تحت الحصار.. قصة "نور سويركي" تكشف معاناة الصحفيين في غزة جراء العدوان
مع اقتراب الحرب الدموية التي تشنها إسرائيل على غزة من عامها الأول، سلطت صحيفة “يو إس إيه توداي” الأمريكية الضوء على معاناة صحفية فلسطينية تعاني من كوابيس متكررة حول عدم قدرتها على الخروج من القطاع المنكوب، فيما تحاول البقاء على قيد الحياة بنفسها.
وتحت عنوان: "محاصرة في غزة: كابوس امرأة لمدة عام − بلا مخرج أثناء الحرب"، نقلت الصحيفة الأمريكية في تقرير مطول معاناة الصحفية التليفزيونية الفلسطينية نور سويركي، التي فشلت على مدارعام من مغادرة غزة والوصول إلى أطفالها في مصر لأسباب مختلفة، منها أن السيارة التي من المفترض أن تقلها إلى بر الأمان لا تعمل، وفي بعض الأحيان تكون حقائبها ثقيلة جدًا بحيث لا يمكن حملها، وفي بعض الأحيان تمنعها الحشود، وفي كثير من الأحيان أو معظم الوقت، لا تفهم لماذا لا تستطيع المغادرة.
وقالت الصحيفة إن كل أحلام سويركي الآن تتعلق بالإخلاء، وأن هذا "كابوس حياتها الحقيقي"، موضحة أنه مع استمرار الحرب، أصبح الوقت غير واضح بالنسبة لسويركي، وأصبح من الصعب عليها أن تفهم أو حتى تفكر في الدمار الذي حدث في العام الماضي.
وأضافت: "لم يعد العديد من الأشخاص والأشياء التي كانت تعرفها سويركي، والعديد من الشوارع التي كانت تعرفها، موجودة لتراها أو تلمسها".
وأشارت إلى أن هناك شيئين يثقلان كاهل سويركي بشكل خاص مع اقتراب الحرب من عامها الأول بسبب الوعد الذي يحملانه، وهما رؤية أطفالها مرة أخرى وما تبقى من عائلتها.
أطفال سويركي اسميهما جمال، 11 عامًا، وعلياء، 13 عامًا. قامت هي وزوجها سالم، وهو أيضًا صحفي في غزة، بإجلاء أطفالهما إلى القاهرة في أبريل، حيث يقيمان مع شقيقة والدتهما ووالديهما ولم تجتمع الأسرة المكونة من أربعة أفراد منذ ذلك الحين. وفي لحظاتها المظلمة، تتساءل سويركي عما إذا كان سيجتمعون يومًا ما.
وقالت سويريكي في حديثها "يو إس إيه توداي": "أشعر بالارتياح لأنهم في مكان آمن. أفتقدهم كثيرًا. أريد فقط أن أبقى على قيد الحياة لألتقي بهم مرة أخرى".
عام واحد في غزة.. أربع مرات نازحة
في غزة، لم تكن تجارب عائلة سويركي على مدى الأشهر الاثنى عشر الماضية غير نمطية؛ إذ إنهم من بين ما يقرب من مليوني شخص من سكان غزة - 9 من كل 10، وفقًا للأمم المتحدة - الذين نزحوا داخليًا مرة واحدة على الأقل منذ 7 أكتوبر 2023.
ودُمر منزلهم في مدينة غزة في غارة جوية إسرائيلية، ففروا بحثًا عن مأوى أكثر أمانًا أربع مرات. ومثل معظم سكان غزة، كانوا يفتقرون إلى الوصول إلى الغذاء الكافي والمياه النظيفة والصرف الصحي والرعاية الصحية.
لقد رأوا أفراد الأسرة والأصدقاء والزملاء يُقتلون دون أن يكون لديهم سوى القليل من الوقت أو المساحة المادية للتفكير في هذا الحزن.
قبل أسبوع من بدء الحرب، كتبت نور سويركي على فيسبوك عن مدى طرافتها في أن ابنها يصنع مقاطع فيديو قصيرة عن نتائج مباريات كرة القدم بدلًا من الدراسة لامتحان الرياضيات.
وقالت: "أفكر في كيف تمر الحياة من حولنا في عوالم موازية بعيدة عن هنا، وكيف لا يمكن للمرء أن يكون حاضرًا في حياته بل يشهد مرورها فقط. تمر الأشياء والوقت دون معنى، دون غرض".
وبشأن أطفال سويركي، أشارت الصحيفة إلى أنه في رفح، جنوب غزة بالقرب من الحدود مع مصر، هربت الأسرة من بؤس الاضطرار إلى العيش في خيمة، حيث تمتد المخيمات لأميال وتنتشر في الحقول والشوارع والأماكن الفارغة أو المدمرة. لكن المأوى الذي كانوا فيه لم يوفر أي راحة إضافية. ولم يشعر أحد بالأمان.
وأوضحت أن جمال وعلياء سويركي كانا يقضيان أجزاء كبيرة من يومهما في البحث عن الحطب للطهي أو الوقوف في طابور للحصول على الماء. ولم يكن الدراسة واردة، حيث كان هناك عدد قليل من الكتب.
وكانت خدمة الإنترنت والهاتف المحمول متقطعة، وفي نهاية المطاف أصيب الطفلان بالتهاب الكبد، الناجم عن شرب مياه ملوثة بمياه الصرف الصحي الخام.
قالت سويركي عن الوقت الذي قضته الأسرة في رفح: "لم تكن هناك بنية تحتية. لم يكن هناك مكان نذهب إليه حرفيًا. كانت ملابسنا متسخة. لم يكن هناك طريقة للاستحمام. كان الأمر صعبًا للغاية بالنسبة لي كأم".
في فبراير ومارس، أصبح من الواضح أن إسرائيل كانت تستعد لشن هجوم شامل على رفح.
وأضافت الصحيفة، وبالفعل "شن جيش الاحتلال الإسرائيلي غارات جوية على رفح بدا للفلسطينيين الذين لجأوا إليها أنها عشوائية إلى حد كبير، رغم أن إسرائيل نفت ذلك".
وتابعت: وفي الثاني عشر من فبراير، استشهد أكثر من مائة شخص، وفقًا لتقديرات جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني ومنظمات إغاثة أخرى، في رفح في غارات جوية وصفتها بعض وسائل الإعلام بأنها "مذبحة السوبر بول" لأنها تزامنت مع السوبر بول.
وأشارت نقلا عن سويريكي إلى أن "الحالة النفسية للأطفال كانت تتدهور. وكانوا يفقدون الوزن. وظلوا يطلبون نقلهم إلى مكان أكثر أمانًا، حيث لم يعد بامكانهم تحمل سماع القصف والقذائف".
وذكرت أن قرار إرسال أطفال سويركي إلى القاهرة، قرارًا سهلًا بالنسبة لنور وزوجها، حيث كانا يناقشان الأمر بشكل مكثف على مدى أشهر. وكانا في صراع يائس بشأن ما ينبغي لهم أن يفعلاه.
وباعتبارهم صحفيين، فقد شعروا بأنهم ملزمون بالتواجد في الميدان قدر استطاعتهم لتوثيق تأثير الحرب على غزة. وقد دفع العديد من زملائهم أغلى ثمن ـ حياتهم ـ للقيام بذلك. وتحدث الصحفيون في غزة مرارًا في العام الماضي، وأحيانًا على الهواء مباشرة، عن كيف اتصلت بهم قوات الاحتلال الإسرائيلية وأخبرتهم أنهم وأسرهم سوف يصبحون هدفًا للهجوم.