رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نتنياهو.. مجرم حرب مطلوب للعدالة

لم يكن عجبًا أن يقول المتحدث باسم مجلس الأمن القومى الأمريكى، إن الولايات المتحدة ترفض بشكل أساسى قرار المحكمة الجنائية الدولية، إصدار أوامر اعتقال بحق كبار المسئولين الإسرائيليين، بل إن (الإدارة الأمريكية لا تزال تشعر بقلق عميق، إزاء ـ ما أسماه ـ اندفاع المدعى العام للجنائية الدولية، لطلب أوامر اعتقال، والأخطاء الإجرائية المزعجة التى أدت إلى هذا القرار).. وأن الولايات المتحدة أوضحت أن المحكمة الجنائية الدولية (ليست لديها ولاية قضائية على هذه المسألة، وأنه ستتم مناقشة الخطوات التالية بالتنسيق مع الشركاء، بما فى ذلك إسرائيل).. وذلك ردًا أمريكيًا فوريًا على صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية، أمس، بأوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع المُقال، يوآف جالانت، بخصوص جرائم حرب فى غزة.
كما أثار صدور قرار المحكمة ردود أفعال غاضبة داخل إسرائيل، إذ هاجم المسئولون فى الاحتلال الإسرائيلى، من أعضاء حكومة ومعارضة إسرائيلية، الجنائية الدولية، واصفين إياها بأنها مُعادية للسامية، على حد زعمهم.. إذ قال جدعون ساعر، وزير خارجية الاحتلال، إنها (لحظة سوداء بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية، فقدت فيها كل شرعية لوجودها ونشاطها).. ووصف إسحاق هرتسوج، رئيس إسرائيل، القرار بـ(اليوم الأسود.. هذا يوم مُظلم للعدالة، يوم مُظلم للإنسانية)، وتابع رئيس الاحتلال، فى منشور على منصة X، (إن القرار الفظيع الذى اتخذته المحكمة الجنائية الدولية بسوء نية، قد حوَّل العدالة العالمية إلى مادة للسخرية على مستوى العالم)!!.. واعتبر أن قرار الجنائية الدولية، اختار جانب ما أسماه (الإرهاب والشر) على حساب الديمقراطية والحرية، وحوَّل نظام العدالة ذاته إلى درع بشرية لجرائم حماس ضد الإنسانية، على حد قوله.. وأضاف، أن ـ ما أسماه ـ هذا الاستغلال الساخر للمؤسسات القانونية الدولية، يُذكرنا مرة أخرى، بالحاجة إلى الوضوح الأخلاقى الحقيقى فى مواجهة (إمبراطورية الشر الإيرانية)، التى تسعى إلى زعزعة استقرار منطقتنا والعالم، وتدمير مؤسسات العالم الحر ذاتها.
بينما أدان يائير لابيد زعيم المعارضة قرار المحكمة.. وقال بينى جانتس، رئيس معسكر الدولة، إن (قرار محكمة لاهاى، هو عمى أخلاقى وعار تاريخى لن يُنسى أبدًا).. وهاجم نفتالى بينيت، رئيس الوزراء الأسبق، المحكمة، قائلًا، (عار على المحكمة).. واتهم أفيجدور ليبرمان، رئيس حزب (إسرائيل بيتنا) الجنائية الدولية بازدواج المعايير، والمجتمع الدولى والأمم المتحدة بالنفاق.. ورأى يوآف كيش، وزير التعليم من حزب الليكود الحاكم، إن القرار هو (تدنٍ أخلاقى غير مسبوق).. واعتبرت ميرى ريجيف، وزيرة النقل الإسرائيلية، القرار (معاداة السامية الحديثة تحت ستار العدالة)، وبأنه (سخافة قانونية).. وطالب إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومى، بأن يكون الرد على مذكرات الاعتقال، (هو تطبيق السيادة على جميع أراضى الضفة الغربية المحتلة، والاستيطان اليهودى فى جميع أنحاء البلاد).. ورآه بتسلئيل سموتريتش، وزير مالية الاحتلال، خطوة مُشوَّهة ومنفصلة عن الواقع، ويعكس معاداة السامية والكراهية لإسرائيل.
كل ردود الأفعال الأمريكية والإسرائيلية الغاضبة، لأن الجنائية الدولية، وبعد انتظار طويل، أصدرت مذكرتى الاعتقال بحق نتنياهو وجالانت، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب منذ الثامن من أكتوبر 2023 وحتى العشرين من مايو 2024، وهو اليوم الذى قدمت فيه النيابة العامة طلبات إصدار مذكرات اعتقال بحقهما ـ ناهيك عما ارتكبته آلة الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى الأعزل من جرائم إبادة جماعية، خصوصًا فى شمال قطاع غزة، منذ مايو وحتى الآن ـ وأضافت الجنائية الدولية، أن الدائرة رأت أن هناك أسبابًا معقولة للاعتقاد، بأن نتنياهو وجالانت حرما عمدًا وعن علم، السكان المدنيين فى غزة من أشياء لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، بما فى ذلك الغذاء والماء والأدوية والإمدادات الطبية، فضلًا عن الوقود والكهرباء، موضحة أن (هذا الاستنتاج يستند إلى دور نتنياهو وجالانت فى إعاقة المساعدات الإنسانية، فى انتهاك للقانون الإنسانى الدولى، وفشلهما فى تسهيل الإغاثة بكل الوسائل المتاحة لهما).
