صناع النصر.. أبطال أكتوبر فى ندوة "الدستور" احتفالًا بالذكرى الـ51 لمعركة الكرامة
- مصر خاضت ٤ معارك خلال ٦ سنوات فى الفترة ما بين ٦٧ و١٩٧٣
- سبب تسمية المجموعة ٣٩ قتال بهذا الاسم يعود لتنفيذها ٣٩ عملية فدائية خلف خطوط العدو
- إسرائيل لم تعد فى أمان بعد ١٩٦٧ بل كانت مرعوبة من الثأر والانتقام
- الجيش قام بتجهيز ٥٠٠ دشمة طائرات و١٠٠٠ موقع للمدفعية و٢٠ ممرًا من الساتر الترابى
فى الذكرى الـ٥١ لنصر أكتوبر المجيد، نظمت مؤسسة «الدستور» ندوة لعدد من أبطال حرب ١٩٧٣، من بينهم اللواء على حفظى، مساعد وزير الدفاع ومحافظ شمال سيناء الأسبق ورئيس لجنة الإفراج عن وثائق حرب أكتوبر، واللواء محمد الغبارى، مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق، واللواء محيى نوح، قائد المجموعة ٣٩ صاعقة، والخبراء الاستراتيجيون اللواء مجدى شحاتة واللواء حمدى بخيت، بالإضافة إلى الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر.
خلال الندوة، أكد أبطال أكتوبر أهمية هذا الحدث العظيم الذى غيّر تاريخ المنطقة للأبد، بعد أن أثبت المصريون قدرتهم على تحرير أرضهم واسترداد كرامتهم عبر العمل والجهد والتخطيط والدماء، ليسطروا تاريخًا متألقًا من البطولة والفداء، ويكتبوا أسماءهم بأحرف من نور فى سجلات الشرف والكرامة، بعد أن حققوا نصرًا عظيمًا لا يزال يدرس فى أكبر المعاهد العسكرية العالمية.
على حفظى: العقل المصرى هزم الأمريكى والإسرائيلى بإيهامهما «أننا غير قادرين على الحرب»
قال اللواء على حفظى، مساعد وزير الدفاع ومحافظ شمال سيناء الأسبق وأحد أبطال حرب أكتوبر، إن ما جرى فى عام ١٩٧٣ وما سبق هذا التاريخ وما بعده، هو بمنزلة ملحمة وطن، سيتم توارثها من جيل إلى جيل، مؤكدًا أن النصر العظيم أثبت مقولة أن معدن الرجال استطاع أن ينتصر على قوة السلاح.
وأوضح أن المعركة كانت بمشاركة من القيادة السياسية والقوات المسلحة والشعب المصرى، إذ تولت القيادة التخطيط وكان الشعب ظهيرًا قويًا لجيشه فى أثناء أداء مهامه المُكلف بها، كما تدخلت العناية الإلهية لمساعدة مصر على تحقيق نصرها فى معركة الحق والعدل.
وأضاف «حفظى» أن القوات المسلحة المصرية كانت مطمئنة بوجود الشعب المصرى خلال حرب ٦ أكتوبر ١٩٧٣، إذ كان يشعر الجنود بأن هناك من يحمى مصر داخليًا، وكان هذا محفزًا ودافعًا كبيرًا للأبطال على جبهة القتال، لبذل الغالى والنفيس من أجل استرداد الأرض وإعادة شرف العسكرية المصرية.
وشدد على أن الشعب المصرى كان له دور كبير عقب هزيمة ٥ يونيو ١٩٦٧، وظهر عندما أراد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر التنحى، بعد أن شعر بأخطائه حينها، موضحًا أن الشعب أجبر «عبدالناصر» على الاستمرار فى الحكم ورفض رغبته فى التنحى، ووضع هدفين استراتيجيين، هما: استرداد كل من الأرض والكرامة وشرف العسكرية المصرية، مهما كانت التضحيات.
وأوضح بطل أكتوبر أن حرب ١٩٧٣ سبقتها عمليات إعداد طويلة، وسبقها العبور الأول فى إعادة بناء الجيش، ثم حرب الاستنزاف التى استمرت ١٠٠٠ يوم، وتم خلالها تنفيذ أكثر من ٤ آلاف عملية، كبدت العدو خسائر كبيرة، بالإضافة إلى عملية الخداع الاستراتيجى لأجهزة الاستخبارات، إلى أن أتى موعد معركة أكتوبر واسترداد شرف العسكرية المصرية.
