الصدفة تحقق حلم نتنياهو والسنوار!

مات يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسى لحماس، شهيدًا فى أرض المعركة بقطاع غزة، كما كان يتمنى.. مات مصادفة، وهو يقاوم فى اشتباك مباشر مع جنود الاحتلال، ولم يمت داخل نفق تحت الأرض، طالته قنابل طائرات إسرائيل بقنابل المائتى رطل، بعد معلومات استخبارية عن مكان تواجده.. مات وإسرائيل على أمل أن يُحدث استشهاده «تغييرًا يؤدى إلى واقع جديد فى غزة من دون حماس ومن دون سيطرة إيرانية»، كما يتمنى وزير الخارجية الإسرائيلى، بعد أن أعلن الجيش أنه تمكن من القضاء على شخصين من حركة حماس، فى اشتباك معهما خلال عملية عسكرية فى تل السلطان برفح، اتضح أن أحدهما هو زعيم حركة حماس فى غزة، يحيى السنوار، بعد أن طابقت تل أبيب الحمض النووى للسنوار مع الجثة التى حصلت عليها خلال القتال.. وكانت إسرائيل قد حصلت على الحمض النووى للسنوار خلال فترة اعتقاله فى السجون الإسرائيلية قبل إطلاق سراحه، وفقًا لصفقة تبادل للأسرى عام 2011 مع الجندى الإسرائيلى، جلعاد شاليط.
وكشف فيديو نشره الجيش الإسرائيلى، اللحظات الأخيرة قبل مقتل السنوار، حيث ظهر ملثمًا وهو يجلس على أريكة، ويحاول إسقاط كاميرا طائرة بدون طيار صغيرة، بعدما أصيب بجروح خطيرة، جراء قصف المنزل الذى كان يتواجد به بقذيفة دبابة، بعد ذلك أرسلت قوة مشاة إسرائيلية طائرة مسيرة لمحاولة معرفة من كان داخل المنزل.. وحسب الفيديو الذى التقطته الطائرة الدرون، فقد كان السنوار يحاول إسقاط هذه الطائرة وضربها بواسطة عصا.. وظهر وهو يجلس على أريكة ويده تنزف بغزارة ومصابة بجروح خطيرة.. بعدها، أعلن الجيش الإسرائيلى، مساء الخميس، رسميًا مقتل زعيم حركة حماس، يحيى السنوار، فى مواجهة مع الجيش، محققًا أمنيته بالموت فى ميدان القتال.
مات السنوار وقد تحقق ما كانت تأمل حماس أن يحدث بعد السابع من أكتوبر، وما حلم به زعيم حماس، السنوار، عندما خطط للهجوم فى أكتوبر، بخداع استراتيجى مذهل، ورغبة فى إشراك إيران ووكيلها اللبنانى حزب الله فى حرب كان يعرف أن إسرائيل تتفوق عسكريًا، ولكنه أراد مقاومتها، وإصابتها بالوجع والقلق، فى معارك تستنزف راحتها، لعلها ترحل يومًا عن الأرض السليبة.. وفى إطار طلبه من إيران الحصول على مساعدات عام 2021، وعد السنوار وغيره من قادة حماس طهران، (نحن على ثقة من أننا وأنتم، بحلول نهاية هذين العامين، سنقتلع هذا الكيان الوحشى)، أى إسرائيل، وفقًا لرسالة نقلتها صحيفة واشنطن بوست، (لن نضيع دقيقة أو فلسًا، ما لم يكن ذلك كافيًا لتحقيق هذا الهدف المقدس).. أراد السنوار أن يخلق كارثة ساحقة لإسرائيل، لدرجة أن تتحول إلى حرب تشمل إيران ووكلائها فى لبنان وسوريا والضفة الغربية واليمن والعراق.. ولإخفاء ما سماه مسئولو حماس (مشروعنا الكبير)، صاغوا حملة معقدة من الخداع استمرت لسنوات.
