يسألونك عن الضفة الغربية!
لم تكن الضفة الغربية يومًا بحال أفضل، منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة فى أكتوبر الماضى.. فقد شهدت المنطقة اشتباكات متقطعة مع القوات الإسرائيلية، ومعها حملات اعتقالات كثيرة، فضلًا عن سياسة إسرائيل بقطع التمويل عن السلطة الفلسطينية، وهو ما أنذر باحتمال اندلاع انتفاضة ثالثة.. وعلى الرغم من اشتعال الضفة، ومخاوف إسرائيل منها، خصوصًا أنها لا تقل توترًا عن جبهة قطاع غزة والحرب مع حركة حماس، ولا عن الشمال والتصعيد مع حزب الله فى لبنان، إلا أن هناك ما كشف جديدًا عن أمرها.. إذ فضح تسجيل صوتى مُسرب جديد، خطة وزير المالية الإسرائيلى اليمينى المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، لتعزيز سيطرة تل أبيب على الضفة الغربية المحتلة، وإجهاض أى محاولة لأن تكون جزءًا من الدولة الفلسطينية... وهو ما بدا واضحًا فى خلو الخريطة التى عرضها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال مؤتمره عن قطاع غزة ومحور فيلادلفيا، من أى وجود للضفة.
جاء فى التسجيل ـ ومدته نصف ساعة تقريبًا ـ سموتريتش وهو يقول، خلال لقاء مع مجموعة من المستوطنين يوم التاسع من يونيو الماضى، إن حكومة نتنياهو منخرطة فى خطة سرية لتغيير الطريقة التى تحكم بها الضفة الغربية، لتعزيز سيطرة إسرائيل عليها بشكل لا رجعة فيه، بدون اتهامها بضمها رسميًا.. وشدد الوزير فى كلامه، على أن الهدف الرئيسى للخطة، يكمن فى منع الضفة الغربية من أن تصبح جزءًا من الدولة الفلسطينية، وفقًا لصحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية.. وأضاف (أقول لكم إنه أمر درامى للغاية، مثل هذه التغييرات تشبه تغيير الحمض النووى للنظام).
كما ذكر سموتريتش، أنه وضع خطة واضحة لانتزاع السيطرة على الضفة الغربية بالتدريج من أيدى الجيش الإسرائيلي، وتسليمها إلى موظفين مدنيين يعملون تحت إمرته فى وزارة الدفاع، مؤكدًا أنه تم بالفعل نقل بعض السلطات إلى المدنيين.. وأعلن عن أنه أنشأ نظامًا مدنيًا منفصلًا، لكن الحكومة سمحت فى الوقت نفسه لوزارة الدفاع بأن تظل منخرطة فى العملية، حتى يبدو للعالم أن الجيش لا يزال فى قلب الحكم فى الضفة الغربية، وبهذه الطريقة سيكون من السهل ابتلاع الضفة دون أن يتهم أحد إسرائيل بضمها.
