الكذب لن ينجى نتنياهو
منذ ما يقرب من العام يشعر رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بالخطر.. الخطر على نفسه، ليس فقط من الإطاحة به، بل أيضًا خطر المحاكمة.
بعد هجوم حماس فى السابع من أكتوبر الماضى يشعر هذا الرجل أن عرشه يتهاوى، وأن ضعفه أصبح ظاهرًا وليس باطنًا.. يعرف تمامًا أنه ربما يكون خبيثًا ولكنه سياسى غير محنك، هشًا وليس ذكيًا بشكل كافٍ للحصول على ما يريد، وأن بعضًا ممن حوله يعلمون نقاط ضعفه بكل وضوح.
ولذلك يتخفى دائمًا خلف عناد الغبى.. وعنف الضعيف، وكذب الفاشل.
وهو ما يجعل منه أيضًا رجلًا مراوغًا وعنيفًا وقاسيًا كأنه مصاص دماء، يرى نتنياهو أن فى الكذب نجاة يلجأ إليه كملاذ أمن.. حتى يوهم الإسرائيليين أنه غير فاشل.. وخانة الفشل هى أكثر ما يوجعه من هجوم السابع من أكتوبر العام الماضى.. يرى أن الجميع يضعه فيها دون تردد.. الأمر الذى يستغله ببراعة خصومه السياسيون داخل إسرائيل.. إنه فاشل فى كل الاتجاهات، سياسيًا وعسكريًا، وكذلك فاشل كمفاوض.
كل هذا لم يجد أمامه نتنياهو مفرًا غير تشغيل آلة الكذب فى عرض مستمر منذ ما يقرب العام.. والإدعاء على مصر تحديدًا وجعلها شماعة يعلق عليها فشلةه وانهياره.. مستغلًا العداء التاريخى بين البلدين والشعب المصرى والإسرائيليين، وكذلك الخوف المتجدد داخل الإسرائيليين من مصر، فلا شك أنه منذ انتصار أكتوبر ١٩٧٣ والإسرائيليون يظنون أى شىء فى مصر.. يعرفون قدرتها وقوتها وصلابة شعبها.. وأن المصريين إذا أرادوا شيئًا فعلوه.. كما أنهم يعلمون أن اتفاقية السلام التى أبرمت بين البلدين منذ عشرات السنين، لم تغير من المشاعر والنوايا والواقع شيئًا، لأن فى الباطن هم أعداؤنا الطامعون فى أرضنا دائمًا وأبدًا.
كل هذا يجعله يظن أن اتهاماته لمصر كذبًا سوف يصدقها الداخل الإسرائيلى الذى أصبح يعانى من خلل كبير، كما سيصدقها العالم.. وهذا الذى لم يحدث ولن يحدث، ينهار بعدها نتنياهو ويجدد كذبه لغسل ماء وجهه هو أمام الجميع وأولهم إسرائيل.. يتهم مصر مرة بأنها هى من تعرقل دخول المساعدات وكان ذلك أمام المحكمة الجنائية الدولية، رغم أن السيارات التى تحمل المساعدات يشاهدها العالم كله على الهواء مباشرة وهى تقف عند معبر رفح، والآن يتهمها بتهريب الأسلحة إلى حماس وتعزيز قوتها من خلال محور فيلادلفيا، فهو يحاول دائمًا الزج باسم مصر لتشتيت الرأى العام الإسرائيلى الغاضب بسبب عدم استعادة الرهائن حتى الآن، رغم حرب الإبادة التى يشنها الإحتلال فى غزة، كما قال مصدر مصرى رفيع المستوى حيث جاءت ردود مصر سريعة وحاسمة، فقد أشارت مصر إلى أن تصريحات نتنياهو هى رسالة استباقية لواشنطن برفضه أى مقترحات لوقف إطلاق النار واجهاض لكل الجهود المبذولة للتهدئة والإفراج عن المحتجزين والأسرى، كما أنه يعرقل دور مصر فى الوساطة للوصول إلى الهدنة، وقالت مصر أيضًا إن تصريحات نتنياهو تفتقد الواقعية ويسعى من خلالها تحميل الدول الأخرى مسئولية فشله فى تحقيق أهدافه فى قطاع غزة الذى شهد إبادة جماعية.. وأيضًا أن الأشهر الماضية أثبتت أن نتنياهو لا يهمه عودة المحتجزين الإسرائيليين أحياءً طالما ذلك يتعارض مع أهدافه ومصالحه الشخصية.. الرد المصرى الذى قالت عنه وكالات الأنباء العالمية والصحافة الإسرائيلية يشير إلى أن مصر طفح كيلها من هذه الأكاذيب، وأن الرأى العام غاضب بالفعل من هذه الادعاءات والتضليلات.
