رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"أحد مشاهير محامىّ الجماعات الإرهابية" يتطاول على المصريين على قناة الـ"بى بى سى"!

(1)

أشعر بالقلق حين أرى قناة الـ«بى بى سى» تحديدًا تُلح فى طرح قضية مريبة تخص مصر. فالقناة معروفة التوجه ومع من، ولصالح من تعمل. ولدى مصر صفحة سوداء ربما لا تعلمها الأجيال الشابة مع بريطانيا فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى. هذه الصفحة لم تنل القدر الكافى من الشهرة كباقى الصفحات الأقدم، مثل صفحة جماعة الإخوان الإرهابية فى طور نشأتها الأولى فى الربع الأول من نفس القرن. الصفحة التى أقصدها هى تلك الخاصة بما قدمته هذه الدولة من مساندةٍ كبرى لأساطين الإرهاب فى مصر. فتحت مسمى «حق اللجوء السياسى للمعارضة» قدمت إنجلترا فى هذين العقدين تحديدًا حق اللجوء السياسى مصحوبًا بمنابر إعلامية وأحيانًا بالجنسية التى رفضت منحها لآخرين كان لهم نصيبٌ كبير فى الاقتصاد الإنجليزى! لجوء ومنابر إعلامية وشقق سكنية فى قلب عاصمة الضباب لأسماءٍ كان أصحابُها متورطين فى جرائم إرهاب فى مصر تنفيذًا أو تحريضًا، وأطلقتْ عليهم مسمى معارضين سياسيين! وذكر مبارك ذلك فى أكثر من مناسبة حين كان يدعو الدول الغربية إلى لفظ الإرهاب وإلى مشاركة دول الشرق الأوسط فى مقاومته، وحين كان يدعو إلى عقد مؤتمر دولى لمكافحة الإرهاب. هو قطعًا كان يعلم ما خلف الكواليس، لكنه كان يسجل موقف الدولة المصرية ويحرج تلك الدول أمام شعوبها، خاصة حين أطلق تحذيره ذات مرة بأن الدول التى تمنح لقادة الإرهاب ملاذاتٍ آمنة سوف تدفع يومًا ثمن ذلك حين تكتوى بنار الإرهاب، وهذا ما حدث فى العقود التالية. بريطانيا هى مبتكرة قاعدة (divide and rule) (فرّقْ تَسُدْ)، ويبدو أن بعض ساستها لا يزالون ينهجون نفس النهج؛ استضافة من تسميهم بمعارضين لاستخدامهم ضد دولهم بما يصب فى صالحها، وهو ما كانت تهدف إليه دائمًا بعلاقاتها مع قادة الإرهاب. مصطلح «المرصد الإعلامى المعارض» لأى جماعة إرهابية مسلحة هو اختراع بريطانى، وظهر لأول مرة ملتصقًا بجماعات مصرية مما تم منح قادتها حق اللجوء السياسى!

(2)

لذلك، فحين أشاهدُ فى غضون أسابيع قليلة عدة برامج حوارية على شاشة هذه القناة تلح على فكرة تسويق المصالحة بين الجماعة الإرهابية وبين الدولة المصرية يكون قلقى كمواطن مصرى مشروعًا ومنطقيًا جدًا. صباح أحد أيام الأسبوع الماضى شاهدت حلقة من برنامج بتوقيت مصر، ولا أدرى متى تم تسجيل هذا الحوار، لكنه يقينًا تم بعد إطلاق الجماعة الإرهابية شائعة موافقة الدولة المصرية على التصالح مع الجماعة الإرهابية، وبعد رد الفعل الشعبى المصرى الصارم بالرفض المطلق الصريح.

كان اللقاء مع أحد نجوم ومشاهير «محامىّ الجماعات الإرهابية فى العقود الماضية»، والذى يُعده البعض الآن ممن ساهموا فى إطلاق مبادرة رفض العنف سابقًا! وأنا أدعو القائمين على أمر هذه البلاد إلى دراسة ما جاء فى تلك الحلقة لما احتوته من أفكارٍ مهمة، بعضها يروج كالعادة لجملة من الأكاذيب، بينما يحمل البعض الآخر قدرًا من التجاوز فى حق المصريين الذين رفضوا رفضًا قاطعًا أى تصالح مع الجماعة الإرهابية.

