أكاذيب مضحكة !
"شيبوب لم يخطب ماجدة، ولا المكوجي أحب الشغالة " - تلك الجملة كانت هي عنوان هذا المقال قبل أن أنتهي من جمع معظم معلوماته التي رأيت في تصديقها سذاجةً وكوميديا ضاحكة. فكيف لإنسان عاقل أن يصدق في وقتنا الحاضر أن مصر العروبة يمكن أن تساعد دولة العدو في عدوانها الهمجي المستمر في قتل وإبادة الشعب الفلسطيني؟ وكيف يمكن تصديق أن مصر العروبة والإسلام يمكن أن تسمح بمرور سفن حربية تحمل الأعلام الصهيونية، إلا لو كانت مُكبَّلة باتفاقية دولية اسمها "القسطنطينية" تلتزم بها مصر؟ وهذا الالتزام هو مفتاح ضمان تشغيل القناة كممر مائي دولي آمن، يخضع للسيطرة المصرية الكاملة. وأي عاقل يتابع مواقف القيادة المصرية من القضية الفلسطينية قبل وأثناء العدوان يعرف أن مصر لم ولن تتخلى عن الشعب الفلسطيني ولا عن قضيته العادلة. ومن يراجع التصريحات الصادرة عن قيادات دولة الإحتلال ومن يعرف مؤامراتهم، يدرك أن المستهدف الأول لهذه المؤامرات هو مصر. ولو لم تكن مصر الكنانة دولة قوية تمتلك جيشًا عظيمًا قادرًا على الدفاع عن حدودها ومصالحها، ما تأخرت مؤامراتهم يومًا واحدًا.
وخلال الأسبوعين الماضيين تعرضنا لعشرات الشائعات والأكاذيب التي تحاول ضرب المجتمع المصري، وتهز ثقته في نفسه وفي دولته وقيادته. فآلية الكذب هي الآلية الوحيدة التي لا تتوقف أبدًا في بلدنا. وتعد صناعة الكذب من أخطر التحديات التي تواجه مجتمعنا في الوقت الراهن، وهي من أخطر أنواع الحروب النفسية التي تتغلغل بسهولة في النسيج الاجتماعي، وتؤثر على البسطاء الذين لا يملكون القدرة الكافية للتحقق من المعلومة الصحيحة. وتزداد خطورة الكذب مع إنتشار وسائل التواصل الإجتماعي، وسهولة وصولها للناس بوسائل باتت في يد كل مواطن. وبالطبع يسهل إنتشار الشائعات في أوقات الأزمات.
نعود إلى السطر الأول من هذا المقال الذي يشير إلى أقدم كذبة في الوسط الفني، وعمرها تجاوز 75 عامًا، وهي كذبة خطوبة الفنان سعيد أبو بكر من الفنانة ماجدة الصباحي. ماجدة التي كانت تُسمى في حينها خلال عقدي الخمسينات والستينات "دلوعة السينما المصرية". ويرجع سبب الكذبة أو الشائعة إلى مزاح كانت قد نشرته مجلة "الكواكب" لقرائها، حيث نشرت خبرًا في عددها الصادر في أول إبريل 1950 حول خطوبة الممثلة الجميلة ماجدة من الممثل الكوميدي سعيد أبو بكر. وفي الصفحة الأخيرة من ذات العدد، كتبت المجلة تكذيبًا للخبر، مؤكدةً أنه كذبة إبريل التي إعتدنا على سماعها في أول إبريل من كل عام. ومع ذلك صدق الناس الخبر الكاذب، وظل يتردد إلى اليوم.
كذبة أخرى تتداول بقوة وثقة يرددها اصحابها وكأنهم شهود على الواقعة، وجميعهم كتاب كبار ويؤكدون أن الشاعر الكبير سيد مرسي كان يعمل "مكوجيًّا". ويرجعون مناسبة اكتشافه إلى قصة حبه مع شغالة أو "خادمة" تعمل في منزل الشاعر الكبير مأمون الشناوي، وكان مرسي يرسل لها خطابات الشعر داخل ملابس الشناوي، فوقع أحد تلك الخطابات في يده وكانت هي كلمات أغنية "عالحلوة والمرة"، إلى آخر الحكاية المتداولة. في حين أن صاحب القصة، الشاعر سيد مرسي رواها بنفسه للإذاعة المصرية، وأعاد إذاعتها الإذاعي الكبير إبراهيم حفني في برنامج "حكاية غنوة" على إذاعة الأغاني. وفيه يروي الشاعر سيد مرسي بنفسه القصة الحقيقية، ويعود بها إلى عام 1951 حين كان يلقي الشعر في إحدى الأماكن في وجود الملحن محمود الشريف. وبعد انتهاء الجلسة، وجد مرسي محفظة ملقاة على الأرض ففتحها وعرف أنها محفظة محمود الشريف. فوجدها فرصة لمقابلته، وبالفعل توجه إلى نقابة الموسيقيين وطلب مقابلته، وبصعوبة التقاه وأعاد له المحفظة. إلا أن الشريف حاول مكافأته بمبلغ خمسة جنيهات، لكن - مرسي - رفض وقال له: "أنا أكتب الشعر وأريد أن أسمعك بعضًا منه". فسمع منه كلمات "عالحلوة والمرة" فعجب الشريف جدًا وأخذها ولحنها، ومن هنا بدأت قصة الشاعر سيد مرسي مع الأغاني ليصبح واحدًا من أهم كتابها.
العبرة هنا أن إنتشار الشائعة أمر سهل، وتزداد خطورتها في أوقات الأزمات، خاصة الحروب والكوارث والثورات الإجتماعية، حيث تستغل الفراغات المعلوماتية لتساهم في بث الفتنة وإرباك المجتمع، مما يؤدي إلى تضليل الرأي العام. ويعود جزء من انتشار الشائعات إلى ضعف الوازع الديني لدى البعض، حيث يُسهّل ضعف الرقابة الذاتية انتشار الأخبار الكاذبة، والتي قد يتلقاها البعض ويصدقها دون محاولة التحقق من صحتها. ومما يزيد الأمر سوءًا هو التطور التقني وسهولة ترديد الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما يُسهِّل على البعض نشر الشائعات بكبسة زر واحدة.