مسمار جحا الإسرائيلى فى الجدار اللبنانى!
فى الوقت الذى أعلن فيه رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، عن أنه مستعد لتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، إلا أنه قال «سنرد بقوة على أى انتهاك» من جانب حزب الله، بعد أن وافق مجلس الوزراء الأمنى الأكثر تقييدًا على الاتفاق.. وأضاف: «سننفذ الاتفاق، وسنرد بقوة على أى خرق، وسنواصل معًا حتى النصر.. بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة، نحتفظ بحرية العمل العسكرى الكاملة. وإذا انتهك حزب الله الاتفاق أو حاول إعادة التسلح، فسوف نضربه بشكل حاسم».. وكشف نتنياهو عن ثلاثة أسباب للسعى إلى وقف إطلاق النار، هى التركيز على إيران والاستعداد لضربتها المتوقعة، ردًا على الاعتداء الإسرائيلى الأخير على أراضيها، وتجديد إمدادات الأسلحة المستنفدة، وخصوصًا انتظار وصول عشرين ألف قذيفة من القنابل زنة ألفى رطل من واشنطن، ومنح الجيش قسطًا من الراحة لمدة ستين يومًا داخل الأراضى البنانية فى الجنوب، حيث يتمركزون الآن.. وأخيرًا، عزل حماس، الجماعة المسلحة التى أشعلت فتيل الحرب فى المنطقة، عندما شنت هجومًا على إسرائيل من غزة فى السابع من أكتوبر من العام الماضى، بما يسمى فصل الساحات العسكرية بين حماس وحزب الله.. وأشار نتنياهو إلى أن حزب الله، الذى تدعمه إيران ويتحالف مع حماس، أصبح أضعف بكثير مما كان عليه فى بداية الصراع، «لقد أعدناها عقودًا إلى الوراء، وقمنا بتصفية قادتها الكبار، ودمرنا معظم صواريخها وقذائفها، وحيدنا آلاف المقاتلين، ومحونا سنوات من البنية التحتية للإرهاب بالقرب من حدودنا.. لقد استهدفنا أهدافًا استراتيجية فى مختلف أنحاء لبنان، وهززنا بيروت حتى الصميم».
أوقفت إسرائيل وحزب الله إطلاق النار، بموجب اتفاق يهدف إلى إنهاء أكثر من عام من الأعمال العدائية، التى أشعلها الصراع فى غزة، الذى تصاعد قبل شهرين، عندما شنت إسرائيل هجومًا على مواقع الحزب فى لبنان، واستهدفت حتى المنشآت المدنية وسط بيروت وفى الشمال اللبنانى، وقتلت قرابة أربعة آلاف شخص فى لبنان وجرحت ما يزيد على الخمسة عشر ألفًا منذ أكتوبر 2023، وفقًا لوزارة الصحة اللبنانية، حتى الرابع والعشرين من نوفمبر الحالى.. ولا تُفرق الأرقام هنا بين مقاتلى حزب الله والمدنيين.. ولم يتبين بعد عدد القتلى فى صفوف حزب الله.. إلا أن الجماعة أعلنت عن مقتل نحو خمسمائة من مقاتليها فى المعارك، حتى اللحظة التى شنت فيها إسرائيل هجومها فى سبتمبر الماضى، ولكنها توقفت عن الإعلان عن ذلك عند تلك النقطة.. لكن معهد دراسات الأمن القومى التابع لجامعة تل أبيب، والذى تربطه علاقات عميقة بالمؤسسة العسكرية، يؤكد أن حزب الله خسر نحو ألفين ونصف الألف من عناصره.. وفى المقابل، أدت غارات حزب الله إلى مقتل خمسة وأربعين مدنيًا فى شمال إسرائيل ومرتفعات الجولان المحتلة من قِبل إسرائيل.. بينما قُتل ما لا يقل عن ثلاثة وسبعين جنديًا إسرائيليًا فى شمال إسرائيل، ومرتفعات الجولان، وفى معارك فى جنوب لبنان، وفقًا للسلطات الإسرائيلية.
فى لبنان، تقدر تكلفة الأضرار التى لحقت بالمساكن بنحو 2.8 مليار دولار، مع تدمير أكثر من تسعة وتسعين ألف وحدة سكنية جزئيًا أو كليًا، وفقًا لتقرير البنك الدولى.. وفى الضاحية الجنوبية لبيروت وحدها، معقل حزب الله، أدت الغارات الإسرائيلية إلى هدم ما لا يقل عن 262 مبنى، وفقًا لمختبر بيروت الحضرى التابع للجامعة الأمريكية.. وألحق الجيش الإسرائيلى أيضًا أضرارًا واسعة النطاق فى قرى وبلدات فى سهل البقاع وجنوب لبنان، وهما منطقتان يسيطر عليهما حزب الله.. وقدَّر تقرير البنك الدولى الأضرار التى لحقت بالزراعة بنحو 124 مليون دولار، مع خسائر تزيد على 1.1 مليار دولار، بسبب فقدان الحصاد الناجم عن تدمير المحاصيل والثروة الحيوانية ونزوح المزارعين.