بدأ نجمُ محامىّ الإرهاب حديثه بالإجابة عن سؤال محدد: هل ترى هذا الحكم برفع بعض الأسماء من قوائم الإرهاب شأنًا قانونيًا بحتًا أم رسالة من الحكومة المصرية؟. جاءت إجابته قاطعة بأنها رسالة، ربما لجس النبض! إجابة تتناقض مع موقعه كرجل قانون مصرى يدرك يقينًا حقيقة استقلال القضاء المصرى تمامًا عن أى توجهات سياسية، ولو أن القضاء المصرى كان بأى شكل من الأشكال مسيسًا، لربما تغير المشهد كثيرًا، ولربما قد أطيح برءوس كثيرة من رءوس الإرهاب! لكن الدولة المصرية طوال تاريخها تنأى تمامًا بقضائها عن أى شبهات، وتجله وتحترمه وتؤمن بأنه واستقلاله هو من ركائز وأسس الدولة المصرية العريقة. وأنا أتعجب لجرأته على هذا الطرح، وهو الذى واجه منذ فترة قصيرة مأزقًا قانونيًا كبيرًا حين تم توجيه الاتهام له بالتجاوز فى حق القضاء المصرى.

واستكمالًا لهذا السؤال يقول إن دوافع الدولة المصرية لإرسال هذه الرسالة- حسب زعمه- ربما تكون اقتصادية لمعالجة الانسداد الاقتصادى، أو ربما لمعالجة ما أسماه بالانسداد السياسى وأنه قرار مصرى خالص لأن الدولة منتصرة ومن حقها أن تفرض شروطها، وأنها حين أرسلت تلك الرسالة فهى فى حاجة إلى هذا التصالح!

(3)

أكثر فقرات الحوار تجاوزًا وتطاولًا فى حق قطاعات كبرى من الشعب المصرى هو ما ذكره نصًا فى رده على سؤال محدد عن نتيجة «جس النبض» هذه. قال الرجلُ نصًا إن أصحاب اللاءات من الذين رفضوا فكرة المصالحة مع جماعة الإخوان هم من دعاة وتجار الحروب من غير الوطنيين! بينما قبلها الوطنيون والسياسيون والمثقفون الحقيقيون وممثلو الأحزاب السياسية الوطنية! بصراحة شديدة لولا احترامى مقام الكتابة الصحفية لكان الرد على هذه الخرافات لا يخرج عن الكلمة المصرية العامية الشائعة! نحن بحق أمام حديث عبثى يفترض فى الجميع السذاجة المفرطة وفقدان الذاكرة وفقدان الوعى!

إن الرجل يصف المصريين الذين يرفضون عودة الجماعة الإرهابية بأنهم دعاة حروب! المصريون الذين فقدوا أبناءهم شهداء أو جرحى، والذين حُرقت دور عبادتهم، والذين شاهدوا على الهواء مباشرة جرائم الجماعة، والذين اطلعوا على وثائق خيانة الجماعة، والذين سمعوا بآذانهم «طظ فى مصر« و«الوطن حفنة من تراب عفن» و«ليه ما نديش حلايب وشلاتين للسودان» و«ليه ما نعملش شوية خيام فى سيناء لإخواتنا»، والذين شاهدوا وقرأوا محاضر جلسات أوباما عن ملياراته التى دفعها للجماعة، والذين شاهدوا وسمعوا بآذانهم هتاف الجماعة فرحًا بشائعة أو حقيقة اقتراب أسطول أجنبى لحدود مصر، والذين قرأوا تاريخ جماعة الإرهاب والخيانة سطرًا سطرًا، والذين شاهدوا مؤتمر خيانة مرسى على الهواء مباشرة لتصدير صورة مصر متآمرة على دولة إفريقية، والذين بكوا كمدًا يوم السادس من أكتوبر وهم يشاهدون قتلة الشهيد صاحب النصر يتصدرون صفوف المدعوين فى استاد القاهرة، والذين سمعوا مرسى فى نفس الليلة وهو يريد إرسال الجيش المصرى لقتال الجيش السورى كتفًا بكتف مع الميليشيات المسلحة، والذين يريدون فقط أن تكون مصر دولة مدنية حديثة لا مكان فيها لجماعات لا تؤمن بوطن أو لجماعات طائفية تعتنق مشروعية حمل السلاح ضد الجيش المصرى، رجل القانون يصف كل هؤلاء بأنهم غير وطنيين وأنهم دعاة حروب! حقًا إن لم تستحِ فاكذب كما شئت!

