رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المفكر السياسى برهان غليون الرئيس الأول للمجلس الوطنى السورى المعارض: تنازل الأسد أو الانقلاب عليه!

 

فى العاصمة اللبنانية بيروت، تفاجأت الأوساط السياسية الإعلامية والأمنية من الحوار الذى نشره المحلل والإعلامى اللبنانى منير الربيع مع عالم الاجتماع والمفكر السياسى برهان غليون، الرئيس الأول للمجلس الوطنى السورى المعارض. 
وهو كان الرمز السياسى الأول للثورة السورية، إبان اندلاعها فى العام ٢٠١٢، الحوار مع غليون، على وقع التطورات المتسارعة للأحداث فى سوريا، والتى تشير إلى تدهور سريع فى البنية العسكرية للنظام السورى، ومع التقدم الذى تحرزه المعارضة المسلّحة، يطرح سؤال البحث عن المعارضة السياسية السورية نفسه، سعيًا وراء رموز ومفكرى هذه المعارضة، كما مهد للحوار المحلل الربيع، فى الحوار الذى نشرته منصة موقع المدن اللبنانى اليوم الخميس.

* الرئيس الأول للمجلس الوطنى السورى المعارض. 
.. ولأنه كان الرمز السياسى الأول للثورة السورية، فالتظاهرات المدنية فى أسابيعها الأولى ناجته هاتفة باسمه للمطالبة بتدخل دولى لتوفير الحماية الجوية للمتظاهرين من الغارات التى كان ينفذها النظام ضدهم، هكذا وصفة المحاور الربيع، متابعات أن برهان غليون هو أحد أبرز المفكرين السوريين الذين ساهموا فى إنتاج الفكر السياسى العربى ونقده. أستاذ العلوم السياسية فى جامعة السوربون، ومن جيل المعارضين الأوائل للنظام السورى وأكثرهم استقلالية، فكان شخصية مقبولة من كل أطياف المجتمع السورى وتنوعاته، يمثل وجهًا تقدميًا عروبيًا علمانيًا، ومن أبرز رموز ربيع دمشق، ورجل الحوار مع كل الفئات السورية المتنوعة على اختلاف سياساتها وتوجهاتها، وكان أول من نبّه لتبعية الثورة إلى أى دولة.

*لا مجال للتهدئة والاستقرار النسبى فى سوريا.

غليون وصل لقناعة أنه: «لا مجال للتهدئة والاستقرار النسبى فى سوريا اليوم، إلا:
*1:
بتنازل بشار الأسد. 
*2:
بانقلاب داخل النظام. 
*3:
باستمرار الحرب حتى إسقاطه.
..وأنه:
ليس هناك سوى هذه الخيارات الثلاثة». 
ويقول غليون إن إيران ستحاول التمسك بالحكم الراهن وتعطيل التسوية، لكنها ستفشل لأن البلاد لم تعد تتحمل المزيد من الانهيار والتدهور فى شروط الحياة».
ويؤكد برهان غليون: أن «ليس هناك أى مجال لتطبيق الحل اللبنانى على المجتمع السورى»، مشيرًا إلى أن الصراع السورى ليس صراعًا طائفيًا، و«جميع الطوائف مجمعة اليوم على تغيير النظام الفاسد والقاتل».
وشدد «غليون»، وفق اطلاعه، على أنه «ليس هناك سيناريو تقسيم فى سوريا حتى الآن»، مضيفًا أن «روسيا كانت تتهم واشنطن بأنها تريد تقسيم سوريا بخلق دولة كردية».
كما، بحسب الحوار: أن «تركيا تعتبر أن مثل هذا التقسيم يهدد الدولة التركية. فهى ترفض التقسيم، وهذا هو موقف الأمم المتحدة وروسيا والعديد من الدول الأخرى».
* توقيت معركة فصائل المعارضة فى حلب وما بعدها.

