رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رحلة بالصدفة.. قصة طبيب مصري في غزة بين شظايا العيون وأمل البصر

الدكتور محمد توفيق
الدكتور محمد توفيق

في خضم الدمار والحصار، كانت هناك أيادٍ تعمل بصمت وجهد لإنقاذ الأرواح ومعالجة الجراح، وكان منها الطبيب المصري محمد أحمد توفيق، استشاري جراحة الشبكية، وهو لم يكن مجرد طبيب، بل كان شعلة أمل لأهالي قطاع غزة.

بشغف وإصرار، حمل "توفيق" أمتعته واتجه إلى غزة، تاركًا وراءه عمله في القاهرة، ولم تكن تلك الرحلة مخططًا لها، بل جاءت بمحض الصدفة، كما قال في بودكاست "نقطة عاميا"، حينما تلقى رسالة غير متوقعة عبر "ماسنجر" من الدكتور محمد مسلم، طبيب شبكية فلسطيني، يدعوه للمساعدة في غزة.

د. محمد توفيق -أرشيفية
د. محمد توفيق -أرشيفية

رحلة بالصدفة تحمل 300 حقيبة 

رحلته إلى غزة كانت في إطار بعثة طبية من مؤسسة “Fajr Scientific Arabic”، وكان برفقته جراح العيون الأسترالي جيرمي هاكي، وجراح الأعصاب العراقي محمد طاهر، وفي طريقهم إلى غزة، كان عليهم التغلب على واحدة من أكبر التحديات اللوجستية؛ نقل المعدات الطبية، فلم يكن من الممكن إرسال المعدات عبر المعبر مباشرة، لذا وُضعت الأجهزة في 7 حقائب سفر ضخمة، إلى جانب أكثر من 300 حقيبة تحتوي على معدات وأدوية حيوية.

بدأت رحلة "توفيق" إلى غزة في شهر مايو الماضي، حين قرر أن يترك عمله في القاهرة وينضم إلى فريق طوارئ طبي يضم 19 طبيبًا، تم تنظيمه بواسطة منظمة الصحة العالمية، هدفه معالجة الإصابات الناجمة عن القصف المستمر، ومعالجة ما يمكن من إصابات العيون التي تفاقمت بسبب نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، ومع أن المهمة كانت تبدو مستحيلة في البداية، إلا أن "توفيق" قرر أن يضع كل جهده ليرد البصر إلى من فقدوه في ظل الحرب.

أرشيفية
أرشيفية

إجراء عمليات جراحية بإمكانيات متواضعة

وعند وصوله، وجد أن المستشفى الأوروبي في خان يونس بالكاد يعمل، فأجهزة العمليات مفقودة والطاقم الطبي منهك، لكنه وفريقه لم يرضخوا لهذا الواقع، بل تم تجهيز غرفة عمليات للعيون بإمكانات متواضعة، واستطاعوا توفير الأجهزة والمعدات، بعد صعوبة في تمريرها عبر معبر رفح، وعلى الرغم من كل العوائق، بدأ في إجراء العمليات، مستفيدًا من كل دقيقة داخل غرفة العمليات.

وفي اليوم الثامن من مهمته الأولى، أجرى 50 عملية جراحية معقدة لعلاج إصابات بالغة في العيون، معظمها ناتجة عن شظايا القصف أو انفصال الشبكية، وكان التحدي الأكبر يكمن في إنقاذ ما تبقى من بصر المرضى، حيث أن معظم الإصابات تطلبت تدخلًا سريعًا لإزالة الشظايا أو إصلاح الشبكية، "الانتظار في مثل هذه الحالات يعني فقدان العين بالكامل، ليس فقط البصر"، قالها "توفيق" مشيرًا إلى ضرورة إجراء العمليات في أسرع وقت ممكن، وذلك في تصريحات متلفزة.

ومع انتهاء رحلته الأولى في يونيو، بعد أن أجرى وفريقه 155 عملية جراحية، ترك غزة بجزء من قلبه، كما يقول، لكنه لم يكن يعلم أن رحلته الثانية ستكون أصعب بكثير.

الطبيب في غزة - أرشيفية
الطبيب في غزة - أرشيفية

إجراء 33 عملية جراحية بعد توقف المستشفى عن العمل

عاد "توفيق" إلى غزة في نهاية سبتمبر، ليجد أن المستشفى قد تم إخلاؤه بالكامل في يوليو، بعد أن توقف عن العمل لشهرين كاملين، ومع ذلك، لم يستسلم الطاقم الطبي، وتمكنوا من إعادة تشغيل المستشفى في وقت قياسي، وشرعوا في إجراء عشرات العمليات الجراحية يوميًا، بعضها كانت لحالات طارئة تعاني من وجود شظايا داخل العيون أو انفصال شبكي ونزيف.

وفي إحدى تلك الأيام الصعبة، أجرى توفيق 33 عملية جراحية متواصلة، وكان الإرهاق قد بلغ منه مبلغًا كبيرًا، لكنه استمر في العمل، مدفوعًا بروح الطاقم الطبي الفلسطيني الذي كان يعمل معه: "كانوا ينامون في خيام بدون كهرباء، ويعودون للعمل في اليوم التالي بكل طاقة"، قالها توفيق معبرًا عن إعجابه الكبير بتفاني زملائه الفلسطينيين.

أرشيفية
أرشيفية

وأكثر المواقف التي أثرت فيه هو رؤيته للأطفال يلعبون في الشوارع وسط القصف، غير مبالين بالموت الذي يحوم حولهم، وأحد هؤلاء الأطفال أصيب بشظية أثناء لعبه على جهاز الآيباد داخل منزله، وهنا حاول "توفيق" وفريقه جاهدين إنقاذ عينه، لكن الشبكية كانت قد انفصلت بالكامل، ما أدى إلى فقدان الطفل بصره، "أكثر ما يقتلني هو رؤية الأطفال وهم يتألمون ولا نملك القدرة على فعل الكثير"، قالها توفيق بحزن.

عودة قريبة

ورغم كل الألم والمعاناة، يرى أن ما قام به في غزة هو مساهمة بسيطة، فبعد انتهاء مهمته الثانية، أكد أنه سيعود مجددًا كلما سنحت الفرصة، "أشعر أنني تركت قلبي مع أهالي غزة"، مؤكدًا استعداده لمواصلة العمل رغم كل الظروف الصعبة التي يعيشها أهل القطاع.

لم تكن رحلة توفيق في غزة مجرد مهمة طبية، بل كانت تجربة إنسانية عميقة عن التحديات التي يواجهها الطاقم الطبي في ظل الحرب، وعن الأمل الذي ينمو في أجواء القصف والدمار، وعن شجاعة طبيب مصري اختار أن يترك بصمته في قلب معاناة أهالي غزة، في محاولة لإعادة البصر إلى من فقده، وإعادة الأمل إلى من اعتقد أن الحرب قد سرقت منه كل شيء.

أرشيفية
أرشيفية

بعض تعليقات رواد منصة "إكس"

وبعد انتشار قصة "توفيق" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تفاعل الجمهور مع قصته، وقاموا بالإثناء على بطولته، ونستعرض من خلال أداة Waklet بعض تلك التعليقات على منصة "إكس".