وفى إسرائيل، تقدر السلطات الإسرائيلية الأضرار التى لحقت بالممتلكات بنحو 273 مليون دولار على الأقل، مع تضرر أو تدمير آلاف المنازل والمزارع والشركات.. ووقع الجزء الأكبر من الأضرار فى إسرائيل، فى المناطق المتاخمة للحدود اللبنانية، التى تعرضت لقصف صاروخى من قبل حزب الله.. وتقول السلطات الإسرائيلية إن نحو خمسة وخمسين ألف فدان من الغابات والمحميات الطبيعية والحدائق والأراضى المفتوحة فى شمال إسرائيل ومرتفعات الجولان، تعرضت للحرق منذ بداية الحرب.
وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، نزح أكثر من 886 ألف شخص داخل لبنان حتى 18 نوفمبر الحالى. وأظهرت بيانات المفوضية أن أكثر من 540 ألف شخص فروا من لبنان إلى سوريا منذ بدء الحرب.. وفى إسرائيل، تم إخلاء نحو ستين ألف شخص من منازلهم فى الشمال.. وفى تقرير صدر الشهر الحالى، قدم البنك الدولى تقديرًا أوليًا للأضرار والخسائر التى لحقت بلبنان بقيمة 8.5 مليار دولار.. ومن المتوقع أن ينكمش الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى للبنان بنسبة 5.7% عام 2024، مقارنة بتقديرات النمو قبل الصراع البالغة 0.9%.. وتكبد قطاع الزراعة خسائر تجاوزت 1.1 مليار دولار، خلال الأشهر الإثنى عشر الماضية، بسبب تدمير المحاصيل والثروة الحيوانية ونزوح المزارعين، خصوصًا فى المناطق الجنوبية.. وكانت السياحة والضيافة، وهما من القطاعات الرئيسية المساهمة فى الاقتصاد اللبنانى، الأكثر تضررًا، حيث بلغت الخسائر 1.1 مليار دولار، وفقًا للبنك الدولى.
بالنسبة لإسرائيل، أدى الصراع مع حزب الله إلى تفاقم التأثير الاقتصادى للحرب فى غزة، ما أدى إلى إجهاد المالية العامة.. ارتفع العجز فى الميزانية إلى ما يقرب من 8% من الناتج المحلى الإجمالى، ما دفع وكالات التصنيف الائتمانى الثلاث الكبرى إلى خفض تصنيف إسرائيل هذا العام.. كما أدى الصراع إلى تفاقم اضطرابات سلسلة التوريد، ما دفع التضخم إلى 3.5%، وهو ما يتجاوز نطاق هدف البنك المركزى الذى يتراوح بين 1% و3%.. وردًا على ذلك، حافظ البنك المركزى على أسعار فائدة مرتفعة لكبح التضخم، ما أدى إلى إبقاء أسعار الرهن العقارى مرتفعة، وإضافة المزيد من الضغوط على الأسر.
●●●
تضمن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، على ثلاثة عشر بندًا، تقضى بأن حزب الله وجميع الجماعات المسلحة الأخرى فى الأراضى اللبنانية، لن تقوم بأى عمل هجومى ضد إسرائيل.. وفى المقابل، لن تنفذ إسرائيل أى عملية عسكرية هجومية ضد أهداف فى لبنان، بما فى ذلك من البر والجو والبحر.. وتعترف إسرائيل ولبنان بأهمية قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701.. يحتفظ الطرفان بحق الدفاع الذاتى ضمن أطر المواثيق الدولية.. القوات الأمنية والعسكرية الرسمية للبنان، ستكون الجهة المسلحة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح أو استخدام القوات فى جنوب لبنان.. وكل بيع أو توريد أو إنتاج للأسلحة، أو المواد المتعلقة بالأسلحة إلى لبنان، سيكون تحت إشراف وسيطرة الحكومة اللبنانية.. كما سيتم تفكيك جميع المنشآت غير القانونية المعنية بإنتاج الأسلحة والمواد المتعلقة بها.. سيتم تفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية، وستتم مصادرة أى أسلحة غير قانونية لا تتماشى مع هذه الالتزامات.. وسيتم تشكيل لجنة مقبولة على إسرائيل ولبنان، للإشراف والمساعدة فى ضمان تنفيذ هذه الالتزامات.. وستقوم إسرائيل ولبنان بالإبلاغ عن أى انتهاك محتمل لهذه الالتزامات، إلى اللجنة وقوة «اليونيفيل»، القوة المؤقتة للأمم المتحدة فى لبنان.. ستنشر لبنان قواتها الأمنية الرسمية وقوات الجيش على طول جميع الحدود، ونقاط العبور، والخط الذى يحدد المنطقة الجنوبية وفقًا لخطة الانتشار.. ستقوم إسرائيل بسحب قواتها تدريجيًا من الجنوب باتجاه الخط الأزرق خلال فترة تصل إلى ستين يومًا.. وأخيرًا، ستدفع الولايات المتحدة لمفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل ولبنان، من أجل التوصل إلى اتفاق على ترسيم الحدود البرية.