(4)

القناة الأفعى قفزت على لسان مذيعتها من هذه النقطة إلى نقطة أعمق: هل تعتقد أنه من الممكن انتهاز الفرصة للحديث عن فكرة قوائم الإرهاب وقوانين الإرهاب والمطالبة بتغييرها؟! سؤالٌ أصفر يليق برسالة القناة، وإجابة أكثر صفارًا تليق بقائلها وتستحق أن يُسلط عليها الضوء لأنها تكشف دون قصدٍ الفخَ الذى يريدون نصبه لمصر مجددًا. رد محامى الإرهاب الشهير بسرعة: لا لا.. الوقت ليس مناسًبا لذلك، وفى طرح ذلك خطورة على فكرة المصالحة نفسها.. «دا ممكن يبوظ الموضوع!». نفس الخبث ونفس الفحيح ونفس الفخ الذى دفعت مصر ثمنه مرات ومرات فى غضون قرن من الزمان. الإجابة باختصار هى أنه لا ينبغى للجماعة ومن يواليها ويساندها أن يخاطروا الآن بطرح أى أفكار من شأنها أن تستفز المصريين- حكمًا وشعا- أو تلفت انتباههم حتى يتم تمرير الخازوق! لو تم تفكيك الإجابة وترجمتها ببساطة تكون: دعوهم يبتعلون الطعم أولًا ويسقطون فى الفخ ويصبح أمرًا واقعًا جديدًا ثم بعد ذلك تكون الخطوة التالية!

(5)

لماذا لم تقم الدولة المصرية بالنظر فى حالة علاء عبدالفتاح بنفس المنطق مع الجماعة، أى التصالح أو العفو؟ أتت إجابته متسقة تمامًا مع أيديولوجيته.. يرى أن الدولة من منطق براجماتى ترى صالحها فى مصالحة الجماعة، أما الحالة الأخرى فهى حالة فردية! هذا هو حرفيًا منطق كل جماعات الإفك الدينى السياسى ومن يعتنق منهجهم وفكرهم.. النفعية المجردة.. لا قانون ولا مبادئ! لم يتطرق المحامى الشهير من قريب أو بعيد فى هذه الحالة إلى ما اقترفه صاحب الاسم.. وما يمكن أن تكون عقوبته فى دولٍ أخرى مثل الدولة صاحبة القناة، لو أن مواطنًا- مهما تكن جنسيته- قد تمت إدانته على أرضها بارتكاب تحريض بالقتل ضد رجال شرطة؟!!

ثم يستمر فى طرح أكاذيبه العمدية بالادعاء بأن الدولة فقط هى من تعتقد أن جماعة الإخوان إرهابية! يا رجل! أنت من أكثر الناس علمًا وإحاطة معلوماتية بكينونة الجماعة وما تمثله فكرًا وسلوكًا وتاريخًا، وربما تعلم عن جرائمها بحكم المهنة والتاريخ ما لا يعلمه مصريون كُثر!

إجابات الأستاذ «حسن سبانخ الإرهاب»- ودون أى قصد إساءة- جلعتنى بشكلٍ جدى ورغمًا عنى أسترجع كثيرًا من مشاهد الأفلام العربية الكوميدية العبثية وأسترجع «إفيهات» بعض نجومنا مثل تعبيرات الفنان محمد سعد أو «اللمبى 8 جيجا» فى المشهد الشهير فى المحكمة! والعبارة الشهيرة للفنان محمود عبدالعزيز أو مزاجنجى وهو يستمع للشاعر سَتامونى أو الفنان فؤاد خليل!

(6)

ألح «سبانخ الإرهاب» فى عبارات متفرقة على فكرة أن الدولة تشعر بحاجتها للتصالح مع الجماعة لأسباب سياسية أو اقتصادية. هذا هو الوهم الذى يريدون تسويقه مجددًا للمصريين. منذ قيام النظام الجمهورى ابتلع المصريون هذا الطعم مرة تلو المرة.. مرة بتسويق بضاعة «الزخم الشعبى» للجماعة وما يمكن أن تقدمه من شرعية لنظام الحكم، وساومت بتلك الأكذوبة نظام عبدالناصر ونظام السادات. وجنت الجماعة من وراء ذلك مكاسب أكثر على الأرض. ومرة بتسويق فكرة تخويف الإدارة الأمريكية من وصول الإسلاميين للحكم وتأثير ذلك على المصالح الأمريكية فى المنطقة، وفعل ذلك نظام مبارك. وقد استثمرت الجماعة ذلك خير استثمار على طريقة الفنان الشعبى الشهير الذى استثمر سخرية البعض من ملابسه فجنى الأموال والشهرة، لكنها وفى الوقت نفسه قررت أن تقلب السحر على الساحر بمنطق «وليه لأ؟»! قررت أن تقدم نفسها كبديل للحكم فى الدوائر الأمريكية ونجحت بالفعل فى ذلك وتحولت من «بعبع» يستخدمه مبارك لتخويف الأمريكيين إلى حصان طروادة أمريكى جاهز للامتطاء متى حانت اللحظة! وقد حانت تلك اللحظة بعد يناير 2011م وحدث ما نعرفه جميعًا. لكنهم سقطوا جميعًا- الإخوان وممتطوهم- فى خطأ معرفى كبير أفسد عليهم كل شىء.

