رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نبى الله سليمان والهدهد والنمل

أنعم الله عزّ وجلّ على سُليمان عليه السّلام بالذّكاء والفطنة وسرعة البديهة وقد أيّده الله تعالى بالحكم الصّحيح والقضاء بين النّاس فلمّا نفشت غنم الرّاعى فى الحرث حكم فى الأمر كما حكم فيه أبوه نبى الله داود عليه السلام وكان حكم سليمان عليه السلام هو الحكم الصّحيح.

قال تعالى «وَداوودَ وَسُلَيمانَ إِذ يَحكُمانِ فِى الحَرثِ إِذ نَفَشَت فيهِ غَنَمُ القَومِ وَكُنّا لِحُكمِهِم شاهِدينَ فَفَهَّمناها سُلَيمانَ وَكُلًّا آتَينا حُكمًا وَعِلمًا وَسَخَّرنا مَعَ داوودَ الجِبالَ يُسَبِّحنَ وَالطَّيرَ وَكُنّا فاعِلينَ» الأنبياء 78- 79، والقصة أنّ هناك رجلين أتيا إلى داوود عليه السّلام أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث «إنّ هذا له أغنام قد فلتت فى أرضى فأفسدت ما فيها»، فحكم له داوود عليه السلام بغنم صاحبه وخرجا من عند داوود عليه السلام وتوجّها إلى سليمان عليه السلام، وكان له من العمر حينئذٍ إحدى عشرة سنة، وبعد أن علم بالقصّة قال «لو كان الحكم لى لحكمت بغير ذلك»، وكان حكم سليمان أن يأخذ صاحب الأرض الأغنام فينتفع بها ويبذر بها أرضه حتى تعود مثلما كانت ثم يُعيد الأغنام إلى صاحبها فقضى داوود بقضاء سليمان كونه لا يضرّ بأحد من أطراف الخلاف.

تولى الملك

وقام المهندس محمد عبدالرازق جويلى، المتخصص فى علوم تفسير القرآن الكريم، بدراسة لقصص نبى الله سليمان بالقرآن الكريم، وأشار لتولّى سليمان عليه السّلام الحكم على بنى إسرائيل بعد وفاة داوود عليه السّلام، وكان له من العمر حين تولّى الحكم ثلاثة عشر عامًا، وآتاه الله الملك والنبوّة معًا، وقد دعا الله تعالى أن يُؤتيه ملكًا لا يؤتيه لأحدٍ من بعده، فاستجاب الله تعالى لدعائه وسخّر له الإنس والجنّ والطّير والشّياطين والرّيح، فكان إذا خرج من بيته متوجهًا إلى مجلسه أقبل إليه الطّير وقام الإنس والجنّ ليُجلسوه، وقد ورث سليمان من داوود عليهما السّلام العلم والملك.

قال تعالى «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ»، وكانت هذه الوراثة لسليمان دونًا عن باقى إخوته والذين قال فيهم قتادة والكلبى حيث إنّ أبناء داوود تسعة عشر ولدًا، وتخصيص سليمان بالورثة دلّ على أنّها ليست ورثة المال ثمّ إنّ الله أنعم عليه بزيادة على ما ورثه من والده.
 

الهدهد وبلقيس

يوضح المهندس محمد جويلى أن الله أنعم على سليمان عليه السّلام بأن جعله يفهم لُغة الطّير وقد كانت الطّيور من المخلوقات التى سخّرها الله تعالى له وكان يستخدمها فى عمليات البحث والتّحرى عن الماء والإتيان بأخبار الأمم والشعوب، ومن هذه الطّيور الهدهد الذى تفقّده بيوم من الأيام فلم يجده ولم يطلب الهدهد الإذن بالغياب، ممّا دفع سليمان عليه السّلام أن يتوعده بالعذاب أو القتل إن لم يكن له عذر بغياب.