ردًا على سؤال عن ما هى قراءة الدكتور برهان غليون لتوقيت المعركة التى فتحتها فصائل المعارضة فى حلب وما بعدها، وما هى أهداف هذه المعركة وما هو المتوقع منها سياسيًا؟
قال غليون:

ما من شك أن ما شجع على إطلاق المعركة فى هذا التوقيت هو حال الضعف العسكرى الواضح التى أصبحت عليه طهران وميليشياتها بعد حرب غزة وجنوب لبنان. وكان لاستثمارها من قبل خصومها النتائج السريعة التى حققها المقاتلون من المعارضة السورية لكن لا يقدم التوقيت الزمنى رغم أهميته أى تفسير لما يجرى وما جرى حتى الآن. فمن الطبيعى أن من يقرر القتال ضد طرف عدوّ أن يختار اللحظة التى يشعر فيها أنه الأقوى وأن الطرف الآخر فى حالة ضعف.
.. وأكد: التوقيت الزمنى مسألة عسكرية محض أما التوقيت السياسى فهو الأهم، وهو الذى سمح لهذا الهجوم الكاسح أن يقوم، وأعنى به حصول التفاهم بين عديد القوى المشاركة فى الصراع الدائر فى سوريا منذ عام 2011 والذى سمح للمعارضة أن تحظى بتغطية سياسية وعسكرية معًا مكنتها من تحقيق المكاسب التى نشهدها الآن. 
ولم ينجم هذا التفاهم الدولى عن عبث، وإنما بعد تجربة طويلة مع النظام ومع حاميته الرئيسة طهران، فشلت فيها الأطراف الدولية المعنية فى دفع النظام إلى التعاون على إنهاء المحنة السورية التى أصبح لها نتائج وخيمة إقليمية ودولية، بالرغم مما وعد به من دعم وتطمينات على بقائه.
وأشار غليون: انتهى الأمر بإدراك الجميع أنه لا يوجد حل مع النظام ولا بد من تغييره. مما يعنى أيضا تغيير العلاقة مع طهران التى امتلكته وأصبحت تستخدمه ورقة رئيسة فى صراعها ضد جميع الأطراف الأخرى بمن فى ذلك الحليف الروسى. وهذا التفاهم الدولى الذى أصبح واضحًا اليوم، الأمريكى الروسى التركى وربما العربى من الخلف هو الذى أنتج المبادرة العسكرية الجديدة والذى أعطى للمعارضة الدور الحاسم والكبير الذى تقوم به اليوم. وهكذا أصبحت بعد تهميش مديد شريكًا فى تكنيس حكم الأسد الذى لا يمكن تحقيقه من دون مشاركتها الحيوية. والحقيقة أننا عندما نقول فشل هذه الأطراف الدولية فى إقناع الأسد بتعديل سياساته لاستيعاب نتائج الكارثة التى تسببت بها حربه على الشعب وتشبثه بالسلطة بدل تحميلها للآخرين فنحن نقصد أساس فشلها فى إقناع طهران بالحد من طموحاتها المتورمة التى جعلته رهينة لها وتريد استخدامه كورقة «جوكر» لتعظيم منافعها ضد الجميع.

*هدف المعارضة فى هذه الحرب

قال غليون للمحاور منير الربيع إن: هدف المعارضة فى هذه الحرب واضح:
*1:
إجبار النظام على تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 الداعى لتشكيل هيئة حكم انتقالى كاملة الصلاحيات تعمل على تحضير البلاد لإنتاج حكومة تمثيلية من خلال انتخابات حرة تحت إشراف دولى وإخراج الشعب من المحنة الطويلة وسوريا من الخراب المستدام. 
*2:
يلتقى هذا الهدف جزئيًا أو كليًا مع الأطراف الدولية والإقليمية الأخرى التى تسعى من خلال تحقيقه إلى انتزاع ورقة احتكار مصير النظام من قبل وإلغاء الحظر الذى تفرضه على أى تعديل فى الوضع السورى الراهن، حتى تملك كل الوقت اللازم لتفكيك سوريا وابتلاعها على حساب الجميع وأولهم الشعب السورى الذبيح بمعنى الكلمة.