من المهم، قبل أن نسترسل، أن نشير إلى أن الضفة الغربية ـ التى يقطنها 2.8 مليون فلسطينى و670 ألف مستوطن إسرائيلى، تخضع للاحتلال العسكرى الإسرائيلى، فيما تمارس السلطة الفلسطينية، المُعترف بها دوليًا، حكمًا ذاتيًا محدودًا، وتعانى من تردى الوضع الاقتصادى على نحو متزايد، حيث فقد مئات الآلاف من العمال وظائفهم فى إسرائيل، ولم يتقاضَ موظفو القطاع العام أجورهم ولو بشكل جزئى منذ أشهر، إذ منعت السلطات الإسرائيلية العمال الفلسطينيين من الدخول إلى الضفة الغربية، منذ هجوم حركة حماس فى أكتوبر الماضى، كما احتجزت إسرائيل نحو ستة مليارات شيكل (1.61 مليار دولار) إجمالًا، من عائدات الضرائب التى تجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية، بموجب اتفاقيات السلام التى وقعت فى التسعينيات، ما فاقم الضغط المالى الكبير، الذى أدى إلى صعوبات متزايدة مع انحسار أموال المانحين.. وحتى قبل تفجر حرب غزة، أثار تصاعد العنف، مخاوف من اندلاع انتفاضة ثالثة على غرار الانتفاضتين السابقتين، فى ثمانينيات القرن الماضى وأوائل العقد الأول من القرن الحادى والعشرين.. وتشتبك السلطة الفلسطينية فى مواجهة مريرة منذ أشهر مع سموتريتش، المنتمى إلى اليمين المتطرف، والذى يرفض صرف عوائد الضرائب ويتهم السلطة الفلسطينية بدعم حماس المعادية لإسرائيل.. وفى حين يعارض سموتريتش، بشكل علنى، التخلى عن السيطرة على الضفة الغربية، فإن الموقف الرسمى للحكومة الإسرائيلية، هو أن وضع الضفة لا يزال مفتوحًا للمفاوضات بين القادة الفلسطينيين والإسرائيليين!!.
وكشف تقرير نشرته صحيفة (يديعوت أحرونوت) عن الأساليب التى يمارسها وزير المالية الإسرائيلى، بتسلئيل سموتريتش، فى الضفة الغربية لتكريس سياسة ضمها إلى إسرائيل.. إذ قال المحلل السياسى فى الصحيفة، ناحوم برنياع، إن سموتريتش الذى يتزعم (حزب الصهيونية الدينية)، يقود بذراع وزارة المالية، وفى الذراع الأخرى يمتلك صلاحيات فى وزارة الدفاع، من خلال توليه منصب وزير الشئون المدنية التابع لهذه الوزارة، وهو ما مكّنه من جعل دور الجيش فى الضفة الغربية بلا معنى، ويعمل على إسقاط السلطة الفلسطينية، وتجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم، إن (سموتريتش يسعى لإعطاء سبعة ملايين فلسطينى خيار الموت فى المعركة، أو تهجيرهم إلى الخارج، أو أن يصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية إلى الأبد.. فالمهمة العاجلة له، هى تفكيك السلطة الفلسطينية، وتجريد سكان الأراضى الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية من ممتلكاتهم، وخلق واقع على الأرض، يمنع أى احتمال للتقسيم الجغرافى فى أى اتفاق سلام).
الطرف الثانى لـ(مقص) اقتطاع الضفة الغربية من نسيجها الفلسطينى، هو السلطة التى يتمتع بها وزير الأمن الإسرائيلى، إيتمار بن جفير.. فشرطة الضفة الغربية تتصرف بروح بن جفير.. وهى تمتنع عن وقف العنف والإرهاب اليهودى ضد الفلسطينيين، بل إنه سلحهم ببنادق يعتدون بها على الأهالى، ويشعلون الحرائق فى ممتلكاتهم، على مرأى من الشرطة الإسرائيلية، وإذا تم اعتقال أحد المستوطنين، يتم إطلاق سراحه على الفور.. كما أنه لا يتردد فى التدخل وإصدار تعليمات لضباط الشرطة، تحول دون الحق الفلسطينى.. وهو بذلك، يلتقى مع سموتريتش، الذى رد على منتقدى سياسته، بالقول، فى منشور على منصة إكس، (مهمة حياتى هى بناء أرض إسرائيل، وإحباط إقامة دولة فلسطينية، من شأنها أن تعرض دولة إسرائيل للخطر.. إنها ليست سياسية.. إنه وطنى ووجودى.. لهذا السبب أخذت الأمر على عاتقى.. سأواصل العمل بكل قوتى حتى يتمتع نصف مليون مستوطن، موجودين فى الخطوط الأمامية وتحت النار، بحقوق كل مواطن فى إسرائيل، وإقامة حقائق على الأرض تمنع إقامة دولة إرهابية فلسطينية، والتي، لا سمح الله، ستكون قاعدة إيرانية متقدمة، لشن المجزرة القادمة فى كفار سابا ورعنانا ووسط البلاد بأكمله).. وهو ما دفع برنياع إلى القول بأن ممارسات المستوطنين ورعايتها من قبل بن جفير وسموتريتش، لن تؤدى فقط إلى ردود أفعال فلسطينية عنيفة، ولكنها ستعزز أيضًا إدانة زعماء إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاي، (ما يحدث فى الضفة الغربية لا يبقى فى الضفة الغربية).