وأكد، أيضًا، أن «السرية» كانت العامل الأساسى فى نجاح العمليات، منوهًا إلى أن العديد من القادة العسكريين والسياسيين لم يكونوا على علم بموعد بدء الهجوم إلا فى صباح يوم السادس من أكتوبر، وكانت هذه السرية هى ما سمح بمفاجأة العدو وتحقيق النصر، خاصة أن العدو كان يعتقد أن قدرات مصر العسكرية محدودة، لكن تم استغلال الإمكانات المتاحة بشكل متميز لتحقيق الأهداف والانتصار.
واستطرد: «تم تحرير الأرض عسكريًا فى ٦ سنوات، وسياسيًا فى ٩ سنوات، بالإضافة إلى ٧ سنوات (تفاوض وتحكيم)، وظل أبناء الشعب المصرى متلاحمين طيلة ٢٢ سنة، من أجل إعادة آخر شبر من أرض مصر، وعلى مدار ٢٢ سنة كانت هناك معارك كثيرة، أعظمها معركة السادس من أكتوبر، وبنجاح هذه المعركة تحققت أوجه النجاح فى المعارك الأخرى، إلى أن تم استرداد الأرض بالكامل».
ولفت اللواء على حفظى إلى أن مصر، وخلال ٦ سنوات من عام ١٩٦٧ حتى عام ١٩٧٣، خاضت عمليًا ٤ معارك، الأولى كانت معركة إعادة بناء الجيش، ثم معركة نقل الخوف إلى الضفة الشرقية أثناء حرب الاستنزاف، ومعركة بناء حائط الصواريخ بهدف كسر الذراع الطولى لإسرائيل فى الطيران، بالإضافة إلى معركة العقول.
وقال: «نجحنا فى تشكيل قوات الدفاع الجوى لتجابه الطيران الإسرائيلى، وتم إنشاء حائط الصواريخ على امتداد قناة السويس، وشارك فيه مدنيون وعسكريون، فنجحنا فى التغلب على ضعف الإمكانات بالعبقرية والإصرار وتحمل الإنسان المصرى».
وأضاف: «لا ننسى أنه كانت هناك معركة أخرى، وهى معركة الذكاء المصرى وهزيمة العقول الإسرائيلية والأمريكية وخداعها، من خلال ترسيخ شعور بأن الجيش المصرى غير قادر على تحرير الأرض، مما حقق عنصر المفاجأة الاستراتيجية، التى كانت عاملًا حاسمًا فى النصر».
وأردف: «مستوى الذكاء المصرى عال جدًا، لكن يعيبه أنه ذكاء فردى وغير موجه لصالح المجموع، وحينما وظفنا هذا الذكاء لصالح المجموع، استطعنا تحقيق الانتصار وتحطيم أسطورة الجيش الذى لا يقهر».
وتطرق اللواء على حفظى إلى الوضع التنموى فى سيناء، قائلًا إن سيناء وعلى مر تاريخها منذ المصريين القدماء حتى ملحمة أكتوبر، لم تشهد اهتمامًا بالبُعد التنموى كما يحدث الآن، خاصة مع استمرار اهتمام العدو بها.
وقال: «عدونا عينه على سيناء من زمان، وهى هدفهم، وكانوا يريدون إنشاء إسرائيل فى البدايات على أرضها، ومنذ حرب أكتوبر، حاولت بعض الجهات المعادية، خاصة فى الغرب، تقديم صورة مغلوطة عن الانتصار المصرى، وكانوا يسعون إلى تغيير الرواية التاريخية لصالحهم، ولم يكن لدينا، ولفترة طويلة، مادة علمية موثقة تبرز الحقائق، حتى جاء قرار القيادة العامة للقوات المسلحة بتشكيل لجنة متخصصة من الضباط الذين شاركوا فى الحرب، لمراجعة الوثائق المتعلقة بحرب أكتوبر ١٩٧٣ وتقديمها للجمهور».
وأشار إلى أنه تم تكوين اللجنة من كبار القادة العسكريين السابقين، من الذين لديهم خبرات متنوعة، وكان الهدف من تشكيلها هو مراجعة جميع الوثائق المتاحة فى هيئة البحوث العسكرية، والاجتماع بشكل دورى لمراجعة الوثائق، وتحديد ما يمكن نشره من معلومات، لخدمة الحقيقة وتعزيز الوعى القومى، ومواجهة الأكاذيب التى يتم نشرها من الجانب الآخر، لتحقيق أهداف سياسية ودعائية.
