنع‭ ‬إنشاء‭ ‬خلايا‭ ‬إرهابية‭ ‬وقوات‭ ‬معادية‭.. ‬ بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬للسوريين‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬فى‭ ‬المنطقة‮»، وفى‭ ‬حين‭ ‬زعم‭ ‬الأسد،‭ ‬فى‭ ‬السابق،‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬اليهودية‭ ‬تدعم‭ ‬الجماعات‭ ‬المتمردة،‭ ‬التى‭ ‬تشير‭ ‬إليها‭ ‬حكومته‭ ‬بـ«الإرهابية‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬عناصر‭ ‬من‭ ‬المعارضة‭ ‬اتهمت‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالمساعدة‭ ‬فى‭ ‬إبقاء‭ ‬النظام‭ ‬فى‭ ‬السلطة،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬النادر‭ ‬للغاية،‭ ‬أن‭ ‬ترد‭ ‬السلطات‭ ‬السورية‭ ‬على‭ ‬الضربات‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

واليوم قال‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلى،‭ ‬فى‭ ‬بيان‭ ‬له،‭ ‬إنه‭ ‬سيطر‭ ‬على‭ ‬أراضٍ‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬السورى‭ ‬من‭ ‬الحدود‭ ‬فى‭ ‬مرتفعات‭ ‬الجولان،‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬نظام‭ ‬الأسد. ‬وهذه‭ ‬هى‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التى‭ ‬تسيطر‭ ‬فيها‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬أراضٍ‭ ‬فى‭ ‬سوريا‭ ‬منذ‭ ‬حرب‭ ‬عام‭ ‬1973‭.. ‬وقد‭ ‬أبلغت‭ ‬إسرائيل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مُسبقًا‭ ‬بعمليتها‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬العازلة‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬سوريا،‭ ‬وعدة‭ ‬مواقع‭ ‬رئيسية‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬السورى‭ ‬من‭ ‬الحدود،‭ ‬وأبلغت‭ ‬إسرائيل‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى،‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬خطوة‭ ‬مؤقتة‭ ‬ستستمر‭ ‬بضعة‭ ‬أيام‭ ‬إلى‭ ‬بضعة‭ ‬أسابيع،‭ ‬حتى‭ ‬يستقر‭ ‬الوضع‭ ‬الأمنى‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الحدود‭.. ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬وأدى‭ ‬اتفاق‭ ‬فصل‭ ‬القوات‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وسوريا‭ ‬عام‭ ‬1974،‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬منطقة‭ ‬عازلة‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬فى‭ ‬مرتفعات‭ ‬الجولان‭ .. ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬تم‭ ‬نشر‭ ‬قوة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لمراقبة‭ ‬فض‭ ‬الاشتباك‭ ‬على‭ ‬جانبى‭ ‬المنطقة‭ ‬العازلة‭ .. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلى،‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو،‭ ‬أعلن‭ ‬أمس،‭ ‬عن‭ ‬انتهاء‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭.. ‬ وعليه،‭ ‬سيطر‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬الموقع‭ ‬العسكرى‭ ‬السورى‭ ‬الاستراتيجى‭ ‬على‭ ‬جبل‭ ‬الشيخ،‭ ‬أعلى‭ ‬نقطة‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬وطلبت‭ ‬قوات‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬المتواجدين‭ ‬فى‭ ‬القرى‭ ‬والبلدات‭ ‬السورية‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الحدود،‭ ‬البقاء‭ ‬فى‭ ‬منازلهم‭ ‬حتى‭ ‬إشعار‭ ‬آخر،‭ ‬بينما‭ ‬نفذت‭ ‬عشرات‭ ‬الغارات‭ ‬الجوية‭ ‬ضد‭ ‬القواعد‭ ‬والمنشآت‭ ‬ومستودعات‭ ‬الأسلحة‭ ‬العسكرية‭ ‬السورية،‭ ‬استهدفت‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوى‭ ‬للجيش‭ ‬السورى‭ ‬وبطاريات‭ ‬المدفعية‭ ‬والمنشآت‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬مرتبطة‭ ‬فى‭ ‬الماضى‭ ‬ببرنامج‭ ‬الأسلحة‭ ‬الكيميائية‭ ‬السورى،‭ ‬وقال‭ ‬مسئول‭ ‬إسرائيلى‭ ‬‮«‬إننا‭ ‬مسئولون‭ ‬عن‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬وقوع‭ ‬أنظمة‭ ‬الأسلحة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬فى‭ ‬الأيدى‭ ‬الخطأ‮»‬‭.. ‬وقام‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلى،‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو،‭ ‬ووزير‭ ‬الدفاع،‭ ‬يسرائيل‭ ‬كاتس،‭ ‬بزيارة‭ ‬الحدود‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬واستمعا‭ ‬إلى‭ ‬إحاطة‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلى،‭ ‬وقال‭ ‬نتنياهو،‭ ‬إن‭ ‬انهيار‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭ ‬يوفر‭ ‬فرصة‭ ‬عظيمة،‭ ‬وزعم‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬كان ‬‮«‬نتيجة‭ ‬مباشرة» ‬‭ ‬للعمليات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ضد‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬وإيران‭ .. ‬وأضاف‭ ‬‮«‬نرسل‭ ‬يد‭ ‬السلام‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬خارج‭ ‬حدودنا‭ ‬فى‭ ‬سوريا‭..  ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬بوسعنا‭ ‬إقامة‭ ‬علاقات‭ ‬حسن‭ ‬جوار‭ ‬وعلاقات‭ ‬سلمية‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬الجديدة‭ ‬الناشئة‭ ‬فى‭ ‬سوريا،‭ ‬فهذه‭ ‬هى‭ ‬رغبتنا‮».‬‭!!.‬

