فى انتظار "كن"
كما قال الأديب والروائى نجيب محفوظ «سأعيش على أمل أن كل شىء سيصبح جميلًا ما دام لنا رب يقول كن فيكون»، ما أجمل هذه العبارة، وما أعمق دلالاتها، إنها المفتاح السحرى الذى يفتح الأبواب المغلقة، الجملة التى تقلب الموازين وتعيد تشكيل الواقع.
عندما يقف الإنسان أمام صعوبات الحياة، قد يشعر بالضعف، بالعجز، أو حتى باليأس أحيانًا، لكن تذكُّر تلك القدرة الإلهية المطلقة يعيد ترتيب كل شىء من جديد، فمهما بدت الأمور معقدة، ومهما طال ليل المعاناة، يبقى هناك رجاء غير محدود فى قدرة الله، الذى يستطيع أن يبدّل الحال فى لحظة واحدة، بكلمة واحدة: «كن».
الأمل ليس مجرد شعور أو حالة نفسية عابرة، بل هو فعل إيمانى عميق، يرتبط بفهمنا لحقيقة الوجود وإيماننا بالخالق، إننا نؤمن بأن الله لا يترك عباده، وأنه قريب مجيب الدعاء، وأنه يختار لنا الأفضل حتى وإن لم نفهمه فى لحظتنا الراهنة، فى هذه الثقة تتجلى قوة الأمل، كيف لا ونحن نؤمن برب قادر، لا يعجزه شىء فى الأرض ولا فى السماء؟
إننى أعيش على أمل أن كل شىء سيصبح جميلًا، ليس لأن الحياة خالية من الألم أو المشاكل، بل لأننى أعلم أن خلف كل محنة هناك حكمة، وخلف كل اختبار هناك درس، وأن الأيام الصعبة ليست إلا جسرًا يعبر بنا إلى أيام أفضل، قد تكون الرحلة طويلة وشاقة، ولكننى أؤمن بأن النهاية ستكون مشرقة، لأن فى النهاية هناك الله، الذى يكتب أجمل القصص.
الأمل، إذن، ليس هروبًا من الواقع، ولا تجاهلًا للألم، بل هو مواجهة للحياة بقوة الإيمان، إنه القدرة على رؤية النور فى أحلك اللحظات، والتمسك بالخير حتى عندما يختفى عن الأنظار.
ربما تعترضنا فى الطريق صعاب كثيرة، وربما نقف فى منتصف الطريق متعبين، لكننا لا نتوقف، لأن هناك دائمًا قوة تدفعنا للأمام، تلك القوة هى الأمل، وهو ما يجعلنا ننتظر الغد بثقة، رغم كل ما قد يحمله الحاضر.
عندما ننظر إلى السماء فى لحظات الألم، نرفع أعيننا ونهمس «يا رب»، فإننا نرفع قلوبنا أيضًا محملة بالأمل، نعلم أن هناك من يسمعنا، وأنه سبحانه لن يتركنا وحدنا فى هذا الطريق الوعر، نعم، سأعيش على أمل أن كل شىء سيصبح جميلًا، لأننى أؤمن بأن هناك رحمة لا حدود لها تحيط بنا، وأن تلك اللحظات الصعبة ما هى إلا فصل فى قصة حياتنا، وسرعان ما ستتبدل الأحوال وتبتسم لنا الأيام.
وربما يكون الأمل هو ما يجعل الإنسان قادرًا على التحمل، على الاستمرار رغم كل شىء، عندما نقول لأنفسنا إن كل شىء سيصبح جميلًا، فإننا نغرس فى قلوبنا بذور الصبر والثبات، نحن نعلم أن الطريق قد يكون طويلًا، وأن الحلول قد لا تأتى فورًا، لكننا نؤمن بأن النهاية ستكون كما نريد أو ربما أفضل مما نريد، كيف لا؟ والله قد وعد، والله إذا وعد لا يخلف.
إننى أعيش على أمل أن الغد سيحمل لنا أخبارًا طيبة، وأيامًا جميلة، وأن تلك الأحلام الصغيرة التى نحملها فى قلوبنا ستزهر يومًا ما، قد يتأخر الفرج، لكننى أؤمن بأنه قادم، قد تكون الأبواب الآن مغلقة، لكن هناك بابًا واسعًا فى السماء، يُفتح حين تُغلق الأبواب الأخرى، وما دام لنا رب يقول للشىء «كن فيكون»، فإننا لسنا فى حاجة للخوف أو القلق، لأنه فى النهاية هناك يد إلهية تدبر كل شىء بحكمة ورحمة.
الحياة، إذن، ليست سوى رحلة مليئة بالتجارب، والاختبارات، والفصول المتعددة، ولكن فى كل فصل من فصولها، يبقى الأمل هو النجم اللامع الذى يقودنا نحو الوجهة الصحيحة، حينما نتمسك بهذا النجم، نعلم أن كل يوم هو خطوة نحو الأجمل، وأن كل تحدٍّ نواجهه هو فرصة للتقرب أكثر إلى الله، ولتعزيز إيماننا بقدرته المطلقة.
إننى أعيش على أمل أن كل شىء سيصبح جميلًا، لأننى أؤمن بأن الله يُدبر الأمر كما يجب، وأنه حين نثق به، فإن كل شىء سيتحول إلى خير.
ربما تتألم الآن، وربما تسقط الدموع من عينيك، لكن تذكر دائمًا أن هناك يومًا قادمًا، يومًا سيصبح فيه كل ما كان صعبًا ماضيًا نبتسم عليه، يومًا نقول فيه «الحمد لله» وقد تحقق كل ما كنا نأمله.
هذا هو الأمل الذى أعيش به، أملٌ يتجذر فى الإيمان بأن الله هو من بيده الأمر، وأنه إذا أراد شيئًا، فإنه يقول له «كن فيكون».