رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

واشنطن.. الأكثر احتياجًا للتصعيد ضد إيران!

كان الهجوم الصاروخى الباليستى الإيرانى على إسرائيل، يوم الثلاثاء الماضى، فى رأى الخبراء، الأكبر والأكثر تعقيدًا، وشمل أسلحة أكثر تقدمًا من ضربات أبريل الماضى، مما وضع ضغوطًا أكبر على الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية، وسمح لمزيد من الرءوس الحربية بالمرور.. وعلى الرغم من أن حطام أكثر من مائة وثمانين صاروخًا لا يزال قيد التجميع والتحليل، يقول الخبراء إن الهجمات الأخيرة يبدو أنها استخدمت صواريخ فاتح ـ1 وخيبر شيخان الإيرانية، والتى يبلغ مداها حوالى ألف وأربعمائة كيلو مترًا.. وقالت إيران إن كلا الصاروخين يحملان رءوسًا حربية قادرة على المناورة، وهو ما قد يجعل الدفاع أكثر صعوبة، ويستخدمان الوقود الصلب، مما يعنى أنه يمكن إطلاقهما دون سابق إنذار، والتحضير لإطلاق الصواريخ يتم فى وقت أقصر، وذلك يعنى وصول تلك الصواريخ كلها فى وقت واحد، لزيادة الضغط على الدفاعات الجوية، على عكس ما تم فى هجوم أبريل، الذى اعترضته، إلى حد كبير، الدفاعات الصاروخية الأمريكية والإسرائيلية.. إذ كان أغلبها صواريخ باليستية من طراز «عماد»، التى تعمل بالوقود السائل، وكان معدل فشلها 50%، وكانت دقتها كافية فقط لضرب هدف يزيد قطره على كيلو متر واحد.
وزارة الدفاع الأمريكية أشركت مدمرتين تابعتين لبحرية الولايات المتحدة، أطلقتا نحو اثنى عشرة صاروخًا اعتراضيًا ضد الصواريخ الباليستية الإيرانية، وهى تمثل إنتاج المصانع الأمريكية من هذا النوع فى عام، مما يعكس أزمة لدى واشنطن فى توفير هذا النوع من الصواريخ الدفاعية لقطعها البحرية فى المنطقة.. وقد حذر مالكولم ديفيس، المحلل فى المعهد الأسترالى للسياسة الاستراتيجية، من أن الهجمات الإيرانية المستقبلية، قد تكون أكثر تعقيدًا وتستخدم عددًا أكبر من الصواريخ، «إذا شن الإيرانيون هجومًا آخر أكبر بكثير، فمن المرجح أن يمر المزيد من الصواريخ، خصوصًا إذا تم تنسيق هجمات الصواريخ الباليستية مع هجمات الصواريخ المجنحة والطائرات بدون طيار.. لذلك، لا أعتقد أننا رأينا أقصى نطاق للهجوم بأى حال من الأحوال».
هذه الهجمات الإيرانية تستنزف مخزونات إسرائيل من الصواريخ، فإطلاق صاروخ واحد من نوع «حيتس» يكلف ملايين الدولارات، والإمدادات محدودة، إلا أن الرئيس التنفيذى لشركة الصناعات الجوية الإسرائيلية، بواز ليفى، تعهد بتسريع الإنتاج وتوفير الذخيرة الإضافية للقوات الإسرائيلية، بعد أن أطلقت إيران ما يقرب من مائتى صاروخ باليستى على إسرائيل، انضمت المدمرات البحرية الأمريكية إلى وحدات الدفاع الجوى الإسرائيلية، فى إطلاق الصواريخ الاعتراضية فى محاولة لإسقاط الصواريخ القادمة، التى أعلنت طهران إنها ردًا على سلسلة من الاغتيالات الإسرائيلية لمسئولين كبار من إيران وحماس وحزب الله، وأنها اكتملت الآن، ما لم ترد إسرائيل.