●●●

يأتى‭ ‬الدور‭ ‬على‭ ‬سؤال: ‬أين‭ ‬تقف‭ ‬تركيا‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭ ‬فى‭ ‬أيدى‭ ‬المعارضة‭ ‬السورية؟

إن‭ ‬العلاقات‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬والمُعقدة،‭ ‬التى‭ ‬تربط‭ ‬تركيا‭ ‬بفصائل‭ ‬المعارضة‭ ‬المختلفة،‭ ‬تجعلها‭ ‬اللاعب‭ ‬الرئيسى‭ ‬فى‭ ‬المضى‭ ‬قدمًا‭ ‬فى‭ ‬انتقال‭ ‬سوريا،‭ ‬لكن‭ ‬اتجاه‭ ‬أنقرة‭ ‬غامض‭ .. ‬وتعد‭ ‬تركيا،‭ ‬التى‭ ‬تشترك‭ ‬فى‭ ‬حدود‭ ‬طولها‭ ‬قرابة‭ ‬ستمائة‭ ‬ميل‭ ‬مع‭ ‬سوريا،‭ ‬أحد‭ ‬الداعمين‭ ‬الرئيسيين‭ ‬لجماعات‭ ‬المعارضة‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالأسد‭ ‬منذ‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬عام‭ ‬2011‭.. ‬وفى‭ ‬حين‭ ‬رفض‭ ‬المسئولون‭ ‬الأتراك‭ ‬بشدة‭ ‬مزاعم‭ ‬أى‭ ‬تورط،‭ ‬يعتقد‭ ‬المراقبون‭ ‬أن‭ ‬الهجوم،‭ ‬الذى‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬الأهداف‭ ‬التركية‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬دون‭ ‬موافقة‭ ‬أنقرة‭ .. ‬لقد‭ ‬سمح‭ ‬ذلك‭ ‬لتركيا،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وكيلها‭ ‬السورى،‭ ‬الجيش‭ ‬الوطنى‭ ‬السورى،‭ ‬بالرد‭ ‬على‭ ‬القوات‭ ‬الكردية‭ ‬فى‭ ‬سوريا‭ ‬المتحالفة‭ ‬مع‭ ‬عدوها‭ ‬اللدود،‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬الكردستانى‭.. ‬ وإذا‭ ‬كانت‭ ‬أنقرة‭ ‬قد‭ ‬أدرجت‭ ‬جماعة‭ ‬هيئة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام،‭ ‬الجماعة‭ ‬الجهادية‭ ‬التى‭ ‬قادت‭ ‬المسيرة‭ ‬التى‭ ‬استمرت‭ ‬عشرة‭ ‬أيام‭ ‬نحو‭ ‬دمشق،‭ ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬المنظمات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الشواهد‭ ‬دللت‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تركيا‭ ‬عمِلَت‭ ‬إلى‭ ‬جانبها‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬فى‭ ‬شمال‭ ‬سوريا،‭ ‬ويُعتقد‭ ‬أنها‭ ‬تمارس‭ ‬نفوذًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الجماعة‭.‬

