"الأقرب إلى نفسه".. سر اتجاه سعد الدين وهبة إلى كتابة المسرح
27 عامًا مرت على وفاة الكاتب سعد الدين وهبة، الذي رحل عن عالمنا في 11 نوفمبر 1997، تاركًا إرثًا كبيرًا من الأعمال، إذ قدم العديد من المسرحيات، وقام بكتابة السيناريو والحوار لعدد من الأفلام السينمائية والأعمال التليفزيونية.
في بداية حياته الفنية، كتب سعد الدين وهبة مجموعة قصصية قصيرة جاءت تحت عنوان "أرزاق" عام 1985، ثم اتجه إلى المسرح، فهل كان يعد نفسه ليكون كاتبًا مسرحيًا أم أن القصة القصيرة عجزت عن أن تكون هي الشكل الذي يستوعب رؤيته، هذا ما أوضحه في حوار له بمجلة "المجلة" بعددها رقم 170 الصادر بتاريخ 1 فبراير 1971 قائلًا: البداية كانت هي القراءة، وأي فنان يبدأ حياته الفنية بالقراءة، وقد قرأت كثيرًا، قصة، وشعرًا، ومسرحًا، والتقيت به على خشبة المسرح في هذه السن المبكرة أيضًا، وعندما بدأت عملية التعبير كتبت قصصًا ومسرحيات للقراءة من فصل واحد، وكتبت شعرًا، باللغة العامية وبالفصحى، وفي مرحلة النضج ومن خلال كتابتي للقصة، كنت أقدم شخصيات مسرحية ومواقف مسرحية.. قصة "إشارة" مثلًا هي في الحقيقة عبارة عن مونولوج طويل، وبعض المواقف والشخصيات في قصصي انتقلت إلى مسرحياتي كما هي، لأنها كانت مواقف وشخصيات مسرحية. فأنت ترى أن رغبتي في كتابة المسرحية سيطرت عليَّ منذ بدأت الكتابة، بل إنني قرأت في عام 1944 قصة نجيب محفوظ "رادوبيس" وأحسست أن هذه القصة يمكن تحويلها إلى مسرحية، وفعلًا حولتها إلى مسرحية ومُثلت في مدرسة بالإسكندرية.
سعد الدين وهبة.. من القصة إلى المسرح
وتابع: عندما نشرت مجموعة "أرزاق" انتبه بعض النقاد إلى غلبة الخصائص المسرحية على هذه القصص، وقال الدكتور عبدالقادر القط إن كثيرًا من قصص هذه المجموعة تشير إلى كاتب مسرحي، ربما يكون كلام النقاد بالإضافة إلى ما سبق هو الذي أكد هذه الرغبة، فبدأت بعدها في كتابة المسرحية وشجعني قبول الناس لها، واكتشفت من خلال كتابتي أن المسرح هو الأقرب إلى نفسي.
وعن الطريق الذي يمضي فيه فكرته المجردة حتى تصبح عملًا حيًا متجسدًا، كشف سعد الدين وهبة: أكثر من طريق.. أحيانًا تثب إلى ذهني فكرة تبعثها ذكرى خاصة، وهناك واقعة محددة توضح لك كيف يتم الإمساك بالفكرة، ذات ليلة كنت مع بعض الأصدقاء وكنا نشاهد مسرحية "المحروسة" بعد العرض جلسنا في أحد المحلات العامة وأخذنا نتحدث ونتناقش، كنا نناقش المسرحية، وفجأة وجدتني أحكي حادثة وقعت لي أيام كنت أعمل بالبوليس، وهي واقعة اكتشاف جسم غريب "قنبلة" ثم ضياعه من أحد العساكر، أثناء الحدي وجدتني لا أحكي هذه الحادثة وإنما أكتب مسرحية، فسكت، بدأت أعيش هذه الفكرة.
وأضاف: أحيانًا أرى المشاهد المسرحية أمامي، كنت مسافرًا إلى الإسكندرية ورأيت الأتوبيس المعطل والناس الذين أفزعهم هذا الموقف، وانتحيت جانبًا وبدأت أفكر، ثم كانت مسرحية "سكة السلامة"، ثم هناك الأفكار التي تأتي من القراءة، فمسرحية "يا سلام سلم".. الحيطة بتتكلم عثرت على فكرتها أولًا في كتاب اسمه "صور ومظالم في عهد المماليك" حين وجدته يروي قصة الحائط، ثم رجعت إلى كتاب "النجوم الزاهرة" وأخذت أقرأ، في كل هذه الحالات تعيش الفكرة في ذهني مدة طويلة، وأنا من الكتاب الذين تعيش معهم الفكرة حية مرتبطة بشخصياتها، وبعد ذلك تكون عملية الكتابة مجرد إملاء، وفي أحيان كثيرة أقف مندهشًا أمام ما كتبت، لا أعرف متى كتبته وكيف.