محيى نوح: شاركت فى 92 عملية وطلبت من «عبدالناصر» القتال فى معركة رأس العش رغم إصابتى
قال اللواء محيى نوح أحد أبطال حرب أكتوبر، وقائد المجموعة ٣٩ قتال، إنه شارك فى تنفيذ أكثر من ٩٢ عملية قتالية بعد نكسة ١٩٦٧ مرورًا بحرب الاستنزاف منها عمليات إغارة وكمائن وعمليات خلف خطوط العدو، إضافة لعمليات الاستطلاع، وعمليات داخل إسرائيل نفسها، مثل: منطقة بيسان ومنطقة سيبون، ومنطقة إيلات، حتى تحقيق النصر فى معركة العبور ١٩٧٣.
وأشار إلى أن هذه العمليات شملت تنفيذ إغارة وكمائن خلف خطوط العدو، وأصيب خلالها ٤ مرات، مضيفًا أن معركة رأس العش هى بداية النصر ورجوع الروح القتالية للجنود، حيث كان الرئيس جمال عبدالناصر يتابع المعركة بنفسه.
وأضاف «نوح» أنه عندما أصيب فى العمليات الحربية فوجئ بزيارة الرئيس جمال عبدالناصر له، وبدأ بتحفيز الجنود والأبطال على القتال، ورفع الروح المعنوية لديهم، كما أنه طالب بتطوير الأسلحة، وزيادة الإعداد البدنى وتوفير كل ما يلزم، وكان القائد وقتها الشهيد إبراهيم الرفاعى.
وأشار إلى أنه طلب من الرئيس جمال عبدالناصر، آنذاك، المشاركة فى المعركة رغم إصابته، لأن معركة رأس العش كان بها العديد من العمليات الصعبة الناجحة خلال الحرب، وتعتبر من المعارك الفاصلة فى تاريخ حرب الاستنزاف.
وأضاف أنه استفاد كثيرًا من المعارك الحربية التى خاضها فى أثناء وجوده فى حرب اليمن، مشيرًا إلى أن المقاتل المصرى لم يتح له القتال فى حرب ١٩٦٧، وعندما أتيح له القتال حقق الانتصار، مؤكدًا أن الجيش شهد العديد من التغييرات الجذرية للقيادات عقب حرب ١٩٦٧، وجنّد المؤهلات العليا والمتوسطة لتمكين المجندين من التعامل مع المعدات الحديثة.
وعن تسمية المجموعة ٣٩ قتال بهذا الاسم، قال «نوح» إنه تم تكليفه بالنزول للقاهرة لمقابلة فرع العمليات الخاصة، حيث تقابل مع اللواء إبراهيم الرفاعى، الذى سبق أن خدم معه فى اليمن وطلب منه العمل معه واختيار أفضل العناصر المتميزة.
وأضاف: بدأنا بالعمل تحت عدة مسميات «فرع العمليات والفدائيين والمصريين والكوماندوز المصريين والمجموعة ٣٩ قتال»، حيث يرجع السبب فى تسميتها بهذا الاسم إلى تنفيذها ٣٩ عملية فدائية، وكان الهدف الرئيسى من المجموعة تدمير مواقع العدو، وكسر الحاجز النفسى بيننا وبينهم، ونتجت عن عمليات الإغارة والكمائن وعمليات خلف خطوط العدو تدمير ١٧ دبابة إسرائيلية، و٧٧ مركبة نصف جنزير إسرائيلية، وقتل وإصابة ٤٣٠ إسرائيليًّا، وأسر أول جندى إسرائيلى».
وتابع: «أبناء سيناء كان لهم دور كبير فى مواجهة العدو الصهيونى وكانوا يساعدوننا فى العمليات العسكرية، ومنها عمليات الإغارة والكمائن كانت مستمرة قبل حرب أكتوبر، فضلًا عن أن أهالى سيناء لعبوا دورًا مهمًّا فى مساندة الجيش فى معركة رأس العش، فأبناء القبائل كانوا مع الجنود جنبًا إلى جنب.