●●●
وظّفت حكومات إسرائيل المتعاقبة اتفاقية أوسلو، من أجل توسيع المشروع الاستيطانى فى الضفة الغربية والقدس الشرقية، وفرض وقائع على الأرض تحول دون تطبيق حل الدولتين، عبر الوصول إلى (خطة الحسم)، بفرض سيادة الاحتلال على الأراضى الفلسطينية المحتلة عام 1967 وضمها لنفوذ إسرائيل، إذ تعتمد الخطة على عناصر أساسية، هى: التهجير، والاستيطان، و(الحفاظ على أرض إسرائيل كاملة).. وأجمعت قراءات بعض المحللين، على أن إجراءات وسياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تناغمت فيما بينها، فى كل ما يتعلق بالتحلل التدريجى من اتفاقية أوسلو وتفريغها من مضمونها، وعدم الالتزام بملاحقها، إلا بما يتناسب مع المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية.. وهناك من المحللين من يعتقد أن اتفاقية الخليل المُعقدة والشائكة ـ التى وقعت فى 15 يناير 1997، وقسّمت المدينة إلى منطقتين، الأولى تشكل 80% من المساحة الكلية لمدينة الخليل وتخضع للسيطرة الفلسطينية، والمنطقة الثانية، وتشكل 20% من مساحة الخليل بقيت تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية، وتشمل البلدة القديمة والمسجد الإبراهيمى كانت بمثابة المسمار الأخير ـ من وجهة نظر رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ومعسكر اليمين ـ فى اتفاقية أوسلو، التى يعتبرها الإسرائيليون كارثية.
ووفقًا لقراءات المحللين وتقديرات مراكز الأبحاث فى تل أبيب، فإن حكومات إسرائيل أبقت على اتفاقية أوسلو عالقة، منذ اندلاع الانتفاضة الثانية عام ألفين، وفى المقابل، اعتمدت إجراءات مختلفة وفرضت وقائع على الأرض، تحول دون إقامة دولة فلسطينية بالضفة الغربية ضمن حدود الرابع من يوينو 1967.. رافق هذه الإجراءات من قِبل مختلف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وفق المحلل السياسي، عكيفا إلدار، حملة منظمة لشيطنة اتفاقية أوسلو فى أوساط المجتمع الإسرائيلى، الذى تعززت لديه القناعة بأن هذه الاتفاقيات كارثية، وأسوأ ما جلبه اليسار الصهيونى على اليهود، وهو ما بات خطابًا رائجًا لمعسكر اليمين، الذى ما زال يروج أن اتفاقية أوسلو بديل أثبت فشله.. ويضيف إلدار، أن (حكومات إسرائيل المتعاقبة، منذ أيام حكومة نتنياهو الأولى حتى حكومته الحالية، منعت أى إجراءات، وتعمدت عرقلة وإحباط أى خطوات، من شأنها المضى قدمًا نحو تطبيق اتفاقية أوسلو بحذافيرها، ونتنياهو الذى وقع على اتفاقية الخليل مع الراحل ياسر عرفات، اختار نسف الاتفاقية وترحيل الصراع).
