بعد تحدى قرار "الجنائية الدولية".. هل تحولت المؤسسات الدولية إلى واجهات كرتونية؟
قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير جيشه السابق يوآف جالانت، فتح الباب أمام نقاش عالمي حول مدى قوة المؤسسات الدولية وقدرتها على فرض سلطتها.
ففي الوقت الذي أيدت فيه بعض الدول القرار واعتبرته انتصارًا للعدالة الدولية، رفضته قوى كبرى على رأسها الولايات المتحدة، ما يطرح تساؤلات عما إذا كانت المؤسسات الدولية أصبحت مجرد أدوات رمزية دون تأثير حقيقي.
الولايات المتحدة.. رفض قاطع للقرار
أكدت الولايات المتحدة رفضها القاطع لقرار المحكمة الجنائية الدولية، معتبرة أن إسرائيل ليست طرفًا في نظام روما الأساسي، وبالتالي لا يحق للمحكمة ممارسة ولايتها القضائية عليها.
وأوضح مسئولون أمريكيون أن القرار "مسيّس وغير ملزم"، وأعربوا عن استمرار دعمهم إسرائيل في مواجهة ما وصفوه بـ"التحيز الدولي ضدها".
فرنسا.. تحفظ واضح
من جهتها اتخذت فرنسا موقفًا متوازنًا، فلم تعلن رفضها الصريح القرار، لكنها لم تدعمه أيضًا. دعت باريس إلى احترام القانون الدولي لكنها شددت على ضرورة استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين كسبيل لتحقيق السلام، متجنبة بذلك اتخاذ موقف صدامي مع إسرائيل.
ألمانيا.. دعم مشروط لإسرائيل
ألمانيا، حليف قوي لإسرائيل، أبدت قلقها من القرار، مشيرة إلى أن المحاكم الدولية يجب أن تكون حذرة في إصدار أحكامها.
وفي الوقت نفسه، أكدت برلين أهمية محاسبة أي طرف يرتكب جرائم ضد الإنسانية، لكنها أكدت دعمها الثابت لأمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها.
أيرلندا.. تأييد قوي للقرار
على الجانب الآخر، رحبت أيرلندا بالقرار، واعتبرته خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة للفلسطينيين. وأكدت وزارة الخارجية الإيرلندية أن الجرائم الموثقة في قطاع غزة تستوجب تحقيقًا دوليًا شفافًا، داعية الدول الأعضاء في المحكمة لدعم تنفيذ القرار.
بريطانيا.. موقف متحفظ
فضلت بريطانيا اتخاذ موقف حذر، حيث أشارت إلى أهمية العدالة الدولية لكنها شددت على ضرورة عدم تسييس القرارات القضائية. وذكرت لندن أنها تفضل التركيز على دعم حل الدولتين بدلًا من الانخراط في مواجهات قانونية قد تعقد الأوضاع.
جنوب إفريقيا.. دعم واضح لفلسطين
أشادت جنوب إفريقيا بقرار المحكمة، معتبرةً أنه يمثل إنجازًا قانونيًا لمحاسبة إسرائيل على جرائمها بحق الفلسطينيين. ودعت بريتوريا المجتمع الدولي إلى ضمان تنفيذ القرار وتقديم الدعم الكامل للمحكمة الجنائية الدولية لمتابعة تحقيقاتها.
نتنياهو.. تحدٍ وعجرفة أمام العدالة الدولية
في أول تعليق له على القرار، وصف نتنياهو المحكمة الجنائية الدولية بـ"المسيسة وغير الشرعية"، مشيرًا إلى أن إسرائيل "لن تخضع لابتزاز قانوني". واعتبر أن القرار "محاولة لتقويض شرعية إسرائيل"، في استمرار لموقفه المتحدي تجاه أي قرارات دولية تنتقد سياسات الاحتلال.
تداعيات عدم تنفيذ قرار المحكمة الجنائية
حسب مراقبين دوليين، عدم تنفيذ قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال بنيامين نتنياهو ستكون له تداعيات خطيرة على المستويين القانوني والسياسي، أولًا، سيؤدي إلى تقويض مصداقية المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من المؤسسات الدولية، ما يعزز فكرة أنها مجرد أدوات رمزية لا قدرة لها على فرض العدالة.
كما قد يشجع التصدي للقرار وتحدي المحكمة، قادة الدول والأنظمة على الاستمرار في ارتكاب الجرائم، وهم مطمئنون إلى أن العقاب لن يطالهم.
على الجانب السياسي، فإن عدم تنفيذ القرار سيزيد من تعقيد الأوضاع في المنطقة، حيث سيشعر الفلسطينيون بغياب العدالة الدولية، ما قد يدفع إلى مزيد من الإحباط والغضب الشعبي، وربما ينعكس ذلك على استقرار المنطقة بأسرها.
أما دوليًا، فإن تجاهل القرار سيعمق الانقسام بين الدول المؤيدة لسيادة القانون، وتلك التي تحمي الجناة، ما يهدد النظام العالمي القائم على قواعد القانون الدولي.