حققت حماس مفاجأة استراتيجية من خلال حملة «لإبقاء العدو مقتنعًا بأن حماس فى غزة تريد الهدوء»، وفقًا لمذكرة داخلية نقلتها صحيفة التايمز.. وكان هدف السنوار هو إقناع إسرائيل بأن «غزة تريد الحياة والنمو الاقتصادى».. وبذلك، هدَّأت حماس أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الغارقة فى ضباب عميق، لدرجة أنه حتى عندما كان مقاتلوها يشاركون فى أنشطة غير عادية، فى وقت مبكر من صباح يوم السابع من أكتوبر، أكد محللو الاستخبارات الإسرائيلية أن التقديرات «تشير إلى أن حماس غير مهتمة بالتصعيد والدخول فى مواجهة فى الوقت الحالى».. وبعد فترة وجيزة، قتلت ألفًا ومائتى إسرائيلى.. وبينما كان السنوار يستعد لهجومه المتسلل، كان يعلم أن إسرائيل ستشن حملة انتقامية قد تدمر غزة.
●●●
أثار مقتل السنوار ردود فعل عالمية، خصوصًا داخل الولايات المتحدة وإسرائيل.. إذ قال الرئيس الأمريكى، جو بايدن، «هذا يوم جيد لإسرائيل والولايات المتحدة والعالم».. ووصف بايدن اليوم بأنه يوم ارتياح، ومماثل للمشاهد التى شهدتها مختلف أنحاء الولايات المتحدة بعد مقتل أسامة بن لادن عام 2011.. وأضاف أن السنوار، بصفته زعيم جماعة حماس، كان مسئولًا عن مقتل الآلاف من الإسرائيليين والفلسطينيين والأمريكيين، والمواطنين من أكثر من ثلاثين دولة، وكان العقل المدبر لهجمات السابع من أكتوبر.. وبعد وقت قصير من هذا اليوم، يقول بايدن إنه وجه أفراد العمليات الخاصة ومحترفى الاستخبارات الأمريكية، للعمل جنبًا إلى جنب مع نظرائهم الإسرائيليين، للمساعدة فى تحديد مكان السنوار وغيره من قادة حماس المختبئين فى غزة، مؤكدًا أن إسرائيل لها كل الحق فى القضاء على القيادة والهيكل العسكرى لحركة حماس، وقال إن حماس لم تعد قادرة على تنفيذ عملية أكتوبر أخرى!!.
وأكد بايدن أنه تحدث مع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ومسئولين إسرائيليين آخرين «لتهنئتهم»، ومناقشة المسار لإعادة الرهائن إلى ديارهم وإنهاء هذه الحرب، «مرة واحدة وإلى الأبد».. مشيرًا إلى أن «الآن هناك فرصة لليوم التالى فى غزة بدون حماس فى السلطة، وللتوصل إلى تسوية سياسية توفر مستقبلًا أفضل للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء»، إذ «كان يحيى السنوار عقبة لا يمكن التغلب عليها أمام تحقيق كل هذه الأهداف.. هذه العقبة لم تعد موجودة.. لكن لا يزال أمامنا الكثير من العمل».. دون أن يدرى بايدن، أن العقبة الحقيقية اسمها نتنياهو، وأنه لا سبيل فى وجوده إلى تحقيق ما يصبو إليه بايدن.
ورددت كامالا هاريس كلام بايدن، قائلة إن العالم أجمع أصبح أفضل حالًا بدون السنوار، «لقد كانت يداه ملطخة بالدماء الأمريكية»، فى إشارة إلى أن سبعة أمريكيين وقعوا فى قبضة حماس، «اليوم، لا يسعنى إلا أن آمل أن تشعر أسر ضحايا حماس بقدر من الارتياح».. وأشادت بعمل عناصر العمليات الخاصة والاستخبارات الأمريكية فى العمل الوثيق مع نظرائهم الإسرائيليين.. وأكدت مجددًا على موقف بايدن فى الدعوة إلى أن تكون هذه اللحظة، فرصة لإنهاء الحرب فى غزة بطريقة تضمن أمن إسرائيل، وإطلاق سراح الرهائن، وتنتهى المعاناة فى غزة، ويتمكن الشعب الفلسطينى من إدراك حقه فى الكرامة والأمن والحرية والنفس، «اليوم، هناك تقدم واضح نحو تحقيق هذا الهدف»، الذى أراه أنا سرابًا، بالنظر إلى سعى نتنياهو نحو البقاء فى الحكم، مادامت هناك حروب دائرة.