ولكن الرد لم يكن شفويًا فقط، بل لحق به الرد العملى، عندما قام الفريق أحمد خليفة، رئيس أركان حرب القوات المسلحة بزيارة مفاجئة لتفقد الأوضاع الأمنية وإجراءات التأمين على الحدود مع غزة، وظهرت التشكيلات العسكرية المختلفة والدبابات على طول الحدود الشرقية لمصر على قطاع غزة، وأمام معبر رفح، وهى الزيارة التى تحمل دلالات وإشارات كثيرة وقوية إلى نتنياهو ورفاقه وإلى كل داعم له.. بأن مصر على أهبة الاستعداد ولا تخشى شيئًا
واإذا أرادت فعلت ولكنه صبر الأقوياء.
وعبر مقالات عديدة فى الصحافة الإسرائيلية ندرك تمامًا أن عدم ثقة الإسرائيليين فى نتنياهو يضعه فى توتر كبير، مما يجعله يتخبط ويقول أكاذيب لا يصدقها عقل، مثل ما كتب أمس الجمعة ٦ سبتمبر فى صحيفة (جيروزاليم بوست) الإسرائيلية عندما تساءل الكاتب «دوجلاس بلومفيلد» هل ضحى الرهائن الإسرائيليون القتلى بحياتهم من أجل أن يتمكن رئيس الوزراء بالحفاظ على منصبه، وقال الكاتب إن هذا التساؤل يطرحه كثيرون فى إسرائيل، ويتساءلون كذلك هل يضع نتنياهو مصالحه الشخصية فوق مصالح الشعب الإسرائيلي.
وأشار الكاتب أيضًا إلى أن بنيامين نتنياهو أصبح محاصرًا بين قوتين هما الشارع الإسرائيلى والإئتلاف الحاكم، وأن الآلاف نزلوا إلى الشارع مطالبينه بالتوقف عن المماطلة فى التوصل لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن.
أما شركاؤه فى الإئتلاف الحاكم فيهددون باسقاط الحكومة إذا ما فعل ذلك.. وأوضح أن إسقاط الحكومة لا يعنى إقالة نتنياهو فقط، وإنما سيذهب إلى المحكمة بتهمتى الرشوة والإحتيال.
ويقول الكاتب أيضًا فى الصحيفة الإسرائيلية إن هناك تساؤلات حول نوايا رئيس الوزراء الحقيقية بسبب إصراره على وجود إسرائيلى فى محور فيلادلفيا، حيث إن هذا المطلب لم يكن من أهداف الحرب التى وضعها من قبل، بل تمت المطالبة به لاحقًا واستخدامه ورقة للمساومة، ثم مطلب غير قابل للتفاوض.. ويشير أيضًا إلى أن الأمريكان فقدوا ثقتهم فى نتنياهو هم أيضًا وليس الشارع الإسرائيلى فقط، وأن صبر بايدن بدأ ينفد بسبب أكاذيبه والمماطلة وتغيير الأهداف فى المفاوضات، كما أنه يتعمد أن يقدم مطالب جديدة غير قابلة للتفاوض.
كل هذا أيضًا يدعم فكرة أن نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب.. وكما يبدو أن مصالحه مرتبطة باستمرارها، فهو يخشى أن تنتهى الحرب فينتهى دوره، وليس ذلك فقط، فكما أشار الكاتب الإسرائيلى فإنه سيحاكم بتهم عديدة.
كل هذا يجعله يماطل ويراوغ ويكذب حتى لا تنتهى الحرب.
وتشير استطلاعات الرأى إلى أن رغبات الإسرائيليين مختلفة عن رغبات رئيس الوزراء.. فقد كشف استطلاع للرأى أجرته صحيفة «معاريف» أمس الجمعة أيضًا، أن أغلبية إسرائيلية كبيرة تؤيد انسحاب إسرائيل من محور فيلادلفيا مقابل صفقة التبادل مع حركة حماس، وقالت أيضًا إن الخلافات أصبحت أكثر حدة على صعيد الانقسام السياسى، حيث يحظى الانسحاب من المحور نسبة ٧٥٪..
لذلك فهو يواجه اتهامات كثيرة بأنه يعرقل عن عمد التوصل لاتفاق من شأنه الإفراج عن الرهائن، وهو ما أكدته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية الشهيرة بأنها حصلت على وثيقة تفيد أن نتنياهو أفسد بشكل فعال فى يوليو الماضى مسودة اتفاق الرهائن، ووقف إطلاق النار.
وما يشير إليه ما تكتبه وتنشره الصحافة فى إسرائيل هو حجم الضغوط التى يتعرض لها نتنياهو وفى نفس الوقت هو يتمسك بمنصبه ولا يريد التخلى عن السلطة، ما يدفعه للكذب والتضليل والإدعاء على مصر.. لتبرير فشله وتمديد عمره فى السلطة.