إلا أن مسئولين قالوا لموقع أكسيوس إن إسرائيل ستشن «ردًا قويًا» خلال أيام، قد يستهدف منشآت إنتاج النفط ومواقع استراتيجية أخرى، لأن إسرائيل وإيران لم تكونا أقرب فى أى وقت مضى مثل الآن، لفتح جبهة جديدة وأكثر خطورة فى الحرب التى اجتاحت الشرق الأوسط.. وقد هددت إيران بأنها ستهاجم إسرائيل مرة أخرى، إذا ردت بالقوة على هجمتها الصاروخية الأخيرة.. بينما يقول المسئولون الإسرائيليون، إن كل الخيارات ستكون على الطاولة، بما فى ذلك توجيه ضربات للمنشآت النووية الإيرانية، وهو ما دفع مسئولا إسرائيليًا، للقول بأن «لدينا علامة استفهام كبيرة، حول كيفية رد الإيرانيين على أى هجوم، لكننا نأخذ فى الاعتبار احتمال أن يذهبوا إلى أبعد مدى، وهو ما سيكون لعبة مختلفة تمامًا»، لأن رد إسرائيل على الهجوم الإيرانى الصاروخى وبالطائرات بدون طيار فى أبريل الماضى، كان ضربة إسرائيلية محدودة للغاية، ضد بطارية دفاع جوى من طراز S-300 فى إيران، وأنهت تبادل الهجمات المباشرة، إلا أن الرد الإسرائيلى سيكون هذه المرة أكثر أهمية.
●●●
الضربة شبه المفاجئة لواشنطن وتل أبيب، دفعت المسئولين فى كلا البلدين إلى التعليق ببيانات مُرتجلة، لم تستند إلى معلومات تخص ما حدث على الأرض فى إسرائيل، عشية الهجوم الإيرانى.. قال رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، الذى اختبأ مع عدد من الوزراء أثناء الهجوم فى مكان مُحصن تحت الأرض بمدينة القدس، إن الهجوم الصاروخى الإيرانى على إسرائيل قد فشل، مُهددًا بأن طهران ارتكبت خطأ كبيرًا وستدفع ثمنه.. وقال الجيش الإسرائيلى بعد تعرضه للهجوم الإيرانى غير المسبوق، إنه سيختار الوقت المناسب لإثبات قدراته الهجومية الدقيقة المباغتة للرد على إيران، «سنقرر طريقة الرد.. متى وأين وكيف؟».. وادعى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى، دانيال هاجارى، أن الهجوم الإيرانى لم يلحق أى ضرر بكفاءة سلاح الجو ولا فى الطائرات ولا أنظمة الدفاع والرصد، بل إن القوات الجوية ستواصل شن هجمات قوية فى منطقة الشرق الأوسط.. وكشف هاجارى عن تعاون وثيق، بين أنظمة الدفاع الجوى الإسرائيلية والأمريكية فى رصد واعتراض الصواريخ الإيرانية، وقالت هيئة البث الإسرائيلية، إنه من المتوقع أن يتخذ المجلس الوزارى المصغر قرارًا بشأن طبيعة الرد على إيران، وأن أى قرار سيُتخذ، سيُعتبر دراماتيكيًا، وقد يقود إلى إشعال حرب إقليمية.
وواصل المسئولون الإسرائيليون والأمريكيون ردة فعلهم، على خيبة الأمل التى مُنيت بها الدفاعات الإسرائيلية والحليفة، وبينما قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلى، هرتسى هاليفى، إن الجيش سيثبت قدراته الهجومية الدقيقة والمفاجئة، وفقًا لتوجيهات المستوى السياسى.. قال زعيم معسكر الدولة، بينى جانتس، إن إيران تخطت الخطوط الحمراء مرة أخرى، وندعم العمل بقوة لضربها.. فإما نحن أو هم!.. ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصدر أمنى، أن إسرائيل ستهاجم إيران بشكل مكثف، ردًا على عمليتها الأخيرة.. وأكد وزير الدفاع الأمريكى، لويد أوستن، إن بلاده «لن تتردد أبدًا فى حماية القوات والمصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط والدفاع عن إسرائيل، فضلًا عن الشركاء الآخرين فى المنطقة».. وعبر منصة إكس، قال أوستن إنه تحدث مع وزير الدفاع الإسرائيلى، يوآف جالانت، «فى أعقاب العمل العدوانى الفظيع الذى قامت به إيران ضد إسرائيل، وأعربنا عن تقديرنا المتبادل للدفاع المنسق لإسرائيل، ضد ما يقرب من مائتى صاروخ باليستى أطلقته إيران، والتزمنا بالبقاء على اتصال وثيق».