●●●
أسعد الناس بهذه اللحظة، كان رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، الذى تحقق حلمه، وأكد أن اغتيال زعيم حركة حماس، يحيى السنوار، يمثل نهاية حكم حماس فى قطاع غزة، ويفتح الباب أمام إمكانية إنهاء المحور الذى تقوده إيران، ويخلق خيارات جديدة لتحرير الرهائن المتبقين.. وقال بعد وقت قصير من تأكيد الجيش الإسرائيلى نجاحه فى قتل السنوار، «حماس لن تحكم غزة بعد الآن.. هذه بداية اليوم الذى يلى حماس».. وفى نداء وجهه إلى الفلسطينيين فى القطاع، قال، «هذه فرصة لكم، سكان غزة، للتحرر أخيرًا من ظلم حماس!!».. وفى بيانه العلنى، الذى أصدره على شريط فيديو، وجه نتنياهو نداءً مباشرًا إلى مقاتلى حماس، «قادتكم يفرون وسيتم القضاء عليهم».. ولا أعرف أى نوع من الهروب، قام به قادة حماس، والسنوار قُتل فى معركة ملحمية فى قطاع غزة!!.. وقال نتنياهو، إن أولئك الذين «يسلمون سلاحهم ويعيدون رهائننا» سيُسمح لهم «بالخروج والعيش».. وكأن كلماته تلمح إلى خطة تسمح بنفى هؤلاء المقاتلين، مقابل إطلاق سراح الرهائن.. كما أصدر نتنياهو تحذيرًا صارمًا لهم، «من يؤذى رهائننا.. دماؤهم على رأسه.. سنحاسبه.. عودة رهائننا هى فرصة لتحقيق كافة أهدافنا وتقرب نهاية الحرب».
وزعم نتنياهو أن اغتيال السنوار فى رفح، أثبت حكمة الحملة العسكرية التى يشنها الجيش الإسرائيلى فى غزة، خصوصًا إصراره على أن يتمكن الجيش من العمل فى تلك المنطقة من القطاع، و«الآن أصبح واضحًا للجميع فى إسرائيل وفى العالم، لماذا أصررنا على عدم إنهاء الحرب، ولماذا أصررنا على مواجهة كل الضغوط لدخول رفح، المعقل المحصن لحماس، حيث اختبأ السنوار والعديد من القتلة».. وقال إن السنوار ارتكب «أفظع مذبحة فى تاريخ أمتنا منذ الهولوكوست، وهو القاتل الجماعى الذى قتل الآلاف من الإسرائيليين واختطف المئات من مواطنينا».. ونحن بدورنا نتساءل، عمن قتل عشرات آلاف الفلسطينيين، وثلثيهم من الأطفال والنساء.. ومن عمد إلى تجويع شعب أعزل، ودمر مصادر مياهه ومستشفياته، لحرمان أفراده من العلاج، ومداواة جراح المصابين، الذى تجاوز عددهم المائة ألف.. أليس أنت يا نتنياهو، وقادة جيشك وأعضاء يمينك المتطرف ومستوطنيك المجرمين، لتأتى فتحذر شعبك، من أن حربكم ضد حماس وغيرها من وكلاء إيران «لم تنته بعد»، وأن «أيامًا صعبة تنتظركم»، وهى صعبة عليكم بالفعل، وتأمل أنك فى النهاية (سوف ننتصر)!!.
●●●
وتشكل وفاة يحيى السنوار ضربة قوية لإيران ومحور المقاومة التابع لها فى المنطقة.. لقد دعمت الجمهورية الإسلامية حماس لسنوات عديدة.. وعندما تولى السنوار القيادة، كان ذلك بمثابة نقطة تحول كبرى بالنسبة لإيران.. وتحت قيادة السنوار وتوجيهاته على مدى العقد الماضى، أصبحت حماس جماعة كبرى.. استثمرت إيران فيها بشكل كبير.. فقد ساعدتها فى الحصول على تكنولوجيا الصواريخ بعيدة المدى، كما شجعتها على تطوير الطائرات بدون طيار وغيرها من التكنولوجيا الجديدة.. ودرست الحركة إسرائيل بعناية.. وأصبحت حماس تشكل خطرًا هائلًا على إسرائيل بحلول عام 2023، أكبر مما كانت عليه فى الانتفاضة الثانية 2000: 2005 وكان هذا مزيجًا من الدعم الإيرانى وتفانى السنوار.. وبفضل الدعم من تركيا وقطر وروسيا، شعرت حماس أن السابع من أكتوبر قد يُغير المنطقة.. وهو ما يحدث على الأرض.
