رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العلاج مجانًا لـ«غير القادرين»

  • الاستدامة‭ ‬المالية‭ ‬ضرورة‭ ‬لاستمرار‭ ‬مستشفيات‭ ‬العمل‭ ‬الأهلى‭ ‬التنموى

 

مؤسسات‭ ‬العمل‭ ‬الأهلى‭ ‬التنموى‭ ‬لعبت‭ ‬دورًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬فى‭ ‬رفع‭ ‬كفاءة‭ ‬خدمات‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬تباعًا‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭ ‬مضى‭ ‬ولا‭ ‬تزال،‭ ‬لدينا‭ ‬الآن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مستشفى كبير‭ ‬متخصص‭ ‬تحمل‭ ‬أعباء‭ ‬شريحة‭ ‬كبرى‭ ‬لا‭ ‬يُستهان‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬المرضى،‭ ‬وترفع‭ ‬عن‭ ‬كاهل‭ ‬الدولة‭ ‬تكلفة‭ ‬علاجهم،‭ ‬وتقدم‭ ‬خدماتها‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مستوياتها‭ ‬مجانًا،‭ ‬ومصادر‭ ‬تمويلها‭ ‬مُحددة‭ ‬فى‭ ‬تبرعات‭ ‬المؤسسات‭ ‬والأفراد،‭ ‬وهى‭ ‬وفقًا‭ ‬لمعايير‭ ‬الاعتماد‭ ‬الدولى‭ ‬مُنافِسة‭ ‬بمستوى‭ ‬بنيتها‭ ‬الأساسية‭ ‬وتجهيزاتها‭ ‬الطبية‭ ‬وأنظمة‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الحديثة‭ ‬بها،‭ ‬وأيضًا‭ ‬كوادرها‭ ‬البشرية المنتقاة‭ ‬بعناية‭ ‬قياسًا‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬المؤهلات‭ ‬العلمية‭ ‬والأكاديمية‭ ‬والخبرات‭ ‬العملية‭ ‬عالية‭ ‬المستوى،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬يحركه‭ ‬دافع إنسانى‭ ‬من‭ ‬يفتقده‭ ‬يجد‭ ‬نفسه‭ ‬غريبًا‭ ‬فى‭ ‬بيئة‭ ‬عمل‭ ‬إنسانية‭ ‬فى‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭.‬

 

فى‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬تعاظمت‭ ‬تحديات‭ ‬هذه‭ ‬المستشفيات،‭ ‬بعدما‭ ‬زادت‭ ‬الضغوط‭ ‬الاقتصادية‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬المصرى‭ ‬بكامله،‭ ‬قلت‭ ‬حصص‭ ‬تبرعات‭ ‬المؤسسات‭ ‬والأفراد‭ ‬تبعًا‭ ‬لارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬التضخم،‭ ‬وأصبحت‭ ‬خدمات‭ ‬مستشفيات‭ ‬العمل‭ ‬الأهلى‭ ‬التنموى‭ ‬على‭ ‬أهميتها‭ ‬مُهَدَّدَة،‭ ‬بعضها‭ ‬اضطر‭ ‬آسفًا‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬خدماته،‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬راح‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬سبل‭ ‬استدامة‭ ‬مالية‭ ‬تضمن‭ ‬له‭ ‬مجرد‭ ‬الاستمرار،‭ ‬والقوانين‭ ‬المصرية‭ ‬لا‭ ‬ترحم،‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬حوكمة‭ ‬أموال‭ ‬العمل‭ ‬الأهلى‭ ‬التنموى‭ ‬مطلوبة‭ ‬بقوة‭ ‬الضرورة،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬وأن‭ ‬تواكب‭ ‬تحديات‭ ‬العصر‭ ‬وإيقاعه‭ ‬وأدواته،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تصبح‭ ‬عبئًا‭ ‬إضافيًا‭ ‬على‭ ‬أعباء‭ ‬تفوق‭ ‬الطاقة‭ ‬فى‭ ‬الأساس،‭ ‬منها‭ ‬مثلًا‭ ‬محاسبة‭ ‬هذه‭ ‬الكيانات‭ ‬على‭ ‬استهلاك‭ ‬مرافقها‭ ‬مياهًا‭ ‬وكهرباء‭ ‬وغازًا‭ ‬وخلافه،‭ ‬مثلها‭ ‬كأى‭ ‬منشآت‭ ‬خدمية،‭ ‬وعدم‭ ‬تمتعها‭ ‬بأى‭ ‬إعفاءات‭ ‬من‭ ‬أى‭ ‬نوع‭ ‬تواكب‭ ‬طبيعة‭ ‬عملها‭ ‬فيما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬وظائف‭ ‬وأنشطة‭ ‬على‭ ‬تنوعها،‭ ‬ضرائب‭ ‬وجمارك‭ ‬وخلافه‭. ‬