وإزاء هذه الإجراءات والوقائع الميدانية، يعتقد إلدار أن اتفاقية أوسلو باتت كالمنجل العالقة فى حنجرة إسرائيل، إذ إن السياسات الإسرائيلية أفضت إلى إضعاف السلطة الفلسطينية وأوصلتها إلى شفا الانهيار.. وأمام حالة الضعف التى تعيشها السلطة الفلسطينية، بسبب سياسات حكومات إسرائيل والتصعيد، يقول المحلل السياسى ذاته، تحولت خطة الحسم التى وضعها رئيس (الصهيونية الدينية)، بتسلئيل سموتريتش، عام 2017، إلى برنامج عمل لحكومة نتنياهو فى 2023، من خلال الحرب على غزة واعتداءات المستوطنين بالضفة، والتى ترافق العمليات العسكرية للجيش.. لتأتى (خطة الحسم) هذه، تتويجًا لتوسيع المشروع الاستيطانى بالضفة، وتُعد القول الفصل فى كل ما يتعلق باتفاقية أوسلو، التى باتت فى عِداد الماضي، من وجهة نظر معسكر اليمين والنخب السياسية الإسرائيلية والأحزاب اليهودية من مختلف التيارات والمعسكرات، التى يغيب عن برامجها الانتخابية حل الدولتين.. إذ إنه عند التوقيع على اتفاقية أوسلو فى سبتمبر 1993، كان تعداد المستوطنين بالضفة مائة وخمسين ألفًا، واليوم وبعد واحد وثلاثين عامًا على توقيعها، الذى كان من المفروض أن يُنهى الصراع ويؤدى إلى إقامة دولة فلسطينية، يقترب تعدادهم من المليون، وهذا الواقع يحول دون تطبيق الاتفاقيات أو إقامة أى كيان مدنى للفلسطينيين.
ويتفق المتحدث باسم كتلة (السلام الآن)، آدم كلير، مع طرح المحلل السياسى إلدار، ويؤكد أن المشروع الاستيطانى وتوسعه المتدرج، كان سببًا أساسيًا فى نسف اتفاقية أوسلو من قِبل حكومات إسرائيل، التى فرضت وقائع على الأرض بالضفة والقدس الشرقية.. هذه الوقائع والإجراءات تلخصت فى توسيع المشروع الاستيطانى، الذى يضم الآن، ومنذ توقيع اتفاقية أوسلو، 146 مستوطنة و155 بؤرة استيطانية و60 مزرعة استيطانية فى الضفة والقدس الشرقية.. كان من المفترض أن تنتهى اتفاقية أوسلو، كما يقول كلير، (فى عام 1999، باتفاقية سلام بين إسرائيل ودولة فلسطينية ذات سيادة.. إذ نصت الاتفاقية، على أن القضايا الأساسية المتعلقة بالمستوطنات والقدس والحدود سيتم تحديدها فى المفاوضات، لكنها منعت إنشاء مستوطنات جديدة أو تغيير الواقع على الأرض).. وفى الممارسة العملية، ورغم المحظورات، (ازدهر المشروع الاستيطانى.. ويعود الفضل بشكل رئيسى إلى خمسة عوامل مختلفة: توسيع المستوطنات القائمة، وإنشاء مئات البؤر الاستيطانية، ومزارع الرعى، وبناء آلاف الكيلو مترات من الطرق الالتفافية، وجذب اليهود الحريديم إلى المستوطنات، وإنشاء المستوطنات داخل الأحياء الفلسطينية فى القدس الشرقية).