لقد عملت إيران مع حماس لربطها بحربها متعددة الجبهات ضد إسرائيل.. فقد أرادت أن تنسق حماس مع حزب الله والحوثيين.. كما أرادت إيران أن تعيد الميليشيات العراقية للمساعدة ضد الدولة العبرية.. وكانت هذه حربًا، أرادت طهران شنها لاستنزاف قدرات إسرائيل التكنولوجية.. إذ نجحت إيران فى إقناع حزب الله بمهاجمة إسرائيل فى الثامن من أكتوبر، بعد يوم واحد من هجوم حماس، كما استعانت بالحوثيين لمهاجمة إسرائيل أيضًا.. وكانت هذه هى الخطة التى انتهجتها إيران.. وكان السنوار جوهرة مهمة فى تاجها، من حيث أصول إيران فى المنطقة ومحورها، الذى يضم الحوثيين وحزب الله والميليشيات فى العراق.
لقد فقدت طهرات السنوار ونصر الله.. وكانا شخصيتين رئيسيتين فى مجموعتين قويتين، كانتا تلحقان الضرر بإسرائيل.. طوال معظم العام، شعرت إيران بأنها منتصرة.. لقد ساعدت فى هجوم السابع من أكتوبر، وأفرغت الحدود الشمالية لإسرائيل من سكانها.. ونفذت هجمات مباشرة بطائرات بدون طيار وصواريخ باليستية بعيدة المدى فى أبريل وأوائل أكتوبر الحالى.. كما استهدفت الميليشيات فى العراق إسرائيل بطائرات بدون طيار.. وكان الحوثيون يعيثون فى البحر الأحمر، حتى أنهم استهدفوا تل أبيب بطائرة بدون طيار وصواريخ، غير مرة.
●●●
من الغباء أن يعتقد البعض أن نهاية حماس فى مقتل السنوار.. فمنذ استشهاد الشيخ أحمد ياسين، مؤسس الحركة، والقيادات تترى على حماس، وكل من يأتى يكون أشد إصرارًا على مقاومة الاحتلال، وبكل الوسائل المتاحة.. ومن قبل هؤلاء، اغتيال الشيخ عز الدين القسام، فى مواجهته للاحتلال البريطانى لفلسطين، عام 1935.. وعلى اسمه، تأسست (كتائب القسام) الجناح العسكرى لحماس، التى تقاتل إسرائيل الآن.. ومع ذلك، تكتب الصحفية الإسرائيلية، زفيكا كلاين، الآن، بعد أن أعلنت التقارير عن رحيل السنوار، نجد أنفسنا فى لحظة من الفرص والفوضى.. ويتعين علينا الآن أن نقرر: هل نستطيع تحويل هذا الوضع المأساوى إلى شىء تحويلى؟.. هناك اقتراح يتردد فى الدوائر الأمنية، وهو اقتراح متطرف وعملى فى الوقت نفسه: عرض الفرصة على مقاتلى حماس والجهاد الإسلامى لمغادرة غزة.. نعم، لقد قرأت ذلك بشكل صحيح.. وتتلخص الفكرة فى السماح لهؤلاء المقاتلين بمغادرة القطاع تحت إشراف دولى، وربما نقلهم إلى أماكن، مثل قطر أو تركيا أو حتى أوروبا.. وفى المقابل، يطلقون سراح الرهائن المتبقين.. ولنتأمل هنا ما حدث مع ياسر عرفات فى ثمانينيات القرن العشرين، عندما نُفى إلى تونس.. قد يبدو هذا فى ظاهره أمرًا معيبًا: فلماذا نسمح للعدو بالفرار؟.. ولكن الواقع أكثر تعقيدًا.. فالأمر لا يتعلق بترك المقاتلين يفلتون من العقاب؛ بل يتعلق بكسر دائرة العنف التى أحكمت قبضتها على غزة لفترة أطول مما ينبغى.. وإذا كنا نريد السلام، أو على الأقل جزءًا ضئيلًا منه، فقد نحتاج إلى فتح بعض الأبواب غير العادية.
