إلغاء ثبات الأجرة.. هل دق "أول مسمار" في نعش الإيجار القديم؟
يشهد ملف قانون الإيجار القديم في مصر تطورًا حاسمًا في الوقت الحالي، حيث أصدرت المحكمة الدستورية العليا في حكم تاريخي قرارًا يثير جدلًا واسعًا، يقضي بعدم دستورية ثبات الأجرة السنوية للمساكن التي تم تأجيرها بموجب قانون الإيجار القديم رقم 136 لسنة 1981.
ويعد هذا القرار نقطة تحول هامة بعد 43 عامًا من تطبيق هذا القانون دون تعديل يذكر على بعض بنوده الأساسية، خاصة فيما يتعلق بتحديد الأجرة السنوية بشكل ثابت منذ بدء العمل بالقانون وهو ما يطرح تساؤل هل دق هذا القرار الجديد "أول مسمار" في نعش الإيجار القديم؟
النشأة التاريخية لقانون الإيجار القديم
وشهدت قضية قانون الإيجار القديم في مصر تاريخًا طويلًا من النزاع بين كلًا من المالك والمستأجر للوصول إلى حل يرضي الطرفين، ويحقق مصلحتهما.
إذ أنه منذ إصداره في خمسينيات القرن الماضي، أثار هذا القانون العديد من الخلافات والتحديات بين الطرفين، وظل محل جدل مستمر بسبب تفاوت مصالحهما، وعلى مر العقود، توالت مطالبات بضرورة تعديل هذا القانون، خاصة في ظل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها البلاد.
وبدأت قصة قانون الإيجار القديم في مصر في خمسينيات القرن الماضي، وبالتحديد في عام 1952، بعد ثورة يوليو، حيث كانت الحكومة تسعى إلى توفير حماية للمستأجرين في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي خلفتها الحرب العالمية الثانية، وتدهور مستوى المعيشة.
وفي عام 1954، تم إصدار "قانون الإيجارات المؤقتة" الذي حدد قيمة الإيجار في معظم الحالات، حيث لم تكن هناك زيادات تواكب الارتفاع الكبير في أسعار العقارات، كما تم النص على أن المستأجر يحق له البقاء في الوحدة السكنية طوال حياته، ويمكن توريث العقد للورثة بعد وفاته.
وكان الهدف من هذا التشريع هو ضمان استقرار الأسر في وقت كانت فيه الدولة تعاني من محدودية الموارد، وكان من الضروري حماية المواطنين من الغلاء الفاحش في أسعار الإيجارات، وبالتدريج بدأ هذا النظام يستمر لعقود طويلة، مما أدى إلى تراكم مشكلات في العلاقة بين الملاك والمستأجرين.
التعديلات والمطالبات بتعديل القانون
ومنذ السبعينيات، بدأ الوضع يتغير بشكل تدريجي، حيث بدأت تظهر مشاكل كبيرة بسبب اختلاف الأجور القديمة مع أسعار السوق العقاري المتصاعدة، إذ أنه مع ارتفاع أسعار الأراضي والمواد الإنشائية، أصبح من الواضح أن الأجور المنصوص عليها في عقود الإيجار القديم لا تعكس القيمة الحقيقية للممتلكات، وعليه، طالب العديد من الملاك بتعديل القانون لزيادة الإيجارات بما يتناسب مع قيم العقارات الفعلية.
وعلى الرغم من هذه المطالبات، كانت الحكومة مترددة في اتخاذ خطوات ملموسة نحو تعديل القانون خوفًا من تأجيج الاحتجاجات الاجتماعية، خاصة في ظل عدم وجود حلول واضحة لحماية المستأجرين من الزيادات الجائرة. ومع مرور الوقت، تزايدت الضغوط على المشرعين لإيجاد حلول منصفة تضمن العدالة بين الملاك والمستأجرين.
الخلافات المستمرة حول قانون الإيجار القديم
في العقد الأول من الألفية الجديدة، تصاعدت المطالبات بتعديل قانون الإيجار القديم، خاصة بعد الارتفاع الكبير في أسعار العقارات والإيجارات.
