"مصر والبريكس- BRICS ": تحدي هيمنة الدولار وصناعة مستقبل اقتصادي متعدد الأقطاب
تشارك مصر في قمة مجموعة البريكس (BRICS) المقرر انعقادها في مدينة قازان الروسية الأربعاء 23 أكتوبر 2024.
وتأتي هذه المشاركة في وقت تواجه فيه منطقة الشرق الأوسط أزمات غير مسبوقة، تترافق مع تحديات سياسية واقتصادية داخلية وإقليمية.
وفي ظل مساعي قوى سياسية كبرى لتقليص الهيمنة الأمريكية، تسعى مجموعة البريكس (BRICS) لتقويض النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، إذ يبدو المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط أكثر تعقيدًا؛ بسبب الحروب والصراعات القائمة، خاصة مع تصاعد التوتر بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية وحزب الله، وتورط إيران في الصراع بشكل متزايد.
وفي هذا التقرير، نستعرض تأثير هذه التطورات على العلاقات الروسية-الأمريكية، وأثرها على منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى سيناريوهات التعامل مع الأزمات الراهنة وانعكاساتها على مصر ودول الجوار.
أولًا: البريكس وأهدافها الجيوسياسية في الشرق الأوسط
تشكيل مجموعة البريكس (BRICS): تأسست مجموعة البريكس رسميًا في عام 2009، وكانت تتألف في البداية من البرازيل وروسيا والهند والصين، وانضمت جنوب إفريقيا إلى المجموعة في عام 2010، في حين تضم المجموعة الآن 5 دول رئيسية وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وتهدف إلى خلق نظام عالمي متوازن يحد من الهيمنة الأمريكية ويعيد توزيع القوى الاقتصادية والجيوسياسية.
انضمام مصر إلى (BRICS): في أغسطس 2023، تم إعلان انضمام مصر رسميًا إلى مجموعة البريكس ضمن مجموعة من الدول الأخرى، مثل الأرجنتين وإثيوبيا والإمارات العربية المتحدة وإيران والمملكة العربية السعودية.
ومع انضمام مصر إلى المجموعة، تبلورت تطلعاتها لتعزيز دورها في السياسة العالمية، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد اضطرابات كبيرة.
مساعي (BRICS): تحاول مجموعة البريكس بناء شراكات جديدة بعيدًا عن تأثير الولايات المتحدة، لكن تعقيد الصراع الحالي، مع اشتعال حرب إسرائيل مع الفصائل الفلسطينية ثم تصعيد الصراع نحو حزب الله في لبنان والتوترات الإيرانية الإسرائيلية، يضع البريكس في موقف حساس.
ثانيًا: أهداف مجموعة البريكس من مواجهة هيمنة الدولار الأمريكي
مجموعة البريكس (BRICS)، تسعى بشكل رئيسي إلى تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي في التجارة الدولية والتمويل.
الأسباب الرئيسية لهذا الهدف تتعلق بـ:
- إن الهيمنة الكبيرة للدولار الأمريكي تمنح الولايات المتحدة قوة اقتصادية وسياسية غير متناسبة من خلال قدرتها على فرض عقوبات اقتصادية وضبط حركة رأس المال، وبالتالي، تسعى دول البريكس إلى تنويع النظام المالي الدولي بخلق نظام مالي متعدد الأقطاب يحد من هذه الهيمنة.
- إن تعزيز العملات المحلية هو هدف أساسي لـ"لبريكس" من خلال استخدام العملات المحلية في التجارة البينية بين الدول الأعضاء، تستطيع الدول تعزيز استقرارها الاقتصادي وتحسين مرونة اقتصاداتها ضد تقلبات سعر الصرف العالمية.
- كما يعد مواجهة التحديات الجيوسياسية، هدف خاص بالنسبة لروسيا والصين، حيث تزايد التوترات مع الغرب، فإن التخلص من هيمنة الدولار يساعد في تقليل تأثير العقوبات الاقتصادية المفروضة عليهما.
- وتسعي دول "البريكس" إلي إصلاح المؤسسات المالية العالمية، وإلى تغيير هيكل النظام المالي الدولي الذي تسيطر عليه مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، عبر إنشاء مؤسسات موازية مثل البنك الجديد للتنمية، الذي يدعم مشروعات التنمية في الدول النامية.
العائد على مصر كعضو جديد في مجموعة البريكس (BRICS)
إن انضمام مصر إلى مجموعة البريكس كعضو جديد يمكن أن يعود عليها بعدة فوائد اقتصادية واستراتيجية، منها:
- إن انضمام مصر لـ (BRICS) يعزز علاقاتها الاقتصادية والتجارية، ويفتح الباب أمام فرص جديدة لزيادة الصادرات المصرية إلى دول المجموعة، لا سيما في القطاعات الحيوية مثل الطاقة، والزراعة، والصناعة، والسياحة. ذلك يُمكن أن يساهم في تقليل عجز الميزان التجاري.
- وقد تستفيد مصر في تمويل المشاريع التنموية، وذلك من خلال البنك الجديد للتنمية الذي تديره دول البريكس، للحصول على تمويل لمشاريع البنية التحتية والطاقة، بشروط تمويل أقل تكلفة من المؤسسات الغربية التقليدية.
- ويعزز انضمام مصر إلى (BRICS) من تنويع مصادر التمويل والاستثمار، ويوفر لها الفرصة لتوسيع نطاق الاستثمارات الأجنبية المباشرة من أعضاء المجموعة، مثل الصين والهند، اللتين لديهما استثمارات كبيرة في إفريقيا والشرق الأوسط.
- كما يعزز انضمام مصر لـ (BRICS) من القدرات الاقتصادية والسياسية، نظرًا لكون مصر جزءًا من تكتل دولي كبير يعزز مكانتها الإقليمية والدولية، ويعطيها صوتًا أكبر في الساحة العالمية، ويمنحها فرصة للتأثير في سياسات المجموعة المتعلقة بالتجارة والتمويل.
- وواحدة من الفوائد المحتملة هي تسهيل استخدام العملات المحلية في التجارة بين مصر ودول البريكس، مما يمكن أن يخفف من الضغط على احتياطيات النقد الأجنبي لمصر، وخاصة فيما يتعلق بالدولار الأمريكي.
التحديات أمام مصر في (BRICS)
رغم الفوائد المحتملة، هناك تحديات يجب على مصر التعامل معها، مثل:
- التكيف مع نظام تجاري غير معتمد على الدولار، والتحول نحو استخدام العملات المحلية يتطلب تنسيقًا ماليًا معقدًا وتطوير أدوات مالية جديدة.
- المنافسة الاقتصادية داخل المجموعة، فهناك بعض الدول في(BRICS) قد تكون منافسة لمصر في أسواق معينة، مما يتطلب سياسة اقتصادية ذكية لتعظيم الفوائد وتجنب الأضرار.
ولكن إجمالًا يعد انضمام مصر إلى مجموعة البريكس(BRICS) فرصة كبيرة لتعزيز اقتصادها من خلال تنويع شراكاتها التجارية والمالية، والحد من تأثير هيمنة الدولار. وفي الوقت نفسه، يتطلب الأمر تبني استراتيجيات فعالة لضمان تحقيق أقصى فائدة من هذه العضوية وتجاوز التحديات المحتملة.