ولنكن واقعيين تستطرد زفيكا أن الوضع الراهن فى غزة غير قابل للاستمرار.. فهو عبارة عن مرجل من الرعب والفقر واليأس.. ومع وجود الآلاف وربما عشرات الآلاف من مقاتلى حماس فى الأنفاق، فلا نهاية فى الأفق للهجمات الصاروخية والضربات العسكرية التى لا تنتهى.. وإذا ما قدمنا لهؤلاء المقاتلين استراتيجية للخروج، فإننا نستطيع أن نزيل عقبة ضخمة فى طريق السلام.. لن تتمكن غزة من إعادة البناء، طالما بقيت مخالب حماس مغروسة عميقًا فى داخلها.. قد يبدو هذا الحل بعيد المنال، ولكنه حل عملى.. صحيح أن السماح للمقاتلين بالخروج أحياء قد يبدو غير منطقى، ولكن فى بعض الأحيان يتعين عليك أن تخوض اللعبة على المدى البعيد.. ولن تدوم هذه الفرصة إلى الأبد.. فحماس فى حالة من الفوضى.. ووفاة السنوار تترك فراغًا قياديًا كبيرًا، مما يوفر لإسرائيل أفضل فرصة لإعادة تشكيل الديناميكيات فى غزة.. ومع إضعاف حماس، قد تتاح الفرصة أخيرًا لشعب غزة، الذى عانى الكثيرون منهم تحت حكمها بقدر ما عانوا من الحرب، لشىء أفضل.
هل تستمع يا رئيس الولايات المتحدة؟.. هكذا تخاطب زفيكا، جو بايدن.. ربما تكون هذه هى اللحظة المناسبة لك.. قبل انتهاء ولايتك، لديك فرصة فريدة للتوسط فى صفقة لن تعيد الرهائن إلى ديارهم فحسب، بل ستعمل أيضًا على تفكيك قبضة حماس على غزة.. وقد يساعد هذا أيضًا نائبة الرئيس، كامالا هاريس، فى الفوز بالانتخابات.. إنه فوز فى السياسة الخارجية!.. ومن جانبها، لا تستطيع إسرائيل أن تكتفى بالجلوس مكتوفة الأيدى.. فبعد سنوات من إراقة الدماء، وإنفاق موارد لا حصر لها، قد تكون هذه هى اللحظة التى قد تغير الوضع الراهن جذريًا.. لقد قام الجيش الإسرائيلى بدوره بتوجيه الضربات العسكرية.. والآن حان الوقت للدبلوماسية لإبرام الصفقة.
ولنتحدث عن المستقبل، تواصل زفيكا، لأن المستقبل الذى لا وجود لحماس فيه، هو المستقبل الوحيد الذى يستحق أن نتصوره فى غزة.. وإذا غادر هؤلاء المقاتلون غزة، فسوف نتمكن من البدء فى العمل المهم، المتمثل فى إعادة بناء غزة وتحويلها إلى شىء أكثر من مجرد منطقة حرب.. وسوف يصبح القطاع فى النهاية مجتمعًا فعالًا، بدلًا من أن يكون مصنعًا للإرهاب.. من السهل أن نقول هذا، ولكن من الصعب أن نفعله.. ذلك أن إعادة بناء غزة سوف تتطلب الدعم الدولى، والاستثمارات الضخمة، وربما الأصعب من كل هذا، تشكيل قيادة جديدة أكثر اهتمامًا بالمدارس من إطلاق الصواريخ.. وربما تتدخل الدول السُنّية المعتدلة، التى ظلت فى أغلب الأحيان على الحياد، للمساعدة فى ملء الفراغ.. إن دولًا مثل المملكة العربية السعودية ومصر والأردن، قادرة على تقديم الدعم السياسى والاقتصادى، اللازمين لتعزيز الاستقرار فى غزة وقدرتها على العمل.. وسوف يحتاج المجتمع الدولى، بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، إلى تقديم الدعم الدبلوماسى والمالى الجاد.. ولا ينبغى لقطاع غزة أن يتحول إلى دولة إرهابية أخرى؛ بل يمكن أن يصبح مكانًا يعيش فيه الناس ويعملون ويزدهرون.. وقد نسيت زفيكا «خطة الجنرالات»، التى أطلقتها إسرائيل فى شمال قطاع غزة لتهجير أهله قسريًا، باتجاه الجنوب، خطوة لطردهم نهائيًا خارج القطاع، فى نكبة جديدة قد تفوق نكبة 1948.