وأضافت المحكمة، (وجدت الدائرة أن سلوكهما أدى إلى تعطيل قدرة المنظمات الإنسانية على توفير الغذاء وغيره من السلع الأساسية للسكان المحتاجين فى غزة، إلى جانب قطع الكهرباء وتقليص إمدادات الوقود وتأثيرها الشديد على توفر المياه فى غزة وقدرة المستشفيات على تقديم الرعاية الطبية).. وأردفت، (فيما يتعلق بالجرائم، وجدت الدائرة أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو، وجالانت، وزير دفاع إسرائيل آنذاك، يتحمل كل منهما المسئولية الجنائية عن الجرائم، باعتبارهما مشاركين فى ارتكاب الأفعال، بالاشتراك مع آخرين فى جريمة الحرب، المتمثلة فى التجويع كأسلوب من أساليب الحرب؛ والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة فى القتل والاضطهاد وغيرها من الأعمال اللا إنسانية).. ووجدت المحكمة أيضًا أسبابًا معقولة للاعتقاد، بأن نتنياهو وجالانت يتحملان المسئولية الجنائية عن جريمة الحرب المتمثلة فى توجيه هجوم متعمد ضد السكان المدنيين.. فما بالنا بعدد شهداء القطاع من الرجال والنساء والأطفال، والمصابين، وكم الخراب والتدمير، الذى اتخذ سياسة الأرض المحروقة محاولة لمحو القطاع من الوجود.. وقالت المحكمة، إن قبول إسرائيل باختصاص المحكمة غير ضرورى.
وفى أول تعليق لجالانت بعد إصدار الجنائية الدولية مذكرة اعتقاله، أعرب وزير الدفاع الإسرائيلى السابق، عن رفضه لقرار محكمة لاهاى، معتبرًا أنه (يشكل سابقة خطيرة ضد حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها)، وأكد فى تصريحات صحفية، أن (العالم سيتذكر هذا القرار الذى يضع إسرائيل وقادة حماس فى نفس المكانة.. هذا القرار يُضفى الشرعية على قتل الأطفال، واغتصاب النساء، واختطاف المسنين).. وأشار جالانت إلى أن هذا الحكم (يُقوض مفهوم الحرب الأخلاقية، ويُشجِّع الإرهاب القاتل بدلًا من مكافحته!!)، مشددًا على أن إسرائيل لن تتراجع عن الدفاع عن نفسها مهما كانت الظروف.
أما نتنياهو، فقد قالت وسائل إعلام إسرائيلية، إنه تم إبلاغه بصدور أمر اعتقال ضده من الجنائية الدولية، خلال اجتماعه بالمبعوث الخاص للرئيس الأمريكى، عاموس هوكستاين، الذى يحاول التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبنانى.. وقد ادعى نتنياهو، أنه لن يمنعه أى قرار شائن مناهض لإسرائيل، من الاستمرار فى الدفاع عن بلاده، قائلًا، إنه لن يستسلم لضغط المحكمة الجنائية الدولية.. وسخر نتنياهو بالقول، إن الجنائية الدولية أصدرت مذكرة اعتقال بحق (جثمان) المسئول فى حركة حماس، محمد الضيف، زاعمًا أن حماس هى من تسرق المعونات وتُجوِّع سكان غزة، (لن نوقف الحرب، ولن نتخلى عن المحتجزين.. لم ولن نعترف بقرار الجنائية الدولية.. نمر بيوم أسود، والجنائية الدولية أصبحت عدو الإنسانية)، مدعيًا أن هذه المحكمة عكست الحقائق، وأصدرت اتهامات لا أساس لها من الصحة.. وزعم نتنياهو، أن المحكمة الجنائية الدولية تحولت لأداة سياسية، وأن تصرفات المدعى العام لها، كريم خان، ضد مفهوم العدالة.
وفى ردٍ على قرار الجنائية الدولية، وصف مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى، القرار بأنه، (أمر سخيف ومعادٍ للسامية.. إسرائيل ترفض رفضًا قاطعًا الإجراءات والاتهامات السخيفة والكاذبة الموجهة ضدها من قِبل المحكمة، وهى هيئة منحازة وتمييزية سياسيًا).. وزعم المكتب فى بيانه، (لا توجد حرب أكثر عدالة من تلك التى تخوضها إسرائيل فى غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، بعد أن شنت حماس هجومًا دمويًا ضدها، مُرتكبة أكبر مذبحة ضد الشعب اليهودى منذ المحرقة.. لن يمنع أى قرار مناهض لإسرائيل، دولة إسرائيل من الدفاع عن مواطنيها.. نتنياهو لن يستسلم للضغط ولن يتراجع حتى يتم تحقيق جميع أهداف الحرب، التى وضعتها إسرائيل فى بداية الحملة).