أما الرئيس الأمريكى، جو بايدن، فقد كرر ما سبق أن قاله من أن بلاده تظل «داعمة بالكامل» لإسرائيل، ولكنها لا تزال تناقش مع حليفتها، نوع الرد المناسب على الهجوم الصاروخى الباليستى الذى شنته إيران.. وعندما سُئل عن كيفية رد إسرائيل على الهجوم، قال إن «هناك مناقشة جارية بشأن ذلك، ونحن على اتصال دائم بالحكومة الإسرائيلية ونظرائنا ويبقى أن نرى ذلك».. وذكر أنه يخطط للتحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، رغم أنه لم يحدد متى ستتم مثل هذه المحادثة، وقد تحدث الرجلان آخر مرة فى أغسطس الماضى.. إلا أنه أكد «سأتحدث معه، وستعتمد رسالتى على ما سنتوصل إلى ما هو الأمر المطلوب».. وكأنما بايدن يمارس الكذب مع نتنياهو، أو أنه آخر من يعلم، فقد أشاد بايدن بمشاركة الجيش الأمريكى فى إحباط صواريخ إيران، ووصف الهجوم بأنه «غير فعال»، قائلًا إن هذا «دليل على القدرة العسكرية الإسرائيلية والجيش الأمريكى، كما أنه دليل على التخطيط المكثف بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لتوقع الهجوم الوقح الذى والتصدى له.. لا تخطئوا، الولايات المتحدة تدعم إسرائيل بشكل كامل».. ومع ذلك، فقد أكد بايدن أنه لن يدعم إسرائيل فى ضرب المنشآت النووية الإيرانية، فى ضوء تصريحات مسئوليها، بأن تل أبيب ستشن «ردًا انتقاميًا كبيرًا» قريبًا، على مواقع استراتيجية فى طهران، بما فى ذلك المنشآت النووية والنفطية.
إذن، ماهى سيناريوهات الرد الإسرائيلى المحتمل على الهجوم الإيراني؟.
●●●
وفى حين يؤكد مسئولون إسرائيليون، أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة، فإن الإعلام الغربى توقع أهدافا يمكن أن تستهدفها إسرائيل فى إيران.. أحد هذه السيناريوهات والتى تُقلق طهران بشدة، هو أن تستهدف إسرائيل البنية الأساسية الحيوية بالتنسيق مع الولايات المتحدة.. وقد يشمل هذا شبكات الاتصالات والنقل والمؤسسات المالية وصناعة النفط وخصوصًا المرافق التى تشكل جزءًا من آلية تمويل الحرس الثورى القوى وقد يؤدى هذا إلى خلق حالة من الفوضى داخل إيران، مما يهدد بقاء النظام، حسب صحيفة «نيويورك تايمز».. يظل البرنامج النووى الإيرانى المتقدم بسرعة والذى تعتقد الولايات المتحدة وحلفاؤها أنه بمثابة غطاءً لسعيه للحصول على القنابل النووية، وفقًا للتقارير الغربية هاجس القادة الإيرانيون الآن، من أن تغتنم إسرائيل والولايات المتحدة الفرصة لإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية النووية، كما حثت على ذلك، منذ فترة طويلة، بعض الأصوات المحافظة فى كلا البلدين.. ومع ذلك، يحث بايدن إسرائيل على رد «متناسب» بدلًا من ذلك.. وهنا، يُحذر العقيد المتقاعد فى الجيش الأمريكى، جاك جاكوبس، من أن ضرب المنشآت النووية الإيرانية ذات المبانى المحصنة، والتى يصعب تدميرها، فضلًا عن أن معظمها يقع فى أعماق الأرض، قد يؤدى إلى هجوم صاروخى باليستى أكبر من جانب إيران، وسيكون من الصعب الدفاع ضده.. لذلك فهو سيناريو مستبعد إلى حد كبير حتى اللحظة.
