رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تراجع نجومية الفن!

ظلت النجومية حكرًا على الفن وأهله لسنوات طوال طوال، حتى سحبتها الرياضة، كرة القدم تحديدًا، فصار الناس يحرصون على رؤية محمد صلاح والتقاط صور معه والفوز بتوقيعه فوق ما يحرصون على رؤية يحيى الفخرانى، مثالًا، ونوال لقطات بجانبه والحصول على إمضائه!
الكرة غلبت الفن حتى فى النقود، فى ما مضى كان الفنانون هم الأكثر غنى، والآن ارتفعت أثمان اللاعبين إلى حد مجنون، حتى الذين لا يلعبون لأندية كبرى، إذن أخذت الكرة من الفن الشهرة والمال، لا الشهرة وحدها، وصحيح أن الفن احتفظ بكثير من قيمته وشعبيته، غير أنها لم تعد نفس القيمة ولا الشعبية على الإطلاق.
ثم آل الأمر كله الآن إلى السياسة وأعمال المقاومة، نظرًا لظروف الحرب، فأصبح الناس وأمسوا يترقبون خطابًا لزعيم أو قائد، وبيانًا من مقاوم على الأرض أو فى مخبئه، بدت الكرة التى كانت غلبت الفن بالأمس شيئًا تافهًا بجانب ما تعيشه البلاد من الويل المستمر، وبدا الناس يقولون: لا معنى لشىء ما دام الحاضر ملىء بالدم والدمار، والمستقبل يموت فى صورة واضحة، صورة قتل طفل برىء وذبح قلب أمه بالأسى عليه!
يلتف الناس حول الفضائيات حاليًا لسماع نشرات الأخبار، يترقبون العاجل من الأنباء بالذات، قلوبهم فى أيديهم من الفضول والهلع، لم يعودوا يجتمعون لمشاهدة فيلم سينمائى جديد، ولا لتشجيع فريق ولا منتخب، قدر ما تجمعهم أحداث فلسطين ولبنان، ولو مر أمام أعينهم فنان قدير أو لاعب مشهور، وهو ما كانوا يتمنونه فى يوم من الأيام؛ فإن ردة فعلهم قد لا تكون بالغة الحفاوة ولا الترحيب، مثلما كان متوقعًا قديمًا، وإنما سلام بسيط وكلام شحيح.
لا ريب فى أن الفنان النجم يقول فى نفسه، بعد أن جرى ما جرى،: «قاتل الله الحرب وأسبابها!»، ولا ريب فى أن اللاعب الفذ يقول الشىء نفسه فى سره أو فى العلن؛ فالتمثيل موجود، والجمهور مفقود، والملاعب ساخنة، والمدرجات ليست من السخونة بمكان!.
الخطأ ظرفى فى الحقيقة، كان يمكن أن تسير العجلة سيرها الطبيعى، الفنان فى مكانه ومكانته، ولاعب الكرة هكذا، والسياسى والمقاوم كمثلهما، والتطورات تحدث على مهل وبنظام معلوم، لولا تحولات الأفكار والأهواء بشكل خاطف، وتقلبات الاقتصاد الفجائية الحادة، واشتعال الآفاق الإقليمية ومن ثم الدولية، التى كانت أهدأ بكثير حتى مع وجود احتلال فى البلدان.
لا سبيل إلى عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه، ذهب هذا الواقع إلى الأبد، لم يكن واقعًا بسيطًا لكنه كان مستساغًا إلى حد كبير، حلت محله أوضاع شديدة التعقيد، لا أحد، أيًا كان، يعرف ما المخرج منها.
عصف ما حدث بالفن لصالح الرياضة، ولو نسبيًا، ثم عصف بالفن والرياضة لصالح السياسة والمقاومة مطلقًا، والظاهر سيمكث طويلًا فى هذه المنطقة، إلى أن تقوم قيامة حق وعدل، قبل يوم القيامة، فترتب الأيام ترتيبًا جديدًا يقوض حِيرات الإنسانية وعذاباتها!