*ماذا عن الأدوار والمواقف الأمريكية الروسية والتركية؟

حتما، بحسب المحاور الربيع، هناك وجهات نظر تعتبر أن ما يجرى فى سوريا، هو محاولة لإخراج إيران من سوريا فهل ذلك ممكن؟ وماذا عن الأدوار والمواقف الأمريكية، الروسية والتركية؟.
يجيب غليون:
 

لا أعتقد أن الهدف هو إخراج طهران من سوريا وإنما تغيير خياراتها الاستراتيجية فى ما يتعلق باستخدام سوريا وغيرها من بلدان المشرق كساحات لحرب وكالة للدفاع عن مصالح قومية أنانية. وكذلك رفض هذه الدول التى تعتقد أن لها مصالح أيضًا فى سوريا والمشرق العربى أن تعمل حسب أجندة وأولويات السياسة الإيرانية الإمبريالية (وفق نص جواب غليون) وأن تغطى على سياسة التوسع والتمدد الإاستراتيجى والعسكرى والأمنى الإيرانى وتخضع لمتطلباته.
.. وانتقد غليون، النظام الإيرانى، فقال:
إيران، تتحدث عن سوريا بعد لبنان وفلسطين وكأنها أملاك صافية لها واحتكار لا يحق لأحد أن ينازعها فيه حتى شعوبها، وهى صاحبة الحق فى أن تولى عليها من يحكمها ويتحكم فى وجودها، وليس للسوريين واللبنانيين والعراقيين سوى أن يذعنوا لقرارها، ولا خيار للدول الأخرى التى تريد الحفاظ على مصالحها سوى أن تمر عبر طهران وتدفع الجزية عن مرورها.
هذا هو جوهر ما يحصل اليوم فى سوريا. وما كان له أن يحصل لولا هذا التوافق الدولى الإقليمى أيضًا. والذى لا ندرى بعد أيضًا ما هى حدوده وما هى المخططات الخاصة بكل طرف للاستفادة منه. ما يهم السوريين هو أن يدافعوا عن مصالحهم فيه، وفى صلبها التحرر من كابوس نظام الانقلاب الدائم والعنف والاستئثار والظلم والتهميش والاعتقال إن لم يكن القتل على الهوية.
*التحولات السورية ذات الإيقاع الإقليمى والدولى.

يأتى سؤال مهم للمفكر غليون، يدور حول أهمية وجود دور للمعارضة المدنية والمعتدلة فى مواكبة هذه التطورات والتحولات السورية ذات الإيقاع الإقليمى والدولى، وهو يجيب، مستذكرا بعض جوانب التجربة ومرارتها:
 

ليس من الخافى أن المعارضة السياسية السورية، وهى أطياف متعددة قصم ظهرها التدخل العسكرى الإيرانى ثم الروسى ومزق صفوفها؛ لم تكن تملك القدرة على مواجهة النظام وايران وميليشياتها. وما كانت تستطيع أن تعمل بمعزل عن الدول التى تتقاسم اليوم النفوذ فى سوريا. وهذا هو وضع النظام نفسه الذى تحول إلى لاعب ثانوى أو بالوكالة فى يد طهران بالدرجة الأولى.
فالحرب فى سوريا اليوم حرب مركبة تتداخل فيها القوى الدولية والإقليمية والداخلية السورية وليس لطرف سورى أن يوجد وأن يشارك فى الصراع من خارج هذا التداخل. 
وكما ذكرت تلتقى المعارضة مع الفصائل والدول الحليفة على أولوية كسر الحظر الذى تفرضه طهران على أى تعديل فى بنية النظام السورى الراهن وتخليد حكم الأسد. ودور المعارضة السورية، المدنية والعسكرية، فى هذه العملية العسكرية التى هى القوة الأبرز فيها والتى من دونها لا يوجد أى حل لتحقيق مصالح الأطراف الدولية هو أن تضمن للسوريين تحقيق الهدف الأسمى وهو وضع حد للأزمة الطاحنة التى تعيشها البلاد منذ عقود والعمل مع الأطراف الأخرى من أجل تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 للتوصل الى تسوية نهائية ووضع أسس نظام سياسى جديد يضمن حقوق جميع الأفراد فى السلام والأمن والعدالة والحرية والمساواة.