فى‭ ‬البداية،‭ ‬أعلنت‭ ‬تركيا‭ ‬عن‭ ‬دعمها‭ ‬وحدة‭ ‬أراضى‭ ‬سوريا،‭ ‬وكان‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬تريده،‭ ‬هو‭ ‬منطقة‭ ‬حكم‭ ‬ذاتى‭ ‬يسيطر‭ ‬عليها‭ ‬الأكراد‭ ‬على‭ ‬حدودها،‭ ‬أو‭ ‬نزوح‭ ‬جديد‭ ‬للاجئين‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭.. ‬ونفذت‭ ‬أنقرة‭ ‬عدة‭ ‬عمليات‭ ‬توغل‭ ‬فى‭ ‬سوريا‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬بهدف‭ ‬صد‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬أو‭ ‬المسلحين‭ ‬الأكراد،‭ ‬وإنشاء‭ ‬منطقة‭ ‬عازلة‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬حدودها،‭ ‬وهى‭ ‬الآن‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬من‭ ‬الأراضى‭ ‬فى‭ ‬شمال‭ ‬سوريا‭.. ‬وكانت‭ ‬تركيا‭ ‬قد‭ ‬شاركت‭ ‬فى‭ ‬السابق‭ ‬فى‭ ‬الجهود‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬لحل‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬النظام‭ ‬والمتمردين،‭ ‬بما‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬إجراء‭ ‬محادثات‭ ‬مع‭ ‬الداعمين‭ ‬الرئيسيين‭ ‬للأسد،‭ ‬روسيا‭ ‬وإيران‭.. ‬ وفى‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬سعت‭ ‬أنقرة‭ ‬إلى‭ ‬المصالحة‭ ‬مع‭ ‬الأسد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬التهديد‭ ‬الذى‭ ‬تُشكله‭ ‬الميليشيات‭ ‬الكردية‭ ‬على‭ ‬تركيا،‭ ‬وضمان‭ ‬العودة‭ ‬الآمنة‭ ‬للاجئين‭. ‬لكن‭ ‬الأسد‭ ‬رفض‭ ‬المبادرات‭ ‬التركية‭ ‬والآن،‭ ‬رفض‭ ‬المسئولون‭ ‬الأتراك‭ ‬بشدة،‭ ‬مزاعم‭ ‬التورط‭ ‬فى‭ ‬الهجوم‭ ‬المناهض‭ ‬للحكومة،‭ ‬مؤكدين‭ ‬معارضتهم‭ ‬للتطورات‭ ‬التى‭ ‬تُزيد‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬فى‭ ‬المنطقة،‭ ‬‮«‬كل‭ ‬التصريحات‭ ‬التى‭ ‬تزعم‭ ‬بأن‭ ‬تركيا‭ ‬حرضت‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أو‭ ‬دعمته‭ ‬غير‭ ‬صحيحة‭.. ‬إنها‭ ‬كلها‭ ‬أكاذيب‮»‬‭.. ‬ بينما‭ ‬يقول‭ ‬المحللون،‭ ‬إن‭ ‬الهجوم‭ ‬الذى‭ ‬يشنه‭ ‬المتمردون‭ ‬كان‭ ‬ليصبح‭ ‬مستحيلًا،‭ ‬لولا‭ ‬الضوء‭ ‬الأخضر‭ ‬من‭ ‬تركيا‭.. ‬ويرد‭ ‬الأتراك‭ ‬بأن‭ ‬أنقرة‭ ‬أوقفت‭ ‬الهجوم‭ ‬لعدة‭ ‬أشهر‭.. ‬ وفى‭ ‬النهاية،‭ ‬مضت‭ ‬قوات‭ ‬المعارضة‭ ‬قُدمًا‭ ‬فى‭ ‬الهجوم،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬هاجمت‭ ‬الحكومة‭ ‬السورية‭ ‬مناطق‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬المعارضة،‭ ‬منتهكة‭ ‬بذلك‭ ‬الاتفاقات‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وإيران‭ ‬وتركيا‭ ‬لتهدئة‭ ‬الصراع‭.. ‬ وأكد‭ ‬هؤلاء‭ ‬المسئولون‭ ‬وانتبه‭!! ‬أن‭ ‬الهجوم‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬فى‭ ‬البداية‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬محدودًا،‭ ‬لكنه‭ ‬توسع‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬بدأت‭ ‬قوات‭ ‬الحكومة‭ ‬السورية‭ ‬فى‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬مواقعها‭!‬