●●●
ويتساءل البعض: أين الرئيس الأمريكى المُنتخب، دونالد ترامب من قرار الجنائية الدولية؟.. ولماذا يلتزم الصمت حتى الآن؟.. إلا أن مايك والتز، الذى اختاره ترامب، لمنصب مستشار الأمن القومي، قال عن قرار المحكمة الجنائية الدولية، إنه من المتوقع أن نشهد ردًا قويًا على التحيز المُعادى للسامية، من جانب المحكمة والأمم المتحدة فى يناير.. وهاجم والتز فى منشور له على منصة X المحكمة، قائلًا، (إن المحكمة ليس لها أى مصداقية.. إن ـ ما أسماها ـ الادعاءات، تم دحضها من قبل الحكومة الأمريكية).
وفعلًا، فقد سبق للرئيس الأمريكى، جو بايدن، أن دافع بقوة عن إسرائيل، فى مايو الماضى، مؤكدًا أن القوات الإسرائيلية لا ترتكب إبادة جماعية فى حملتها العسكرية على قطاع غزة.. وقال خلال فعالية شهر التراث اليهودى ـ الأمريكى فى البيت الأبيض، (ما يحدث فى غزة ليس إبادة جماعية.. نحن نرفض ذلك).. وواجه بايدن فى العديد من المناسبات بأنحاء شتى من البلاد، احتجاجات من مدافعين مؤيدين للفلسطينيين وصفوه (بجو الإبادة الجماعية)، لدعمه الثابت لإسرائيل.. وفى تصريحاته بالبيت الأبيض، أكد بايدن إيمانه بأن إسرائيل كانت الضحية منذ هجوم السابع من أكتوبر، الذى شنته المقاومة الفلسطينية، (إن الدعم الأمريكى لسلامة وأمن الإسرائيليين ثابت).. وأضاف (نحن نقف مع إسرائيل للقضاء ـ وقتها ـ على القيادى فى حركة حماس، يحيى السنوار.. نريد هزيمة حماس.. ونحن نعمل مع إسرائيل لتحقيق ذلك).. كما سبق وجدَّد بايدن ـ فى مايو الماضى أيضًا ـ إدانته لطلب المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية، إصدار مذكّرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه، يوآف جالانت، علمًا بأن المدعى العام نفسه، طلب بالتزامن، إصدار مذكّرات توقيف بحق ثلاثة من قادة حماس، السنوار، وإسماعيل هنية، رحمهما الله، ومحمد الضيف، التى تقول إسرائيل إنها اغتالته.
فى ذلك الوقت، وصف جو بايدن، طلب المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، من المحكمة إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت لدورهما فى الحرب على غزة، بأنه (أمر شائن).. وقال فى بيان للبيت الأبيض، (دعونى أكون واضحًا: أيًا كان ما يعنيه هذا المدعى العام، لا يوجد أى تكافؤ على الإطلاق بين موقفى إسرائيل وحركة حماس).. كما رفض وزير الخارجية، أنتونى بلينكن، طلب المدعى العام، مثيرًا تساؤلات حيال اختصاص المحكمة، ومؤكدًا أن الطلب قد يُعرِّض للخطر، المفاوضات الرامية للتوصل إلى اتفاق بشأن المحتجزين ووقف إطلاق النار، وقال، إن (إسرائيل كانت مستعدة للتعاون مع المحكمة، وكان من المقرر أن يزور المدعى العام إسرائيل الأسبوع المقبل، لكنه خرج أمام شاشات التليفزيون ليعلن الاتهامات.. المحكمة لا سلطة قضائية لها على إسرائيل).. وأردف قائلًا، إن (هذه الظروف وغيرها، تثير التساؤلات حول شرعية هذا التحقيق ومصداقيته)، مُعتبرًا أن (مساواة) المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية بين إسرائيل وحماس (أمر مُخزٍ).. وأشارت الخارجية الأمريكية إلى أنها، (تؤمن بضرورة محاسبة قادة حماس، لكنها لا ترى أن الجنائية الدولية لديها الصلاحية للقيام بذلك).