وفي عام 2000، أجرت الحكومة بعض التعديلات الجزئية التي شملت الإيجارات التجارية، لكن لم يكن هناك تعديل جوهري يعالج الوضع السكني، وهو ما ظل يشكل حجر عثرة في العلاقة بين الملاك والمستأجرين، فقد كانت بعض الوحدات السكنية المؤجرة بمبالغ رمزية مقارنة بالقيمة السوقية للوحدات نفسها.
إحدى القضايا الرئيسية التي أثارت الجدل هي مسألة توريث عقود الإيجار، حيث يحق للمستأجر توريث العقد للورثة، وهو ما جعل هناك آلاف الوحدات السكنية مغلقة أو غير مستغلة، في وقت كان السوق العقاري يعاني من نقص كبير في الوحدات المعروضة للإيجار.
ورغم أن بعض التعديلات تم إجراؤها في عام 2014، مثل تعديل القوانين المتعلقة بالإيجار التجاري، إلا أن ذلك لم يحل المشكلة الجذرية المتعلقة بالإيجار السكني.
التعديلات المقترحة والمناقشات في مجلس النواب
أثارت قضية الإيجار القديم مجددًا النقاشات في مجلس النواب المصري مع بداية الدورة التشريعية في عام 2024، وتم طرح مشروعات قوانين جديدة تهدف إلى تعديل هذا القانون بشكل جذري، وهو ما يراه البعض ضرورة ملحة لضبط العلاقة بين الملاك والمستأجرين.
أهم النقاط المطروحة لتعديل القانون:
إلغاء توريث عقود الإيجار: يعتبر هذا الموضوع من القضايا المثيرة للجدل، حيث يطالب الملاك بإلغاء حق الورثة في توريث عقود الإيجار. هذا الحق تسبب في وجود العديد من الوحدات المغلقة وغير المستغلة. كان البعض يطالب بتحديد فترات زمنية لحق الورثة في استمرار العقد.
زيادة تدريجية للإيجار: طرحت بعض المشروعات تعديلًا يقضي بزيادة تدريجية في قيمة الإيجار على فترات معينة، بحيث يتم تعديل الإيجار بما يتناسب مع أسعار السوق والعقارات دون التسبب في ضرر للمستأجرين، خاصة لأولئك الذين يعانون من ظروف اقتصادية صعبة.
تحفيز إخلاء الوحدات المغلقة: تم طرح فكرة فرض عقوبات على المستأجرين الذين لا يستخدمون الوحدات السكنية، بهدف إعادة هذه الوحدات إلى السوق العقاري.
ضمان حقوق المستأجرين: كما تم طرح بعض الحلول التي تضمن حقوق المستأجرين، مثل السماح لهم بالبقاء في الوحدات السكنية مقابل زيادة محدودة في الإيجار، مع توفير نظام حماية لمن هم في سن التقاعد أو أصحاب الدخل المحدود.
هل يشير القرار الجديد إلى حل الأزمة؟
وقد تمثل التعديلات المقترحة خطوة مهمة نحو حل الأزمة المستمرة منذ عقود، ولكن من غير المتوقع أن تكون الحلول المعروضة كافية لإرضاء جميع الأطراف بشكل كامل، فالمستأجرون يخشون من أن تؤدي التعديلات إلى رفع الإيجارات بشكل كبير، بينما يطالب الملاك بتحرير السوق العقاري وضمان حقوقهم في الحصول على إيجارات عادلة.
من الأرجح أن الحلول المقترحة لن تكون فورية، بل سيتم تنفيذها على مراحل بحيث يتم تعديل الإيجارات تدريجيًا على مدار السنوات القادمة، ومن المتوقع أن تساعد هذه التعديلات في توفير المزيد من الوحدات السكنية المغلقة في السوق، وتخفف الضغط على سوق الإيجارات، ولكن يجب أن يتم ذلك بحذر لتجنب التأثير السلبي على الطبقات الأكثر ضعفًا.