●●●
فى قراءة للسياسات التى اعتمدتها حكومات إسرائيل لتفريغ اتفاقية أوسلو من مضمونها، قال الصحفى الإسرائيلى المختص فى الشئون العربية والفلسطينية، يوآف شطيرن، إن تل أبيب اعتمدت نهج الازدواجية فى المعايير، فى كل ما يتعلق بتطبيق الاتفاقيات، أو التحلل من بنودها وملاحقها، بما يتلاءم ومصالحها الاستراتيجية.. وأن ما مكّن حكومات إسرائيل من المضى قُدمًا فى تفريغ اتفاقية أوسلو من مضمونها، هو انعدام وجود البدائل، إذ لم يطرح أى تيار سياسى إسرائيلى أى بديل عملى قابل للتطبيق على أرض الواقع، من أجل إنهاء وتسوية الصراع مع الفلسطينيين.. فقد ارتكز جوهر اتفاقية أوسلو، على مبدأ التعاون والتنسيق والثقة المتبادلة بين الجانبين، وهو المبدأ الذى بقى رائجًا لسنوات طويلة.. الأمر الذى عكس ازدواجية المعايير من الجانب الإسرائيلى، الذى تمسك بالتفاهمات الأولية التى تنص على التعاون والتنسيق، وتحلل من جميع المراحل والإجراءات والخطوات لتطبيق الاتفاق، ما ساهم فى تراجع الرؤية المتعلقة بالثقة المتبادلة.
لقد اعتمدت الحكومات الإسرائيلية العديد من الإجراءات، من أجل إضعاف السلطة الفلسطينية، مع الإبقاء عليها فى سياق التنسيق الأمنى، مقابل توسيع المشروع الاستيطانى، وتأسيس دولة المستوطنين فى الضفة على حساب الفلسطينيين.. حتى الإجراءات التى قامت بها حكومة إسرائيل، والمُشتقة من جوهر اتفاقية أوسلو، مثل إعادة الانسحاب من قطاع غزة أو إخلاء المستوطنات من شمالى الضفة، هى إجراءات أحادية الجانب، ولم تُنسق مع السلطة الفلسطينية ونُفذت فى حينها لمصالح إسرائيلية.. وهنا، أفضت سياسات حكومات إسرائيل، وتعمدها تفريغ اتفاقية أوسلو من مضمونها، إلى حالة عدم الاستقرار واحتدام الصراع.. ولذا، توقع الكاتب الإسرائيلى، أن تكون المرحلة المقبلة دموية أكثر، قائلًا (لم نصل إلى القاع بكل ما يتعلق بانعدام الاستقرار، وسنشهد المزيد من سفك الدماء، خصوصًا أن إسرائيل ليست لديها بدائل للتسوية، وستواصل تنفيذ السياسات ذاتها، ما لم تُفرض عليها الحلول من جهات إقليمية ودولية).
لم تكن الظروف ملائمة لسموتريتش لتطبيق خطته، مثل ما نراه اليوم لتنفيذها، ولا سيما مع الحرب على غزة والصمت الدولى، والتواطؤ الإعلامى، وتنامى اليمين، والحالة الفلسطينية.. كل هذه العوامل جعلت تطبيق الخطة مُدرجًا على جدول الأعمال، وهو أمر خطير، لأنها تنفى وجود الفلسطينيين، وإذا وُجِدوا سيكونون دون حقوق، لا سياسية ولا اجتماعية ولا جماعية ولا أى نوع.. فسموتريتش، من موقعه فى حكومة اليمين الإسرائيلية كوزير للمالية، وموقع حزبه الذى يقود أيضًا وزارة الأمن القومى عبر الوزير إيتمار بن جفير ووزارة الاستيطان، يحاول تنفيذ الخطة، وجعلها أمرًا واقعًا.