وغاب الهدهد فترة من الزّمن ولمّا جاء سأله سليمان عن سبب غيابه فأخبره أنّه رأى أهل سبأ وملكتهم بلقيس ذات الحكم والملك العظيم يسجدون للشّمس ويعبدونها وأنّهم رأوا أنّ ذلك الفعل صحيح، فلمّا سمع سليمان بذلك أراد أن يتيقّن من الخبر وليعود عن إرادته فى عذاب الهدهد، فكتب كتابًا يتضمّن الأمر بعبادة الله وحده وأعطاه للهدهد وأمره أن يُلقيه عليهم ويُراقب ما يفعلون به فتحرّى الهدهد نافذة من قصر بلقيس كانت قد فتحتها لتدخل منها الشّمس لتعبدها وألقى فيها الكتاب.

وأكدت الدراسات العلمية الحديثة أن سرعة الهدهد تصل إلى نحو 40 كيلومترًا فى الساعة وعند اقتراب وقت الشتاء فى أوروبا ينزح الهدهد إلى الجنوب صَوب إفريقيا إلى أن يتحسن الجو وقد يقطع فى ذلك مسافات تبلغ 8000 كيلومتر وهو يحب الشمس، بالتالى تمكّن من التنقل بين مكان النبى سليمان بالشام إلى مكان الملكة بلقيس باليمن على بعد نحو 2000 كم والعودة فى مدة نحو 100 ساعة.

فلمّا رأت الملكة بلقيس الخطاب جمعت القوم واستشارتهم فى الأمر، فقالوا لها إنّهم قوم ذو قوّة وبأس شديد وفوضوا الأمر لها فكان اقتراحها أن تُرسل لسليمان هدية لتليّن الأمر فلا تقوم الحرب فلمّا وصلت الهدية سليمان هدّدها بإرسال جيوشه لها فقرّرت أن تُذعن لأمره وتذهب إليه.
 

وعندما علم سليمان عليه السّلام بأمرها جمع حاشيته وطلب منهم أن يحضروا عرشها إليه فأخبره عفريت من الجن أنّه قادر على أن يأتى به قبل أن يقوم من مقامه، واقترح عالم من علماء قومه أنّ يأتى به قبل أن يرتدّ إليه طرفه، فشكر سليمان ربه وأحضر العرش وأمر الحاشية أن يُغيّروا فيه قليلًا، فلمّا جاءت ورأته قالت كَأَنَّهُ هُوَ، كما اندهشت من قصر سليمان الذى ظنّت أن أرضه نهرًا فلمّا أرادت أن تدخله كشفت عن ساقيها ولمّا رأت هذه المعجزات أعلنت خضوعها لله وحده وقالت «رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» النمل 44
سيدنا سليمان والنملة

قال تعالى «حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ» النمل 18، فقد رأت النّملة سليمان وجنوده وخافت على بقيّة النّمل من أن يدهسها الجنود فصاحت تنبّه النّمل ليدخلوا البيوت فسمع سليمان ما تقوله النّملة فتبسّم ضاحكًا حيث ذكرت النّملة أنّ سليمان وجنوده لا يمكن لهم أن يتعمدوا الإيذاء حين قالت أنّهم لن يشعروا بدهسنا، وشكر الله على ما أنعم به عليه وعلى والديه قال تعالى «فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى وَالِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصَّالِحِين» النمل 19

ويشير المهندس محمد جويلى هنا إلى عدة إعجازات علمية فى النمل

«أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ»: أى ساروا حتى إذا بلغوا وادى النمل وسمى بذلك لأن أغلب الموجود فى الوادى هو النمل، كما يقول العرب وادى فلان أى أغلب من بالوادى من بنى فلان، وكلمة على تدل على إتيانهم كان من فوق فأتى بحرف الاستعلاء وإمّا يراد قطع الوادى وبلوغ آخره من قولهم أتى على الشىء إذا بلغ آخره، وذكرت بعض التفاسير أماكن لهذا الوادى فقيل: إنه واد بالشام كثير النمل، وقال كعب هو بالطائف وقيل إنه باليمن.

