رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معارك «المركزى».. خطة شاملة لمنع إحياء «السوق السوداء» وحصار التضخم

البنك المركزى
البنك المركزى

شهدت مصر، فى السنوات الماضية، تحولات كبيرة على صعيد السياسة النقدية، كان أبرزها الإصلاحات التى أقرها البنك المركزى المصرى، فى مارس الماضى، والتى أعادت الاستقرار إلى سعر الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية، وحققت التوازن فى أسواق العملة، بعد القضاء على السوق السوداء للعملة، فى خطوة أساسية نجحت فى الحد من التضخم، وتوفير بيئة اقتصادية أكثر استقرارًا.

 وبفضل السياسات المرنة، التى اتبعها البنك المركزى، مثل تحرير سعر الصرف وتعزيز التدفقات النقدية من مصادر متعددة، وعلى رأسها تحويلات المصريين فى الخارج، نجح «المركزى» فى زيادة الاحتياطيات الأجنبية، وتحقيق الاستقرار فى سوق العملات، فضلًا عن تحسين القدرة التنافسية للمنتجات المصرية فى الأسواق العالمية، ما ساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية، ودعم النمو الاقتصادى. 

ووفقًا لهذه النجاحات، لم يكن من المستغرب ما تضمنه القرار الجمهورى، الذى نشرته الجريدة الرسمية، فى عددها رقم ٤٧ مكرر (د)، الصادر يوم الثلاثاء الماضى، بشأن إعادة تشكيل مجلس إدارة البنك. ونص القرار على تعيين حسن السيد حسن عبدالله، القائم بأعمال محافظ البنك المركزى، رئيسًا لمجلس إدارة البنك، اعتبارًا من ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٤، ولمدة عام، إلى جانب تعيين أعضاء جدد؛ بما يعكس تجديدًا فى قيادات البنك، واهتمامًا بتحقيق المزيد من الاستقرار المالى والنقدى فى البلاد.

 

 

توفير العملة الأجنبية عبر القنوات الرسمية

 

اعتبر محمد عبدالعال، الخبير المصرفى، أن القضاء على السوق السوداء للدولار يمثل أحد أهم الإنجازات التى حققها البنك المركزى المصرى فى الآونة الأخيرة، بفضل السياسات النقدية المدروسة التى اتبعها لتوفير العملة الأجنبية عبر القنوات الرسمية. 

وقال «عبدالعال» إن البنوك المصرية تمكنت من استعادة دورها فى توفير الدولار بشكل مستمر للمستوردين والمستثمرين، ما ساعد على تقليص دور السوق السوداء، التى كانت تتسبب فى تشوهات اقتصادية، وتؤثر على استقرار سعر الصرف.

وأضاف: «البنك المركزى نجح فى تنفيذ سياسة مرنة لسعر الصرف، ما سمح للجنيه بالتحرك فى نطاقات معينة، حسب آليات العرض والطلب، وأسهم فى تراجع الفجوة بين أسعار الدولار الرسمية وغير الرسمية».

وواصل: «تلك السياسات، إلى جانب زيادة تدفقات النقد الأجنبى من خلال مصادر متعددة، مثل تحويلات المصريين فى الخارج، وعائدات قناة السويس، ساعدت على تحسين احتياطيات النقد الأجنبى وتعزيز ثقة السوق فى الاقتصاد المصرى».

وأكمل: «القضاء على السوق السوداء له تأثير إيجابى كبير على الاقتصاد الوطنى، إذ يعزز من استقرار الجنيه، ويقلل من التضخم الناجم عن المضاربات على العملة، وهذه الخطوات تسهم فى تعزيز الاستثمارات الأجنبية والمحلية، مما ينعكس بشكل إيجابى على النمو الاقتصادى فى مصر خلال المرحلة المقبلة».

 

استعادة تحويلات المصريين بالخارج.. وامتصاص السيولة من الأسواق

 

رأت سهر الدماطى، الخبيرة المصرفية، أن البنك المركزى، خلال الأشهر الماضية، نجح فى القضاء على السوق السوداء للعملة، بعد اتخاذ الإجراءات الإصلاحية فى ٦ مارس الماضى، واصفة الأمر بأنه كان «أكبر تحد يواجه الاقتصاد المصرى».