ويرى الدكتور أشرف بدر، فى ورقة علمية نشرها بخصوص (خطة الحسم)، أن هناك ثلاثة احتمالات تحكم الخطة، وهي: النجاح الكامل أو الفشل أو النجاح الجزئى، مشيرًا إلى أن سموتريتش، بعد الفشل بالتهجير الطوعى أو الهادئ (إغراء الفلسطينيين بالهجرة)، لم يبقَ أمامه لإنجاز خطته سوى تنفيذ التهجير القسرى.. ولتحقيق هذا السيناريو لا بد من حدث كبير كحرب إقليمية.. وكما قلنا، فإن (خطة الحسم) تعتمد على عناصر أساسية، هى التهجير، والاستيطان، والحفاظ على أرض إسرائيل كاملة.. فيما يتعلق بالاستيطان؛ تكمن مشكلة سموتريتش، فى ضعف دافعية الجيل الناشئ فى إسرائيل نحو الاستيطان خارج منطقة المركز، أى تل أبيب وضواحيها؛ إذ إن نحو 50% من الإسرائيليين يسكنون بالمركز، ويتوزع الباقى على المدن الرئيسية.. وقد سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لتوفير حوافز أمام الجيل الناشئ بهدف الانتقال إلى الأطراف والضواحى، لكن معظم هذه الجهود لم تحقق غايتها، وعلى ذلك، يمكن القياس بالنسبة إلى الاستيطان فى مناطق الضفة الغربية.. فعلى الرغم من الحوافز الاقتصادية للمستوطنين، المتمثلة فى تقديم تسهيلات مالية، ومساعدات لمن يرغب بالاستيطان فى مناطق 1967، فإن الاستيطان فى هذه المناطق أصبح شبه مقتصر على منتسبى التيار الدينى القومى، الذين يملكون الدافعية الأيديولوجية للاستيطان، وما لم تحصل موجة هجرة يهودية جديدة من خارج فلسطين، فمن غير المتوقع أن يستطيع سموتريتش تنفيذ طموحه بـ(الحسم الاستيطانى)، وزيادة عدد المستوطنين فى منطقة الضفة الغربية ليشكلوا أغلبية سكانية.
ويتوقع الدكتور بدر أن ينجح سموتريتش فى هدفه المتمثل بالحفاظ على (أرض إسرائيل الكاملة)؛ فالأحزاب الإسرائيلية، فيما عدا ميرتس، تدور حول برنامج اليمين، بعدم جدوى المفاوضات مع الفلسطينيين، وأن التنازل عن أى جزء من الأرض سيضر بأمن إسرائيل.. ونتيجة لوجود ما يشبه الإجماع بين الأحزاب الإسرائيلية، على عدم الانسحاب من مناطق 1967، من المتوقع أن ينجح سموتريتش فى مسعاه.. لكن الباحث يُرجح أن يفشل سموتريتش فى تنفيذ كامل خطته لاعتبارات ذاتية وموضوعية، وخصوصًا فيما يتعلق بالتهجير الطوعى، وما يسميه سموتريتش بـ(الحسم الأمنى).
●●●
إن العلاقة وثيقة بين الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس فى قطاع غزة، والعملية العسكرية الواسعة التى أطلقها الجيش الإسرائيلى فى الضفة الغربية.. إنها محاولة إسرائيلية مستميتة لاستغلال الضوء الأخضر الأمريكى فى غزة.. وبالتزامن مع الحرب المتواصلة منذ أكثر من عام فى غزة، أطلق الجيش الإسرائيلى عملية عسكرية شمالى الضفة الغربية، هى الأعنف منذ الاجتياح الكبير لمدينة جنين عام 2002، أو كما بقول المحلل السياسى هاشم محاميد، إن (العمليات العسكرية الإسرائيلية بالضفة وغزة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا، وتأتى فى سياق المحاولات المستمرة لتدمير مختلف المناطق الفلسطينية)، مُرجحًا أن تتوسع العملية العسكرية بالضفة خلال الأيام المقبلة، لأن (إسرائيل تعمل على تنفيذ مخططات عسكرية وأمنية خطيرة، تستخدم قوة مدمرة بعملياتها فى الضفة وغزة، وتعمل على إعادة إنتاج الاحتلال بشكل يقبله المجتمع الدولى، تحت حجج السلامة الأمنية ومنع تكرار أحداث أكتوبر).