 

فإذا‭ ‬أتينا‭ ‬إلى‭ ‬شركات‭ ‬التأمين‭ ‬الطبى‭ ‬أو‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإنتاجية‭ ‬أو‭ ‬الخدمية‭ ‬التى‭ ‬تتعاقد‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬المستشفيات‭ ‬لضمان‭ ‬التغطية‭ ‬الطبية‭ ‬للعاملين‭ ‬بها،‭ ‬نجد‭ ‬إما‭ ‬القوانين‭ ‬واللوائح‭ ‬الحاكمة‭ ‬لها‭ ‬وأيضًا‭ ‬تلك‭ ‬الحاكمة‭ ‬لمستشفيات‭ ‬العمل‭ ‬الأهلى‭ ‬التنموى‭ ‬تعوق‭ ‬التعاقد‭ ‬فيما‭ ‬بينها،‭ ‬أو‭ ‬نجد‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬تتذاكى‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تُكلِّف‭ ‬نفسها‭ ‬بإحالة‭ ‬مرضاها‭ ‬على‭ ‬المستشفيات‭ ‬الأهلية‭ ‬باعتبار‭ ‬أنها‭ ‬تقدم‭ ‬الخدمة‭ ‬مجانًا،‭ ‬وهو‭ ‬نفسه‭ ‬ما‭ ‬تُصْدَم‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬المستشفيات‭ ‬من‭ ‬مرضى‭ ‬قادرين‭ ‬يلجأون‭ ‬إليها‭ ‬أملًا‭ ‬فى‭ ‬علاج‭ ‬وفقًا‭ ‬لأحدث‭ ‬النظم‭ ‬العالمية‭ ‬وطمعًا‭ ‬فى‭ ‬مجانيته‭ ‬فى‭ ‬ذات‭ ‬الوقت،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬جد‭ ‬هزلى‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬الحدود،‭ ‬ويحتاج‭ ‬مراجعة‭ ‬مع‭ ‬النفس‭ ‬قبل‭ ‬مراجعة‭ ‬الآخرين‭ ‬ولا‭ ‬أقول‭ ‬محاسبتهم،‭ ‬ولا‭ ‬يستقيم‭ ‬هنا‭ ‬منطق‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬من‭ ‬تبرع‭ ‬يومًا‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬دائم‭ ‬التبرع‭ ‬لهذا‭ ‬المستشفى‭ ‬أو‭ ‬ذلك،‭ ‬فالمفروض‭ ‬أن‭ ‬تبرعك‭ ‬خالص‭ ‬لوجه‭ ‬الله‭ ‬وليس‭ ‬مقدم‭ ‬صفقة‭ ‬تنتظر‭ ‬ربحك‭ ‬منها‭.‬

 