وقال إن التدريبات الشاقة للقوات المسلحة وقت وقف إطلاق النار، حقنت الكثير من الدماء وكانت سببًا لتحقيق النصر العظيم، متابعًا: «فى حرب أكتوبر، كانت مهمتى هى تدمير مواقع البترول الخاصة بالعدو على طول ساحل البحر الأحمر، كما كلفت بالتوجه لمنطقة الثغرة للمشاركة فى المعركة، التى استشهد فيها المقدم إبراهيم الرفاعى، وحملت جثمانه وعدت به للقيادة بالإسماعيلية، وهناك كُلفت بمهمة التوجه لجبل مريم لدعم قوات المظلات، ونجحنا فى مهمتنا ومنعنا دخول العدو للإسماعيلية وتدمير موقع فى منطقة نفيشة وأبوعطوة».
وحول ذكرياته عن «خناقة السنترال»، التى جسدها فيلم «الممر»، قال: «كنت فى زيارة للشئون المعنوية، والتقيت هناك المخرج شريف عرفة وتحدثنا معًا وطلب مقابلتى فى مكتبه، وحين ذهبت أخبرنى أنه يتم الإعداد لفيلم عن العمليات العسكرية التى تمت ضد إسرائيل وأن واقعة السنترال سيتم تجسيدها فى الفيلم وأجلسنى مع فريق العمل وسردت لهم الحكاية بكل تفاصيلها، وهى كانت كما ظهرت بالفيلم مع بعض الاختلافات البسيطة».
وأكمل: «الواقعة تعود إلى فترة خدمتى فى منطقة رأس العش عقب حرب ١٩٦٧، وكنت وقتها برتبة نقيب، وبعد أن حصلت على إجازة ذهبت إلى منزلى فى المنصورة وكان هناك سنترال تليفونات كبير به عدد من الكبائن وكنت أرغب فى التواصل مع وحدتى فى بورسعيد، للاطمئنان عليهم، وطلبت من الموظف المسئول تمكينى من ذلك لكننى انتظرت طويلًا».
وأضاف: «كنت وقتها بالزى المدنى، وقررت إخبار موظف السنترال أنى ضابط بالقوات المسلحة، قلت يمكن يهتم، لكن العكس هو الذى حدث، فبدأ يردد عبارات فيها سخرية، فتشاجرت معه، وأثناء ذلك أبلغنى أحد الموظفين بالسنترال أنه يمكننى التواصل مع بورسعيد بواسطة إحدى الكبائن، وبعد أن انتهيت من مكالمتى، فوجئت خلال خروجى من الكابينة بهتافات من عدد من الموظفين ضد القوات المسلحة».
وأشار إلى أن الشعب المصرى كان يدعم القوات المسلحة عقب نكسة ١٩٦٧ من أجل تحقيق النصر، ولكن من كان يسخر من القوات المسلحة وقتها هم أعداء الوطن والاخوان المسلمون.
مجدى شحاتة: كمائن الصاعقة حطمت العدو.. وبدو سيناء قدموا لنا المساعدة والجندى المصرى كان ينتظر العبور وتحقيق النصر
تحدث اللواء أركان حرب مجدى شحاتة، أحد أبطال الصاعقة، وأحد أبطال حرب أكتوبر، عن دور الصاعقة المصرية يوم العبور، وانتصار حرب أكتوبر.
وقال: «الجيش المصرى ومن قبله الدولة كانت تنتظر ١٩٧٣، والكل كان يعمل لصالح القضية، والجميع رفع شعار مصر أولًا، وكان سببًا رئيسيًا فى نجاح حرب ١٩٧٣، بالإضافة إلى التخطيط والتدريب».
وتابع «الجميع كان يجهز نفسه نفسيًا وبالمعدات وكل شىء للقيام بالواجب المنتظر»، مضيفًا أن معركة رأس العش، من أهم المعارك والنقاط التى تم خوضها، فكان هناك فارق كبير قبل ١٩٦٧ وبعد ١٩٦٧، لذلك كنا حريصين على المشاركة فى الدفاع عن الأرض، وتحرير الوطن واستعادة الكرامة».
وأضاف أن معنويات الجيش المصرى بدأت فى الارتفاع مع تزايد العمليات، وانخفضت معنويات الجيش الإسرائيلى، والشعب المصرى كان فى صحوة كبيرة، بالإضافة إلى أنه كان هناك فارق كبير جدًا بيننا وبين العدو الإسرائيلى من حيث العدة والعدد والتكنولوجيا.