ومع أنه كانت هناك أصوات مُرحبة ـ وقتذاك ـ بطلب المدعى العام، كريم خان إصدار مذكرات توقيف بحق المسئولين عن (جرائم الحرب) فى فلسطين، مثل وزيرة الخارجية البلجيكية، حجة لحبيب، التى اعتبرت الطلب (خطوة مهمة للتحقيق فى الوضع)، وقالت فى بيان نشرته على منصة X، إن (مكافحة الإفلات من العقاب، أينما وقعت الجرائم، هى أولوية بالنسبة لبلجيكا)، وأعربت عن دعم بلادها عمل المحكمة الجنائية الدولية، مشددة على (ضرورة محاكمة المسئولين عن الجرائم فى غزة على أعلى المستويات، بغض النظر عن مرتكبيها).. كما رحبت الرئاسة فى جنوب إفريقيا بإعلان المدعى العام للمحكمة طلب إصدار أوامر اعتقال بحق المسئولين الإسرائيليين وقادة من حركة حماس، بتهم ارتكاب جرائم حرب وإبادة ضد الإنسانية، فيما يتعلق بالحرب فى غزة وهجوم السابع من أكتوبر.. إذ قال خان، إن رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه، يوآف جالانت، يتحملان المسئولية عن الجرائم ضد الإنسانية فى غزة، وإن الأدلة خلُصت إلى أن المسئولَين الإسرائيليَّين متواطئان فى التسبب فى المعاناة وتجويع المدنيين فى غزة.. وبالرغم من أن خان قال إن هناك أسبابًا معقولة للاعتقاد، أن كلًا من زعيم حركة حماس فى غزة ـ وقتئذ ـ يحيى السنوار، ومحمد دياب إبراهيم المصرى، المعروف بمحمد الضيف، القائد العام لكتائب الشهيد عزالدين القسام، الجناح العسكرى للحركة، ورئيس المكتب السياسى للحركة، إسماعيل هنية، رحمه الله، مسئولون عن ارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية فى إسرائيل، إلا أنه لم يسْلم من الأذى.
فى البداية، تقدمت إسرائيل فى السادس والعشرين من سبتمبر الماضى، بطلبين، يتضمن الأول طعنًا فى اختصاص المحكمة، حيث رفضت الدائرة التمهيدية طلب إسرائيل، الذى زعم أن المحكمة تفتقر إلى الاختصاص بشأن الوضع فى دولة فلسطين، وخصوصًا على مواطنى إسرائيل، بناءً على المادة 19 (2) من النظام الأساسى.. وأكدت المحكمة، أن قبول إسرائيل لاختصاص المحكمة ليس شرطًا ضروريًا، حيث (يمكن للمحكمة ممارسة اختصاصها على أساس الولاية الإقليمية لدولة فلسطين).. وفى خطوة نظر إليها مراقبون على أنها رمزية، لكنها لا تخلو من التهديد والتغيير فى معايير المعاملة، صوَّت مجلس النواب الأمريكى لصالح فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، ارتباطًا بتحرك مدعيها العام، كريم خان، لإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ومسئولين إسرائيليين آخرين.. وجاء التصويت بأغلبية 247 صوتًا مقابل 155، حيث صوّت لصالحه كل الجمهوريين تقريبًا وبعض الديمقراطيين.. وكان من شأن مشروع القانون هذا، الذى جاء تحت اسم (قانون العمل المضاد للمحكمة غير الشرعية)، أن يمنع مسئولى الجنائية الدولية من دخول الولايات المتحدة، إضافة إلى إلغاء تأشيراتهم وتقييد أى معاملات عقارية أو تجارية مرتبطة بهم.. وقال رئيس مجلس النواب الجمهورى، مايك جونسون، فى بيان (تقف الولايات المتحدة بحزم إلى جانب إسرائيل، وترفض السماح للبيروقراطيين الدوليين بإصدار أوامر اعتقال لا أساس لها، للقيادة الإسرائيلية بتهمة ارتكاب جرائم كاذبة).
ووصف جونسون تصرفات المحكمة بأنها (شائنة) و(غير معقولة)، فى مؤتمر صحفى عقده قبل التصويت، وأضاف (يجب معاقبة المحكمة الجنائية الدولية على هذا الإجراء.. لا يمكننا أن نسمح لهذا بأن يستمر.. إذا سُمح للمحكمة الجنائية الدولية بالقيام بذلك وملاحقة زعماء الدول الذين يختلفون مع أفعالهم، فلماذا لا يلاحقون أمريكا؟).. ورغم أن الرئيس جو بايدن، سبق أن وصف تحرك المحكمة الجنائية الدولية بأنه (شنيع)، إلا أن إدارته قالت فى بيان لها، إنها (تعارض بشدة) مشروع القانون الذى يفرض عقوبات على المحكمة.. وجاء فى البيان (نشعر بقلق عميق إزاء الاندفاع المتهور للمدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية، لطلب أوامر اعتقال بحق مسئولين إسرائيليين كبار)، لكن واشنطن تعارض أيضًا فرض عقوبات على (المحكمة الجنائية الدولية أو موظفيها أو قضاتها، أو أولئك الذين يساعدون فى عملها).. واعتبر المتحدث باسم مجلس الأمن القومى الأمريكى، جون كيربى، أن العقوبات ليست (النهج الصحيح)، كما أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية، ماثيو ميلر، خلال إحاطة صحفية قبل التصويت على القانون فى مجلس النواب، (موقفنا كإدارة، هو أننا لا نؤيد العقوبات.. ولا نعتقد أنها مناسبة فى هذا الوقت).. وقد أعرب نتنياهو عن خيبة أمله من رفض إدارة الرئيس جو بايدن، فرض إجراءات عقابية بحق المحكمة الجنائية الدولية.
