رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفائز بسرد الذهب للقصة: نعيش زمن الرواية

عبدالرحمن عباس: جائزة سرد الذهب تكريم رفيع المستوى.. والضائعان كانت بوابتى لدنيا الحكى (حوار)

عبدالرحمن عباس
عبدالرحمن عباس

أعلنت، أمس الجمعة، جائزة سرد الذهب، فرع القصة القصيرة للأعمال السردية المنشورة، والتي اقتنصها القاص السوداني عبدالرحمن عباس، عن مجموعته القصصية والصادرة عن دار روافد للنشر بالقاهرة، "الحكاء الأخير في هذا الزمان".

وعن الجائزة، والمجموعة التي فاز عنها واختياره القصة كان هذا اللقاء الحصري لـ"الدستور" مع الفائز بجائزة سرد الذهب.

استهل "عبدالرحمن" حديثه: يسعدني فوز كتابي (الحَكَّاء الأخير في هذا الزمان) بجائزة سرد الذهب- فئة الأعمال القصصيّة المنشورة، الجائزة الكبيرة- رغم حداثتها- في مجال القصّة القصيرة والسرديات، واعتبِرها تكريمًا رفيعًا واعترافًا مؤسّسيًّا فارِقًا.

ماذا عن المجموعة الفائزة بالجائزة؟

كتبتُ مجموعتي القصصيّة هذه احتفاءً بالحكايات ورغبةً مني في تخليد السير المحليّة الشعبيّة. تحمّستُ كثيرًا عندما قرأتُ عن جائزة سرد الذهب وما تحمله من أهداف، والتي تتقاطع مع شغفي الخاصّ بدمج السرديات الشعبيّة والحكايات مع القصّة القصيرة كفنّ أدبيّ حديث.

يشرّفني أن أكون من الفائزين بجائزة سرد الذهب التي تهدف إلى دعم الفن الشعبي في رواية القصص العربية، بجميع أنحاء العالم العربي، والتي تُقدّر التقاليد العريقة في سرد القصص باللغة العربية، بما في ذلك الانتشار الدائم للحكايات الشعبية والأساطير، التي تعد جزءًا لا يتجزأ من التراث والثقافة والفكر العربي، والتي تسعى إلى التعريف بهذا التقليد ودعم دراسته والتعبير عنه في الثقافة المعاصرة.

 

ماذا تمثل لك حكاية المجموعة؟

كتبتُ هذه المجموعة القصصيّة لنفسي في المقام الأوّل، كتبتُها للطفل في داخلي، الذي يحبّ الحكايات ويقتات على الخيال. ويسعدني أن أرى حكاياتها تعبر الحدود وتُقرأ.

وتحتفي المجموعة بالحكايات، وتعالج قضايا إنسانيّة شتى من خلال الاشتغال على الحكاية، فلطالما كانت الحكايّة جزءًا أصيلًا من الفنّ العربيّ، وتناول الحياة من منظور الحكاية وإعادة تشكيلها يجعل القارئ يرغب في القراءة ويعبئ شغفه تجاهها.

وتتناول المجموعة القصصية- الفائزة بجائزة سرد الذهب- ثنائيات الحياة والموت، الحزن والفرح، الجمال والقبح. والقصص الحكائيّة المختلفة لهذه المجموعة القصصيّة تتناول مواضيع مختلفة تجمع ما بين الغرائبي والواقعيّ، وتستغل القلق الوجودي أحيانًا لسرد حكاية، كما تحكي عن غربة الروح، والموت، والغياب بكلّ معانيه. 

وتستغل المجموعة السرديّات والأساطير الشعبيّة والأحاجي المحليّة وتشتغل عليها. وتمثّل بعض القصص نموذجًا للمعالجة السردية عن طريق الواقعيّة السحرية أو استحضار الغرائبيّ بحسب ما تستلزمه الضرورة الفنيّة. 

كما تستند على الموروث الحكائي الشعبيّ أحيانًا، وتحاول النبش في بعض الأساطير المحليّة والشعبيّة، ويرتكز السرد في مرّات على الأسطورة، مثل تسخير ميثولوجيا التحوّل في القصّ، فضلًا عن اتباع الأَسطرة (صياغة أسطورة من حدث اعتيادي) في بعض من القصص. تُعرِّج أيضًا على الكتابة عن الكتابة، إذ كان أبطال بعض القصص كُتَّابًا، وكانت تلك القصص تحتفي بالكتابة كفعل إنسانيّ لا يتجزأ، ولا ينفصل عن الإنسان.

