«ملك وكتابة».. ما مصير صورة بشار على «ليرة الأسد»؟
شكلت صورة عائلة الأسد - الأب والابن - رمزًا للنظام السوري لعقود طويلة، حتى أصبحت حاضرة بشكل دائم على العملة الوطنية (الليرة السورية)، لكن هذا الوضع الراسخ بدأ يتغير عام 2015 عندما أزيلت صورة الرئيس الراحل حافظ الأسد من فئة الألف ليرة، والآن بعد المرحلة الانتقالية الجديدة وسقوط نظام بشار الأسد من المتوقع إزالة صورة "الأسد" نهائيًا من العملة السورية.
انهيار الليرة السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد
في الثامن من ديسمبر عام 2024، دخلت سوريا مرحلة جديدة في تاريخها بعد سقوط نظام بشار الأسد الذي حكم البلاد لمدة 13 عامًا، وبحلول صباح 8 ديسمبر عام 2024، بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي 22،000 ليرة في دمشق و36،000 ليرة في حلب وهو تدهور غير مسبوق للعملة السورية.
وفي ظل هذا الانهيار، أصبح سعر الدولار يتفاوت بشكل كبير بين المدن والمناطق، ما يعكس حالة عدم الاستقرار الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، فقد تراجعت قيمة العملة السورية بمعدلات كبيرة في مختلف المناطق، في وقت يعاني فيه المواطنون من التضخم الجامح.
الاقتصاد السوري في حالة موت سريري
عاش الاقتصاد السوري سنوات من التدهور العميق وفقد جزءً كبيرًا من موارده الحيوية نتيجة للقتال المستمر والحصار الاقتصادي المفروض عليها.
وفي تقرير للبنك الدولي، أكد أن الناتج المحلي الإجمالي لسوريا انخفض بنسبة 54% بين عامي 2010 و2021، وهو ما يعكس الأضرار الفادحة التي تعرض لها الاقتصاد السوري بسبب الحرب.
وخلال عام 2023 انخفضت قيمة الليرة السورية بنسبة 141% مقابل الدولار الأمريكي، وزادت أسعار المستهلكين بنسبة 93%، مما أثر بشكل بالغ على القدرة الشرائية للمواطنين السوريين، كما زاد الوضع سوءً بسبب التضخم الذي وصل إلى معدلات غير مسبوقة، فيما أظهرت التقارير توقعات بارتفاع معدل التضخم إلى 99.7% في عام 2024.
القرارات الاقتصادية في عهد النظام
وكان من أبرز القرارات الاقتصادية التي اتخذها النظام في سنواته الأخيرة طرح عملات نقدية جديدة فئة 5000 ليرة، في يناير 2021، في خطوة أثارت مخاوف من انهيار أكبر في قيمة الليرة، ورغم محاولات المسؤولين تهوين الوضع، إلا أن الواقع أثبت أن هذه الخطوة كانت جزءً من تدهور اقتصادي عميق، خاصة مع طباعة عملات بمبالغ ضخمة دون رصيد، ما ساهم في مزيد من التضخم وفقدان الثقة في الاقتصاد المحلي.
المرحلة الجديدة.. تحديات اقتصادية كبرى
ومع سقوط نظام بشار الأسد تتطلع سوريا إلى مرحلة جديدة من إعادة البناء، لكن هذا لن يكون سهلًا في ظل التحديات الاقتصادية الكبرى التي تواجهها البلاد، وسيكون من الصعب على الحكومة الجديدة تحقيق الاستقرار الاقتصادي في ظل الأزمات التي تعصف بالقطاعين المالي والصناعي، بالإضافة إلى الفقر الذي يعاني منه 69% من السكان.
