العلاقة بين الدين والإبداع
فى مصر والوطن العربى والشرق عمومًا يشكل الدين عنصرًا أساسيًا من عناصر الشخصية الإنسانية.
كما يشكل الدين ركيزة أساسية من ركائز بنيان المجتمعات الشرقية عمومًا، ومجتمعنا العربى على وجه خاص.
لأجل هذا أصبح الموروث الدينى يشكل كل عناصر الثقافة، سواء تلك الموروثة أو المكتسبة. وعلى ذلك انصاعت الثقافة إلى الدين، وأصبح الدين جزءًا لا يتجزأ من التكوين المعرفى والثقافى لدينا. ولأجل عدم طغيان الثقافة بكل مكوناتها على الدين، ظهر فى المجتمع ما يعرف بالرقابة الدينية.
كان هدف الرقابة الدينية هو صيانة الجوهر الدينى والأخلاقى والاجتماعى للناس، ويتم هذا عن طريق رعاية الشئون الدينية، وما يستتبع ذلك من إنشاء المدارس الدينية، وإفتاء الناس فى دينهم، وإرشادهم إلى صحيح الدين بالحسنى كما أمر رسولنا صلى الله عليه وسلم، وصولًا إلى ميادين الدعوة الدينية فى المساجد والجمعيات ومراكز التوجيه الدينى.
وفى حالات ضعف سطوة الدولة سياسيًا، بدأ الحاكم يقترب من رجال الدين، وظهرت حوله ما تعرف بالسلطة الدينية، التى بدأت فى التدخل تدريجيًا فى الشئون الأخرى للدولة.
ولم يبدأ الكلام فى مصر عن الرقابة الدينية إلا منذ ظهور المذاهب اليسارية التى بدأت تنظر إلى الأديان كنوع من المخدر، وبدأت تلك الأفكار تجد قبولًا لدى عديد من المثقفين باعتبارها أعلى مراحل الثقافة والفكر.
ومع أنه يجب مراعاة ما طرأ على المجتمعات الدولية من تطور ملحوظ فى مبادئ حقوق الإنسان، وحق الفرد فى التعبير عن وجهة نظره، وأى حقوق أخرى تكون للإنسان باعتباره آدميًا دون النظر إلى لونه أو جنسه أو عقيدته.
ومع ازدياد الجدل والنقاش حول الجهة التى لديها حق التدخل أصبح من الضرورى البحث عن سلطة، بالطبع حدث هذا فى غياب الدولة كسلطة لها قوة الحسم والبت. وظل هذا الجدل يتصاعد، وبدأت تتصاعد معه حدة الانتقاد، وهنا ظهر المتشددون باسم الدين، ثم بلغت الذروة عندما تعرضت حياة عدد من المثقفين والمفكرين للخطر، مع قيام بعض المتطرفين الذين يتحدثون باسم الدين بالتعدى على سلطة الدولة وقيامها بممارسة الاتهام والعقاب نيابة عنها.
لم تتدخل الدولة بسلطتها التشريعية الممثلة فى مجلس النواب، ولكنها تركت الأمر للسلطة القضائية ممثلة فى مجلس الدولة لاختيار الجهة التى لها حق الرقابة على الشأن الدينى فى الأعمال الثقافية والإبداعية.
وظهرت نقاط الخلافات التى يتسبب عنها الصدام بين المثقفين والسلطة الدينية. وهو ما أمكن حصره فى عدة موضوعات خلافية يثور حولها الجدل.
وهى عبارة عن بعض الموضوعات التى تتعلق كلها بالشأن الدينى، وتتدرج فى درجة قداستها وإجلالها وتقديرها، ولا خلاف عليها بين الأديان.
وهى الموضوعات التى دائمًا تتسبب عند تناولها بكافة الإشكال الإبداعية والفنية فى الخلاف بين والمثقفين والمبدعين والكتاب من ناحية، والسلطة الدينية فى الناحية الأخرى.
وهى الموضوعات التى يجب على المثقفين والمبدعين والفنانين والكتاب مراعاتها، وعدم الخوض فيها، وتفاديها والبعد عنها فى أعمالهم الإبداعية حتى لا يتم الاصطدام بالمؤسسة الدينية.
