سيكولوجية الاستوزار فى عموم الديار
الوزير قبل استوزاره شخص مصرى طيب القلب متجاوب ومتصالح مع نفسه ومع الناس، يرد عليك السلام بأفضل مما تقول- تراه كثيرًا فى المسجد والشارع والمقهى والنادى وعلى السوشيال ميديا تراه متفاعلًا، ولو على سبيل التلايك بليكاية يتيمة، وتراه اجتماعيًا فى الأفراح والأحزان والمناسبات، وحينما يستوزر سواء كان حاملًا لحقيبة وزارية أو محافظًا لإحدى المحافظات- يتحول الشخص الوزير، ويصبح إنسانًا مستوزرًا- إنسان بشرطة، وحتى نكون منصفين البعض منهم يعمل ميدانيًا ومكتبيًا بما لا يتيح له مشاهدة أولاده وأحفاده وأسرته وأصحابه، وتلك ضريبة قاسية يدفعها الوزير وأسرته.
الإنسان الوزير قد يصبح وزير إنسان عطوف على الرعية طيب القلب مفعم بالحنية- عظيم الإنسانية، وهم نوعية من الوزراء لا يستمرون كثيرًا، وفى غالب الأحيان يستمر معنا وزراء يقولون إنهم خبرة خابرون خبراء فى البيروقراطية الحكومية وطرائق الاستدامة على المقاعد الوزارية، وكثير منهم له علاقة مغناطيسية مع الكرسى.
فى وقت سابق، أعاد محافظ أسيوط السابق لوزارة المالية أكثر من 70% من الموازنة الاستثمارية للمحافظة، وذلك ليس لأنه محافظ مدبراتى تعلم فى حصة التدبير المنزلى كيف يقتصد كما سيدة تدبر فى الميزانية لزوجها الشقيان، وليس محبة فى وزير المالية السابق معيط، ولكن محبة فى نسبة 10% التى تمنح للمحافظ الدبر بكسر الدال وليس بضمها، ورغم أن أسيوط فى أيامه صارت خربة تعرفها من تلال القمامة ومطبات شوارعها- ورغم أنها ليست محافظة أوروبية أو إسكندنافية غنية، وتحتاج الموازنات التى ترصدها الدولة- إلا أن معاليه رد الهبة للحكومة- وكأنه يقول للحكومة «مش عايزين من وشك حاجة»، وأسيوط ربما ليس لديها تراب تكحه.
وأعرف محافظًا آخر لمحافظة صعيدية علم بخروجه فى التشكيل الأخير، وقد طلب سيادته مضاعفة موازنة الخطة الاستثمارية، وتبين أنه يعظم المخصصات المالية حتى يعيد المخصصات للحكومة- طمعًا فى العمولة العشرية.
وقد أحسب أن المحافظ يُمنح العشرة فى المائة إذا أقيم مشروع تكلفته مائة مليون وقد استطاع بحركته ومتابعته وعبقريته أن يوفر 20 مليونًا مثلًا، وهنا تكون النسبة المقررة جائزة له- أما أن يطلب سيادته موازنة ضخمة، ويحرم الناس، ويقتر عليهم كما الأب البخيل الذى يرى أمامه أطفاله ممزقة ملابسهم يتضورون جوعًا، ويمنع عنهم المال- فإنه محافظ يستحق العقاب وسوء العاقبة.
وعلى النقيض أعرف محافظين ناجحين طلبوا دعمًا للخطة الاستثمارية، وللأسف الشديد خرجوا فى حركة المحافظين الأخيرة بينما استمر الخبراء فى تستيف الأوراق والشفط «والشقط» لأموال الدولة، وهنا يتأكد لنا أن النوعية الأخيرة من المحافظين ليسوا خبراء ولكن خوابير- إنه الفارق الواقعى بين الوزير الخبير والخابور الكبير.
سيكولوجية الوزير عقب صدمة الخروج المباغت- حالة قمصان، بالبلدى معاليه «بيتقمص» شويتين، ومن نعمة الله على عباده من الوزراء نعمة النسيان وربما التوهان- فيما يرضى البعض منهم بالقضاء والقدر وهم الوزراء المتصالحون مع أنفسهم، والذين يدركون قبل المنصب أن الكرسى كما كرسى الحلاقين كم من المستوزرين جلس عليه، وكم من وزراء سوف يجلسون عليه-القيمة الحقيقية أن يستغل المسئول الكرسى فى تنمية الوطن.
ومن الوزير الخبير إلى الوزير الذى جعل الله له من اسمه نصيبًا، الوزير كامل الوزير، والذى
كتبت فى هذه المساحة مؤيدًا ومدافعًا عنه، وهو دفاع مستحق بشواهد واقعية- أعقبته حملة من الهجوم الإلكترونى مما يؤذى المشاعر المرهفة لأمثالى، ولكنى الآن أختلف مع الوزير لأنه حاول تفتيشى واقتناص ٥٠ جنيهًا رسوم الدخول لمحطة رمسيس، وقد كنت مسافرًا لزيارة عائلتى فى أسيوط وكان برفقتى نجلى محمد، وكان يحمل عنى حقائبى- بديلًا عن الشيال حتى أوفر عشرة جنيهات، وإذا بمعاليه يفرض خمسين جنيهًا دفعة واحدة، وما لا يعرفه معالى الوزير أن العبد لله نتاج خلطة بين الخواجة كوهين والخواجة صروف وأختهما راشيل وفى قول أدق- خليفة المفكر توفيق الحكيم فى حرصه وتقتيره رغم بحبوحته الفكرية والأدبية.
معالى الوزير لم يمكن ابنى، وهو الذى كنت أحمله فوق كتفى وظهرى ليرد الجميل لأبوه- منعه من أداء هذا الدور الإنسانى فارضًا رسوم ٥٠ جنيهًا لدخول المحطة، وهى رسوم مجحفة، وعلى مداخل المحطة هناك بوابات بذكاء اصطناعى تمنع الأهل من وداع ذويهم- يرى البعض أنها رسوم انتظار فى التكييف وقد لوحظ كثيرون يستمتعون بالتكييف لفترات طويلة نظرًا لارتفاع فاتورة الكهرباء فى بيوتهم، ويقول البعض إنها رسوم وداع ونحنحة فارغة ودموع وداع وربما دموع تزرفها العيون حزنًا على تذكرة عبور البوابة فئة 50 جنيهًا، وربما خوفًا من قادم يكون الدخول فيه إلى غرفة برفقة أم العيال بكارت ممغنط مسبوق الدفع، ورسالتى لمعالى الوزير الذى أشرف بمعارضته وليس مكايدته أن يتم تخفيض المبلغ لخمسة جنيهات فقط، وآمل أن توقف الحكومة مثل هذه الحركات التى تخلق حالة عداء مجانى وغضب يتراكم فى النفوس- حتى يشعر المواطن بأنه مواطن مبخوت وليس منحوسًا.