وقالت الخبيرة المصرفية: «استطاع البنك المركزى، من خلال قرارات مارس الماضى، إقرار سعر صرف عادل ومرن، ما أدى لاستقرار سعر الصرف، وزيادة كبيرة فى السيولة الدولارية، ما أدى لتوافر العملات الأجنبية بعد تضاعف حجم التنازلات عنها لدى القنوات الشرعية، مثل البنوك وشركات الصرافة، وحقق الاستقرار فى السوق المصرفية».

وأضافت: «نجاحات البنك المركزى أدت إلى زيادة غير مسبوقة فى تحويلات المصريين العاملين بالخارج، والتى ارتفعت لنحو ٢٠.٨ مليار دولار، خلال التسعة أشهر الأولى من العام الحالى ٢٠٢٤».

وواصلت: «تحويلات المصريين العاملين فى الخارج شهدت أيضًا قفزات متتالية، خلال الفترة التى أعقبت الإجراءات الإصلاحية، إذ تضاعفت خلال شهر سبتمبر الماضى لتسجل نحو ٢.٧ مليار دولار، مقابل نحو ١.٣ مليار دولار فقط فى سبتمبر ٢٠٢٣».

وأكملت: «التحويلات شهدت أيضًا قفزة كبيرة، خلال الربع الأول من السنة المالية ٢٠٢٤/٢٠٢٥، وارتفعت بمعدل ٨٤.٤٪، لتسجل نحو ٨.٣ مليار دولار، وخلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالى ٢٠٢٤، شهدت ارتفاعًا بمعدل ٤٢.٦٪».

ورأت أن أكبر نجاحات البنك المركزى المصرى، خلال الفترة الماضية، تمثل فى مواجهة التضخم، مع وضع قيود لكبح تأثيرات الموجة التضخمية العالمية، التى تسببت فيها التوترات الجيوسياسية بالمنطقة، على رأسها الحرب على غزة ولبنان، مشيرة إلى أن الدولة، من خلال نجاح السياسية النقدية والمالية، استطاعت خفض معدلات التضخم من ٤١٪ إلى أقل من ٢٥٪ خلال عام ونصف العام، وفق بيانات صادرة عن المؤسسات المالية العالمية، على رأسها صندوق النقد الدولى.

وأضافت: «البنك المركزى استطاع كذلك الحفاظ على الاستقرار المالى، بعد إجراء عدة قرارات لكبح التضخم، منها امتصاص السيولة من خلال طرح شهادات استثمار وادخار عالية الفائدة غير مسبوقة، تصل إلى ٢٧٪، مما أدى لزيادة كبيرة فى إقبال المصريين على الادخار والاستثمار فى شهادات البنوك».

ونبهت إلى أن سياسات «المركزى» أدت لارتفاع صافى الاحتياطيات الأجنبية إلى ٤٦.٩٤ مليار دولار بنهاية أكتوبر ٢٠٢٤، مقارنة بـ٤٦.٧٤ مليار دولار فى نهاية سبتمبر ٢٠٢٤، بزيادة قدرها ٢٠٠ مليون دولار، وأصبح الاحتياطى الحالى يكفى لتغطية نحو ٨ أشهر من الواردات، وهو أعلى من المتوسط العالمى، الذى يصل إلى ٣ أشهر، مما يعزز من تأمين احتياجات مصر من السلع الأساسية والاستراتيجية.

وواصلت: «يعد الاحتياطى النقدى ضروريًا لتوفير السلع الأساسية وسداد الديون الخارجية، ومواجهة الأزمات الاقتصادية، كما يسهم فى دعم الاقتصاد المصرى فى أوقات الاضطرابات، ويساعد فى تعويض التأثيرات السلبية على القطاعات التى تدير العملة الصعبة، مثل السياحة والصادرات».

 

 

تلبية طلبات المستوردين لتوفير السلع الاستراتيجية

 

قال المهندس إيهاب سعيد، عضو مجلس إدارة غرفة القاهرة التجارية، إن السوق المصرية شهدت استقرارًا نسبيًا فى توافر السلع الاستراتيجية، خلال الفترة الماضية، بفضل الجهود المستمرة التى تبذلها الحكومة والبنك المركزى؛ لضمان سلاسة تدفق المنتجات الأساسية. 