إننى لست ساذجة، تقول زفيكا، وهذه ليست مهمة سهلة.. إن إقناع أهل غزة، الذين عاشوا تحت حكم حماس، بالثقة فى القيادة الجديدة، لن يكون بالمهمة السهلة.. وماذا عن المقاتلين الذين يرفضون الرحيل؟.. سوف يظل هناك دومًا من يفضلون الاستسلام للقتال، ولابد أن تكون إسرائيل مستعدة لذلك.. ولكن دعونا نكن صادقين: إن البديل هو عدم القيام بأى شىء، وذلك يتركنا بالضبط حيث نحن الآن: فى حلقة لا نهاية لها من الصواريخ والغارات الجوية وتدمير حياة الناس.. لقد شاهدنا هذا الفيلم من قبل، ونعرف كيف ينتهى.. يتعين على إسرائيل أن تظل متيقظة.. لقد كان القضاء على زعامة حماس انتصارًا هائلًا، ولكن التهديد لم ينته بعد.. ويتعين على الجيش الإسرائيلى أن يظل مستعدًا لتحييد ما تبقى من البنية الأساسية لحماس.. أليست هذه امرأة ساذجة بالفعل؟.
إننا نقف الآن عند مفترق طرق تاريخى.. فوفاة السنوار قد تقودنا، إما إلى دوامة أخرى من العنف، أو تفتح الباب أمام شىء جديد.. مستقبل لا يحكم غزة فيه الإرهاب بل الأمل.. والاختيار فى أيدينا.. لقد ظللنا لسنوات طويلة عالقين فى نفس الدائرة، حيث كنا نشاهد غزة تنحدر إلى مزيد من الفوضى.. ولكن اليوم لدينا الفرصة لكسر هذه الدائرة.. فبوسعنا أن نعيد الرهائن إلى ديارهم، وأن نفكك حماس، وأن نمنح أهل غزة فرصة لمستقبل يستحق القتال من أجله.. دعونا لا نضيع هذه اللحظة.. فالعالم يراقب، وغزة تنتظر شيئًا مختلفًا.. دعونا نستغل هذه الفرصة لإعادة الرهائن إلى ديارهم وإنشاء غزة جديدة، خالية من الإرهاب ومنفتحة على إمكانية السلام.. إن لم يكن الآن، فمتى؟.. والجواب عندنا، أن حماس فكرة، والأفكار لا تموت إلا بتحقيقها واقعًا على الأرض.. وحماس وأخواتها لن تنتهى، مادام الاحتلال باقيًا، ومادام حل الدولتين بعيد المنال، كما يريد نتنياهو وقبيله من المتطرفين الصهاينة. 
●●●
والآن، بعد مقتل زعيم حماس، يحيى السنوار، فإن السؤال الرئيسى هو: هل سيؤدى هذا إلى إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس؟.
هناك سببان قد يجعلان من هذه الحرب نهاية، أولهما أن السنوار كان مهندس السابع من أكتوبر، والزعيم الرئيسى المتبقى الأخير لحماس فى غزة، والذى كان قادرًا على إدارة مقاومتها العسكرية، وثانيهما، أن هذه قد تكون اللحظة المناسبة لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، لإعلان «النصر»، فى رأى الكاتبة الإسرائيلية، يونا جيريمى بوب.. وعلى الجانب الآخر، فإن نتائج حرب غزة وأبرزها احتجاز 101 إسرائيلى أحياء وموتى لا تزال قائمة، ولا يزال هزيمة حماس كقوة سياسية حاكمة فى غزة سؤالًا مفتوحًا، وكانت هناك دائمًا أسئلة حول، لماذا ومتى يريد نتنياهو إنهاء الحرب أو تمديدها؟.