* مخاوف كبيرة من تجزئة سوريا إلى 3 أقاليم.

ينفى الرئيس الأول للمجلس الوطنى السورى المعارض برهان غليون، من أن هناك مخاوف كبيرة من تجزئة سوريا إلى 3 أقاليم أو أكثر، او حديث عن فرض فيدرالية الأمر الواقع والتخوف من عمليات تهجير طائفى أو عرقى. 
.. ويؤشر بدقة:

*1:
ليس هناك سيناريو تقسيم حتى الآن.
*2:
روسيا كانت تتهم واشنطن بأنها تريد تقسيم سوريا بخلق دولة كردية.
*3:
تركيا تعتبر أن مثل هذا التقسيم يهدد الدولة التركية. فهى ترفض التقسيم. وهذا هو موقف الأمم المتحدة وروسيا والعديد من الدول الأخرى.
*4:
أما طبيعة النظام القادم: هل سيأخذ بنموذج الدولة المركزية أم الدولة الاتحادية فهو موضوع نقاش لم يتحدد مصيره بعد بين قوى دولية بعضها لا تخفى تمسكها بالتقسيم الطائفى والإثنى، وقوى أخرى تحرص على الحفاظ على الوحدة السورية ومنها الدول العربية وروسيا والعديد من الدول الأوروبية التى تتطلع اليوم إلى دولة مستقرة فى سوريا تخفف من موجات الهجرة وتستوعب اللاجئين السوريين التى تريد أن تعيدهم إلى بلادهم.

*الصراع على سوريا وفى سوريا
.. يحاول غليون فهم طبيعة الحدث، يدخل فى وسط منطق الأمور سياسيا ويقول:

الصراع على سوريا وفى سوريا صراع سياسى واستراتيجى، أى يتعلق بخيارات سياسية (شكل الحكم والإدارة وتداول السلطة وتمثيل الشعب وقضايا العدالة القانونية والاجتماعية)، وبخيارات استراتيجية تتعلق بالصراعات الإقليمية والدولية فى المنطقة وجر سوريا إلى هذا الخيار أو ذاك. ولا يمكن حسم هذا الصراع والتوصل إلى أى استقرار من دون مواجهة هذين التحديين الكبيرين:
*التحدى الأول:
تغيير النظام السياسى من نظام احتكارى، طائفيًا كان أو سياسيًا أو قبليًا أو مناطقيًا أو إسلاميًا أو أقواميًا لا فرق، إلى نظام ينبثق من الشعب ويعبر عن إرادته ومصالحه. هذه قضية لا يمكن تجاوزها اليوم ولا المرور عليها مرور الكرام ولا إخفائها تحت دعوة الصراع الطائفى أو وجود أكثرية وأقليات. هذا ما يسعى إليه النظام وما تحاول استراتيجية إيران على تعميمه بالمراهنة على تهييج المشاعر الطائفية، لتغطى على أساس المشكلة وحقيقتها الاجتماعية العميقة، لكسب الوقت وتسهيل تفكيك المجتمع وتفتيت البلاد واستخدامها أداة فى صراعاتها على الهيمنة الإقليمية. ومن دون تغيير النظام ليكون معبرًا عن إرادة الشعب ومصالحه، وإزالة الطابع الملكى عن الحكم الذى أصبح يعتبر سوريا مزرعة إقطاعية تنتقل ملكيتها من الأب إلى الإبن والحفيد، لن يكون هناك أى حل لأى مشكلة أو تحقيق أى تطلعات لأى أقلية أو أكثرية أو طائفة أو قومية.