وأضاف «سعيد»: «الاحتياطى النقدى لدى البنك المركزى ساهم بشكل كبير فى ضمان استقرار السوق المحلية، بعدما أتاح تأمين احتياجات البلاد من السلع الاستراتيجية، مثل القمح والوقود والأدوية، ما ساهم فى تلبية احتياجات المواطنين».

وواصل: «توافر الدولار للمستوردين أمر بالغ الأهمية لاستمرار عجلة الإنتاج وتوفير السلع للمستهلكين، خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية، ورغم التحديات الاقتصادية، استطاع البنك المركزى توفير الدولار، ما حقق استقرارًا نسبيًا فى حركة الاستيراد».

ودعا إلى ضرورة استمرار التنسيق بين القطاعين العام والخاص، لتحقيق مزيد من التوازن بين توافر السلع الأساسية وضمان استمرارية الأعمال، لضمان استدامة النمو الاقتصادى فى مصر خلال المرحلة المقبلة.

 

الحفاظ على استقرار  الأسعار فى الأسواق

 

شدد الدكتور وليد جاب الله، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع، على أن البنك المركزى نجح فى اتخاذ العديد من الإجراءات التى ساعدت فى كبح التضخم، والحد من تأثيراته السلبية على الاقتصاد. وأوضح «جاب الله» أن البيانات الأخيرة، وتحديدًا تقرير صندوق النقد الدولى، أظهرت أن التضخم فى مصر شهد تراجعًا ملحوظًا فى توقعات ٢٠٢٥، ليصل إلى ٢٤.١٪، بعد أن كان متوقعًا تسجيله ٣٥.٢٪. وأضاف الخبير الاقتصادى: «هذا التراجع المتوقع فى التضخم يعد نتيجة مباشرة للسياسات النقدية المحكمة التى تبناها البنك المركزى، مثل رفع أسعار الفائدة بشكل تدريجى؛ لتقليل الضغوط التضخمية، وضبط السيولة النقدية فى السوق، ما ساهم فى تخفيض معدلات التضخم، على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد».

وواصل: «التوقعات المستقبلية تشير إلى أن الاقتصاد المصرى سيتحسن بشكل تدريجى فى السنوات المقبلة، بفضل الاستثمارات الكبيرة فى مشروعات البنية التحتية والطاقة، وغيرهما من المشروعات التى تهدف إلى تعزيز الاستثمار فى القطاعات الأساسية، مثل النقل والإسكان والخدمات العامة، ما يسهم فى خلق وظائف جديدة، وتحفيز النمو الاقتصادى». ونبه إلى أن الاقتصاد المصرى يعتمد بشكل كبير على هذه الاستثمارات من أجل تحقيق الاستقرار المالى والنقدى، وتقليص معدلات التضخم، وزيادة الاستثمارات فى هذه القطاعات، ما يساعد فى تقليل الأعباء المعيشية على المواطنين، وتعزيز القوة الشرائية. واختتم «جاب الله» بالإشارة إلى جهود الحكومة، بالتعاون مع البنك المركزى، لتحقيق الاستقرار الاقتصادى، ومكافحة التضخم، مع التركيز على تعزيز الاستثمار فى البنية التحتية والطاقة؛ لتوفير فرص العمل وتحقيق التنمية المستدامة.

 

 

زيادة الاستثمارات الأجنبية.. وتعزيز الإنتاج المحلى 

 

أشاد الدكتور محمد سعد الدين، نائب رئيس الاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين، بالسياسات النقدية التى اتبعها البنك المركزى فى الفترة الأخيرة، مشيرًا إلى أن هذه السياسات كان لها دور محورى فى زيادة الاستثمارات الأجنبية، وجذب المستثمرين إلى السوق المصرية، بعد توفيرها البيئة الاقتصادية المناسبة لتنشيط الاستثمارات فى مختلف القطاعات، خاصة الحيوية، مثل الصناعة والطاقة والبنية التحتية.

وأضاف «سعد الدين»: «البنك المركزى نجح فى تنفيذ سياسة مرنة لسعر الصرف، ما سمح للجنيه بالتحرك وفقًا للعرض والطلب فى السوق، وهذا ساهم فى تقليص الفجوة بين السعر الرسمى وغير الرسمى للعملة الأجنبية».