وإذا نظرنا إلى كل من هذه العناصر بعناية أكبر، فمن المذهل أنه لا توجد تقارير حتى الآن تفيد بأن السنوار قد قتل أى رهائن أثناء محاصرته من قبل قوات الجيش الإسرائيلي.. وهذا أمر مذهل، لأن الاستخبارات الإسرائيلية كانت تروج طوال فترة الحرب، أنه أحاط نفسه بالرهائن.. ويعتقد البعض، أن العسكريين كانوا يعرفون فى بعض الأحيان مكان وجوده، وامتنعوا عن قتله لأن الرهائن كانوا يحيطون به.. وقال كثيرون، إن هذا هو السبب الذى جعله وحده يبقى على قيد الحياة لفترة طويلة، بينما قُتل جميع قادته الكبار تقريبًا.. ولم تدرك الكاتبة أن رئيس وزرائها كاذب، وأن قادة جيشها أكثر كذبًا فيما يتعلق بتفاصيل عملياته فى غزة.. ومع ذلك، فهى تذهب إلى أن أحد التفسيرات المحتملة إذا لم يكن هناك رهائن فى الجوار هو أن الرهائن الستة الذين قتلوا فى رفح نهاية أغسطس، كانوا المجموعة التى احتفظ بها السنوار حوله طوال الحرب.. وهذا أمر منطقي!!.
إذا كان هذا صحيحًا، فى رأى جيريمى، فإن الأسئلة ستثار حول سبب تسليمهم كدروع بشرية، فى الوقت الذى كان فيه الجيش الإسرائيلى قريب نسبيًا ولكنهم لم يكونوا على وشك قتله.. أم أن شخص آخر ربما شقيقه محمد السنوار، أو خالد مشعل، أو شخصية جديدة أقل شهرة لا تزال على قيد الحياة سيتولى مصير الرهائن ويبقيهم على قيد الحياة من أجل المفاوضات؟.. إذا أبقت حماس الرهائن على قيد الحياة، فهل ستحاول الشخصية الجديدة التى تتحكم فى مصيرهم قبول البقاء والطرد فى مقابل الإفراج عن الرهائن؟ على الرغم من معارضة السنوار الشديدة لهذا سابقُا أم أنها ستتخذ خطًا مماثلًا للزعيم الذى تم اغتياله مؤخرًا، فى محاولة لاستخدام الرهائن للحفاظ على حكم حماس فى غزة، من خلال إجبار الجيش الإسرائيلى على الانسحاب؟.
ثانيا، حماس لم تُهزم حتى الآن، فهل ستنهار الآن بدون السنوار؟.. ربما لا.. فمن الناحية التاريخية، قتلت إسرائيل العديد من كبار قادة حماس، فى المراحل التى كانت فيها المنظمة أصغر حجمًا، وكانت تنجح دائمًا فى شق طريقها إلى الأمام، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن العديد من المجندين لديها على جميع المستويات، ملتزمون للغاية بهدفها المتمثل فى مقاومة إسرائيل، بحيث يمكن استبدال أى شخص.. ومع ذلك، فإن مقتل السنوار يشكل ضربة قوية، من شأنها أن تضعف حماس بشكل كبير، حتى إلى ما هو أبعد من المستوى الذى وصلت إليه حتى هذه النقطة.. وهذا يرتبط بالنقطة الأخيرة، حول متى يكون نتنياهو مستعدًا لإعلان النصر؟.