وأكمل: «حظى الإسرائيليون بتدريب عالٍ ودعم كبير من الولايات المتحدة والدول الغربية، خاصة فى كمية الذخائر، لم يكن الأمر سهلًا، لا سيما مع احتلال العدو الضفة الشرقية لقناة السويس وتجهيزها بساتر قوى ومعدات تكنولوجية عالية الجودة، ولكن بالإرادة والعدة كان الانتصار المصرى فى ١٩٧٣».
وقال: «استطعنا أن نعبر هذا المانع المائى وتمكنا من القضاء على عدد كبير من الجنود الإسرائيليين، وكانت مهمتنا عمل كمين على الطريق السريع، وكنا مطالبين بأن ننتظر حتى مرور قوات العدو، ثم نقطع عليهم الطريق، لتحقيق خسائر كبيرة جدًا فى صفوفهم، وحققت قوات الصاعقة نتائج كبيرة، وكانت مهمة الكتيبة عبور خليج السويس بالطائرات والقوارب لتنفيذ الكمائن والإغارات بجنوب سيناء ضد قوات العدو، ومنعه من التقدم غربًا وشمالًا»، مشددًا على أن أهالى سيناء كان لهم دور كبير فى الحرب ومواجهة العدو.
وتابع: «كانت هناك عمليات أخرى ومواجهات وخروج فصائل وسرايا لمواجهة العدو، وخلال تلك الفترة قام العدو بتسيير حافلة دون ركاب للتحرك من الجنوب للشمال، كاستطلاع لجس النبض، وبعدها بيوم، مع اختفاء ضوء النهار، كانت هناك تحركات من حافلات ومعدات العدو، وفرح الجنود، واتفقنا على أن إشارة البدء هى كلمة «الله أكبر»، وبدأ الضرب، وكنا حوالى ٤٠ فردًا مقاتلًا، وشعرت حينها أننا أكثر من ٤٠٠٠ واحد، وحافلات العدو حينها تحولت إلى قطع متناثرة، وتحولت ضحكات العدو إلى صراخ وعويل غير طبيعى».
وأردف: «توقعنا آنذاك رجوع العدو بقوة أكبر وظلت الاشتباكات يوميًا حتى تحقيق الانتصار، وكبدنا إسرائيل خسائر فادحة، كنا بعيدين عن أقرب خطوط لقواتنا بمسافة ٢٠٠ كيلومتر، وأتذكر أننا فور عودتنا طلب المشير أحمد إسماعيل مقابلتنا، وكنت وقتها برتبة نقيب صاعقة».
وأضاف: «كانت هناك مهمة نفذتها مجموعة الصاعقة بالكتيبة ٨٣، لتشتيت القوات الإسرائيلية فى جنوب سيناء خوفًا من توحدها وتوجهها نحو القوات المصرية فى القناة، فظللنا كل تلك الفترة ننصب الكمائن».
وامتدح اللواء أركان حرب شحاتة، الجندى المصرى، واصفًا إياه بـ«البطل»، وقال: «هم أبطال، وكانوا ينتظرون العبور، وتحقيق النصر، واستطعنا بمعاونة البدو الشرفاء فى الجنوب العودة وكان لهم دور كبير ومهم جدًا».
جمال شقرة: جولدا مائير كانت تصرخ من شدة الضربات فى حرب الاستنزاف وتقول: «دعونى أقابل عبدالناصر»
قال الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس، إن الشخصية المصرية تتميز بـ١٥ سمة موجودة فيها عبر التاريخ.
وأضاف أن من هذه الصفات، التدين المعتدل، والارتباط بالأرض، مضيفًا أن الانسان المصرى لا يترك أرضه أبدًا ويتمتع بالذكاء، وأن شخصيات عالمية كثيرة تحدثت عن الشخصية المصرية، مثل نابليون بونابرت الذى وصفها بالقوة والقدرة.
وتابع: «العدو الإسرائيلى حاول اختطاف مصر، عبر مؤامرة كبرى فى ١٩٦٧، وكانت مؤامرة مدبرة من الولايات المتحدة بعد رفض الرئيس عبدالناصر التبعية لها».
وأضاف «إسرائيل لم تكن متوقعة إمكانية حدوث العبور من القوات المسلحة المصرية على الإطلاق، لكنها تعرضت لخداع استراتيجى شهد به قادة إسرائيل وقت الحرب مثل موشيه ديان وجولدا مائير».