*التحدى الثانى:
لا يمكن التوصل إلى حل ديمقراطى للقضية السورية كما يريده غالبية السوريين ويقاتلون من أجله من دون انتزاع سوريا من فك النزاعات الإقليمية والدولية واستعادتها سيادتها وهامشًا كبيرًا من حرية تقرير المصير وتخلى الدول المتنازعة عن استخدامها مسرحًا لحروبها أو أداة من أدواتها وإلحاقها باستراتيجيتها القومية.
.. وهو يرى المواجهة تتم وفق:
*1:
لا يمكن أن يتحقق - مواجهة التحديات- إلا بإعادة اعتراف هذه الدول وتسليمها بسيادة سوريا واستقلالها وحق شعبها فى الحياة فى سلام وأمان.
* 2:
إن حصول سوريا على هذا الحق فى الاستقلال والسيادة والحرية لا يمكن أن ينفصل عن حصول بقية دول المشرق الصغيرة والضعيفة على حقها فى مثل هذا الاعتراف من قبل الدول الأقوى والكبرى، وتكريس ذلك ضمن معاهدات إقليمية ودولية مثبتة فى وثائق الأمم المتحدة. 
*3:
هذه هى الطريقة الوحيدة لوضع حد للحروب الدموية المستمرة منذ عقود فى المشرق بأكمله. ولا أمل فى التوصل إلى مثل هذا الدعم الدولى للمعاهدات الإقليمية المعززة للسلام فى المنطقة ما لم تحل مسألة إسرائيل وفلسطين، بما يسمح بتعميم القاعدة على الجميع. 
*4:
المسئولية تقع أولًا على القوى الإقليمية القادرة على حمل المسئولية والطامحة إلى تعميم السلام والرهان على التقدم الاجتماعى والاقتصادى والحضارى لا على التوسع الترابى أو الهيمنة الاستراتيجية، وثانيًا وعلى الدول الكبرى العالمية والغربية منها بشكل خاص. ينبغى التوصل إلى تفاهم حول تجنيب المشرق الحروب الدائمة ووضع حد لها. 
*5:
العقبة الأولى التى ينبغى التغلب عليها فى هذا السبيل هى طموح الغرب إلى الاحتفاظ بهيمنة شديدة القسوة والقبضة معا على هذه المنطقة الحيوية. وعلينا أن نعمل جميعًا مثقفين وسياسيين واقتصاديين من أبناء هذه المنطقة على تحقيق هذا الهدف الذى هو مفتاح السلام والتقدم الوحيد للمنطقة ولكل شعب من شعوبها.

*
6:
فى انتظار ذلك لا مجال للتهدئة والاستقرار النسبى فى سوريا اليوم إلا بتنازل الأسد أو بانقلاب داخل النظام أو باستمرار الحرب حتى إسقاط الأسد. ليس هناك سوى هذه الخيارات الثلاثة. وما منع من القضاء على الأسد وفتح مائدة الحوار بين السوريين لإخراج البلاد من الانهيار هو عدم توافق مصالح الأطراف الدولية على ما بعد بشار أو على النظام الجديد بالرغم من موافقتهم المبدئية على القرار 2254. والمفتاح يظل فى يد التفاهم الروسى الأمريكى حول سوريا. إذا أرادت واشنطن إغراق روسيا فى مستنقع سورى متفاقم ليس هناك حل، وسوف تتفاقم مأساة السوريين. وإذا قررت روسيا العمل ضد أمريكا فى سوريا سوف نواجه أيضًا تمديدًا للأزمة إلى أجل غير مسمى. لكن أعتقد أن البلاد لم تعد تحتمل المزيد من التأجيل والهرب من المسئولية فالثمن سيكون عاليًا جدًا بالنسبة لجميع الأطراف. وكما أن تركيا لا تستطيع الانتظار فإن طهران التى ترفض الاستسلام ربما ستلجأ إلى حشد المزيد من الميليشيات لتمديد أمد الحرب وإبراز قدرتها على مقاومة من يريد إضعاف نفوذها فى سوريا. 
وإذا طبق هذا القرار تكون هناك فائدة للشعب السورى وإلا فإن الأمر يقتصر على تحقيق مصالح الدول الأخرى على حسابه كما حصل حتى الآن. نأمل أن يدفع الصراع الراهن والضغط على النظام للوصول إلى تسوية سياسية سورية تفتح الطريق أمام السلام والحياة السياسية الطبيعية للشعب السورى. وإلا فإن الحرب ستظل مستمرة بين الأطراف.