ويبقى السؤال بعد سقوط النظام ما هو مستقبل الليرة السورية، حيث يعتقد محللون أنها ستشهد مزيدًا من التدهور قبل أن تبدأ في الانتعاش، خاصة في ظل الانقسام السياسي وعدم استقرار الوضع الأمني، وقد تحتاج سوريا إلى سنوات طويلة لتعيد بناء اقتصادها وتستعيد الثقة في عملتها المحلية.
اقتصادي: سقوط النظام السوري أدى إلى تراجع قيمة العملة
وفي السياق، أكد الدكتور محمود أحمد كاظم الباحث في الشؤون الاقتصادية لـ"الدستور"، أن سقوط النظام السوري سيؤدي إلى أزمات اقتصادية حادة أبرزها تراجع قيمة العملة السورية ونقص السلع والخدمات وصعوبة جذب الاستثمارات.
وأوضح “كاظم” أن الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ 6.2 مليارات دولار في 2023، قد ينخفض بنسبة تتراوح بين 30% و50% إذا استمرت الأوضاع الحالية حتى نهاية الربع الأول من العام المقبل.
إعادة صياغة هوية العملة السورية في مرحلة ما بعد الأسد
ومع التغيرات السياسية المحتملة في سوريا، تتجه الأنظار نحو مستقبل العملة السورية وكيف ستعكس هذه التحولات في البلاد.
ومن المتوقع أن يشهد السوريون قريبا تغييرات جذرية في التصميمات النقدية، حيث يُتوقع إزالة صورة بشار الأسد عن جميع فئات العملة، فيما تسعى قوى المعارضة أو الحكومة الجديدة إلى إصدار تصميم عملة يعكس مرحلة جديدة في تاريخ البلاد.
إعادة بناء الهوية الوطنية عبر العملة
وكما حدث في عام 2015 عندما أزيلت صورة حافظ الأسد من فئة الألف ليرة، يظل تغيير التصميمات النقدية خطوة رمزية هامة في إعادة صياغة الهوية الوطنية.
وفي حال تغيير العملة ستسعى الحكومة الجديدة إلى تقديم تصاميم تمثل معالم تاريخية، بعيدًا عن الشخصيات السياسية التي ارتبطت بفترة حكم الأسد.
القلق في الأسواق وتراجع قيمة الليرة
وشهدت الأسواق السورية حالة من الارتباك في الأيام الأخيرة، مما دفع بعض شركات الصرافة إلى التوقف عن صرفها مؤقتًا.
ويواجه السوق السوداء في سوريا تقلبات حادة في سعر صرف الليرة، حيث سجلت هبوطًا حادًا وبلغ سعر الدولار 22 ألف ليرة في دمشق مقارنة بـ 15 ألف ليرة قبل بداية الأحداث الأخيرة، وفي الوقت نفسه، ظل مصرف سوريا المركزي يحدد سعر الصرف الرسمي عند نحو 14 ألف ليرة.
وفي عام 2022، كان سعر الدولار يساوي 6 آلاف ليرة، ما يعكس تدهورًا كبيرًا للعملة السورية على مدار السنوات الماضية، ورغم هذا الانخفاض الحاد في القيمة، لا يزال يتم التعامل بالليرة في المعاملات اليومية والتجارية بشكل عادي.
التوقعات بتغيير العملة السورية
وفي ظل هذا الوضع المتأزم، يُتوقع أن تتغير العملة السورية بعد سقوط النظام، حيث سيتم إزالة صور بشار الأسد ووالده حافظ الأسد، إضافة إلى جميع الرموز والشعارات التي تمثل النظام الحالي، ومن المتوقع أن يتم طباعة عملة جديدة تعكس مرحلة سياسية واقتصادية جديدة.
التحديات المقبلة
لكن هذه التوقعات لا تخلو من التحديات، فإصدار عملة جديدة سيعني مواجهة العديد من القضايا الاقتصادية المعقدة، من ضمنها استعادة الثقة في النظام المالي والمصرفي المتدهور، واستقرار سعر الصرف في ظل الوضع الاقتصادي الصعب.