عندما حل "عبد الناصر" الجماعة..
لماذا استأثرت جماعة الإخوان بتناول وتأريخ حادث المنشية؟
وقع في مثل هذا اليوم التاسع والعشرين من أكتوبر سنة 1954 قيام الرئيس المصري جمال عبد الناصر بحل جماعة الإخوان المسلمين إثر محاولة اغتيال فاشلة استهدفته فيما يعرف باسم حادث المنشية.
تلك الواقعة تناولها بالتحليل والرصد العديد من الكتب؛ وأن غلب عليها تأريخ المنتمين للجماعة الإرهابية وبعض المحسوبين على التيارات المتأسلمة دون غيرهم؛ وإستحواذهم على تقديم قراءة تاريخية مضللة للواقعة التي كان لها أثرها في تاريخنا الحديث والمعاصر؛ فى الوقت الذى تراجعت فيه المؤلفات التاريخية التي تناولت الحدث بموضوعية سوى كتاب وحيد للواء فؤاد علام صدر عن دار أخبار اليوم تحت عنوان " الإخوان وأنا من المنشية إلى المنصة".
فؤاد علام.. الوحيد الذى اشتبك تاريخيا مع حادث المنشية
ويقص اللواء فؤاد علام قصته في هذا الكتاب مع الإخوان المسلمين منذا كان صغيرا في قريته التابعة لمحافظة المنوفية إلى مدرسته الثانوية ثم الجامعة وباقي رحلة حياته التي لازمه فيها مراقبة الاخوان ونشاطهم. يحكي لنا جزء طويل من تاريخه وتاريخ مصر الحافل منذ الاربعينات؛ حيث شاء له القدر أن يمضي أكثر من ربع قرن بجهاز مباحث أمن الدولة، وارتبط اسمه بالإخوان المسلمين، فقد ظل مراقبًا لنشاطهم ومتابعًا لهم في الداخل والخارج، ومكلفًا بالأدوار الرئيسية فيها، بحيث لا يكاد يخلو كتاب يغطي هذه القضية من إشارة للواء فؤاد علام، وقد أطلق عليه المرشد العام للإخوان المسلمين عمر التلمساني لقب "أمير الدهاء" وقال له: أنت عدو للإخوان أن يصلوا للحكم، ستكون أول وزير داخلية في عصرهم.. وتكشف هذه المذكرات العديد من الأسرار حول الشخصيات الشهيرة ومواقفها، كما تكشف أسرارًا خطيرة حول قضية اغتيال الرئيس أنور السادات، وعن تشكيلات الجماعات الإسلامية المحلية والعالمية، إنها شهادة هامة من ماضي مصر وحاضرها ومستقبلها.
استئثار الجماعة بتأريخ حادثة المنشية
بالنظر إلى المؤلفات التي رصدت حادثة المنشية وقيام الرئيس جمال عبد الناصر بحل وحظر الجماعة للمرة الثانية وأعتقال أعضائها وأنصارها وحرق مقرها بالحلمية، كما تمت محاكمة والحكم بإعدام عددا منهم منهم المرشد العام حسن الهضيبي والشيخ محمد فرغلي والقاضي عبد القادر عودة والفريق عبد المنعم عبد الرؤوف وغيرهم، رغم نفي الجماعة لذلك؛ وهو ما أستغله بعض أعضاء الجماعة فى توثيق روايتهم المزيفة حيال تلك الواقعة وهو ما برز في عدد من مؤلفاتهم مثل كتاب عضو الجماعة عباس حسن السيسي الذى صدر له كتاب وحيد بعنوان " جمال عبدالناصر وحادث المنشية باسكندرية" فى عام 1987؛ والذى شكك في الرواية الرسمية التي وثقت تلك الواقعة حيث يقول:" ولا يزال هذا الحادث الغامض نقطة مثيرة للجدل لكل من يحاول قراءة هذه الفترة بموضوعية، فالبعض مقتنع بأنه كان حقيقة ويصدق الرواية الرسمية في حين يشكك فيها البعض الآخر ويرى انها مسرحية مدبرة ويسوق الادلة والبراهين على ذلك".