ويُعتبر تدمير أنظمة الدفاع الجوى الإيرانية، خيارًا آخر، حتى يصبح النظام الإيرانى «أعمى» فى أى هجوم مستقبلى.. لذلك، تُعد مرافق القاعدة البحرية الإيرانية والأصول البحرية التابعة للحرس الثورى، فى العاصمة الإيرانية طهران ومدينة بندر بوشهر الساحلية، وهما موطن البنية التحتية الرئيسية للطاقة والمرافق البحرية أهدافًا محتملة.. وقد يكون ضرب منشآت النفط الإيرانية هدفًا محتملًا، على اعتبار أن قطاع النفط هو الفطاع المربح، فى وقت تواجه فيه السلطات الإيرانية ضغوطًا شعبية متزايدة، بسبب الوضع الاقتصادى المتردى فى البلاد، وهذا ورقة مربحة لصالح إسرائيل سيًاسيًا، حسب تصريحات مسئوليها.. إلا أن ذلك سيضر بتجارة النفط عالميًا، وسيؤدى إلى إرتفاع أسعاره، فى وقت تحتل فيه الانتخابات الأمريكية موقع الصدارة فى العقل الأمريكى.
وقد يشمل الرد الإسرائيلى غارات جوية من طائرات مقاتلة، فضلًا عن عمليات اغتيال سرية لقيادات الحرس الثورى الإيرانى، مماثلة لتلك التى قتلت رئيس المكتب السياسى السابق لحماس، إسماعيل هنية، فى طهران قبل شهرين، وحسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، فى لبنان، وفقًا لـ «أكسيوس».. وفى الوقت التى أفادت تقارير عدة، بأن طهران سارعت إلى نقل المرشد الأعلى آية الله على خامنئى، إلى مكان آمن لمنع أى محاولة اغتيال، كنوع آخر من الرد الإسرائيلى، فقد حذرت إيران، التى تخشى بدء حرب أكبر، إسرائيل من هذا الرد.. وقال رئيس الأركان المشتركة للقوات المسلحة الإيرانية، الجنرال محمد باقرى، إن الحرس الثورى الإيرانى مستعد لتكرار هجومه الصاروخى «بكثافة مضاعفة» إذا ردت إسرائيل على أراضيها، وإذا كانت إيران قد تجنبت حتى الآن استهداف المدنيين الإسرائيليين، لكن القيام بذلك سيكون «ممكنًا تمامًا».. وقال، «إذا لم يتم احتواء النظام الصهيونى، الذى أصبح مجنونًا، من قِبل أمريكا وأوروبا، ويعتزم مواصلة مثل هذه الجرائم، أو القيام بأى شيء ضد سيادتنا أو سلامة أراضينا، فإن عملية الثلاثاء ستتكرر بقوة أكبر بكثير، وسنضرب كل بنيته التحتية».
●●●
ومع التهديد الإسرائيلى والوعيد الأمريكى، تعيش إيران، ومعها دول الخليج، حالة من الطوارئ، لأن ما حدث بين طهران وتل أبيب، يُعد فى وجهة نظر البعض، حربًا إقليمية قد بدأت بالفعل، وأن الجميع فى المنطقة فى انتظار اتساع أدوارها.. وعليه، أعلنت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، أنه تم تأمين المنشآت النووية ضد أى هجمات، حتى ولو علق رئيس المنظمة، محمد إسلامى، على التصريحات الإسرائيلية حول إمكانية استهداف منشآت إيران النووية، أن «إسرائيل تطلق دائمًا مثل هذه الادعاءات».. كما وجه انتقادات لنتنياهو، متسائلًا، «ماذا يمكن أن نتوقع من هذا الشخص المجنون؟»، حسب وصفه.. فيما شدد الرئيس الإيرانى، مسعود بزشكيان، على أنه إذا ارتكبت إسرائيل خطأ آخر، فإن رد بلاده سيكون مدمرًا بشكل مضاعف، وأعلن وزير الخارجية الإيرانى، عباس عراقجى، أن «أى عمل جديد من قبل إسرائيل سيواجه برد أكثر شدة».