وكان الحل لإثناء كريم خان عن طلبه إصدار أوامر اعتقال لنتنياهو وجالانت، أن تلجأ إسرائيل إلى حيلة من حيلها القذرة، أن صدر فى مايو الماضى، تقرير داخلى فى المحكمة، يزعم قيام خان بالتحرش بزميلة له فى مكتبه (بشكل صارخ)، وتم تقديم التقرير إلى آلية المراقبة المستقلة التابعة لجمعية الدول الأطراف التى تُشرف على عمل الجنائية الدولية.. لكن كريم خان أكد أن هذه الاتهامات تأتى (فى سلسلة من الاتهامات والادعاءات والتهديدات) التى يتعرض لها والمحكمة الجنائية الدولية مؤخرًا، أى منذ تقديمه طلب إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو وجالانت، وقادة من حركة حماس.. وفى منشور له على حسابه الرسمى على منصة X، قال خان إنه (لا أساس من الصحة للاتهامات وسوء التصرف)، مؤكدًا أنه لم يواجه مثل هذه الاتهامات طوال ثلاثين عامًا قضاها فى العمل فى سياقات متنوعة.. كما عبر خان عن (حزنه العميق)، إزاء الإصرار على نشر هذه الاتهامات علانية، ورأى أنها تهدف إلى تشتيت التركيز على عمل الجنائية الدولية عمومًا، وعلى عمله كمدعٍ عام، (بدلًا من التركيز على وظيفته المتمثلة فى تحقيق العدالة لضحايا الجرائم الدولية، والإثبات من خلال أفعالنا أن جميع الأرواح تستحق حماية القانون الدولى).. وقد رفضت الموظفة المعنية تقديم شكوى رسمية، كما (رفضت تأكيد أو نفى التهمة صراحةً)، بحسب صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية، التى ربطت بين توقيت التهم وبين تقديم خان طلب مذكرات الاعتقال.. كذلك الضغط ـ فى الكواليس ـ من بعض قادة الدول الغربية، لإثناء كريم خان عن قراره.
●●●
وهنا، نتساءل عن الأسباب الكامنة وراء انتفاض واشنطن ضد المحكمة الجنائية الدولية بهذا الشكل السافر، الذى ينزع عنها الحيادية والمصداقية، فيما يتعلق بالقضايا الدولية.
لقد صُدمت الولايات المتحدة من قرار المحكمة الجنائية الدولية ـ فى مايو الماضى ـ الساعى لمحاكمة قادة إسرائيل، التى تجمعها علاقات خاصة بواشنطن، حيث تُعد هذه هى المرة الأولى، التى تسعى فيها الجنائية الدولية لمحاكمة حليف لأمريكا.. ورغم رفض الولايات المتحدة وإسرائيل الانضمام للمحكمة، فإن واشنطن دعمت جهود الجنائية الدولية فى حالات انتهاكات سابقة، متعلقة بصربيا وروسيا والسودان وغيرها، لكنها فى المقابل، عارضت استمرار تمكين محكمة دولية، يُمكنها محاكمة القادة العسكريين والسياسيين الأمريكيين بموجب القانون الدولى.. ورفضت النُخبة الأمريكية فى مجملها، موقف المدعى العام الرئيسى للمحكمة ـ البريطانى الجنسية ـ كريم خان، الذى أعلن عن طلبه إصدار أوامر اعتقال شخصيات إسرائيلية وفلسطينية، حيث اعتبرته مساواة بين (جماعة حماس الإرهابية، والحكومة الإسرائيلية الديمقراطية المُنتخبة)!!.. وانتقد الرئيس جو بايدن وكبار أركان إدارته، موقف المحكمة الجنائية الدولية ونيتها إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف جالانت.
وقتها، حذر ريتشارد جولدبرج، الباحث فى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، والمسئول السابق فى مجلس الأمن القومى، إدارة بايدن من خطورة خطوة المحكمة ضد قادة إسرائيل، ونبه إلى أن واشنطن قد تكون الهدف التالى للمحكمة.. وكتب جولدبرج مُحذرًا، أن التهديد للولايات المتحدة من المحكمة الجنائية الدولية ليس افتراضيًا، وأن واشنطن قد تواجه تحقيقًا نشطًا للمحكمة الجنائية الدولية، فى جرائم حرب فى أفغانستان، واعتبر أن الدفاع عن إسرائيل ضد خطوة المحكمة الجنائية الدولية الآن، سيساعد فى حماية الجنود الأمريكيين والمسئولين الحكوميين فى المستقبل.. وقد شارك عدد من أعضاء الكونجرس فى مباحثات مع مسئولى المحكمة الجنائية الدولية وراء الكواليس، فى محاولة لثنيهم عن التحرك فى هذا الاتجاه.
