"الحرية والمساواة والعدل".. أفكار رفاعة الطهطاوي التنويرية لإصلاح المجتمع
خمس سنوات ما بين عامي ١٨٢٦–١٨٣١م، هي السنوات الأهم في عمر رفاعة الطهطاوي، حيث انغمس في دراسة الفرنسية ومنها قراءة أمهات الكتب في التاريخ القديم والفلسفة اليونانية والجغرافيا والرياضيات والمنطق ومختلف العلوم، بل واستكشف أعمال الكتاب الكبار من فولتير وكوندياك وروسو ومونتسكيو من مفكري القرن الثامن عشر.
ما أفكار الطهطاوي لإصلاح المجتمع؟
وهذا العلم الواسع الذي نهل منه الطهطاوي.. جعله يُعلن أفكاره لإصلاح المجتمع بخطوات جادة سواء من خلال إنشاء مدرسة الألسن أو ترجماته وأعمال الفكرية، التي يأتي أبرزها كتاب "مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية"، وكتاب "المرشد الآمن للبنات والبنين".
ووفقًا للمؤرخ رؤوف عباس، في كتابه " تطور الفكر العربي الحديث"، قدم المؤرخ خلاصة أفكار الطهطاوي التنويرية لإصلاح المجتمع.
ماذا تعني "الدولة" عند رفاعة الطهطاوي؟
فجاءت فكرة الطهطاوي عن "الدولة" تُعبر عن الفكرة الإسلامية المأثورة، فهو يحاول النظر إلى الأسس النظرية للفكر السياسي الأوروبي في ضوء الإسلام؛ فيرى أن الحكومة ضرورية للمجتمع ولا حياة له بدونها، والنظام السياسي يقوم على "قوة حاكمة" ترعى مصالح الأمة وتدرأ عنها المفاسد، و"قوة محكومة" تتمتع بالحرية والمساواة ولها حق المشاركة في المنافع العمومية أي الموارد الاقتصادية.
أما العلاقة بين الحاكم والرعية، فرأى الطهطاوي أنها علاقة تقوم على الحقوق والواجبات، فللحاكم على الناس حق الطاعة، غير أنه يجب-في مقابل ذلك- أن يؤدي واجباته تجاههم، ومن ثم يجب على الرعية أن يعرفوا الشريعة حق المعرفة لحماية حقوقهم، كما عليهم أن يعرفوا القوانين المدنية والإجراءات الحكومية، أما واجب الحكومة، فيمثُل في إقامة العدل، وتحقيق المساواة والحرية، وحماية أرواح الناس وممتلكاتهم.
الجميع سواء أمام القانون
كما دعا الطهطاوي إلى أن جميع الناس، رغم اختلافهم في القوة البدنية والقدرات العقلية والثروة المادية، سواء أمام القانون بغض النظر عن تفاوت درجاتهم الاجتماعية، وهم شركاء على قدم المساواة في الواجبات التي عليهم القيام بها نحو وطنهم.
الحرية جوهر الحقوق المدنية
كما شدد الطهطاوي على أهمية "الحرية" التي تُعد جوهر الحقوق المدنية في البلاد، وتعبر عن بلوغها درجة الاستقلال، ويعني الطهطاوي بالحرية، حق الناس في التنقل، وفي العمل، طالما كان ذلك لا يتعارض مع حرية الآخرين، وأنه لا يجب وضع القوانين التي تحد من حرية الناس وتقضي بتعرضهم للنفي أو غيره من العقوبات إلا في إطار القانون وبحكم القضاء، وتضمَّن مفهوم الحرية عنده أيضًا، حق المواطن في التصرف في ثروته وفي التعبير عن آرائه ما دام ذلك في إطار القانون.
وكان الطهطاوي أول مفكر عربي يصيغ مصطلح "الوطن" ويستخلصه من إطار الموروث التاريخي لمفهوم "الأمة" الإسلامية، ليضع بذلك بذرة الوعي القومي في الثقافة العربية لأول مرة.
المساواة بين الرجل والمرأة في العلم والأدب
كما شغلت "حقوق المرأة" فكر الطهطاوي، فقد قاده سعيه إلى تحقيق التوازن في العلاقة بين الزوجين، إلى أن يطرح للمرة الأولى في العالم الإسلامي، الدعوة إلى حقوق المرأة؛ فأكد المساواة بين المرأة والرجل في الصفات الجسدية والقدرات العقلية، ووجه الاختلاف بينهما في النوع، وإذا كان الله قد خص النساء برعاية الأسرة والأبناء وتخفيف آلام المرضى؛ فلا يعني ذلك أن دور المرأة يقتصر على ذلك، وخاصة أن التاريخ الإسلامي حافل بالنساء اللاتي كان لهن مساهمات بارزة في العلم والأدب والشريعة شأنهن في ذلك شأن الرجال، فالزوجان متساويان في الحقوق والواجبات.