فى نفس الوقت، نقلت وكالة رويترز عن مسئولين من منطقة الشرق الأوسط، أنه تم نقل المرشد الإيرانى، على خامنئى، إلى مكان آمن داخل البلاد مع اتخاذ إجراءات أمنية مشددة، بعدما أعلنت إسرائيل اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، فى الغارات التى استهدفت مقر القيادة المركزية للحزب فى الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت.. خصوصًا وأن الأمر بإطلاق الصواريخ على إسرائيل، صدر عن المرشد الأعلى، آية الله على خامنئى، فيما يؤكد المسئولان، أن إيران على اتصال مستمر مع حزب الله وجماعات أخرى متحالفة معها، لتحديد الخطوة التالية مع إسرائيل.
وفى الخليج العربى، عقدت دول مجلس التعاون الخليجى، اجتماعًا استثنائيًا عاجلًا على مستوى المجلس الوزارى فى الدوحة، لبحث التطورات الإقليمية والدولية، فى ظل التصعيد الإسرائيلى الأخير فى الأراضى الفلسطينية ولبنان، والتصعيد المتزايد فى المنطقة وتداعياته الخطيرة على السلام والأمن الإقليميين والدوليين، حيث أكد مجلس التعاون، أهمية خفض التصعيد والتحلى بأقصى درجات ضبط النفس وتجنيب المنطقة مزيدًا من عدم الاستقرار.. وقال البيان الصادر عن الاجتماع، إن المجلس استعرض التطورات الخطيرة والتصعيد المتزايد المزعزع لأمن واستقرار المنطقة، بما فى ذلك فى لبنان وقطاع غزة، والانتهاكات الخطيرة فى الضفة الغربية، وتهديد المسجد الأقصى الشريف والمقدسات الدينية، وبين إسرائيل وطهران.. وأدان التصعيد فى الأراضى اللبنانية والفلسطينية، محذرًا من «التداعيات الخطيرة» جراء هذا التصعيد، التى لا تقتصر آثارها على هذه المنطقة وحدها، وإنما تتعدى ذلك إلى «دائرة أوسع»، وما يترتب عليه من تهديد للسلم والأمن الدوليين، وتقويض لجهود السلام والأمن فى المنطقة والعالم، ومؤكدًا على ضرورة حماية أمن المنطقة، وعدم اتساع رقعة الحرب.. وطالب البيان، كافة الأطراف المعنية بهذا التصعيد بـ «ضبط النفس والكف عن العنف وتغليب لغة الحوار»، كما طالب المجتمع الدولى بالاضطلاع بمسئولياته، للحفاظ على الأمن والاستقرار فى المنطقة، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بها.
وقد ذكرت وكالة رويترز أن وزراء خارجية دول الخليج العربية، الذين حضروا قمة الدول الآسيوية فى الدوحة، سعوا إلى طمأنة إيران بشأن حياد دولهم، فى الصراع بين طهران وإسرائيل، على خلفية مخاوف من أن تصعيدًا أوسع نطاقًا فى العنف، قد يهدد منشآت دول الخليج النفطية.. ولم تهدد إيران بمهاجمة منشآت النفط الخليجية، لكنها حذرت من أن تدخل «أنصار إسرائيل»، بشكل مباشر، سيؤدى إلى استهداف مصالحها فى المنطقة.
وقد تزامن انعقاد قمة مجلس التعاون الخليجى، مع قمة حوار التعاون الآسيوى ACD فى الدوحة، التى شارك فيها الرئيس الإيرانى، مسعود بزشكيان، والتقى بوزير الخارجية السعودى، الأمير فيصل بن فرحان، وبحثا مستجدات الأوضاع التى تشهدها المنطقة.. حيث قال بزشكيان، إنه يأمل خلال القمة، الاستعانة بمساعدة دول آسيا، فى منع ما وصفها بأنها «جرائم إسرائيلية» فى الشرق الأوسط.. واستهل أولى رحلاته إلى قطر بعد تولى الرئاسة، بانتقاد إسرائيل بسبب مقتل هنية، وأن إيران تلقى باللائمة على إسرائيل فى اغتيال هنية، حيث لم تعلن إسرائيل أو تنكر مسئوليتها عن مقتل رئيس المكتب السياسى السابق لحماس.. إلا أنه قال عند وصوله إلى قطر، «نريد أيضًا الأمن والسلام.. إسرائيل هى التى اغتالت هنية فى طهران.. وقال لنا الأوروبيون والولايات المتحدة إننا إذا لم نتحرك، فسيكون هناك سلام فى غزة فى غضون أسبوع. انتظرناهم لننعم بالسلام، لكنهم زادوا من عمليات القتل».