الدكتور«زكريا سليمان بيومى»، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية التربية بالمنصورة له كتاب عن حادثة المنشية بعنوان " الإخوان المسلمون بين عبد الناصر والسادات من المنشية إلى المنصة 1952-1981" والذى قدم وصفًا للكتاب شكك فيه بمن وصفهم بـ"كـُتاب السلطة في تناول الأحداث التي امتلآت بها الفترة في محاولات لم تخل من الزيف"؛ حيث قال:" تبارى كثير ممن يطلق عليهم- في كل عصر- كتاب السلطة في تناول الأحداث التي امتلآت بها الفترة في محاولات لم تخل من الزيف، الأمر الذي جعل كثيرًا من المؤرخين- وأغلبهم قد عاصر هذه الأحداث- يرون ضرورة تناول هذه الأحداث- مشاركين كتاب العلوم السياسية- حتى ولو لم تكن كافة الوثائق عن الفترة قد ظهرت بعد وهو أمر يفرض الكثير من الحيطة والحذر، وحتى تترك كافة الكتابات عن هذه الفترة أمام جيل قادم فيمكن إعادة تقويمها بدلًا من أن تظل بزيفها فتحكم حكمًا متجنيًا على الفترة برمتها.
ولعلي أذكر هنا ان سمنار كلية البنات جامعة عين شمس الذي يجمع في حلقاته نخبة من أقدم واقدر أساتذة التاريخ 1987/86 لمناقشة هذه القضية ووصل إلى هذه النتيجة مما شجعني على هذا البحث، ولهذا فانني أدين لهذا الحشد من الأساتذة بفضل التشجيع على هذه الدراسة التي كنت أفكر في انجازها كي أستكمل بها بحثًا سابقًا عن التيار الإسلامي في الفترة من 1928-1948 حصلت به على درجة الدكتوراه سنة 1978.
وإذا كنت قد حددت حادث المنشية الذي قمة التصادم بين الرئيس عبد الناصر والتيار الإسلامي ممثلًا في جماعة الإخوان المسلمين بداية لهذا البحث، وحادث المنصة الذي توج علاقة التصادم بين هذا التيار وبين الرئيس السادات وأودى بحياته كنهاية لهذا البحث، فان هناك تشابهًا بين الحادثين، فقد استقر في وجدان أتباع التيار الإسلامي من أتباع الفكر الشمولي أنهم لا يستطيعون تحقيق أهدافهم إلا بالحكومة الإسلامية وهو أمر يتطلب أعداد قوة عسكرية، ودفعهم هذا الى تكوين ما يسمى بالميليشيات الإسلامية، كما أنها تعتمد على فكرة القائد والطاعة او نظام الحكم الفردي، وهو يطابق نفس نظام الحكومة العسكرية التي قامت بعد ثورة سنة 1952، لذلك فانه قد اصبح من المستحيل ان يجمع بينهما نظام سياسي واحد، وبالتالي أصبح من الضروري أن يفسح أحدهما المجال للآخر بعد ان اصبح الصدام أمرًا حتميًا، من هنا فان حادثي المنشية والمنصة ضرورة تفرضها ظروف العلاقة بين تيارين متشابهين في التنظيم والتكتيك وتحتم أن يدبر اي منهما للآخر الأحداث التي تتيح له فرصة الإنفراد بالحكم، فان لم تكن المنشية فلابد من منشية، وان لم تكن المنصة فلابد من التدبير لمنصة أخرى، وهي أحداث أسهمت وما زالت تسهم - مع غيرها- في التعبير عن أزمة الشرعية السياسية".
كما تناول د. محمد عباس الحادثة في كتاب صدر له بعنوان " مجزرة الإسكندرية: هل هي كحادث المنشية مقدمة لسحق الإسلام؟!"؛ قدم فيه معالجة دينية للحادثة السياسية بمنهجية مزيفة لا تمت لتاريخ الجماعة الإرهابية بصلة أو بحاضرها أو حتي بمستقبلها.