*سوريا برميل بارود
يدرك المفكر السياسى برهان غليون، وهو يحاور الربيع، أن الوضع الدولى يفشل كل مشاريع إيران المحلية، لهذا كانت دبلوماسية غليون واضحة عندما أكد:

أعتقد أن طهران ستحاول- العمل فى سوريا- لكنها ستفشل لأن البلاد لم تعد تتحمل المزيد من الانهيار والتدهور فى شروط الحياة. حتى الخبز فى سوريا الراهنة يباع بالبطاقة الذكية أى أنه مقنن، لكل فرد رغيفان أو ثلاثة فقط فى اليوم والكهرباء تأتى ساعتين فى اليوم، ولا يزيد متوسط راتب السورى العامل على 15 دولارا والأسعار تكاد تكون دولية. سوريا برميل بارود. هذه آخر محاولة للتوصل إلى حل سياسى قبل انفجار شامل. 
.. ولفت غليون:
القوى الديمقراطية موجودة لكن لا تملك أى قوة سورية هامش مبادرة اليوم. المفروض أن تسمح إعادة الحياة السياسية الطبيعية للبلاد بتكوين هذه القوة الديمقراطية التى ما كان يمكن أن تنمو وتوجد فى نظام لا تزال الصحيفة الوحيدة فيه هى الناطقة باسم الحزب والسجون مليئة بآلاف المعتقلين الذين لا يعرف أهلهم عنهم شيئا تمامًا كما كان الحال فى سجون النازية. لكن هنا موزعة بالتساوى على جميع المدن والأحياء.

*الطائف السورى على الطريقة اللبنانية

عن إمكانية وجود لحوار جدى وفعلى مع النظام السورى، ينتهى إلى ما يشبه الطائف السورى على الطريقة اللبنانية أى بقاء النظام برأسه مقابل تعزيز صلاحيات الحكومة؟، كان محور المدن، يعلل السؤال بالقول: وذلك استفادة من التطبيع العربى مع دمشق وتوفر أجواء دولية تشير إلى إمكانية التعاطى مع النظام بحكم الأمر الواقع وافتقاد البديل؟
لكن برهان غليون، أكد عدم إمكانية ذلك سوريا، وبأن ذلك بالقول:
 

*اولا: تطبيق الحل اللبنانى على سوريا غير ممكن.

ليس هناك أى مجال لتطبيق الحل اللبنانى على المجتمع السورى. الصراع السورى ليس فى الجوهر والأساس صراعًا بين طوائف ولو كان كذلك لحسم خلال أيام.

*ثانيا: الصراع فى سوريا ليس طائفيًا.

جوهر الصراع فى سوريا ليس طائفيًا وجميع الطوائف مجمعة اليوم على تغيير النظام الفاسد والقاتل.

*ثالثا: بناء دولة وطنية مدنية

الحل فى بناء دولة وطنية مدنية تساوى بين جميع مواطنيها من دون تمييز وهذا طلب السوريين جميعًا ومن كل الطوائف والمذاهب والقوميات.