لو كان ينتظر لحظة اللقطة، فهذه هى.. وقد يظهر نتنياهو المزيد من المرونة، بشأن من سيتولى إدارة غزة بعد ذلك، مستغلًا لحظة النصر هذه لأغراضه الإنتخابية.. ولكن إذا قرر رئيس الوزراء إما لأسباب أيديولوجية أو بسبب مخاوف من الهجمات الانتخابية من جانب يمينييه أنه يجب عليه إبقاء الحرب مستمرة، حتى يتمكن من تحقيق نوع من النهاية الغامضة لحماس فى غزة سياسيًا، فإن الحرب قد تستمر لفترة أطول بكثير.. وعند هذه النقطة، قد يكون العامل التالى الذى قد ينهى الحرب، هو الرئيس الأمريكى القادم فى يناير 2025، حيث قال كل من كامالا هاريس ودونالد ترامب، لأسباب مختلفة، إنهما يريدان إنهاء الحرب.. وسوف ينتظر نتنياهو الخطوة التالية من حماس فى ما يتصل بالرهائن، ولكن بالمعنى الأوسع، فإن الخطوة التالية هى خطوته.
●●●
ومع كل ما حدث وسيحدث، فإن حركة حماس لا تزال تحتفظ بتسلسل تنظيمى فعال حتى بعد وفاة يحيى السنوار.. وفى حديثه مع صحيفة «معاريف»، أشار العميد «احتياط» أمير أفيفيه، رئيس مؤسسة «خبراء أمنيون»، إلى أنه يبدو أن شقيقه نشط للغاية ويدير الأمور.. لذا حتى لو تم القضاء على السنوار، ما لم يتم القضاء على شقيقه واثنين أو ثلاثة من الشخصيات المركزية الأخرى، فإن كسر الهيكل الهرمى لحماس سيكون صعبًا.. «لقد رأينا مع حزب الله، أنه حتى بعد اغتيال قيادته بالكامل، لم ينهر التنظيم.. ويرجع هذا جزئيًا، إلى أن القيادة موزعة على وحدات أصغر حجمًا تظل تعمل، وأيضًا بسبب الحماسة الإيديولوجية والدينية القوية التى تدفع هذه الفصائل».. أما السياق الإقليمى، فمن الصعب جدًا التنبؤ بكيفية تطور الأمور.. كما يرتبط الأمر بما يحدث فى الشمال، مع ابتعاد حزب الله عن غزة وإظهاره استعدادًا لوقف إطلاق النار بشكل مستقل عن القطاع.. وهذا يزيد من عزلة حماس.. وفى الوقت نفسه، تتزايد الضغوط على الحوثيين وإيران، بعدما وجهت الولايات المتحدة أمس، ضربة للحوثيين بالقاذفة الشبحية B2، وكأنها تقول لطهران، نحن أقرب فى الوصول إليك من الحوثيين فى اليمن.
للوهلة الأولى، تبدو النتيجة الأخيرة فى الصراع المستمر منذ ثلاثين عامًا، بين إسرائيل وحماس، مُدمرة لحركة المقاومة، وهى نتيجة تُلقى بمستقبلها موضع تساؤل.. ومع ذلك، فإن تاريخ حماس، وتطور جماعات المقاومة الفلسطينية على مدى عقود، ومنطق المقاومة على نطاق أوسع، تشير إلى أن حماس لن تنجو فحسب، بل قد تظهر أقوى سياسيًا.. ويرى المحللون والمراقبون الإقليميون الذين هم على اتصال بقادة حماس، أن الضربات الأخيرة التى تعرضت لها بما فى ذلك مقتل السنوار، وقبله إسماعيل هنية تقدم لإسرائيل نصرًا قصير الأجل، على حساب النجاح الاستراتيجى على المدى الطويل.. و«بدلًا من خلق الانفصال الذى كانوا يأملون فيه، والذى من شأنه أن يجعل الناس خائفين أو مهزومين تمامًا، سيكون لهذا تأثير معاكس»، فلا تزال حماس تقاوم، ليس ذلك فحسب، بل تقوم بتجنيد مقاتلين جدد فى غزة وخارجها.. وبدأ المقاومون فى الظهور من جديد، فى المناطق التى طردتهم منها إسرائيل قبل أشهر.. بالنسبة لحماس، فإن منطق المقاومة يعنى، أن مجرد البقاء فى مواجهة جيش أقوى بكثير، يوفر نصرًا رمزيًا.. ومع ذلك تأتى فرصة للبقاء فى الميدان، التى تتجاوز أى ألم تسببت فيه إسرائيل.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.