هذا الخطأ هو جهلهم جميعًا- رغم أن أعضاء الجماعة مصريو الجنسية- بطبيعة الشعب المصرى. وحين أقول الشعب المصرى أعنى به جميع مكوناته مجتمعة وجميع مؤسساته العريقة، رغم ما ران على بعضهم وبعضها من ذرات تراب عابرة. كلمة السر هى تلك العبارة «هم فى ترابطٍ إلى يوم الدين». رغم أن الجماعة الإرهابية تدّعى كذبًا أنها تمثل فكرة الإسلام، إلا أن سدنتها جاهلون تمامًا بهذا الإسلام وأدبياته التاريخية، وفى القلب منها مصر أرضًا وشعبًا وطبيعة ذكرتها النصوص الدينية تلميحًا أو تصريحًا. الترابط الذى تقصده وتشير إليه العبارة يعنى جملة خصائص، منها الانتماء والولاء والإخلاص للأرض أو الوطن، الكراهية الشديدة لخيانة الأوطان فى شتى صورها ومهما تجملت كذبًا بشعارات دينية، الاعتزاز الوطنى الشديد خاصة فى أوقات الشدة، عدم اعتماد الرفاهية كمحدد للانتماء، النفور من الصراعات الدينية والميل للسماحة وتقبل الآخرين بشرط الاشتراك فى محبة الوطن، محبة الجيران وإغاثتهم لكن دون التفريط فى الأرض أو الانسلاخ من شخصيتهم المصرية الوطنية التاريخية!

هذا الخطأ المعرفى هو الذى أفشل استمرار حكم الإخوان وكشف وجهها الإرهابى كاملًا. أى محاولة جديدة لتسويق هذا الوهم- بحاجة مصر لوجود الجماعة وممارستها النشاط السياسى مجددًا- تغفل أهم الحقائق الجديدة التى لم تكن موجودة فى المرات السابقة، وهى أن الجماعة قد وصلت بالفعل للحكم، وأن ما كان خفيًا من فكر سياسى أيديولوجى قد ظهر جليًا للمصريين. فأى محاولة جديدة ستكون خيانة صريحة لمصر وللمصريين ومحاولة لمنح شرعية غير مستحقة لجماعات إرهابية للبدء مجددًا فى استرداد ما نزعه عنها المصريون!

(7)

هل مصر فى حاجة سياسية أو اقتصادية لوجود جماعة سياسية دينية؟

ألمح «محامى الإرهاب» فى أكثر من عبارة إلى أن هناك بعض الأصوات داخل الدولة المصرية ربما ترى صواب فكرة المصالحة للصالح العام!

هناك مصريون قطعًا يعتنقون فكر الجماعة، وهم مواطنون مصريون يخضعون كالجميع للقانون المصرى الذى لا يعاقب على اعتناق أى أفكار حتى لو كانت ضد هذا القانون ذاته ما لم تتم محاولة ترويجها أو تحويلها لواقع. هؤلاء جزء من المصريين، ربما يكون بعضهم قد غير معتقداته خاصة بعد ما شاهده العالم أجمع من ذلك الدور المشين الذى تقوم به تلك الجماعات ضد أوطانها. وربما بعضهم يتمسك بمعتقداته ويعتقد بصوابها، وهو فى ذلك مسئول أمام الله عنها، ومسئول أمام القانون عن أى محاولة لاختراق هذا القانون.

لكن ما أتحدث عنه هو وجود الجماعة ككيان له تنظيمات ومقرات وميزانيات ودعاة ومنابر إعلامية أو أحزاب يتم امتطاؤها من الباطن- كما حدث فى حزب العمل سابقًا- ويتم استضافة قاداتها على صفحات صحف ويتم التحدث فيها باسم الجماعة، وأن تسمح الدولة مثلًا بأن تكون هناك انتخابات بينية للجماعة على أرض مصر.. بهذا المعنى أقول إن أمام مصر- الدولة والشعب- طريقين لا ثالث لهما، الأول أن ترجع للوراء وتسمح بذلك صراحة أو ضمنًا بالتساهل مع الفكرة كما كان يفعل نظام مبارك بالسماح لكل هذا مع المراقبة، أما الطريق الثانى فهو ما قرره المصريون عام 2013م وأعادوا تأكيده منذ أيام بمناسبة تلك الشائعة.