كل‭ ‬هذا‭ ‬مع‭ ‬الوضع‭ ‬فى‭ ‬الاعتبار‭ ‬أهمية‭ ‬استمرارية‭ ‬دعم‭ ‬مستشفيات‭ ‬العمل‭ ‬الأهلى‭ ‬التنموى‭ ‬حتى‭ ‬تواصل‭ ‬دورها‭ ‬المتعاظم‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬فى‭ ‬رفع‭ ‬كفاءة‭ ‬خدمات‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لن‭ ‬يتحقق‭ ‬إلا‭ ‬بضمان‭ ‬الاستدامة‭ ‬المالية‭ ‬لها،‭ ‬يفرض‭ ‬علينا‭ ‬جميعًا‭ ‬ضرورة‭ ‬مراجعة‭ ‬مفهوم‭ ‬العلاج‭ ‬المجانى‭ ‬وبهدف‭ ‬التأسيس إلى‭ ‬أنه‭ ‬فقط‭ ‬لـ‮«‬غير‭ ‬القادرين»‬‭ ‬حتى‭ ‬يذهب‭ ‬حقًا‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬ويستحقه،‭ ‬وحتى‭ ‬يرتقى‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬الثقافة،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬وأن‭ ‬تعمل‭ ‬عليه‭ ‬كل‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع،‭ ‬الأسرة‭ ‬ودور‭ ‬العبادة‭ ‬والمدارس‭ ‬والجامعات،‭ ‬ومعها‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها‭ ‬مقروءة‭ ‬ومسموعة‭ ‬ومرئية،‭ ‬وأيضًا‭ ‬التجمعات‭ ‬الضامة‭ ‬لمختلف‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع‭ ‬المصرى،‭ ‬ومؤسسات‭ ‬العمل‭ ‬الأهلى‭ ‬التنموى‭ ‬التى‭ ‬تملك‭ ‬وتدير‭ ‬المستشفيات‭ ‬الخيرية‭ ‬هى‭ ‬الأخرى‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬وأن‭ ‬تبادر‭ ‬نحو‭ ‬تأسيس‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭.‬

 

فلا‭ ‬يصح‭ ‬بأى‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭ ‬أن‭ ‬يتجاهل‭ ‬قادر‭ ‬التبرع‭ ‬بتكلفة‭ ‬علاجه،‭ ‬خاصة‭ ‬أنه‭ ‬يعلم‭ ‬أنها‭ ‬سوف‭ ‬تذهب‭ ‬لعلاج‭ ‬مريض‭ ‬غير‭ ‬قادر،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يصح‭ ‬أن‭ ‬يبادر‭ ‬قادر‭ ‬لسداد‭ ‬تكلفة‭ ‬علاجه‭ ‬ظنًا‭ ‬منه‭ ‬باعتبار‭ ‬مستوى‭ ‬الخدمة‭ ‬أنه‭ ‬فى‭ ‬مستشفى‭ ‬خاص‭ ‬ثم‭ ‬يتراجع‭ ‬بعدما‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬المستشفى‭ ‬يقدم‭ ‬خدماته‭ ‬مجانًا،‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬القادر‭ ‬يسدد‭ ‬تكلفة‭ ‬علاجه‭ ‬حتى‭ ‬يدعم‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬مريضًا‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬حافزة،‭ ‬أخذت‭ ‬الخدمة‭ ‬وربنا‭ ‬عافاك‭ ‬وأخذت‭ ‬ثواب‭ ‬مساعدة‭ ‬مرضى‭ ‬آخرين‭ ‬غير‭ ‬قادرين،‭ ‬هكذا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الدافع‭ ‬فى‭ ‬نفوسنا‭ ‬جميعًا،‭ ‬فالمصريون‭ ‬أهل‭ ‬خير‭ ‬كلٌ‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬طاقته،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعلنى‭ ‬متفائلًا‭ ‬باستجابتهم‭ ‬واستيعابهم‭ ‬لمفهوم‭ ‬أن‭ ‬العلاج‭ ‬مجانًا‭ ‬لـ‮«‬غير‭ ‬القادرين»‬‭. ‬