إن‭ ‬سقوط‭ ‬الحكومة‭ ‬السورية‭ ‬قد‭ ‬يشكل‭ ‬عدة‭ ‬مخاطر‭ ‬على‭ ‬تركيا،‭ ‬بما‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬إرسال‭ ‬موجة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬اللاجئين‭ ‬نحو‭ ‬الحدود‭ ‬التركية‭ ‬إذا‭ ‬اندلعت‭ ‬الفوضى‭.. ‬إن ‭ ‬‮«الخطر‭ ‬الأول‭ ‬الذى‭ ‬تريد‭ ‬تركيا‭ ‬تجنبه‭ ‬بأى‭ ‬ثمن،‭ ‬هو‭ ‬التفكك‭ ‬الإقليمى‭ ‬لسوريا،‭ ‬مع‭ ‬تنافس‭ ‬هياكل‭ ‬السلطة‭ ‬المختلفة‭ ‬على‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتى‭ ‬على‭ ‬أراضيه»‬‭.. ‬ وأشار‭ ‬بعض‭ ‬المحللين،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الهجوم‭ ‬الذى‭ ‬يشنه‭ ‬المتمردون‭ ‬قد‭ ‬يؤدى‭ ‬إلى‭ ‬تأجيج‭ ‬التوترات‭ ‬مع‭ ‬داعمى‭ ‬سوريا،‭ ‬إيران‭ ‬وروسيا‭.. ‬ ومنذ‭ ‬عام‭ ‬2022 ،‭ ‬تسعى‭ ‬تركيا‭ ‬إلى‭ ‬تطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬سوريا‭ .. ‬لكن‭ ‬الأسد‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬انسحاب‭ ‬القوات‭ ‬التركية‭ ‬من‭ ‬شمال‭ ‬سوريا،‭ ‬فى‭ ‬حين‭ ‬تؤكد‭ ‬تركيا‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬الانسحاب‭ ‬طالما‭ ‬استمرت‭ ‬التهديدات‭ ‬من‭ ‬الميليشيات‭ ‬الكردية‭.. ‬ ولكن‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬تغيير‭ ‬الحكم‭ ‬فى‭ ‬سوريا‭ ‬سيسمح‭ ‬لتركيا‭ ‬بإبعاد‭ ‬وحدات‭ ‬حماية‭ ‬الشعب‭ ‬عن‭ ‬حدودها،‭ ‬يبقى‭ ‬أمرًا‭ ‬غير‭ ‬واضح‭.. ‬ وإن‭ ‬كانت‭ ‬التقارير‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هيئة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام‭ ‬طورت‭ ‬علاقات‭ ‬جيدة‭ ‬مع‭ ‬وحدات‭ ‬حماية‭ ‬الشعب،‭ ‬التى‭ ‬ترأس‭ ‬قوات‭ ‬سوريا‭ ‬الديمقراطية‭.. ‬وتنظر‭ ‬تركيا‭ ‬إلى‭ ‬وحدات‭ ‬حماية‭ ‬الشعب‭ ‬باعتبارها‭ ‬منظمة‭ ‬إرهابية،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تحالفها‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ضد‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭.‬

وتتوقع‭ ‬تركيا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬رأى‭ ‬مهم‭ ‬فى‭ ‬الشكل‭ ‬الجديد‭ ‬لسوريا،‭» ‬‮‬المفاوضات‭ ‬ستقرر‭ ‬مستقبل‭ ‬سوريا،‭ ‬وستكون‭ ‬تركيا‭ ‬مؤثرة،‭ ‬لكن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ستؤثر‭ ‬أيضًا،‭ ‬وكذلك‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬التى‭ ‬ستمول‭ ‬إعادة‭ ‬إعمار‭ ‬سوريا‭.. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬تركيا‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام،‭ ‬فى‭ ‬سعيها‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالحها‭ ‬الخاصة‭.. ‬لكن‭ ‬هيئة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام‭ ‬هى‭ ‬ورقة‭ ‬رابحة‮» ‬ ‬فهل‭ ‬تريد‭ ‬تركيا‭ ‬حقًا‭ ‬أن‭ ‬تُدير‭ ‬منظمة‭ ‬جهادية‭ ‬دولة‭ ‬مجاورة‭ ‬لها؟