«قَالَتْ نَمْلَةٌ» لها صفة الإشراف والتنظيف على النمل السارح فى الوادى وسميت النملة نملة لتنملها وهو كثرة حركتها وقلة قراره، والنَّمْلُ كائنات تنتمى إلى طائفة الحشرات ويبلغ أنواعه حوالى تسعة آلاف نوع وتختلف أنواع النمل فى الحجم فمنه الصغير الذى لا يكاد يرى بالعين المجردة ومنه أنواع كبيرة وكذلك يختلف النمل فى الشكل واللون كاختلافه فى الحجم ومملكة النمل تتكون من ملكة النمل، وهى أنثى خصبة دورها هو وضع البيض وإدارة الحكم فى المملكة والشغالات وهى إناث عقيمة تقوم بكل أعمال المملكة بتوزيع دقيق كل حسب قدرته والجنود وهم ذكور عظيمة ويعتبر الجناح العسكرى للمملكة والذكور وهم ذكور خصبة ودورها هو تلقيح الملكة فقط.

وكلمة مَسَاكِنَكُمْ أى أعشاش مملكتكم.، و«لَا يَحْطِمَنَّكُمْ» أى لا يكسرنكم لا يهشمنكم لا يقتلنكم والحطم أى الكسر لشىء صلب والحطمة من أسماء النار لأنها تحطم ما يلقى فيها والحطام هو ما تكسر من اليبس وهو نهى لهن عن البروز والوقوف أمام سليمان وجنده، واكتشف العلماء أن جسم النملة مغلف بغلاف صلب جدًا قابل للتحطم أى ليس له مرونة تجعله ينحنى مثلًا بل يتكسر كالزجاج ولذلك جاء البيان الإلهى ليتحدث عن هذه الحقيقة بكلمة «يحطمنكم».

وفاة نبى الله سليمان
ويتابع المهندس محمد جويلى بأن المولى عز وجل قضى بوفاة نبى الله سليمان وكان حينها متّكئًا على مِنسأته أى عصاه «فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ» سبأ 14، والمعنى أنّه مات وبقى واقفًا يتّكئ على العصا حتى أكلت دودة الأرضة العصا فسقط على الأرض وحينها علم النّاس بموته وكان ذلك بعد سنة من وقوفه.

وفى موته بهذه الطّريقة إظهار لكذب الجنّ الذين كانوا يدّعون علمهم للغيب فلم تعلم الجنّ بموت سليمان عليه السّلام إلّا بعد أن سقط على الأرض، وقد تميزت معجزات سليمان عليه السلام بدوامها ومرافقتها له طيلة حياته ومنها تسخير الرّيح فقد كانت الرّيح تسير بأمره وتتوجّه حيثما يأمرها، وبأمره تحرّك السّحاب لتمطر بحسب أمر سليمان لها وبقيت الرّيح تحت أمره طوال حياته.

وتسخير الجنّ فقد كانت الجنّ تعمل بين يديه بتوجيهه وتأخذ الأمر منه فيأمرهم بالقيام بما ينفع مملكتهم ويدير شئونهم فأقاموا المحاريب وكانت لهم إنجازات عظيمة فى أحواض الماء وهى ما تعرف بالجِفان وصنعوا الأوانى، والصّوامع الثابتة وهى القدور الرّاسيات ومنهم من أمرهم بالغوص فى البحار لاستخراج اللؤلؤ والمرجان فكان يستفيد ممّا منح الله به الجن من القدرات الخارقة والسرعة العالية، وإسالة النّحاس حيث استخدمه فى صناعة السّلاح وغيرها من الصّناعات وفهمه للطّير لأنّ الطّير كان مسخَّرًا بين يديه فكان يفهم كلام الطّيور، وينقل الكلام لقومه ليتّعظوا به.