واتهم السيناتور الجمهورى من ولاية كارولينا الجنوبية، ليندسى جراهام، المحكمة الجنائية الدولية بتضليله وزملائه فى الكونجرس، بشأن خطط المحكمة، وقال، (أريد أن يعرف العالم أننى وزملائى الجمهوريين والديمقراطيين وأعضاء الإدارة، تباحثنا مع المحكمة الجنائية الدولية فى هذه القضية قبل أسابيع، وقيل لنا إنه ستكون هناك مناقشات مع إسرائيل قبل اتخاذ أى إجراءات).. وشدد جراهام على ضرورة تطبيق مبدأ التكامل، الذى يتطلب من المحكمة الجنائية الدولية، أن تسمح للنظام القانونى للدولة المعنية بالتحرك أولًا، قبل أن تتخذ المحكمة أى إجراء، وعلق على ذلك بقوله، (أشعر أنه تم الكذب على، وعلى زملائى).. ولهذا السبب، تعهَّد جراهام أنه (سيعمل بشكل محموم مع زملائه من كلا الجانبين فى كلا المجلسين، لفرض عقوبات دامغة ضد المحكمة الجنائية الدولية).. كما هدد السيناتور الجمهورى من ولاية أركنساس، توم كوتون ـ فى بيان شديد اللهجة ـ مدعى المحكمة، وتوعد بالتأكد من أن المدعى العام خان وشركاءه وعائلاتهم (لن تطأ أقدامهم الولايات المتحدة مرة أخرى).. كما تعهد رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، بتصويت المجلس على فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، قبل أن يعترض بايدن على ذلك.
على النقيض من ذلك، اتخذ بعض المعلقين والمسئولين الأمريكيين السابقين، موقفًا مؤيدًا لخطوة المحكمة، وأدانوا موقف إدارة بايدن.. حيث انتقد بن رودس، مستشار الرئيس السابق باراك أوباما، فى تغريدة له، موقف إدارة الرئيس بايدن، وقال (لا يوجد شىء اسمه نظام دولى قائم على القواعد، إذا كانت القواعد تنطبق فقط على الأشخاص والبلدان التى لا تحبها).. كما غرد نائب رئيس معهد كوينسى بواشنطن، تاريتا بارسى، على موقع X، مهاجمًا بيان وزير الخارجية، أنتونى بلينكن، ووصفه بالبيان المخجل، بسبب رفضه أوامر المحكمة الجنائية الدولية لنتنياهو وجالانت وحماس، وقال إنه (من الواضح أن فكرة بلينكن عن النظام القائم على القواعد، تعتمد على تحكم الولايات المتحدة فيه، وليس نظامًا تخضع فيه جميع الدول ـ بما فى ذلك حلفاء الولايات المتحدة ـ للقواعد على قدم المساواة).
ويفسَّر الموقف الأمريكى من المحكمة الجنائية الدولية، بخوف الولايات المتحدة ـ إلى حد كبير ـ من تعرض الجنود والساسة الأمريكيين إلى المحاكمة دون حماية دستورية أمريكية، وخصوصًا من قبل مدعٍ عام مناهض للولايات المتحدة، فى محكمة بها قضاة غير أمريكيين.. وبدلًا من ذلك، تتم محاكمة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية فى المحاكم المحلية الأمريكية، بموجب قانون جرائم الحرب لعام 1996، وهو قانون يُطبق، إذا كان أحد الضحايا أو مُرتكب جريمة حرب مزعومة، مواطنًا أمريكيًا أو عضوًا فى الجيش الأمريكي.. ووصلت معارضة واشنطن للمحكمة الجنائية الدولية إلى ذروتها، خلال الولاية الأولى لإدارة الرئيس المنتخب حاليًا، دونالد ترامب، حيث هدد مستشار الأمن القومى، جون بولتون، بفرض عقوبات على القضاة والمدَّعين العامِين فى المحكمة، إذا شرعوا بالتحقيق فيما قالت عنه المحكمة، إن أفرادًا من الجيش الأمريكى ووكالة الاستخبارات المركزية، ربما ارتكبوا جرائم حرب، بتعذيب المعتقلين فى أفغانستان عام 2016.
وقال بولتون إن الولايات المتحدة ستمنع قضاة المحكمة ومدَّعيها العامِين من دخول أراضيها، وأضاف (سنعاقب أموالهم فى النظام المالى الأمريكى، وسنحاكمهم تحت النظام الجنائى الأمريكى)، مضيفًا أنهم (سيفعلون الشىء نفسه مع أى شركة أو دولة، تساعد فى تحقيق المحكمة الجنائية الدولية مع الأمريكيين).. وبالفعل، فرضت واشنطن عقوبات على أعضاء المحكمة، وحظرت الحسابات المصرفية لرئيسة المحكمة السابقة، فاتو بنسودا.. لكن العلاقات بدأت بالتحسن مع بدء عهد الرئيس جو بايدن، الذى تعهد باحترام قواعد القانون الدولى، حيث أسقطت واشنطن العقوبات.. ومن جانبها، اتخذت المحكمة موقفًا رماديًا بعد ذلك، مع تحول تحقيقاتها حول أفغانستان بعيدًا عن انتهاكات القوات الأمريكية، لتركز فى المقابل، على الجرائم المزعومة لمقاتلى طالبان ومقاتلى تنظيم داعش المحليين.. الأمر الذى أثار انتقادات من منظمات حقوق الإنسان، واعتبرها البعض محاولة من المحكمة لكسب ود واشنطن.