الطريق الأول معناه أننا نقوم وبكامل إرادتنا بالتفريط فى بلادنا والتوقيع على موافقة بإسقاطها فى فخ جديد ربما يستغرقها للخروج منه عقودٌ أخرى تضيع فى ثناياها أجيالٌ جديدة ونهدر طاقتنا فى صراعات حتمية. هذا الطريق معناه أننا قبلنا التفريط فى مصر، وأنا أعتقد أن هذا سيكون خيانة وطنية صريحة، ولن يكون هناك أى أعذار يتحجج بها من يقدم على ذلك، لأن العذر الأكبر قد سقط، وهو اختبار الجماعة فى حكم مصر وثبوت خيانتها وعدم انتمائها لفكرة الدولة الوطنية وعدم ولائها لمصر. ولأن هذا يعنى أننا نفرط فى فرصة الشروع فى تأسيس دولة مدنية حديثة.

وعلى كل من يخدعه عقله أن يسأل نفسه سؤالًا واحدًا لا غير: ما الجديد الذى يمكن أن يحدث بخلاف ما كان يحدث سابقًا؟! ما الذى يمكن أن تقدمه ماكينة الجماعة الإرهابية بعد تزييتها وإعادة برمجتها خارج مصر بخلاف الإرهاب ونشر التطرف والكراهية ومحاولة بناء ما فقدته والنخر مرة أخرى كالسوس فى الجسد المصرى؟! لو لدى أى شخص فى مصر إجابة مختلفة عن ذلك فليقدمها للمصريين وليقنعهم بمد أيديهم للجماعة الإرهابية!

إن التوبة الفردية ربما تكون صادقة، أما المراجعات الدينية السياسية العقائدية للكيانات والجماعات فهى وهم ودجل كامل، لأنها لو كانت حقيقية لحلت نفسها عن قناعة ولانتهت من المشهد السياسى تمامًا! أى سيناريو غير التلاشى من المشهد يعنى أنها توبة كاذبة خادعة ومسحوق تجميل وقح! المراجعة الفكرية تعنى أن تتفكك الفكرة ويصبح كل فرد هو مواطن وفقط، لكن مراجعة أسلوب التنفيذ أو الأدوات فهذا خداع لنا لن نتجرعه!

الدول المدنية الحديثة لا شرعية لوجود جماعات سياسية دينية بها. ولا شرعية لجماعات دينية قطاع خاص! المؤسسات الدينية هى الرسمية فقط!

(8)

أما الطريق الثانى فهو طريقٌ وعرٌ لا شك، وله ثمنٌ، وقد دفعنا بالفعل الجزء الأكبر من هذا الثمن، وما نحتاجه هو قليلٌ من الصبر والثقة فى النفس والوطن. المصريون بطبيعتهم قد اعتادوا حياة «الشقا» أو الكفاح الشريف ولا يفرطون فى وطن. مصر ليست فى حاجة إلى تقديم أى تنازلات فى هذا الملف، وأى تنازلات لن يكون لها ما يبررها وستكون قرارات تخص أصحابها ويسألون عنها أمام الله قبل الشعب والتاريخ.

هل كُتب على مصر أن تدور فى هذا التيه أكثر من قرن من الزمان؟!

الطريق الثانى هو الطريق الوحيد الوجوبى لو كنا حقًا جادين فى بناء وطن عصرى حديث. نحن- حين نرفض منح شرعية شعبية أو قانونية لجماعات الإرهاب السياسى الدينى- لسنا دعاة حروب أو انتقام أو تنكيل، إننا فقط نريد أن نبنى وطنًا مدنيًا لأبنائنا، نريد أن تطوى مصر من تاريخها المعاصر هذه الصفحات الكئيبة بشكل نهائى صارم، وأن تستعيد بعضًا من مكانتها التى تليق بها، وهذا لن يحدث أبدًا وفى مفردات سياستها وواقعها مصطلح «جماعات إسلام سياسى» مهما كانت مسمياته. فليستفق الجميع لما يحاك لمصر.. لو أردنا وطنًا حقيقيًا علينا أن نكون على قدر اللحظة.. لا نسمح أبدًا بخداعنا!