رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكائن الكذوب

أحيانًا الرؤية تكون ضبابية غير واضحة.. وهنا تطلق الخيالات والتوقعات والمعلومات غير الدقيقة.. هناك من يصدّق.. وهناك من يرتبك، وآخر يكذب.. ما ينتح عنه الكثير من الافتراضات الخاطئة.. ولكن هناك ثوابت لا يحجبها الضباب ولا يؤثر فيها الصخب.. موقف مصر من القضية الفلسطينية من هذه الثوابت، موقف مصر من دولة العدو الإسرائيلى أيضًا من هذه الثوابت، نزاهة المصريين تجاه قضايا محيطهم العربى من هذه الثوابت.

مواقف مصر واضحة أيًا كانت المتغيرات، والتحديات، وحتى التهديدات.. لا تميل ولا تمل من مد يديها وقت الأزمات إلى أشقائها، وفى الحقيقة عندما ترى غير المصريين ممن لجأوا إليها فارين من الحروب فى بلادهم، مثل السوريين والعراقيين من قبلهم، والسودانيين حاليًا على سبيل المثال، يمتدحون مصر ويشكرونها من قلبهم، لأنها فتحت أبوابها ولم تغلقها مثل غيرها- فيكون من الصعاب الشديدة أن تشاهد المصريين أنفسهم وهم يشككون فى نزاهة ومواقف بلدهم.

منذ أيام قليلة نشر الصحفى الفلسطينى الذى يعيش فى غزة خليل أبوإلياس صورة له وسط ملابس شتوية وهو يحمل لافتة مكتوبًا عليها: «إغاثة ضحايا الحرب على غزة.. تقديم الملابس الشتوية إهداء من أهلنا فى جمهورية مصر العربية»، وكتب تعليقًا على الصورة بأن الأطفال الذين قدمنا لهم الملابس اليوم سينامون فى خيامهم بدفء هذه الليلة.. شكرًا مصر.

هذا هو الواقع وهذه هى الحقيقة.

ممكن للشائعة أن تكون منطقية.. يحدث أحيانًا.. فكما يقول المثل «كذب مترتب ولا صدق مبعثر».. وعندما يصدقها البعض تحمل لهم العذر قليلًا لأنها تُصدق بسبب حبكتها وترتيبها، ولكن الشائعات غير المنطقية لا عذر لمن يصدقها نهائيًا.. فمن الحماقة أن تصدق اللا منطق واللا معقول، لمجرد أنك غضبان تصدق الهراء والكذب.

نحن جميعًا فى غضب شديد منذ عام مضى، نشاهد على الهواء قتلًا وتعذيبًا وتشريدًا للشعب الفلسطينى.. ونعلم أن الجوع والمرض ينهشان فيهم، وفى نفس الوقت ندرك تمام الإدراك أن الموقف المصرى تجاه القضية الفلسطينية لم يتغير على الإطلاق ولن يتبدل منذ عام النكبة فى ١٩٤٨، وقد اختلطت الدماء المصرية بالتراب الفلسطينى دفاعًا عن أرض فلسطين فى حرب ٤٨.. ومنذ هذا التاريخ ومصر لا تنفصل على مر الأجيال عن القضية ولم تدخر جهدًا فى دعمها، وحتى معاهدة السلام ظلت معاهدة سياسية وليست شعبية، ولم تؤثر فى مواقفنا ومبادئنا تجاه الاحتلال الإسرائيلى، سواء على مستوى الحكومة أو الشعب.

ورغم المعاهدة فإن مصر تقف بالمرصاد للعدو المتربص، وتدافع أكثر من أى دولة أخرى عن حق الفلسطينيين التاريخى فى أرضهم، وترفض وتجهض مخطط تهجيرهم عن بلادهم.

ويشاهد العالم جهود مصر التى لا تتوقف منذ السابع من أكتوبر العام الماضى لإحلال السلام مكان الحرب، وشاحنات المساعدات التى تمر من معبر رفح لتصل إلى أهالينا فى غزة رغم التعنت الإسرائيلى المستمر.

كيف تفعل مصر كل هذا وعندما يروج أعداؤها، وعلى رأسهم عناصر جماعة الإخوان الإرهابية، شائعات لا يصدقها الأطفال لتشكيك المصريين فى جيشهم وإحداث الوقيعة بينهم وبين بلادهم، يصدقها البعض، ويتبناها ويرددها ويروجها وهى مجرد أكاذيب ساذجة.

ومنذ ثورة ٣٠ يونيو فى ٢٠١٣، وانتهاء حكم الإخوان ونظامهم الذى حكم مصر عامًا واحدًا فقط، وهم فى صراع وانتقام مع الدولة والشعب المصرى، ولم يكن فى أيديهم سوى اثنين من الأسلحة، هما الإرهاب والشائعات.. تم القضاء على الإرهاب بعد تضحيات كثيرة، وبقيت الشائعات.. ولأن الكائن الإخوانى كذوب بطبعه وليس عنده أى مانع أخلاقى أو دينى يمنعه من الكذب والافتراء، بل إنه يتبنى مبدأ «الكذب ينجى»، فكان من اليسير عليه محاربة الدولة المصرية بالشائعات، لعلها تصادف من يصدقها، وهى حرب خسيسة وغير شريفة، فالإخوان لا يملكون الشرف، ويتمنون لو أن كذبهم يؤتى ثماره وتنهار البلد، وعلى طريقة «العيار اللى ما يصبش يدوش»، فهم كثيرًا يعلمون أن أكاذيبهم تافهة وشائعاتهم غير منطقية ولا يصدقها عقل ومع ذلك يطلقونها، ربما إذا لم تجد من يصدقها على الأقل تصيب البعض بالحيرة والارتباك والتشويش.

الإخوان فى حرب دائمة مع المصريين ويريدون الانتقام لحلمهم الذى ضاع فى غمضة عين.. لم يمهلهم الشعب المصرى غير سنة واحدة ولن تتكرر، ولأنهم يعيشون منفصلين عن الواقع بسبب أحلام السلطة وحكم مصر، فيظنون أن لديهم القدرة على استعادة الحكم، وهو الغاية التى تبرر الوسيلة، إن لم يكن بالإرهاب والدمار، فيكون بالإفك والتضليل، وإنتاج أكاذيب جديدة وسطحية.. ولكن الكذب، كما يقولون، ليس له رجلان، لذلك ينكشف ويظهر الحق.