●●●
والسؤال الآن: ماذا يعنى قرار الجنائية الدولية فى حق نتنياهو وجالانت؟.. وماذا بعد مذكرة اعتقالهما؟.
إن قرارٌ المحكمة الجنائية الدولية، بشأن اعتقال نتنياهو وجالانت غير مسبوق، القرار الذى يضع إسرائيل لأول مرة فى دائرة اتهام دولية، يُحرج من يدعمها، ويُشكل سابقة يمكن البناء عليها، فى ملاحقة مرتكبى جرائم الحرب ومنع الإفلات من العقاب، كما يؤكد المحلل والخبير السياسي، أحمد رمضان، مدير مركز لندن لاستراتيجيات الإعلام.. فالقرار له عدة أبعاد، ذكرها على منصة X، والتى أبرزها، أن مذكرة الاعتقال بمثابة إقرار دولى بنزع أيِ شرعية حاولت تل أبيب وواشنطن الاحتماء بها فى الحرب على غزة.. يضيف، أن (الاتهام وُجِّه أيضًا للمستويين، السياسى مُمثلًا فى نتنياهو، والعسكرى مُمثلًا فى جالانت، وهذا يفسر غضب مسئولى الحكومة والمعارضة الإسرائيلية معًا، لأنه يمكن أن يطالهم مستقبلًا.. كما أن القرار وضع نهاية جديِّة للحياة السياسية لنتنياهو، لأن أى محاولة للإصرار على بقائه فى السلطة، يعنى تحديًا للمجتمع الدولي، وعُزلة إضافية لإسرائيل).
القرار أيضًا، فتحَ المجال أمام القضاء فى دول عديدة، لملاحقة نتنياهو وجالانت وآخرين من المسئولين فى الحكومة الإسرائيلية، وهو ما سيُربك تل أبيب ويضع عبئًا على نشاطها الدبلوماسى، كما أنه بمثابة إحراج للإدارة الأمريكية المقبلة، إدارة ترامب، إذا قررت أن تتحدى القرار وتُعاقب المحكمة (وفقًا لتهديدات شخصيات أمريكية)، فإن ذلك سيضعها فى مأزق قانونى وأخلاقى، كما أن هناك من يرى أن تمرير القرار من قبل إدارة بايدن، هدفه إرباك إدارة ترامب.. ويفتح القرار المجال لملاحقة شخصيات أخرى فى الحكومة والجيش الإسرائيلى، وفقًا لتوفر أدلة اتهامات لهم بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، وكثير من هؤلاء قاموا بنشر صورٍ وأفلام وتصريحات، يتفاخرون فيها بما قاموا به من أعمال تُناقض القانون الدولى.. كذلك، فإنه يمكن أن يكون بمثابة تمهيد لملاحقة شخصيات غربية تولت تقديم الدعم لإسرائيل فى حربها على غزة، وقد يؤدى ذلك إلى إرباك المشهد السياسى فى كثير من الدول الغربية، ويدفع بعضها لوقف تصدير السلاح، أو الدعم اللوجستى الذى يُستخدم فى العمليات الحربية.
يمكن أن يؤدى القرار أيضًا إلى إجبار كثير من الجامعات والمؤسسات الأمريكية والغربية، على مراجعة تعاونها مع جيش الاحتلال الإسرائيلى وحكومة نتنياهو، خشية التعرض لأحكام قضائية، تتسبب فى تدمير سمعتها وإرغامها على دفع غرامات مالية لضحايا الحرب، والجرائم التى ارتكبها نتنياهو وجيشه.. ويمكن أن يتسبب فى وقف أى تقدم فى العملية السياسية بين إسرائيل ودول الإقليم، بالنظر إلى أن بقاء نتنياهو سيمنعه من أى لقاء أو تواصل مع آخرين، نظرًا للتبعات القانونية والسياسية.. ويمكنه أن يُسبب ازدياد عُزلة إسرائيل الدولية، فى حال بقاء حكم اليمين.. وفى حال اللجوء لردود أفعال متشنِّجة، مثل مصادرة أراضٍ وبناء مستوطنات، أو تصعيد جرائم الحرب، فإن العُزلة سوف تزداد وتعود سلبًا على إسرائيل.
وبموجب صدور مذكرات التوقيف من المحكمة الجنائية الدولية، وحسب القانون الدولى، فإنه يجب على أى دولة موقِّعة على المحكمة الجنائية الدولية، اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، يوآف جالانت.. لذا تلتزم الدول الموقعة على نظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، باحتجاز المطلوب على مرمى البصر.. ومن بين البلدان الـ124 التى وقعت على نظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، 33 دولة إفريقية و19 دولة من آسيا والمحيط الهادئ، و19 من أوروبا الشرقية، و28 من دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى، و25 من دول أوروبا الغربية، ودول أخرى.. ولا يشمل الموقعون الـ124، روسيا والصين والولايات المتحدة.. ولم توقع إسرائيل أيضًا.
