رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كارثة عجز وصمت المجتمع الدولى

اللافت للأنظار فى كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى التى ألقاها فى القمة العربية الإسلامية غير العادية، التى عُقدت بالعاصمة السعودية الرياض مؤخرًا، أنها وصفت الوضع فى المنطقة والإقليم بأنه شديد التعقيد، وأن دور المجتمع الدولى غائب تمامًا فى إيجاد حل لهذه الأزمة الخطيرة التى توشك أن توقع المنطقة فى حرب إقليمية لا تُحمد عقباها بسبب إسرائيل. 

والحقيقة أن الرئيس السيسى بهذا التوصيف الدقيق وضع يده تمامًا على واقع الأزمة وضرورة إيجاد حل لها. وكذلك فإنه حدد أمرًا بالغ الأهمية وهو غياب دور المجتمع الدولى. وفى الواقع فإن هذا الغياب عن هذه الكارثة يطيل أمدها ويزيد من عمرها ويجعل المنطقة على حافة الهاوية بشكل واضح وظاهر. 

إن الرئيس السيسى أكد بما لا يدع أدنى مجال للشك أن الدولة المصرية لا تتغير مواقفها وثوابتها تجاه هذه الأوضاع المغلوطة، وستواصل المزيد من العمل والعطاء من أجل وقف الحرب الإسرائيلية، لكن الصوت المصرى وحده الذى يغرّد بمفرده، فى غياب دور المجتمع الدولى، يواجه الكثير من التحديات والمصاعب والمشاكل التى لا تعد ولا تحصى.

وبالتالى عندما وصف الرئيس السيسى صمت المجتمع الدولى بالمخزى وعجزه بالفادح، فإنه بذلك وضع الأمور فى نصابها الصحيح. ولو أن هناك إرادة سياسية قوية من المجتمع الدولى لوقف هذه الحرب لوقفت فى التو والحال، لكن مع عظيم الأسف وشديد الحزن فإن غياب الإرادة السياسية الأمريكية ودول المجتمع الدولى قاطبة هو الذى جعل إسرائيل تقوم بكل هذه المهازل التى ترتكبها فى حق الشعبين الفلسطينى واللبنانى. كما أن غياب الإرادة السياسية عن المجتمع الدولى هو الذى جعل الأمور تزداد تعقيدًا فى المنطقة والإقليم بهذه الصورة البشعة التى نراها ولا نعرف لها نهاية.

ولذلك كانت كلمة الرئيس السيسى صائبة جدًا فى القمة، واضعة نصب عينيها أهمية تحمل المجتمع الدولى مسئولياته لوقف هذه الحرب فى أسرع وقت، فى ظل شعب تتم إبادته بالكامل بهذه الصورة على مرأى ومسمع من العالم، ولا أحد يتحرك، اللهم إلا الدولة المصرية التى تعد هى الوحيدة التى تتحمل عبء هذه القضية، ولا تزال عند مواقفها الثابتة التى لا تتغير ولا تتبدل من أجل عدم تصفية القضية الفلسطينية، وهو ما أعلنه صراحة الرئيس السيسى عندما قال: «تدين مصر بشكل قاطع حملة القتل الممنهج التى تُمارَس بحق المدنيين فى قطاع غزة.. وباسم مصر، أعلنها صراحة إننا سنقف ضد جميع المخططات التى تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، سواء عبر تهجير السكان المحليين المدنيين، أو نقلهم قسريًا، أو تحويل القطاع إلى مكان غير صالح للحياة.. وهو أمر لن نقبل به تحت أى ظرف من الظروف.

ونكرر، إن الشرط الضرورى لتحقيق الأمن والاستقرار، والانتقال من نظام إقليمى جوهره الصراع والعداء، إلى آخر يقوم على السلام والتنمية، هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على خطوط الرابع من يونيو لعام ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية».

ورغم ذلك جدد الرئيس فى هذه الخطاب المهم أهمية تمسك مصر بخيار السلام الذى تمسكت به منذ عقود طويلة باعتباره الحل الآمن لجميع الأطراف فى وقف كارثة هذه الحرب الإقليمية، ومجددًا قوله: «إن مصر، التى تحملت مسئولية إطلاق مسار السلام فى المنطقة منذ عقود، وحافظت عليه رغم التحديات العديدة.. ما زالت متمسكة بالسلام، كخيار استراتيجى، ووحيد لمنطقتنا.. وهو السلام القائم على العدل، واستعادة الحقوق المشروعة، والالتزام الكامل بقواعـد القانون الـدولى.. ورغم قسوة المشهد الحالى، فإننا متمسكون بالأمل، وواثقون من أن الفرصة ما زالت ممكنة لإنقاذ منطقتنا والعالم.

وبذلك يكون الرئيس السيسى قد حدد موقف وصوت مصر العاقل لنزع فتيل الحرب الإسرائيلية والعيش بسلام فى المنطقة من خلال ثلاثة أمور، الأول هو ضرورة قيام المجتمع الدولى بدوره المهم فى هذا الأمر، وأن تكون لديه إرادة سياسية حقيقية لنزع فتيل هذه الحرب الغاشمة، والثانى أنه لا تفريط أبدًا فى القضية الفلسطينية، والثالث هو اتباع خيار السلام للعيش بأمان فى المنطقة حتى لا يتضرر العالم كله جراء هذه الحرب البشعة.