ما بعد «السنوار».. لا إسرائيل انتصرت ولا حماس انهزمت
اغتيال قائد منظمة حماس يحيى السنوار تطور لافت ومفاجئ؛ فـ«السنوار» من أبرز الشخصيات فى المقاومة الفلسطينية، وأحد الأسماء القيادية المؤثرة فى المشهدين السياسى والعسكرى لحركة حماس، مما يثير تساؤلات حول التأثيرات المحتملة لهذا الحدث على المنطقة، خاصة فى ظل التعقيدات الجيوسياسية القائمة. يحيى السنوار هو زعيم حركة حماس فى قطاع غزة، وقد صعد إلى هذا المنصب فى 2017 بعد سنوات طويلة من النشاط المقاوم والسياسى.
ويعرف السنوار بشخصيته الصلبة ومواقفه الحازمة، وكان له دور محورى فى إعادة تنظيم صفوف حماس وتجديد استراتيجياتها العسكرية والسياسية. عُرف عنه أيضًا أنه من أكثر الشخصيات التى تمثل خط المقاومة المتشدد، وكان له دور كبير فى تطوير قدرات حماس العسكرية وتعزيز تحالفاتها الإقليمية.
ومن المتوقع أن يؤدى مقتل السنوار إلى اهتزازات داخلية فى حركة حماس، وربما إلى تصاعد الصراع الداخلى على القيادة.
حركة حماس ستجد نفسها أمام تحديات كبيرة فى اختيار خليفة للسنوار يحظى بنفس القدر من الاحترام والتأثير بين عناصر الحركة.
من جهة أخرى، فإن قدرات الحركة العسكرية والاستراتيجية قد تتأثر بشكل مؤقت، حيث كان السنوار يمتلك خبرات ميدانية وسياسية يصعب تعويضها.
وعلى الصعيد الشعبى، من المحتمل أن يزداد التوتر داخل قطاع غزة. فقد يُعتبر مقتل السنوار بمثابة إعلان حرب مفتوح، مما قد يؤدى إلى تصعيد عسكرى من قبل الفصائل الفلسطينية ضد إسرائيل، وردود فعل قوية من الجانب الإسرائيلى. وفى هذا السياق، يمكن أن نشهد تصاعدًا فى العمليات العسكرية والاستهدافات المتبادلة، ما قد يؤدى إلى تفاقم الوضع الإنسانى فى غزة.
إقليميًا، سيشعر العديد من الأطراف بالقلق حيال مقتل السنوار، إيران، الحليف الأقرب لحركة حماس، قد تسعى لتعزيز دعمها للمقاومة فى غزة من أجل الحفاظ على توازن القوى فى المنطقة.
كذلك، من المحتمل أن يزيد مقتل السنوار من تنامى التحالفات بين الفصائل الفلسطينية وحلفائها الإقليميين، مثل حزب الله فى لبنان.
إسرائيل التى اعتبرت السنوار تهديدًا كبيرًا لأمنها القومى، ستعتبر مقتله إنجازًا، ولكنه لن يكون كافيًا لوقف التوترات المستمرة مع غزة. بل قد يزيد ذلك من الضغط على إسرائيل للتعامل مع عواقب تصعيد محتمل من الفصائل الفلسطينية الأخرى.
دوليًا، قد يواجه المجتمع الدولى تداعيات هذا الحدث فى إطار جهود الوساطة المتعثرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
استشهاد السنوار سيعقد مساعى التوصل إلى تهدئة طويلة الأمد، وقد يؤدى إلى تقوية موقف التيارات المتشددة التى ترفض أى تسوية سياسية وعلى الرغم من أن « السنوار» سيترك فراغًا قياديًا كبيرًا داخل حماس، فإن الحركة ستستمر فى استراتيجياتها القائمة على المقاومة والصمود. لكن هذا الحدث يفتح الباب أمام تصاعد التوترات فى المنطقة وزيادة التعقيد فى المشهد السياسى.