وأشار إلى أن العدو لم يغير أفكاره بالنسبة لمصر بعد كل هذه السنوات، قائلًا: «مصر أهم بلد فى الدنيا، وهذا يعرفه العدو جيدًا، ويذكره فى وثائقه».
وتابع: «العدو لم يكن فى أمان بعد ٦٧، بل كان مرعوبًا من الثأر والانتقام، وهو ما تم ذكره فى الوثائق العبرية وشهادات القادة الإسرائيليين، وهذا جاء فى وثائق مناحم بيجن وكتابات غيره من الإسرائيليين».
وأكمل: «بحثت عن وثائق حرب الاستنزاف وبحثت فى الشهادات الإسرائيلية وجمعت ذلك فى كتيب، وأى قارئ سيندهش من تلك الوثائق، والتى تقول إن مصر حققت ما تريده فى حرب الاستنزاف، وإن إسرائيل لم تحقق أى نصر فى تلك الفترة، وحتى مع ضرب معامل التكرير وبحر البقر، لم يهتز المصرى، فالشخصية المصرية تتسم بالقوة والحيرة».
وتطرق إلى شهادات قادة إسرائيل ومنها شهادة «جولدا مائير» والتى نقلها مترجمة، وأظهرت كيف كانت تصرخ وتقول «أريد أن أذهب لعبدالناصر فى أى مكان لوقف حرب الاستنزاف».
وتابع: «تم التدريب على مواجهة العدو خلال حرب الاستنزاف، وتمت مواجهة المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية، ولم تحدث أخطاء فى الجبهة المصرية، فالشعب تحرك وأمر «عبدالناصر» بالاستمرار، وهذا هو إعجاز الشعب والجيش بوقوفهما يدًا واحدة وتجهيزهما للعبور».
وتطرق إلى أن السادات كان حريصًا على إعداد الجيش، وسبب تأخيره قرار العبور كان رغبته الشديدة فى التأكد من قدرات الجيش المصرى.
وقال «كيسنجر ذكر أنه لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية إقناع إسرائيل بالتنازل عن أرض أخذتها بالقوة، وكذلك تحدث مع حافظ إسماعيل ووزراء الخارجية العرب أثناء وجودهم بالأمم المتحدة، ممازحًا إياهم قائلًا: متنسوش إنى يهودى».
وتطرق لما كتبته الصحافة العالمية عن انتصار أكتوبر، حيث أشادت به كثيرًا، مستشهدًا بعدد من نماذج الموضوعات التى كتبت فى تلك الفترة.
وقال: «يجب أن نفخر بعمليات حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر التى أظهرت الشخصية المصرية الحقيقية، وهذه حرب لن تتكرر عبر التاريخ».
محمد الغبارى: تمت إعادة تنظيم الجيش ورفع كفاءة الأسلحة والمعدات والآليات العسكرية
قال اللواء محمد الغبارى، مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق، وأحد أبطال حرب أكتوبر، إن إعادة تنظيم القوات المسلحة بدأت فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وكان ذلك فى أعقاب تراجعه عن الاستقالة وإنشاء مجلس الدفاع الوطنى فى أبريل ١٩٦٨، والذى كان مسئولًا عن السياسة العسكرية المصرية والمختص بإعداد التخطيط الاستراتيجى للشأن العسكرى، موضحًا أن ذلك حوّل آلية اتخاذ القرار من الحالة الفردية إلى الحالة الجماعية.
ولفت «الغبارى» إلى أن ذلك انعكس على القوات المسلحة المصرية بشكل عميق من خلال تقسيم المناطق الجغرافية إلى الجيشين الثانى والثالث، وتحديد مهام كل منهما وتعبئتهما، علاوة على إنشاء قيادة الدفاع الجوى مع إعادة تنظيم الفرق العسكرية، وعلى سبيل المثال اللواء مشاة كان مقتصرًا على ٣ كتائب مشاة فقط، ولكن تمت إضافة فرقة مشاة ميكانيكى له و٢ لواء مشاة مدرع كقوة إضافية للفرقة الأساسية، وكذلك ضم المدفعية والدفاع الجوى ضمن التشكيلات الأساسية للفرقة، فأصبحت الفرقة تشكيلًا قادرًا على القتال فى المهمات الكبيرة.