●●●

فى‭ ‬واشنطن‭.. ‬ تشعر‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬بالقلق،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬انهيار‭ ‬الجيش‭ ‬السورى‭ ‬وقوات‭ ‬الأمن‭ ‬الأخرى،‭ ‬والفوضى‭ ‬التى‭ ‬تجتاح‭ ‬البلاد،‭ ‬سوف‭ ‬يسمح‭ ‬للجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬بالاستيلاء‭ ‬على‭ ‬أسلحة‭ ‬خطيرة‭ ‬كانت‭ ‬فى‭ ‬حوزة‭ ‬نظام‭ ‬الأسد .. ‬وقال‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬فى‭ ‬كلمة‭ ‬ألقاها‭ ‬الأحد،‭ ‬‮ «سندعم‭ ‬جيران‭ ‬سوريا‭ ‬لبنان‭ ‬والعراق‭ ‬والأردن‭ ‬وإسرائيل‭ ‬من‭ ‬أى‭ ‬تهديد‭ ‬قد‭ ‬ينشأ‭ ‬من‭ ‬سوريا‮»، ‬‭.. ‬بينما‭ ‬أوضح‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية،‭ ‬أنتونى‭ ‬بلينكن،‭ ‬‮«‬إننا‭ ‬سندعم‭ ‬الجهود‭ ‬الدولية‭ ‬لمحاسبة‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭ ‬وداعميه،‭ ‬على‭ ‬الفظائع‭ ‬والانتهاكات‭ ‬التى‭ ‬ارتكبت‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬السورى،‭ ‬بما‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬استخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬الكيميائية‮»‬.. ‬ ويقول‭ ‬‮»‬AXIOS‮«‬‭ ‬إن‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭ ‬استخدمها‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬السوريين‭ ‬عام‭ ‬2013،‭ ‬منتهكًا‭ ‬‮«‬الخط‭ ‬الأحمر» ‬‭ ‬الذى‭ ‬حدده‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬الأسبق‭ ‬باراك‭ ‬أوباما،‭ ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬عند‭ ‬مناقشة‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يؤدى‭ ‬إلى‭ ‬التدخل‭ ‬العسكرى‭ ‬الأمريكى‭.. ‬وفى‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬تراجع‭ ‬أوباما‭ ‬عن‭ ‬تهديداته‭ ‬بقصف‭ ‬سوريا،‭ ‬وأبرم‭ ‬صفقة‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬لتدمير‭ ‬مخزونات‭ ‬الأسلحة‭ ‬الكيميائية‭ ‬لنظام‭ ‬الأسد‭.. ‬لكن‭ ‬مسئولين‭ ‬استخباراتيين‭ ‬أمريكيين‭ ‬وغربيين‭ ‬يعتقدون،‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬انتهك‭ ‬الاتفاق‭ ‬واحتفظ‭ ‬ببعض‭ ‬أسلحته‭ ‬الكيميائية‭.‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬قد‭ ‬نفذت،‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الثمانية‭ ‬وأربعين‭ ‬ساعة‭ ‬الماضية،‭ ‬غارات‭ ‬جوية‭ ‬ضد‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬القواعد‭ ‬العسكرية‭ ‬السورية‭ ‬ومستودعات‭ ‬الأسلحة،‭ ‬والمرافق‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬برامج‭ ‬الأسلحة‭ ‬الكيميائية‭ ‬والصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬السورية،‭ ‬بحسب‭ ‬مسئولين‭ ‬إسرائيليين‭.. ‬ أعلنت‭ ‬القيادة‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‭ ‬Centcom،‭ ‬عن‭ ‬أنها‭ ‬نفذت‭ ‬‮«‬عشرات‭ ‬الضربات‭ ‬الجوية‭ ‬الدقيقة‮»‬،‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬معسكرات‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬‮«‬داعش‮»‬‭ ‬وسط‭ ‬سوريا‭.‬

