عبر كتابه الذكاء الاصطناعي وعبادة التكنولوجيا
هل يمكن إنقاذ الوجود الإنسانى من الشرَك الذى أوقعته فيه الحضارة المادية؟
"الذكاء الاصطناعي وعبادة التكنولوجيا"، عنوان أحدث مؤلفات الباحث عيسى بيومي، والصادر مؤخرًا عن دار غراب للنشر، والذي يطرح قضية، هل يحقق الذكاء الاصطناعي للبشرية حلم العيش في عالم آمن ينعم بالسلام والرفاهية أم ينذر بالقضاء عليها وفنائها؟
الذكاء الاصطناعي من منظور إنساني
وفي تصريحات خاصة لـ"الدستور"، كشف الباحث عيسى بيومي، عن ملامح وتفاصيل كتابه "الذكاء الاصطناعي وعبادة التكنولوجيا"، مشيرًا إلى أنه لا يمكن لمهتم بالشأن الإنساني إغفال قضية الذكاء الاصطناعي، أو عدم الانتباه لما يثار حولها من آراء ونظريات تتناولها من زوايا متعددة، كم هائل من الأبحاث والدراسات، وسيل لا يتوقف من الكتب والمقالات، وفيض من المعلومات يتدفق كل يوم بما هو جديد ومتناقض. هل يحقق الذكاء الاصطناعي للبشرية حلم العيش في عالم آمن ينعم بالسلام والرفاهية أم ينذر بالقضاء عليها وفنائها؟
ولفت عيسي إلى أن على من يتولى موضوع الذكاء الاصطناعي من منظور إنساني أن يضعه في إطاره الصحيح كجزء من التكنولوجيا، لكي يتسنى له فهم جذوره وتقدير تداعياته، ومن ثم ينظر للصورة كاملة ولا يقع في خطأ التركيز على الجزء وإغفال الكل. فلا يمكن فحص لحظة في سياق التاريخ الإنساني بدون استيعاب هذا التاريخ وتأمل تسلسله وملاحظة اتجاهه، أو بمعنى أوضح تفسير دور التكنولوجيا في حركة التاريخ، وكيف انتهت بنا إلى حاضر يثير الشك في أمان المستقبل.
هل يمكن إنقاذ الوجود الإنساني من هذا الشرَك الذي أوقعته فيه حضارة مادية لا تعترف بمكونه الروحي؟
وتابع عيسي: الفصول الثلاثة الأولى من الكتاب للتعريف بالدور التاريخي للتكنولوجيا، وتأثير الثورة العلمية الحديثة على مسار التكنولوجيا، وارتباط المفهوم الحديث للتكنولوجيا بالثورة الصناعية.
بينما يقدم الفصل الرابع مفهوم الذكاء الاصطناعي والفرق بينه وبين الذكاء الطبيعي، والتطور التكنولوجي المصاحب للذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المتعددة في أنشطة حياتنا، ما يوعز بمزيد من سيطرة التكنولوجيا على مستقبل البشرية، وما ينجم عن ذلك من أخطار.
وخصصت الفصل الخامس لموضوع الروبوتات؛ التعريف بما يعنيه الروبوت وتطور صناعته، وتداعيات التقدم المتسارع في أنظمة الذكاء الاصطناعي على الارتقاء باستخدامات الروبوتات، والتساؤل حول طموح المخترعين إضافة الوعي والشعور لبرامجه ليصبح شبيه الإنسان في أفعاله وانفعالاته.
أفردت الفصل السادس لما يسمى الذكاء الاصطناعي الخارق الذي تتخطى قدراته أي ذكاء طبيعي ويُنتظر أن ينتقل بالبشرية إلى مستوى من الوجود غير مسبوق لا يمكن تحقيقه بآليات التطور الطبيعي. هل هذا ممكن حدوثه، وماذا يعني تطور الإنسان إلى كائن تكنولوجي فاقد لما اكتسبته الإنسانية من مبادئ أخلاقية على مر عصورها، وما تشكل في وعيها الجمعي من قيم معنوية.
الفصل السابع يعرض لمشكلة التحكم في نظم الذكاء الاصطناعي من الناحية التقنية وما يُقترح لدرء الخطر عن البشرية في حال اقتربت من مضاهاة الذكاء البشري أو تفوقت عليه. وما هي التحديات الفلسفية في حال وصولها لمستوى الذكاء الخارق بدون آليات تحكم أنظمتها وتتحكم في عملها.
الفصل الثامن يستنتج أن خطر الذكاء الاصطناعي حادث الآن مثل كل الأنماط الأخرى من التكنولوجيا، لأنها جميعًا تعتمد مبدأ الربح وتراكم الثروة والسيطرة على الأسواق، ولا معنى للأخلاق والفضائل والقيم في مفهومها منذ قامت الثورة الصناعية، ومن هنا نشأ الخطر على الوجود الإنساني في حاضره ومستقبله. فهل يمكن للإنسانية التحرر من قبضة تلك التكنولوجيا واسترداد إرادتها الأخلاقية؟
واختتم عيسي مشددًا على: الفصل الأخير يجيب على السؤال الأهم، وهو هل يمكن إنقاذ الوجود الإنساني من هذا الشرَك الذي أوقعته فيه حضارة مادية لا تعترف بمكونه الروحي ولا تعبأ بغير القيم الاقتصادية والتفوق التكنولوجي المطلق؟
إنه لأمر إيجابي أن يشعر العالم بالانزعاج من تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إلى آفاق مجهولة تستوجب الحيطة والحذر ووضع محددات لما يمكن الخوض فيه، لكن هذا لا قيمة له ما لم تحثنا خطورة تلك اللحظة على المراجعة الشاملة لأسس التكنولوجيا وغرس القيم الإنسانية في مفهومها وبنيانها وأسلوب التصديق عليها والتحقق من ملاءمتها لكيان الإنسان المعنوي. وهذا لن يحدث بدون المشاركة الفاعلة لكل من يهتم بمصير الإنسانية.
خطأ جوهري غرسه العلم الحديث في الحضارة المعاصرة حين عرّف الإنسان بخلاياه وأنماط سلوكه وغرائزه الاستهلاكية، متجاهلًا مكونه الروحي باعتباره خارج نطاق القياس. يجب أن يُصحح هذا الخطأ في وعي البشر ليتسنى لهم التصدي لاندفاع التكنولوجيا المهدد بسحق إرادتهم الأخلاقية، ومن ثم يمكنهم تفادي هوة الاندثار والفناء. ولا بد من نزع الصفة الاقتصادية عن القيم الإنسانية، لأن القيم المنشودة تنبع من أصل فريد وهو الأخلاق وليس الاقتصاد.
ثورة للإنسانية ضد العبودية التكنولوجية كالتي ننادي بها، لا يضطلع بها بضع فئات من البشر مع الأهمية القصوى لدورهم، وإنما تتطلب انتفاضة الجموع من الناس في كل مكان. فكل إنسان عليه مسئولية تجاه حفظ نوعه والارتقاء به، وتعظم هذه المسئولية في مواجهة خطر الانقراض أو الانحدار. وفي عصرنا الحاضر يهددنا خطر التكنولوجيا بما نعلمه وبما نجهله، فهي لحظة في تاريخنا تستوجب من كل فرد أن يسهم بما يستطيعه من جهد لدرء هذا الخطر.