وردًا على الاتفاق، تظاهرت عدة منظمات إسرائيلية، بما فى ذلك مجموعات مهتمة باستيطان لبنان، وتلك التى تُمثل سكان الشمال، وغيرها من المنظمات اليمينية، أمام مقر جيش الدفاع الإسرائيلى فى تل أبيب، احتجاجًا على اتفاق وقف إطلاق النار فى لبنان.. حمل المتظاهرون شعارات «الاتفاق = الدمار»، و «وقف اتفاق الاستسلام فى لبنان»، و«النداء الأخير لإنقاذ الجليل».. ولا تستبعد مصادر فى مؤسسة الجيش إمكانية أن يؤدى توقيع اتفاق بين لبنان وإسرائيل بشكل مُلزم لحزب الله، إلى تحقيق اختراق فى المفاوضات مع حماس لإطلاق سراح الرهائن، بما فى ذلك إبقاء ممر فيلادلفيا فى أيدى إسرائيل.
وقد زاد حزب الله من وتيرة إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة والقذائف تجاه الجبهة الداخلية الإسرائيلية، خلال الأسبوع الماضى.. خصوصًا أن الاتفاق يقضى بنقل حزب الله أسلحته الثقيلة إلى الشمال من نهر الليطانى.. وبحسب ضباط فى القيادة الشمالية الإسرائيلية، فإن هذا يأتى فى محاولة «لإبرام اتفاق نهائى فى الوعى الإسرائيلى، ولإضفاء بعض الراحة.. فالجميع كانوا يدركون أنه فى غضون أيام، سوف يتم التوصل إلى اتفاق».. وقالت مصادر فى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إن الإدارة الأمريكية الحالية تضغط من أجل التوصل إلى اتفاق، والإدارة المقبلة تنتظر ذلك، إلى جانب موافقة اللبنانيين، «إذا لم يوقعوا على الاتفاق الآن، فسيحدث ذلك بعد وقت طويل».
من جانبه، طالب رئيس الوزراء اللبنانى، نجيب ميقاتى، المجتمع الدولى بـ«تنفيذ فورى» لوقف إطلاق النار، منددًا بالقصف «الهستيرى» الذى طال العاصمة بيروت أمس الثلاثاء.. وكانت الحكومة اللبنانية قد قالت فى وقت سابق، إنها ستعقد اجتماعًا، صباح الأربعاء، لإقرار اتفاق لوقف إطلاق النار.. وعلى الجانب الأمريكى، تحدث الرئيس الأمريكى، جو بايدن، عن كيف ساعدت الولايات المتحدة فى تأمين وقف إطلاق النار فى لبنان، وإنهاء القتال بين إسرائيل وحزب الله.. وكان موقع AXIOS الإخبارى الأمريكى قد نقل فى وقت سابق، عن مسئول أمريكى كبير، أن إسرائيل ولبنان توصلا إلى شروط لإنهاء الصراع، وأنه من المتوقع أن توافق إسرائيل على المقترح الثلاثاء.. ووفقًا لما تتداولته وسائل إعلام، خصوصًا الإسرائيلية منها، فإن الجيش الإسرائيلى سيسحب بموجب الاتفاق، جنوده من لبنان، بينما يسحب حزب الله مقاتليه وأسلحته، إلى ما وراء نهر الليطانى، الواقع على بعد حوالى ثلاثين كيلومترًا من حدود لبنان مع إسرائيل.. ووفقًا للقناة الثانية عشرة الإسرائيلية، فإن الاتفاق ينص أيضًا على وقف إطلاق النار المُتبادل، وعدم وجود منطقة عازلة، تحتلها إسرائيل فى جنوب لبنان، لكن القناة تضيف أن القوات الإسرائيلية ستحافظ على وجودها فى لبنان، لمدة تصل إلى ستين يومًا، وستُشرف الحكومة اللبنانية على شراء وإنتاج الأسلحة فى البلاد، حيث يحل جيشها محل الجيش الإسرائيلى أثناء انسحابه.