جاءت‭ ‬الضربات‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬مهمة‭ ‬مستمرة‭ ‬‮«‬لتعطيل‭ ‬وإضعاف‭ ‬وهزيمة‭ ‬داعش،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬منع‭ ‬الجماعة‭ ‬الإرهابية‭ ‬من‭ ‬تنفيذ‭ ‬عمليات‭ ‬خارجية،‭ ‬وضمان‭ ‬عدم‭ ‬سعى‭ ‬داعش‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬الوضع‭ ‬الحالى،‭ ‬لإعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬نفسها‭ ‬فى‭ ‬وسط‭ ‬سوريا‮»‬،‭ ‬بحسب‭ ‬بيان‭ ‬للقيادة‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‭.. ‬لكن‭ ‬خلف‭ ‬الكواليس،‭ ‬قال‭ ‬مسئول‭ ‬أمريكى‭ ‬أمس‭ ‬الأحد،‭ ‬إن‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬ركزت‭ ‬فى‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬الأسلحة‭ ‬الكيميائية‭ ‬السورية،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لديها‭ ‬‮«‬معلومات‭ ‬جيدة‮»‬‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬مخزون‭ ‬الأسلحة‭ ‬السورية،‭ ‬وإن‭ ‬خبراء‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬يعتقدون‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تحت‭ ‬السيطرة، ‬‮«‬نحن‭ ‬نتخذ‭ ‬تدابير‭ ‬حذرة‭ ‬للغاية‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭.. ‬نحن‭ ‬نفعل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬فى‭ ‬وسعنا‭ ‬لضمان‭ ‬عدم‭ ‬وصول‭ ‬هذه‭ ‬المواد‭ ‬إلى‭ ‬أى‭ ‬شخص‭ ‬والاعتناء‭ ‬بها‭.. ‬و«نريد‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬تدمير‭ ‬أو‭ ‬تأمين‭ ‬الكلور‭ ‬أو‭ ‬الأشياء‭ ‬التى‭ ‬هى‭ ‬أسوأ‭ ‬بكثير‭.. ‬وهناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجهود‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬مع‭ ‬الشركاء‭ ‬فى‭ ‬المنطقة»‬‭.‬

فى‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ .. ‬وبينما‭ ‬كان‭ ‬المتمردون‭ ‬السوريون‭ ‬فى‭ ‬طريقهم‭ ‬إلى‭ ‬دمشق‭ ‬يوم‭ ‬السبت،‭ ‬أصدروا‭ ‬بيانًا‭ ‬من‭ ‬غرفة‭ ‬الحرب‭ ‬المشتركة‭ ‬الخاصة‭ ‬بهم،‭ ‬يؤكدون‭ ‬فيه‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يهتمون‭ ‬بالأسلحة‭ ‬الكيميائية‭ ‬التى‭ ‬يمتلكها‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭.. ‬وقالوا‭ ‬إنهم‭ ‬سيتعاملون‭ ‬مع‭ ‬القواعد‭ ‬والمنشآت‭ ‬العسكرية‭ ‬التابعة‭ ‬لنظام‭ ‬الأسد‭ ‬بمسئولية،‭ ‬وتعهدوا‭ ‬بتأمين‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬وعدم‭ ‬السماح‭ ‬لها‭ ‬بالوقوع‭ ‬فى‭ ‬الأيدى‭ ‬الخطأ‭.. ‬وإنهم‭ ‬أيضًا‭ ‬مستعدون‭ ‬للتنسيق‭ ‬مع‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولى‭ ‬بشأن‭ ‬مراقبة‭ ‬الأسلحة‭ ‬والمواقع‭ ‬الحساسة‭ ‬فى‭ ‬سوريا،‭ ‬وتقديم‭ ‬ضمانات‭ ‬بأنهم‭ ‬لن‭ ‬يستخدموا‭ ‬أى‭ ‬أسلحة‭ ‬محظورة‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬الدولى‭.‬

