رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أكاذيب مضحكة!


«شيبوب لم يخطب ماجدة، ولا المكوجى أحب الشغالة»، تلك الجملة كانت هى عنوان هذا المقال قبل أن أنتهى من جمع معظم معلوماته، التى رأيت فى تصديقها سذاجةً وكوميديا ضاحكة، فكيف لإنسان عاقل أن يصدق فى وقتنا الحاضر أن مصر العروبة يمكن أن تساعد دولة العدو فى عدوانها الهمجى المستمر فى قتل وإبادة الشعب الفلسطينى؟ وكيف يمكن تصديق أن مصر العروبة والإسلام يمكن أن تسمح بمرور سفن حربية تحمل الأعلام الصهيونية، إلا لو كانت مُكبَّلة باتفاقية دولية اسمها «القسطنطينية» تلتزم بها مصر؟ وهذا الالتزام هو مفتاح ضمان تشغيل القناة كممر مائى دولى آمن، يخضع للسيطرة المصرية الكاملة، وأى عاقل يتابع مواقف القيادة المصرية من القضية الفلسطينية قبل وأثناء العدوان يعرف أن مصر لم ولن تتخلى عن الشعب الفلسطينى ولا عن قضيته العادلة، ومن يراجع التصريحات الصادرة عن قيادات دولة الاحتلال، ومن يعرف مؤامراتهم، يدرك أن المستهدف الأول لهذه المؤامرات هو مصر، ولو لم تكن مصر الكنانة دولة قوية تمتلك جيشًا عظيمًا قادرًا على الدفاع عن حدودها ومصالحها، ما تأخرت مؤامراتهم يومًا واحدًا.
وخلال الأسبوعين الماضيين تعرضنا لعشرات الشائعات والأكاذيب التى تحاول ضرب المجتمع المصرى، وتهز ثقته فى نفسه وفى دولته وقيادته، فآلية الكذب هى الآلية الوحيدة التى لا تتوقف أبدًا فى بلدنا، وتعد صناعة الكذب من أخطر التحديات التى تواجه مجتمعنا فى الوقت الراهن، وهى من أخطر أنواع الحروب النفسية التى تتغلغل بسهولة فى النسيج الاجتماعى، وتؤثر على البسطاء، الذين لا يملكون القدرة الكافية للتحقق من المعلومة الصحيحة، وتزداد خطورة الكذب مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعى، وسهولة وصولها للناس بوسائل باتت فى يد كل مواطن. وبالطبع يسهل انتشار الشائعات فى أوقات الأزمات.
نعود إلى السطر الأول من هذا المقال الذى يشير إلى أقدم كذبة فى الوسط الفنى، وعمرها تجاوز 75 عامًا، وهى كذبة خطبة الفنان سعيد أبوبكر من الفنانة ماجدة الصباحى، ماجدة التى كانت تُسمى فى حينها خلال عقدى الخمسينيات والستينيات «دلوعة السينما المصرية»، ويرجع سبب الكذبة أو الشائعة إلى مزاح كانت قد نشرته مجلة «الكواكب» لقرائها، حيث نشرت خبرًا فى عددها الصادر فى أول أبريل 1950 حول خطبة الممثلة الجميلة ماجدة من الممثل الكوميدى سعيد أبوبكر. وفى الصفحة الأخيرة من ذات العدد، كتبت المجلة تكذيبًا للخبر، مؤكدةً أنه كذبة أبريل التى اعتدنا سماعها فى أول أبريل من كل عام، ومع ذلك صدق الناس الخبر الكاذب، وظل يتردد إلى اليوم.

كذبة أخرى تتداول بقوة وثقة يرددها أصحابها وكأنهم شهود على الواقعة، وجميعهم  كتاب كبار ويؤكدون أن الشاعر الكبير سيد مرسى كان يعمل «مكوجيًا». ويرجعون مناسبة اكتشافه إلى قصة حبه مع شغالة أو «خادمة» تعمل فى منزل الشاعر الكبير مأمون الشناوى، وكان مرسى يرسل لها خطابات الشعر داخل ملابس الشناوى، فوقع أحد تلك الخطابات فى يده، وكانت هى كلمات أغنية «عالحلوة والمرة»، إلى آخر الحكاية المتداولة، فى حين أن صاحب القصة، الشاعر سيد مرسى رواها بنفسه للإذاعة المصرية، وأعاد إذاعتها الإذاعى الكبير إبراهيم حفنى فى برنامج «حكاية غنوة» على إذاعة الأغانى. وفيه يروى الشاعر سيد مرسى بنفسه القصة الحقيقية، ويعود بها إلى عام 1951، حين كان يلقى الشعر فى أحد الأماكن فى وجود الملحن محمود الشريف. وبعد انتهاء الجلسة، وجد مرسى محفظة ملقاة على الأرض ففتحها، وعرف أنها محفظة محمود الشريف، فوجدها فرصة لمقابلته، وبالفعل توجه إلى نقابة الموسيقيين وطلب مقابلته، وبصعوبة التقاه وأعاد له المحفظة. إلا أن الشريف حاول مكافأته بمبلغ خمسة جنيهات، لكن مرسى رفض وقال له: «أنا أكتب الشعر وأريد أن أسمعك بعضًا منه»، فسمع منه كلمات «عالحلوة والمرة» فعجب الشريف جدًا وأخذها ولحنها، ومن هنا بدأت قصة الشاعر سيد مرسى مع الأغانى ليصبح واحدًا من أهم كتابها.
العبرة هنا أن انتشار الشائعة أمر سهل، وتزداد خطورتها فى أوقات الأزمات، خاصة الحروب والكوارث والثورات الاجتماعية، حيث تستغل الفراغات المعلوماتية لتسهم فى بث الفتنة وإرباك المجتمع، مما يؤدى إلى تضليل الرأى العام، ويعود جزء من انتشار الشائعات إلى ضعف الوازع الدينى لدى البعض، حيث يُسهّل ضعف الرقابة الذاتية انتشار الأخبار الكاذبة، والتى قد يتلقاها البعض ويصدقها دون محاولة التحقق من صحتها، ومما يزيد الأمر سوءًا هو التطور التقنى وسهولة ترديد الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعى، ما يُسهِّل على البعض نشر الشائعات بكبسة زر واحدة.