ووفقًا للاتفاق، فإن الولايات المتحدة ستتولى رئاسة لجنة من خمس دول، لمراقبة وقف إطلاق النار، وتقول التقارير إنها ستصدر خطابًا يعترف بحق إسرائيل، فى مهاجمة لبنان إذا اعتُبر حزب الله مُنتهِكًا للاتفاق.. وتشير صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية إلى أن الاقتراح سيتضمن ثلاث مراحل: هدنة يتبعها سحب حزب الله لقواته شمال نهر الليطانى، وانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، وأخيرًا مفاوضات إسرائيلية- لبنانية، بشأن ترسيم المناطق الحدودية المتنازع عليها.
وتُوجِز صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية ثلاثة أسباب، ترى أنها جعلت الاتفاق ممكنًا بالنسبة لإسرائيل، وهى: ضغط الإدارة الأمريكية الحالية ودعم الإدارة القادمة، و«دون اتفاق كنا سنواجه قرارًا بوقف الحرب من قبل مجلس الأمن».. استراحة القوات فى الاحتياط، التى استُنزفت بين لبنان وغزة على مدار عام كامل، والحاجة إلى التزود بالذخيرة.. الفصل بين غزة ولبنان، وقطع العلاقة بين الساحتين، وإبقاء حماس وحدها فى المعركة، مع مضاعفة الضغط العسكرى، وإرسال قوات إلى غزة، وبالتالى فتح أفق لصفقة تُعيد الأسرى.. وبجانب ما ذكرته «يديعوت أحرونوت» من أسباب، فإن مراقبين يتحدثون أيضًا عن التطوّرات الميدانية، التى شهدتها الأيام الماضية من الحرب، إذ نفَّذ حزب الله عمليات استثنائية، وصلت إلى خمسين عملية فى يوم واحد، هو يوم الأحد الرابع والعشرين من نوفمبر، وطال معظمها مساحة واسعة من العمق الإسرائيلى.. ويضيف المراقبون إلى ذلك، ما سُرِّب حول تهديد واشنطن بالانسحاب من المفاوضات، فى حال لم يتم التوصل لاتفاق على وجه السرعة.
على الجانب الآخر، يُثار التساؤل نفسه حول الأسباب التى دفعت حزب الله إلى قبول اتفاق من هذا القبيل.
يرى جانب كبير من المراقبين أن الحزب بات يواجه تحديات كبيرة، خصوصًا على مستوى الجبهة الداخلية، مع ما طال لبنان من تدمير إسرائيلى، وبروز أصوات فى لبنان، تتهم الحزب بأنه جر الدمار على البلاد، وفى خضم ذلك، جاءت الضغوط الأمريكية المتزايدة على الحزب، الذى كان قد فوَّض رئيس مجلس النواب نبيه برى، بالتفاوض مع الأمريكيين نيابةً عنه، وقد بدا أن الحزب وجد نفسه، فى مواجهة ضغوط مُتفاقمة، للاستجابة للمبادرة والقبول بوقف إطلاق النار، مدفوعًا بالخسائر الهائلة التى تكبدها لبنان، جراء القصف الإسرائيلى المستمر، منذ أكثر من عام، والذى أسفر، بجانب التدمير المادى، عن خسائر على الجبهة الاقتصادية، تجاوزت وفق بعض التقديرات، الخمسة مليارات دولار، فى وقت يعانى فيه لبنان، حتى من قبل الحرب، من أزمة اقتصادية خانقة، وكل ذلك، من وجهة نظر المراقبين، جعل الموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار، أمرًا مُلحًا وضروريًا فى هذا الوقت.
●●●
هنا يتساءل البعض: هل يعنى اتفاق وقف إطلاق النار فى لبنان نهاية للقتال أم التقاط للأنفاس؟.
كما تثير المواقف الأولية لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبنانى، الذى حظى بدعم من القادة الإسرائيليين، كما أشار قادة حزب الله إلى دعم مبدئى للاتفاق الذى توسطت فيه الولايات المتحدة، الآمال بوقف الحرب، إلا أنها تجدد الأسئلة الصعبة فى منطقة تجتاحها الصراعات.. هل ينهى الاتفاق القتال الذى دام أكثر من عام عبر الحدود، والذى قتلت القوات الإسرائيلية خلاله قرابة الأربعة آلاف شخص لبنانى، غالبيتهم مدنيون، ودفعت أكثر من 1.2 مليون لبنانى وخمسين ألف إسرائيلى إلى الفرار من منازلهم؟.