.. وفق ذلك، يشتد حكم برهان غليون، فينتهج رؤية واضحة المعالم وإن بدت متشنجة أحيانا:

لم يعد هناك نظام ولا معارضة فى حقيقة الأمر. هناك نظام إنقلابى متمرد على إرادة الشعب بما فى ذلك القاعدة الاجتماعية التى كانت تقف وراءه فى فترة سابقة، لا يعيش ويستمر إلا بدعم الدول الأجنبية التى يتخادم معها وتجارة المخدرات والأعضاء البشرية والعمالة للدول الإقليمية التى تبحث عن إمّعات يغطون على أطماعها التوسعية وشعب موحد من وراء الانتماءات جميعًا ضد نظام أصبح لا يعنى بالنسبة إليه، بصرف النظر عن مشاربه الدينية والطائفية والقومية والقبلية والاجتماعية سوى الإدانة بالحرب الدائمة والموت والخراب والدمار.
*التفكير بحل هيئة تحرير الشام.

فى مكامن الحوار، برز سؤال عما أعلنه زعيم هيئة تحرير الشام أبومحمد الجولانى، عن التفكير بحل هيئة تحرير الشام.. كيف ترى هذه الخطوة وأبعادها؟ فيرى غليون الأمر ملفتا للنظر، يجيب:
 

من الملفت أنه فى موازاة تقدم مسيرة «فجر الحرية» و«ردع العدوان» يجنح الخطاب السياسى عند السوريين جميعًا من الأفراد، والتشكيلات السياسية وحتى الدينية، إلى تبنى قيم إنسانية كونية والتأكيد على المبادئ الوطنية الجامعة والارتفاع فوق ما ساد فى السنوات الماضية من نزوع إلى ابراز الاختلاف الأيديولوجى والتباين الطائفى والدينى. وهذا ما عبر عنه بيان مفتى الجمهورية وكذلك ما صرح به الجولانى زعيم هيئة تحرير الشام من احتمال حلّ هذه الهيئة ذاتها. والسبب فى نظرى أن الاقتراب من السلطة، وأعنى سلطة الدولة لا الزعامة، يفرض على المرشحين لها إبراز الدليل على قدرتهم على الارتفاع إلى مستوى المسئولية العمومية ويحثهم على الارتقاء بأفكارهم ومشاعرهم الإنسانية وتجاوز انغلاقهم على عصبياتهم العضوية. وفى المقابل يزداد تقوقع المهددين بالخروج من السلطة وانغلاقهم. 
وعلينا بالطبع أن نشجع هذا التوجه بالعمل ضد سياسة الحظر والإقصاء وتهميش الآخرين والتمييز ضدهم، فى أى شكل جاء هذا التمييز، ما يدفع بهم إلى تبنى مواقف وأفكار سلبية وإلى التمحور حول الذات وتطوير نزعات رفضوية أو رافضية إقصائية وتمييزية معادية للآخر، هدفها الأساسى حماية الذات من التشكك والانحلال ومن التسليم بالدونية والاستقالة الأخلاقية. 
فلا يوجد حل لمشكلة التطرف والانغلاق على الذات والكفر بالمبادئ الجامعة، دينية كانت أو سياسية، إلا فى الاعتراف بالحقوق الواحدة والاحترام المتبادل والمتساوى، وهذا مصدر الاندماج والشعور بالانتماء للجماعة السياسية او الثقافية والمعيار الرئيس للعدالة.
العنف ينتج العنف المضاد والكراهية تنتج الكراهية المضادة تماما كما تنتج المودة المودة والإخاء.
.. الحوار فى منطلقاته، يترك انطباعات أدلجة الحالة السورية اليوم، وماذا سيحدث بعد سقوط حلب وإدلب وحماة.
ما يحدث، فتح جديد لجراح الأزمة السورية والنتائج عجز عن معالجتها خلال أكثر من عقد من الزمان.
*huss2d@yahoo