وإذا‭ ‬أردت‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬الصورة‭ ‬الكبيرة‭ ‬للوضع‭ ‬فى‭ ‬سوريا،‭ ‬فقد‭ ‬حدد‭ ‬بايدن‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بشأن‭ ‬الأزمة‭ ‬هناك،‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬الثلاثة‭ ‬وأربعين‭ ‬المتبقية‭ ‬من‭ ‬إدارته‭ ‬فى‭ ‬خطاب‭ ‬ألقاه‭ ‬يوم‭ ‬أمس‭ ‬الأحد،‭ ‬قال‭ ‬فيه،‭ ‬إنه‭ ‬سيتحدث‭ ‬إلى‭ ‬زعماء‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬فى‭ ‬الأيام‭ ‬المقبلة،‭ ‬وسيرسل‭ ‬مسئولين‭ ‬أمريكيين‭ ‬كبارًا‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭ ‬لمناقشة‭ ‬الوضع،‭ ‬موضحًا، ‬‮«‬سنعمل‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬المجموعات‭ ‬السورية،‭ ‬لإرساء‭ ‬مرحلة‭ ‬انتقالية‭ ‬نحو‭ ‬سوريا‭ ‬مستقلة‭ ‬ذات‭ ‬سيادة‭ ‬تخدم‭ ‬كل‭ ‬السوريين‮»، ‬‭!!.. ‬وأكد‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬السورى‭ ‬هو‭ ‬الذى‭ ‬يقرر‭ ‬مستقبله،‭ ‬لكن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مستعدة‭ ‬لدعم‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭!!.. ‬ وبين‭ ‬السطور: ‬أرسل‭ ‬بايدن‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬زعيم‭ ‬الجماعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬الرئيسية،‭ ‬أبومحمد‭ ‬الجولانى،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يذكره‭ ‬أو‭ ‬يذكر‭ ‬تنظيمه،‭ ‬هيئة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام،‭ ‬بالاسم‭.. ‬واعترف‭ ‬بايدن‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬بعض‭ ‬الجماعات‭ ‬المتمردة‭ ‬التى‭ ‬أطاحت‭ ‬بالأسد‭ ‬لها‭ ‬سجلها‭ ‬المروع‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬الإرهاب‭ ‬وانتهاكات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان»‬‭‬، مع‭ ‬أن‭ ‬مسئولًا‭ ‬أمريكيًا‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬كانت‭ ‬تتواصل‭ ‬فى‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬مجموعات‭ ‬المعارضة‭ ‬السورية،‭ ‬بما‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬هيئة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام،‭ ‬‮ «نحن‭ ‬على‭ ‬اتصال‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬المجموعات‭ ‬السورية‭ ‬ولدينا‭ ‬طرق‭ ‬للتواصل‭ ‬مع‭ ‬الجميع‭ ‬فى‭ ‬سوريا»، ‬‭.. ‬ولقد‭ ‬أخذنا‭ ‬علمًا‭ ‬‮ «بالتصريحات‭ ‬التى‭ ‬أدلى‭ ‬بها‭ ‬زعماء‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬المتمردة‭ ‬فى‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة‭ ..‬إنهم‭ ‬يقولون‭ ‬الأشياء‭ ‬الصحيحة‭ ‬الآن،‭ ‬ولكننا‭ ‬سوف‭ ‬نُقيِّم‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬أقوالهم،‭ ‬بل‭ ‬وأفعالهم‭ ‬أيضًا»‮‬‭.‬

وفى‭ ‬الختام‭.. ‬ يبقى‭ ‬أن‭ ‬نقول،‭ ‬إن‭ ‬بايدن‭ ‬وصف‭ ‬نهاية‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭ ‬بأنها‭ ‬‮ «عمل‭ ‬أساسى‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬العدالة‮»‬،‭ ‬لكنه‭ ‬حذر‭ ‬من‭ ‬أن ‬‮«‬إسقاط‭ ‬طاغية‭ ‬واحد‭ ‬ثم‭ ‬صعود‭ ‬طاغية‭ ‬جديد‭ ‬فى‭ ‬مكانه،‭ ‬سيكون‭ ‬بمثابة‭ ‬إهدار‭ ‬لهذه‭ ‬الفرصة‭ ‬التاريخية‮»،‬ وتلك‭ ‬أشياء‭ ‬لا‭ ‬تُحددها‭ ‬إلا‭ ‬واشنطن‭.. ‬ وصلت‭ ‬الرسالة؟‭!‬ حفظ‭ ‬الله‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬كيد‭ ‬الكائدين‭.. ‬آمين‭.‬