وأوضح أن من ضمن العوائق التى قابلتهم قبل الحرب عدم امتلاك الجيش المصرى أسلحة هجومية وقتها، وهو ما عملت قيادة الجيش على معالجته بأسرع وقت، من خلال رفع كفاءة الأسلحة والمعدات والآلات العسكرية التى كنا نمتلكها وقتها، بالإضافة إلى تحديد مناطق جغرافية فى دول الجوار، مثل سوريا كمحطة أقرب تمكننا من توجيه ضربات مباشرة للعدو.
وعن ساحات الإسقاط وقت عبور القناة، يقول «الغبارى»: إنه تم البحث عن طرق للإنزال فى الضفة الشرقية للقناة، من خلال تمهيد الطرق فى الضفة الغربية بالإسماعيلية عبر شط القناة، فكان القرار بإنشاء ساحات الإسقاط خلف الساتر الترابى المقابل للمجرى الملاحى، وتكونت من الكوبرى الرئيسى للفرقة والاحتياطى والمعديات المخصصة لعبور الدبابات قبل تركيب الكبارى، بالإضافة إلى البرمائيات التى تحمل المدافع والسيارات، وكل ذلك فى ساحة إسقاط واحدة يتحكم فيها ضابط عمليات من قيادة عمليات الفرقة، بجانب ضابط مهندس لمتابعة أمر الكبارى وضابط شرطة عسكرية بما تُسمى «نقطة مراجعة».
وعن يوم العبور، قال إنه تسلم من قادته ظرفًا فى صباح يوم ٦ أكتوبر، ومن المقرر فتحه الساعة الواحدة ظهرًا، وكانت به جداول العبور الخاصة بهم فى النقطة المتمركزين فيها، ونفذ دوره كضابط عمليات ينظم أعمال العبور هذه كلها بالتنسيق مع كبار قادة المنطقة العسكرية.
وأوضح «الغبارى» أن الخسائر فى صفوف القوات المصرية خلال حرب أكتوبر كانت ١٪، وكان من المتوقع وصولها إلى ٦٠٪ لو أن إسرائيل أجرت التعبئة، ولكنها لم تفعل بسبب خطة الخداع الاستراتيجى التى نفذتها القوات المصرية، وخدعت كل أجهزة المخابرات العالمية.
وأشار إلى أن مصر كانت تنفذ مشروعًا استراتيجيًا مرتين فى العام، وكل مرة كانت تقابله إسرائيل بالتعبئة، ومع تكراره اعتقدوا فى تل أبيب أن «السادات» يضحك بالمشروع الاستراتيجى على المصريين، لذا توقفت التعبئة الإسرائيلية، لأن تكلفتها كانت ضخمة، مؤكدًا أن المخابرات الإسرائيلية كانت لا تتوقع دخول مصر الحرب، بحجة أنها لا تملك أسلحة هجومية.
حمدى بخيت: كل فئات وطوائف الشعب المصرى توحدت تحت مظلة واحدة اسمها «القوات المسلحة»
قال اللواء أركان حرب حمدى بخيت، أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة ومستشار كلية القادة والأركان، إنه كان يعد كل عام فى ذكرى انتصارات أكتوبر عددًا من الأفكار والمحاور للتحدث حولها خلال الاحتفال، للخروج بعدة استنتاجات وفوائد لتحصيل الخبرة المكتسبة من هذه الملحمة الكبرى التى صنعها الجيش المصرى فى أكتوبر ١٩٧٣.
وأكد «بخيت» أنه نفذ هذه الفكرة على مدار عامين واستخلص فى العام الأول الدروس المستفادة من حرب أكتوبر، وفى العام التالى كانت تجربته بعنوان «أكتوبر الملهم»، وفى عامنا هذا أعد ملفًا بعنوان «روشتة أكتوبر»، لافتًا إلى أن ذلك يدور حول ٣ عناصر أولها الوفاق الوطنى، بالإضافة إلى الوعى الوطنى لدى جموع الشعب، علاوة على الإرادة الوطنية، التى تمكن الدول من تحقيق أهدافها بكل قوة.
وضرب مثلًا بالوفاق الوطنى المصرى خلال حرب أكتوبر، حيث اجتماع الشعب المصرى وجيشه على قلب رجل واحد، الأمر الذى مكننا من الصمود لاستعادة أرض سيناء، بجانب قدرة الجيش على إعادة بناء نفسه وقدراته، كذلك توحد طوائف الأمة المصرية كلها معًا من كل الأقاليم الجغرافية فى مصر، من بينها مختلف الفئات العمرية والتعليمية والرجل والمرأة، ليتمكنوا جميعًا من عزف نغمة واحدة هى استعادة التراب الوطنى كغاية موحدة لهم جميعًا.
