فى مديح التجسس
التجسس هو نشاط غير قانونى يتضمن جمع معلومات سرية أو حساسة عن شخص أو مجموعة أو دولة بطريقة غير مشروعة، وغالبًا ما يكون الغرض من ذلك إلحاق الضرر أو تحقيق ميزة غير عادلة.
لا شك أن معرفة أسرار الناس متعة، ولكن فى الحدود التى نظمتها القواعد العامة والتقاليد التى ورثناها، ولا تتم معرفة الأسرار إلا بطريق الخلسة أو اتباع طرق التجسس والتنصت، فأنت عندما تفتح هاتف أحد أفراد عائلتك، أو تقوم بالتفتيش ومراقبة أحاديثه خلسة وبدون إذن صاحبه، سواء كانت زوجًا أو زوجة، مهما كانت درجة القرابة ومهما كان الدافع أو الباعث لتلك الفكرة، فإن ما قمت به يعد جريمة معلوماتية مكتملة، وتصل عقوبة من يقوم بذلك السجن مدة عام كحد أقصى والغرامة 500 ألف جنيه.
ومما لا شك فيه أنها قضية تتعلق بحرية المواطنين، وحقهم فى الإفضاء والحديث إلى بعضهم البعض، وتبادل الأفكار دون حرج أو خوف من تنصت الغير، عبر أجهزة الاتصالات دون خوف من تنصت أو كشف لأسرار لا يريدون إفشاءها.
عندنا نظم القانون حق الدولة فى التجسس على رعاياها، بموجب مذكرة تقدمها الأجهزة المختصة إلى القضاء، وبعدها توضع أجهزة الاتصالات الخاصة بالفرد المقصود تحت سمع وتصرف تلك الأجهزة لمدة محددة.
فى مصر تعد قضية التنصت على المواطنين من القضايا التى شملها الدستور والقانون المصرى بعنايته، حيث تنص المادة 45 من الدستور على أن للمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائى مسبب ولمدة محددة ووفقًا لأحكام القانون.
كما وصفت محكمة النقض المصرية مراقبة الاتصالات والمراسلات بأنها: عمل مرذول، ويعتبر انتهاكًا لحرمة الحياة الخاصة، وانتقاصًا من الأصل فى الحرية الشخصية التى سجلها الدستور فى المادة 41 منه باعتبارها حقًا طبيعيًا للإنسان.
كما يشترط قانون الإجراءات الجنائية للقيام بمصادرة أو مراقبة أو الاطلاع على الاتصالات والمراسلات أو تسجيل أحاديث جرت فى مكان خاص أن تقع جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر، وأن تترجح نسبتها إلى متهم معين، وأن تتوافر دلائل جادة، وأن تكون لهذه الإجراءات فائدة فى ظهور الحقيقة، وأن تستصدر النيابة إذنًا من القاضى الجزئى، على أن يكون ذلك الإذن مسببًا ولمدة لا تزيد على ثلاثين يومًا قابلة للتجديد لمدة أو مدد أخرى مماثلة.
هذا، وينظم القانون رقم 10 لسنة 2003 مرفق الاتصالات.
كنا نظن أن عصر التنصت قد انتهى منذ أن أعلن الرئيس أنور السادات فى 15 مايو 1971 عن القضاء على مراكز القوى، التى قيل وقتها إنها كانت مسئولة عن عمليات التجسس على المصريين، وهو النظام الذى ساد مصر فى فترة الستينيات، وفى هذا اليوم أصدر الرئيس السادات قراره الشهير بإحراق كثير من الملفات التى كانت تحتفظ بها أجهزة المخابرات، والتى كانت تحتوى على الأسرار الشخصية لبعض الفنانين ورجال السياسة المحيطين بالسادات.
فقد أدى التطور التكنولوجى فى مجال أجهزة الاتصالات خلال الأربعين عامًا الماضية، إلى تقدم كبير فى عمليات التنصت على الناس، دون أن يشعروا بذلك.
الشركات التى تسوق تلك الأجهزة ابتكرت أجيالًا جديدة من تلك الأجهزة، ذات إمكانيات عالية فى التقاط الأصوات والصور عن بعد، وبدقة متناهية، وقد تنوعت أشكالها من نظارات تسجيل الأصوات، إلى أجهزة التلسكوبات المتقدمة التى تقرب الأجسام وتصورها فى ذات الوقت من مسافات طويلة. وهناك العشرات من المواقع الآن التى تعرض برامج وطرقًا للتجسس على التليفونات المحمولة للآخرين.
عندما ظهرت شركات المحمول فى مصر، أصبح من حق كل شركة من تلك الشركات، أن تراقب مكالمات خطوطها التى تبيعها للعملاء، ولها فضلًا عن ذلك إمكانية تسجيل تلك المكالمات، وبالطبع يمكن الحصول على تفريغ صوتى كامل لتلك المكالمات.
وقد اعترف اللواء حبيب العادلى وزير الداخلية الأخير فى نظام مبارك صراحة، بوجود رقابة على التليفونات عندما سئل عنها فى أحد البرامج وقال بالنص «اللى يخاف ميتكلمش».
ولم يكن هذا يليق بوزير داخلية أن يصرح بذلك علنًا لتخويف الناس.
ومما لا شك فيه أن من حق أجهزة الأمن متابعة ما يحدث من أعداء الوطن فى أى مكان وبأى صورة، ولكن ليس من حق أى جهة أخرى أن تمتلك أجهزة يمكنها أن تتنصت على الناس.
شركات الاتصالات استحوذت على عدد من الشركات التى تقوم بتوريد خدمات الإنترنت للمشتركين، وبالتالى فإن فى مقدورها متابعة ما يجرى على شبكاتها، والوقوف على ما يحدث فى مواقع التواصل الاجتماعى فى أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالمشتركين.
نخلص من كل هذا إلى أن أى شخص من العاملين فى شركات المصرية للاتصالات وشركات المحمول يمكنه أن يتنصت على مكالمات الناس. أو حتى سماعها، دون مسوغ قانونى لمجرد الفضول، أو حب الاستطلاع.
وأرى أن توضع أجهزة التنصت فى الجهات التى تمتلكها شركات المحمول، فى مكان واحد، تحت الرقابة القانونية الصارمة للأجهزة القضائية، بحيث لا يتمكن أى شخص من الاقتراب من الأسرار الشخصية فى تليفونات المصريين ومكالماتهم.