لكن المحكمة لا تملك وسائل لتنفيذ مثل هذا الاعتقال.. فهى لا تملك قوة شرطة، وبالتالى فإن اعتقال من تصدر بحقهم أوامر اعتقال لا بد أن يتم بواسطة دولة عضو أو دولة متعاونة.. وفى حالة عدم تنفيذ أى دولة لأمر الاعتقال، فإن العقوبة التى تواجهها لا تتعدى لفت النظر الدبلوماسى، مثل إحالة دولة ما إلى جمعية الدول الأطراف فى المحكمة الجنائية الدولية، وفى نهاية المطاف إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.. وتشمل قائمة أعضاء المحكمة الجنائية الدولية، جميع دول الاتحاد الأوروبى إلى جانب المملكة المتحدة وكندا واليابان والبرازيل وأستراليا.. وفى منطقة الشرق الأوسط، فإن الأراضى الفلسطينية والأردن من أعضاء المحكمة.. وإسرائيل ليست عضوة فى المحكمة وكذلك الولايات المتحدة.. وتستند المحكمة فى ولايتها القضائية على المسئولين الإسرائيليين، إلى قبول الأراضى الفلسطينية كدولة عضو فى عام 2015.. ويمكن للمحكمة البت فى الجرائم الفظيعة المنسوبة لمواطنين من الدول الأعضاء والجرائم التى يرتكبها أى شخص، بغض النظر عن جنسيته، على أراضى الدول الأعضاء.
وتسمح قواعد المحكمة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بتبنى قرار من شأنه، إيقاف أو تأجيل تحقيق أو ملاحقة قضائية لمدة عام، مع إمكانية تجديد ذلك سنويًا.. وبعد صدور مذكرة اعتقال، يمكن للبلد المعنى أو الشخص الذى استهدفته المذكرة، أن يطعن فى اختصاص المحكمة، أو فيما إذا كانت الدعوى تستحق القبول.. ويمكن اعتبار القضية غير جديرة بالقبول فى المحكمة الجنائية الدولية، عندما تكون بالفعل قيد التحقيق أو البت، فى دولة لها ولاية قضائية على الجرائم المزعومة.. لكن المحكمة أوضحت فى السابق، أن هذا السبب لعدم القبول، لا يمكن تطبيقه إلا عندما تُحقق الدولة مع نفس الأشخاص أو تلاحقهم قضائيًا، بتهمة ارتكاب نفس الجرائم المزعومة.. وفى حالة تقديم طلب لوقف التحقيق، فإن المدعى العام يوقف القضية مؤقتًا، ويراجع ما إذا كانت الدولة التى طلبت الإيقاف تقوم بالفعل بتحقيق حقيقى.. وإذا رأى المدعى العام، أن التحقيقات فى الدولة غير كافية، فيمكنه التقدم بطلب إلى القضاة لإعادة فتح التحقيق.
وبناءً عليه، هل ما زال باستطاعة نتنياهو والمتهمين الآخرين السفر خارج بلدانهم؟.. الإجابة، نعم، يمكنهم ذلك.. ولا يمثل إصدار مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية حظرًا رسميًا على السفر.. ومع ذلك، فإنهم معرضون للاعتقال، إذا سافروا إلى دولة مُوقِعة على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما قد يؤثر على قرارات المتهمين.. ولا توجد قيود على القادة السياسيين أو النواب أو الدبلوماسيين، فيما يتعلق بلقاء الأفراد الصادرة بحقهم مذكرات اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية.. ولكن على المستوى السياسى، فإن الانطباع العام الذى قد تُثيره مثل هذه اللقاءات قد يكون سيئًا.. ويعتبر إصدار المذكرات من المحكمة الجنائية الدولية مسألة منفصلة، على سبيل المثال، عن الدعاوى التى تُطالب بفرض حظر على الأسلحة على إسرائيل، أو الدعوى التى رفعتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ـ أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة ـ وتتهم إسرائيل فيها بانتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، من خلال أفعالها فى غزة.
ومع ذلك فإن قرار قضاة المحكمة الجنائية الدولية، بأن هناك أسبابًا معقولة للاعتقاد، بأن نتنياهو وجالانت ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فى غزة، قد يعزز قضية جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، حيث تنظر المحكمة أيضًا إلى قرارات محاكم أخرى.. ومن شأن قرار إصدار مذكرات الاعتقال أيضًا، أن يدعم الدعاوى القانونية التى تطالب بفرض حظر على الأسلحة فى أماكن أخرى، حيث إن العديد من الدول لديها أحكام ضد بيع الأسلحة، إلى دول قد تستخدمها بطرق تنتهك القانون الإنسانى الدولى.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.