وتلك الموضوعات تنقسم إلى قسمين:
أولا: موضوعات بالغة التقديس ولها كل الإجلال. وتعتبر من المحظورات التى لا ينبغى المساس بها على أى وجه من الوجوه وذلك لما تتمتع به من قدسية وجلال فى نفوس المسلمين ويشاركهم فيها غيرهم من الديانات الأخرى وهى:
- الذات الإلهية.
- النصوص الدينية، وتشمل كل الكتب السماوية المعروفة التى أنزلها الله على رسله وما يخص منها المسلمين والمسيحيين واليهود.
- شخصيات الأنبياء والرسل وأقوالهم وتصرفاتهم وما صدر عنهم.
- مفردات العقائد الدينية والعبادات والشعائر للديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلامية.
ثانيا: محظورات ينبغى الحذر الشديد عند تناولها.
أى أنه يجب مراعاة الحذر عند الاقتراب منها أو تناولها بأى صورة من صور التعبير وهى:
- عدم إظهار صوره لشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم صراحة أو رمزًا، أو صور أحد من الخلفاء الراشدين، أو آل البيت والعشرة المبشرين بالجنة من أصحاب رسول الله، أو سماع أصواتهم، سواء كانت تلك الصور متخيلة او غير حقيقية. سواء رسمت باليد أو أى صورة أخرى من وسائل التصوير، أو حتى مجرد تمثيلها أو تجسيدها وتشخيصها فى أى فن من الفنون المعروفة، أو تقليد صوتها. ويراعى الرجوع الى المؤسسات والمرجعيات المختصة عند تناول هذا البند من المحظورات.
- مع الأخذ فى الاعتبار أن الديانات الأخرى لا تمانع فى هذا الأمر، وتتقبل طواعية تصوير السيد المسيح والسيدة العذراء والقديسين، كما قام عدد من الرسامين العالميين والمشهورين برسمه بصور ورسوم بالغة الاحترام والتقدير.
- تمجيد وتحبيذ، أو الدعوة إلى الدعوات الإلحادية، والتعريض بالأديان السماوية والعقائد الدينية الخاصة بها بأى صورة من صور التعبير. على أنه مما تجدر الإشارة إليه أن بعض الدول الأوروبية المتقدمة تضع قيودًا على بعض العقائد التى ترى أنها تؤثر تأثيرًا سياسيًا على استقرارها، وعلى الأخص الدعوات الشيوعية والنازية والعنصرية. كما أن بعض الدول الغربية تجرم التعريض بالأديان.
- ظهور أداء وتلاوة وقراءة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وجميع ما تتضمنه الكتب السماوية، وتصورها على نحو يخل بوقارها المفترض، أيا كانت الصورة التى تظهر بها، من حيث عدم مراعاة أصول التلاوة، أو الخطأ فى القراءة ، أو عدم مراعاة تقديم الشعائر الدينية على وجهها الصحيح، وما يتبعها من الاحترام الذى يليق بها وتبجيلها وتوقيرها.
- مراعاة عدم إعلاء شأن أعمال السحر والدجل والشعوذة.
- عرض مراسم الجنائز أو دفن الموتى، او نقل الجثث، ونشر صور الموتى بما يتعارض مع جلال الموت وقدسيته واحترامه ومهابته. ما عدا ما يتعلق بمسائل كشف الجريمة او التعليم والتدريب على مكافحة الجريمة وكشفها بالطرق العلمية.
- عدم تحبيذ وتمجيد أعمال الرذيلة مما يوحى باتخاذها وسيلة لخدمة غايات نبيلة. وإظهار الجسم البشرى عاريًا على نحو يتعارض مع المألوف وتقاليد المجتمع ومراعاة ألا تكشف الملابس التى يرتديها الممثلون عن العورات الواجب إخفاؤها، وإبراز الزوايا التى تفصل أعضاء الجسم، او تؤكدها بشكل فاضح ، وتتنافى مع المألوف من عادات المجتمع. وتصوير أوضاع الجماع، أوالمشاهد الجنسية المثيرة أو مشاهده الشذوذ الجنسى، والحركات المادية والعبارات التى توحى بما تقدم.