وواصل: «نتيجة لهذه السياسة، شهدت البنوك زيادة فى تدفقات النقد الأجنبى، سواء من خلال الاستثمارات الأجنبية المباشرة أو التحويلات من المصريين فى الخارج، ما ساعد على توفير العملة المطلوبة لشراء مكونات ومستلزمات الإنتاج».

وأكد رئيس لجنة الطاقة باتحاد الصناعات أن هذه الخطوات ساهمت بشكل كبير فى تحسين القدرة التنافسية للمنتجات المصرية فى الأسواق العالمية، بعدما أصبح لدى الشركات القدرة على استيراد المواد الخام اللازمة للإنتاج دون تأخير أو تعقيدات، ما ساهم بدوره فى تعزيز الإنتاج المحلى وزيادة الصادرات، وبالتالى تحقيق نمو اقتصادى ملحوظ فى الفترة الأخيرة.

وأكمل «سعد الدين»: «توفير العملة الأجنبية من خلال القنوات الرسمية ساعد الشركات والمستثمرين فى الحصول على تمويلات ميسرة، وبالتالى تمكنوا من تطوير مشروعاتهم وتوسيع أنشطتهم»، لافتًا إلى أن العديد من المستثمرين الأجانب الذين كانوا فى السابق يترددون فى الاستثمار داخل مصر؛ بسبب تقلبات سعر الصرف- أصبحوا الآن أكثر ثقة فى السوق المصرية، بعد نجاح البنك المركزى فى إدارة سياسة النقد بتميز واضح.

وتابع: «نجاح السياسات النقدية أدى إلى زيادة حجم الاستثمارات فى مشروعات البنية التحتية والطاقة المتجددة والصناعات التحويلية، ما ساهم فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وخلق الآلاف من فرص العمل، وبالتالى تقليل معدلات البطالة وتحسين مستوى المعيشة».

وقال نائب رئيس الاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين إن جهود «المركزى» لتوفير العملة الأجنبية كان لها دور فى تحسين مناخ الاستثمار المحلى، بعدما ساعدت على توفير السيولة اللازمة لتشغيل المصانع والشركات، وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التى تمثل أساس الاقتصاد المصرى.

واختتم الخبير الاقتصادى بقوله: «هذا النجاح يعكس القدرة العالية على التكيف مع التحديات الاقتصادية، وسيكون له أثر كبير فى دعم النمو الاقتصادى المستدام، وتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية فى المستقبل القريب».

 

ارتفاع تغطية الاحتياطى النقدى للواردات إلى 8 أشهر

 

أكدت الدكتورة هدى الملاح، الخبيرة الاقتصادية، نجاح السياسات النقدية التى تبناها البنك المركزى فى تعزيز احتياطى النقد الأجنبى للبلاد، الذى سجل ٤٦.٩٤ مليار دولار بنهاية أكتوبر ٢٠٢٤، مقارنة بـ٤٦.٧٤ مليار دولار فى نهاية سبتمبر السابق، بزيادة ٢٠٠ مليون دولار.

وأضافت الخبيرة الاقتصادية: «الاحتياطى النقدى الأجنبى لدى البنك المركزى يلعب دورًا حيويًا فى دعم الاقتصاد الوطنى، بداية من استخدامه لتوفير السلع الأساسية، وسداد الديون الخارجية، ومواجهة الأزمات الاقتصادية، إلى جانب دعم الاقتصاد فى حالات الطوارئ والاضطرابات الاقتصادية، عبر تعويض تأثير انخفاض الإيرادات من القطاعات التى تدر العملة الصعبة، مثل السياحة والصادرات».

وأوضحت أن مصر تستورد سلعًا ومنتجات تقدر قيمتها السنوية بنحو ٧٠ مليار دولار، أى نحو ٧ مليارات دولار شهريًا. وبالتالى، فإن الاحتياطى الحالى يكفى لتغطية نحو ٨ أشهر من الواردات، وهو مستوى أعلى من المتوسط العالمى، الذى لا يتجاوز ٣ أشهر، بما يعكس قدرة مصر على تأمين احتياجاتها من السلع الأساسية والاستراتيجية، وهو أمر بالغ الأهمية لضمان استقرار السوق المحلية.