ويأتى ذلك فى إطار سعى رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، لضمان مستقبله السياسى، والحيلولة دون انهيار ائتلافه الحكومى، وذلك لن يتم من دون استمرار حالة الحرب التى تعيشها إسرائيل منذ أشهر.. وتعمل المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، فى الوقت الراهن، على إنهاء القدرات العسكرية للفصائل المسلحة، بما يضمن لها أطول مدة هدوء على جبهتى الضفة وغزة.. فالعمليات العسكرية الإسرائيلية فى غزة، والدعم الأمريكى غير المسبوق لها، شجعت إسرائيل على تطبيق النموذج ذاته بالضفة الغربية، إذ يعمل الجيش الإسرائيلى، بالدرجة الأولى، على تدمير الحياة الفلسطينية، سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، ما سيؤدى إلى إشغال الفلسطينيين بالأمور اليومية لحياتهم، بعيدًا عن المطالبات السياسية على الساحة الدولية.. وستواصل إسرائيل عملياتها العسكرية بالضفة لتشمل مختلف المدن، خصوصًا الشمالية منها؛ بهدف تدمير القدرات العسكرية التى طورتها حماس والفصائل المسلحة بتلك المناطق، وتدمير مختلف المناطق، متذرعة بالتزام المجتمع الدولى بأمن إسرائيل، ورفضها الواسع لهجوم أكتوبر.
ستؤدى العمليات بالضفة الغربية إلى انهيار السلطة الفلسطينية، وستزيد حالة الانقسام بين الفلسطينيين، وهو الأمر الذى يصب فى مصلحة الأحزاب اليمينية الإسرائيلية.. وستكون هذه العمليات، سواءً بالضفة أم غزة، سببًا فى خلق واقع جديد بالمنطقة، سيكون فى إطار أهداف الأحزاب اليمينية الإسرائيلية، وهو الأمر الذى سيخلق حالة من التوتر الأمنى الخطر، وعندها، لا يمكن أن تشهد المنطقة هدوءًا من دون اتفاق سياسى.
■■ وبعد..
فى تحليل للوضع الداخلى الإسرائيلى، رأى كاتب فى صحيفة (يديعوت أحرونوت)، أن إسرائيل تسير نحو المجهول بدون استراتيجية واضحة، ووصف رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بالشخص الضعيف الذى لا يعرف كيف يتخذ القرارات، مؤكدًا أن هذا الوضع غير مقبول، خصوصًا فى الأوقات الحرجة.. وفى السياق الدبلوماسى، نقلت صحيفة (هآرتس)، أن إدارة الرئيس الأمريكى، جو بايدن، تقترب من وضع اللمسات الأخيرة على مقترح لوقف إطلاق النار فى غزة، يهدف إلى سد الفجوات بين إسرائيل وحركة حماس.. إلا أن الجميع متشائم بشأن فرص نجاحه، ولم يتحدد بعد موعد إعلانه، ونقلت الصحيفة عن دبلوماسى أجنبى مشارك فى صياغة المقترح قوله، (نحن لا نحرز أى تقدم)، ما يعكس صعوبة قرب الوصول إلى حل أو صفقة.. ويشير مقال بصحيفة (الجارديان) البريطانية، إلى أن التحرك البريطانى المحدود بحظر بعض تراخيص الأسلحة لتل أبيب، لن يكون كافيًا لكبح سياسات إسرائيل الإقليمية الأوسع نطاقًا، وسيطرتها على المناطق الفلسطينية.. إن منتقدى معسكر اليسار، ربما كانوا محقين فى القول، إن هذا الإجراء لن يكون كافيًا لوقف التصعيد الأوسع فى الضفة والقطاع، ويؤكد المقال على محدودية تأثير الإجراءات الدولية على سياسات إسرائيل.. وسيظل العالم يراوح مكانه، وستظل القضية بلا حل.. على الأقل، فى المدى المنظور.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.