من المحتمل أن تدخل المنطقة فى مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، وقد يعاد تشكيل التحالفات وميزان القوى فى غزة وخارجها، ما يزيد من احتمالية اندلاع مواجهات واسعة النطاق وفى ظل غياب شخصية بارزة مثل يحيى السنوار، يمكن القول إن احتمالية نشوب حرب إقليمية تبقى واردة، ولكن تعتمد على عدة عوامل معقدة.
إذا تصاعدت التوترات بشكل كبير بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، قد نجد أنفسنا أمام تصعيد عسكرى كبير فى غزة. وإذا تدخلت أطراف إقليمية مثل إيران أو حزب الله لدعم حماس بشكل مباشر، فقد تتحول المواجهة إلى حرب إقليمية تشمل عدة قوى وهناك عدة سيناريوهات قد تؤدى إلى اندلاع صراع إقليمى واسع، منها:
تصاعد المواجهة بين حماس وإسرائيل وقد تدفع حماس إلى تصعيد كبير فى الهجمات ضد إسرائيل كنوع من الانتقام، وهو ما قد يدفع إسرائيل إلى رد فعل عسكرى موسع، ما يزيد من احتمالية تدخل فصائل إقليمية أخرى.
إيران تعتبر من أبرز داعمى حماس، وإذا رأت طهران أن مصالحها الإقليمية تتعرض للتهديد نتيجة هذه التطورات، قد تسعى إلى زيادة دعمها لحماس أو الفصائل الفلسطينية الأخرى، ما يؤدى إلى توتر إقليمى أكبر قد يجر دولًا أخرى إلى الصراع.
وإذا اتسعت المواجهة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية لتشمل أطرافًا إقليمية أخرى، مثل حزب الله أو الميليشيات المدعومة من إيران فى سوريا، قد يؤدى ذلك إلى حرب إقليمية أكبر تشمل عدة دول فى المنطقة.
مصر تلعب دورًا حيويًا فى منطقة الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق بملف غزة والصراع الفلسطينى- الإسرائيلى. تاريخيًا، كانت مصر الوسيط الأساسى فى محاولات التهدئة بين الجانبين، واستضافت محادثات وقف إطلاق النار فى مرات عديدة.
أما إذا تصاعدت التوترات إلى حرب إقليمية، قد تجد مصر نفسها أمام خيارات صعبة:
من المرجح أن تستمر مصر فى دورها كوسيط رئيسى، ولكن ستكون المهمة أكثر تعقيدًا فى حال تدخلت أطراف إقليمية أخرى أو إذا زادت شدة المواجهات. مصر ستعمل جاهدة لمنع التصعيد إلى مستوى حرب إقليمية كاملة، نظرًا لتأثير ذلك على أمنها القومى واستقرار المنطقة.
مصر تحرص على حماية حدودها مع غزة، حيث يوجد تهديد محتمل بزيادة تدفق اللاجئين أو تهريب الأسلحة. قد تلجأ مصر إلى تعزيز قواتها على الحدود وفرض إجراءات أمنية مشددة لمنع أى تهديد لأمنها الداخلى.
تتمتع مصر بعلاقات جيدة مع إسرائيل والولايات المتحدة، وفى نفس الوقت تحافظ على دعمها للقضية الفلسطينية.
وإذا تحولت المواجهة إلى صراع إقليمى واسع، قد تجد مصر نفسها أمام ضرورة تحقيق توازن دقيق فى علاقاتها الخارجية، خاصة مع الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا.
إذن، فى حال نشوب حرب إقليمية، ستكون مصر فى وضع حساس، وستسعى جاهدة للحفاظ على استقرارها الداخلى وأمن حدودها، مع استمرار جهودها الدبلوماسية لتهدئة الوضع فى المنطقة. لكن إذا فشلت الوساطات، قد تجد نفسها مجبرة على اتخاذ مواقف أقوى لحماية مصالحها الإقليمية والداخلية.