●●●
حراك ما بعد الضربة الإيرانية، لم يقتصر على طهران والعواصم الخليجية، وكل من له علاقة تأثير أو تأثر بما حدث.. بل إن أمريكا انخرطت منذ اللحظات الأولى للضربة، فى التفكير فى سبل الرد على إيران، بعد أن كانت هى أول من نبه تل أبيب إلى أن طهران تُعد صواريخها، لبدء هجوم على إسرائيل خلال ساعات.. إذ قال نائب وزير الخارجية الأمريكى، كيرت كامبل، إن إسرائيل «ليست وحدها التى تفكر فى خيارات الرد على هجوم إيران، بل الولايات المتحدة أيضًا.. إن إسرائيل تواجه تحديات أمنية»، ووصف ردود فعلها بأنها «مشروعة».. إلا أن ذلك لا يلغى مخاوف واشنطن من تصعيد أوسع بالمنطقة، وهو ما قد يهدد إسرائيل ومصالح أمريكا الاستراتيجية، هناك، «جهود كبيرة بيننا وبين إسرائيل، للحفاظ على خطوط الاتصال مفتوحة لتبادل وجهات النظر».. وفى جلسة طارئة لمجلس الأمن الدول، طالب المندوب الأمريكى، دانى دانون، الدول الأعضاء «بفرض عقوبات فورية على إيران»!!.
وفى وقت سابق، زعمت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس جرينفيلد، أن إيران فشلت فى تحقيق أهدافها من الهجوم على إسرائيل، بفضل تنسيق واشنطن مع تل أبيب، وأضافت فى كلمة لها بجلسة مجلس الأمن، يوم الأربعاء الماضى، أنه يجب أن يدفع الحرس الثورى الثمن، لأن دعم إيران لوكلائها هو سبب زعزعة استقرار المنطقة، ونشر الفوضى فى الشرق الأوسط، ويجب فرض عقوبات إضافية عليها.. وأن ما يحدث فى لبنان هو نتيجة دعم إيران لحزب الله، داعية كل الأطراف إلى ضمان حماية قوات اليونيفل فى بيروت.. وتعهدت فى كلمتها، بأن إيران ستحاسب على أفعالها، و«نحذرها من استهدافنا بسبب دعم واشنطن لإسرائيل».
●●●
الرغبة فى الرد على إيران لا تقتصر على المستوى الرسمى الأمريكى، بل إن الإعلام هناك، يحرض على اتخاذ هذه الخطوة، باعتبار أن طهران تضمر شرًا بالدولة العبرية من أساسها، وقد لجأ بعض الكتاب إلى الرجوع لخطاب قديم لحسن نصر الله، يعود تاريخه إلى عام 2002، يُقدم فيه تفسيرًا لاهوتيًا لسبب ظهور إسرائيل إلى حيز الوجود.. يقول نصر الله فى خطابه، الذى تحتفظ جريدة «التايمز» بنسخة صوتية منه، كما تقول، «سيتجمع اليهود من جميع أنحاء العالم فى فلسطين المحتلة.. ليس من أجل تحقيق نبوءة المسيح الدجال ونهاية العالم، بل بالأحرى، أن الله تعالى يريد أن يخلصك من الاضطرار إلى الذهاب إلى أقاصى العالم، لأنهم اجتمعوا فى مكان واحد اجتمعوا فى مكان واحد وهناك ستجرى المعركة النهائية والحاسمة».. وبعبارة أخرى، كانت إسرائيل، محطة واحدة لتهيئة قتل جميع اليهود!!.