يرى مراقبون أن الاتفاق، الذى دخل حيز التنفيذ فى الساعة الرابعة صباح اليوم الأربعاء- الثانية فجرًا بتوقيت جرينتش- قد يُهدئ بشكل مؤقت التوترات التى أشعلت المنطقة، إلا أنه قد لا يفعل الكثير بشكل مباشر، لحل الحرب الأكثر دموية التى اندلعت فى قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023.. ويأتى الاتفاق بعد أشهر من القصف عبر الحدود، وتستطيع إسرائيل أن تزعم «تحقيق انتصارات كبرى»، منها اغتيال زعيم حزب الله، حسن نصرالله، ومعظم كبار قادته، وتدمير البنية التحتية للحزب على نطاق واسع.. كما أثار الهجوم المعقد فى سبتمبر الماضى، الذى شمل انفجار مئات من أجهزة الاتصال اللا سلكى وأجهزة النداء التى يستخدمها حزب الله، الشكوك بشأن اختراق ملحوظ للحزب.. لذلك، يرى البعض أن الضرر الذى لحق بحزب الله لم يقتصر على صفوفه، بل شمل السمعة التى بناها من خلال قتال إسرائيل حتى حرب عام 2006.
وعلى الرغم مع ذلك، تمكن مقاتلو الحزب من إظهار مقاومة شديدة على الأرض، ما أدى إلى إبطاء تقدم إسرائيل، مع الاستمرار فى إطلاق مئات الصواريخ والقذائف والطائرات المسيرة من حزب الله، عبر الحدود كل يوم.. لذلك يعتقد المراقبون أن وقف إطلاق النار يوفر الراحة لكلا الجانبين، ما يمنح جيش إسرائيل المُنهك استراحة، ويسمح لقادة حزب الله بالفخر لحفاظهم على أرضهم، على الرغم من الميزة الهائلة التى تتمتع بها إسرائيل فى الأسلحة.. وهنا، يقول أحد زعماء حزب الله إن دعم الحزب للاتفاق يتوقف على التأكيد على أن إسرائيل لن تجدد هجماتها.. وفى حديثه لقناة «الجزيرة»، قال محمود قماطى، نائب رئيس المجلس السياسى لحزب الله، «بعد مراجعة الاتفاق الذى وقعته حكومة العدو، سنرى ما إذا كان هناك تطابق بين ما ذكرناه وما اتفق عليه المسئولون اللبنانيون.. نريد نهاية للعدوان بالطبع، ولكن ليس على حساب سيادة الدولة فى لبنان».. وحتى الآن، أصر حزب الله على أنه لن يوقف هجماته على إسرائيل إلا عندما توافق على وقف القتال فى غزة.. ومن المرجح أن ينظر البعض فى المنطقة إلى الاتفاق بين الحزب وإسرائيل على أنه «استسلام».
وفى غزة، حيث يقول مسئولو حماس إن العدوان الإسرائيلى المتواصل منذ السابع من أكتوبر 2023 أسفر عن استشهاد أكثر من أربعة وأربعين ألف فلسطينى، يرى الجيش الإسرائيلى أنه ألحق خسائر فادحة بحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، بما فى ذلك اغتيال كبار قادتها.. لكن مقاتلى الحركة يواصلون احتجاز عشرات الأسرى الإسرائيليين، ما يمنح الجماعة المسلحة ورقة مساومة، إذا استؤنفت مفاوضات وقف إطلاق النار غير المباشرة.. ومن المرجح أن تستمر حماس فى المطالبة بهدنة دائمة، وانسحاب إسرائيلى كامل من غزة، فى أى اتفاق من هذا القبيل.
وبينما طالبت إسرائيل بـ«الحق فى التصرف» إذا انتهك حزب الله التزاماته، رفض المسئولون اللبنانيون ذلك.. وأكد وزير الدفاع الإسرائيلى، يسرائيل كاتس، أن الجيش الإسرائيلى سيضرب حزب الله إذا لم يتوفر «تطبيق فعَّال للاتفاق».. وهذا ما وعدت الولايات المتحدة بضمان تحقيقه لإسرائيل، إذا رأت من حزب الله ما يمكن أن تعتبره تل أبيب اختراقًا للاتفاق، وهو وعد فضفاض، يكمن الشيطان فى تفاصيله، ويُعد «مسمار جحا» الإسرائيلى فى الجدار اللبنانى.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.