جائزة سرد الذهب
جائزة سرد الذهب

لماذا القصة القصيرة رغم إغراء الرواية وزمنها واتجاه الأغلبية لكتابتها؟

هذا السؤال مهمٌ جدًا، فنحن فعلًا في زمن الرواية بعد أن كان للشعر القدح المُعلّى، إذ يشهد فنّ الرواية ازدهارًا ورواجًا كبيرًا في عالمنا العربي والعالم ككُلّ. تتجه الأنظار إلى الرواية في هذه الفترة الزمنية، معظم الجوائز تحتفي بالرواية، والسواد الأعظم من القُرَّاء يميل إليها، الواقع يقول إنّ الرواية هي حاضر الأدب، إذن نحن فعلًا في زمن الرواية، فلماذا تقتصر كتاباتي على القصّة القصيرة فقط؟ سألتُ نفسي أكثر من مرّة، وسألني كثيرٌ من المعارف والأصدقاء، الذين كانوا يؤكّدون أنّ لي (النَفَس الروائي) وأنّني أمتلك ما يلزم من الأدوات. في الحقيقة أنا نفسي لا أعرف سببًا واضحًا لولائي الخالص لفنّ القصّة القصيرة واقتصاري عليها، لكنّني أُعزِّي ذلك إلى الدوافع التي تجعلني أمارس الكتابة، إذ إنّني أكتبُ بروح طفل في العاشرة، وهذا الطفل- ولسببٍ ما- قرّر أنّ القصّة القصيرة هي ساحة لعبه ومضماره. الكتابة لعبة، طرفاها الكاتب والقارئ، ولُعبتي المُفضّلة هي أن أقتنص حدثًا عابرًا، قبل أن أسرد بكثافة أحداثًا أصغر.

اقرأ أيضا: 


إصداران لـ"هيئة الكتاب" فى جائزة الشيخ زايد

 

من المعلوم أنّ للقصّة القصيرة قواعدها وأشكالها، وأنّها فنٌّ مستقلّ، له صعوبته الخاصّة. 

وأجدني أستمتع وأنا أضع البداية والنهاية والعُقدة، أعثر على نفسي في ساحة اللعب الضيقة هذه. 

في الواقع، قبل أعوام قليلة لم أكن أعرف ماذا تعني القصّة القصيرة، قبل أعوام قليلة فقط ما كنتُ أدري كيف يكتب المرء قصّة، لكنّني أعرف جيّدًا أنّني كتبتُ قصتي الأولى إثر افتتاني بقصّة قصيرة قرأتُها. وما بين ضياعٍ وضياع، عثرتُ على القطعة الناقصة.

لا أزالُ أذكُرُ كيف رمَتْ بي قصَّة (الضائعان) للقاصَّة إسراء رفعت؛ إلى دنيا القصص والسرد، وكيف كان غسّان كنفاني الإجابةَ لتساؤلٍ بريءٍ لازَمني منذ أول قصة قرأتها: ما معنى الدهشة؟

ما أزالُ أذكر اللحظات التي أعقَبتْ انتهائي من كتابة أول قصَّة لي؛ حينَ حملتُها بين يديّ مثل عصفورٍ ولِيد، وأنا أتأمَّلُها بحُنُو. كانت نحيلةً خاليةً من الريش، عمياء وكسيحة. كانت مُشوّهة، لكنها كانت تشبهني كثيرًا، تُشبهني حدّ التطابق. أتذكَّر بوضوح أنَّني أخذتها كما هي وعرضتها على أحدهم، بعد تفكير طويل وتردُّد. كانت الفكرة في حدِّ ذاتها غريبةً عليَّ؛ فكرة أن يقرأ أحدهم شيئًا كتبتُه، واليوم، وبعد أن كتبتُ الكثير من القصص، أشعر بالغرابة ذاتها، لكنّها ممتزجةٌ بأحاسيس متداخلة من التوجُّس والفخر. لا أعرف على وجه الدِّقة ما أشعر به، لكنّني متأكدٌ أنّني سعيدٌ بأنَّ أحدًا رأى أنّ ما أكتبه يستحقُّ أن يكون ورقًا على رفوف المكتبات، وأن يُقرَأ. متأكدٌ أنّني أشعر بالراحة، وبأنَّ حلمًا ضئيلًا من أحلامي غادر عالمي الصغير وراح يجوب العالم.