واستشهد «بخيت» بقيادات القوات المسلحة بين مسلم ومسيحى، وصعيدى ونوبى، واصفًا ذلك بانصهار الكل تحت مظلة وطنية واحدة اسمها القوات المسلحة المصرية، كما أشار إلى دور المرأة وقت الحرب فى تقديم ابنها لدعم المجهود الحربى، ونوه بالشباب وحماسه لاستعادة الأرض، بالإضافة إلى دور أجهزة ومؤسسات الدولة التى عملت على مدار سنوات للإعداد والتجهيز لهذا العمل العسكرى الكبير، مع دور القطاع الخاص الذى دعم ذلك المجهود الحربى.
وأوضح بخيت أنه تشكل لدى مصر فى هذا التوقيت وعى وطنى خاص غير مسبوق، نابع من إصرار الشعب المصرى على الثأر واستعادة الأرض، بالإضافة إلى الإيمان بهدف المعركة واستعادة الأرض، والصبر على تحقيق ذلك الهدف، والسعى بكل الطاقات لتحقيق الغاية من الحرب.
وأشار «بخيت» إلى دور أجهزة المعلومات فى الدولة المصرية وقتها فى قياس الرأى العام وتوجيهه نحو بوصلة وطنية واستنهاض همته مع إطلاق برامج إذاعية وتليفزيونية مع الأفلام السينمائية وقتها تهدف لرفع الوعى بما يجرى فى الإقليم والتحديات التى تواجه الأمن القومى المصرى، مع تنوع مصادر تشكيل وعى الأمة وقتها، وكان أهمها البيت والمدرسة والجامعة والأحزاب السياسية العاملة التى قدمت عملًا سياسيًا وطنيًا دعم المجهود الحربى، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدنى الوطنية.
ولفت «بخيت» إلى دور الإعلام الكبير فى تشكيل الوعى، مؤكدًا أن الإعلام المصرى وقت حرب أكتوبر شارك فى خطة الخداع الاستراتيجية.
وأكد اللواء حمدى بخيت أن الإرادة تشكلت بوضوح من أجل تحقيق الهدف، وهذا ما مكن جيل أكتوبر من استعادة التراب الوطنى والكرامة المصرية والعربية، جاء ذلك وفقًا لتكليف القيادة العامة للقوات المسلحة باستعادة الأرض وتكبيد العدو أكبر كم من الخسائر، مؤكدًا أنه تم تسخير كل الإمكانات لتحقيق ذلك الهدف، مع التخطيط الواقعى للأحداث، دون تهوين أو تهويل، وهذا ما حقق عبقرية قرار العبور فى اختيار اليوم والساعة وكيفية الخداع بكل الأشكال.
وكشف عن أنه تم إعداد مجموعة كبيرة من الدراسات للتغلب على مصاعب الحرب أولاها أسلوب اقتحام الساتر الترابى، وكيفية الهجوم على النقاط الحصينة، وكيفية إغلاق مواسير اللهب، وطرق صعود الجنود للساتر الترابى بالسلالم الحبال بعد عبور القناة، وكيفية عبور الجندى الضفة الشرقية دون دبابة كفرد مشاة فى مواجهة آلات عسكرية، ما شكل إعجازًا كبيرًا ناتجًا عن التخطيط الدقيق والجيد والواقعى.
ولفت إلى أن الجيش المصرى جهز وقتها ٥٠٠ دشمة طائرات وما يزيد على ألف موقع للمدفعية وأكثر من عشرين ممرًا فى الساتر الترابى، مع إعداد الطرق وتمهيدها لعبور القوات، وأشار كذلك إلى عامل بناء الكوادر فى وقت الحرب وتجهيزها على أعلى مستوى.
واختتم حديثه بعوامل رفع الحالة النفسية ما قبل الحرب والتى بدورها رفعت الروح القتالية لدى الجنود لإصرارهم الشديد على تحرير الأرض واستعادة شرف وكرامة الأمة، ودلل على ذلك بأن فترة التجنيد قبل الحرب امتدت لـ١٢ عامًا بداية من حرب اليمن وصولًا لحرب أكتوبر ٧٣، ما عبر عن الروح القتالية والعقيدة المتفانية لديهم على الثأر وتحرير أرض سيناء.