يقول بريت ستيفنز وهو كاتب عمود رأى فى صحيفة التايمز فكرت فى كلمات نصر الله هذه، بينما كنت أشاهد صورًا لصواريخ باليستية إيرانية تنهمر على إسرائيل.. لحسن الحظ، تسببت فى أضرار طفيفة فقط، ويرجع الفضل فى ذلك أساسًا إلى الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأمريكية.. لكن ماذا لو كان أحد هذه الصواريخ قد تم توجيهه برأس حربى نووى، رأس حربى أخطأت وكالات الاستخبارات الغربية، حتى الموساد، رصده بطريقة أو بأخرى؟.. لو لم يكن هناك شىء آخر، لكان قد حقق نبوءة نصر الله وأعز آماله.. ولم يعد هذا الاحتمال بعيد المنال.. هذا العام، حذر وزير الخارجية، أنتونى بلينكن، من أن إيران كانت فى غضون أسبوع أو أسبوعين، على مقربة من قدرتها على إنتاج ما يكفى من اليورانيوم المستخدم فى صنع قنبلة نووية.. وحتى مع وجود المواد الانشطارية اللازمة، فإن صنع سلاح نووى يتطلب وقتًا وخبرة، ولا سيما سلاحًا صغيرًا بما يكفى ليتم إطلاقه بواسطة قذيفة.. لكن الهدف الرئيسى لطموحات إيران النووية يلوح فى الأفق بوضوح، خصوصًا إذا تلقت مساعدة فنية من أفضل أصدقائها الجدد فى روسيا والصين وكوريا الشمالية.
والآن، هو الوقت المناسب لشخص ما لفعل شىء لمنع ذلك هكذا يرى بريت ستيفنز الذى أوضح أنه من المحتمل أن يكون هذا الشخص هو إسرائيل، التى أمضت عقدين من الزمن فى تأخير البرنامج النووى الإيرانى بنجاح، ولكن ليس إيقافه، من خلال التخريب واغتيال كبار العلماء والهجمات الإليكترونية، وسرقة الوثائق وغيرها من الأعمال السرية.. وبينما أكتب هذه السطور، يعِد بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، بعواقب الهجمات الإيرانية، على الرغم من أنه لم يتضح بعد ما قد تكون عليه.. فى المرة الأخيرة التى حاولت فيها إيران ضرب إسرائيل بصواريخ باليستية وصواريخ كروز، فى أبريل الماضى، مارس الرئيس جو بايدن ضغوطًا شديدة على إسرائيل لكبح جماح ردها إلى الحد الأدنى الرمزى.. وسيكون من الخطأ إعطاء نفس النصيحة الآن.. فإيران تمثل تهديدًا لا يُحتمل على الإطلاق، ليس فقط لإسرائيل ولكن أيضا للولايات المتحدة، وكل ما تبقى من النظام الدولى الليبرالى الذى من المفترض أن نقوده.. فهى تشن حربًا على السفن التجارية غير المسلحة، من خلال وكلائها الحوثيين فى اليمن.. وقد استخدمت وكلاء آخرين لمهاجمة وقتل القوات الأمريكية المتمركزة فى البلدان الحليفة.. وشجعت أو أمرت حزب الله بإطلاق ما يقرب من تسعة آلاف صاروخ على إسرائيل، بزعم التضامن مع حماس، قبل أن تبدأ إسرائيل أخيرًا فى الرد بكامل قوتها الشهر الماضى.. ويبدو أنها تسعى لاغتيال دونالد ترامب، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة التايمز، وهو هجوم مباشر على الديمقراطية الأمريكية، بغض النظر عن شعور أى شخص تجاه الرئيس السابق.
يجب أن يكون هناك رد أمريكى مباشر لا لبس فيه يستمر ستيفنز فى تحريضه على ضرب إيران فهى تنتج حاليًا العديد من صواريخها فى مجمع صواريخ أصفهان.. وكحد أدنى، يجب على بايدن أن يأمر بتدميرها، كرد مباشر ومتناسب على اعتداءاتها.. وهناك موقع لتخصيب اليورانيوم بالقرب من أصفهان أيضًا.. وفى أماكن أخرى، يعتمد الاقتصاد الإيرانى بشكل كبير على شبكة واسعة من خطوط الأنابيب والمصافى ومحطات النفط، وخصوصًا فى جزيرة «خرج» فى الخليج العربى.. يمكن للإدارة الأمريكية أن تحذر النظام الإيرانى، من أن الطريقة الوحيدة لإنقاذ هذه البنية التحتية من التدمير الفورى، هى أن تأمر حزب الله والحوثيين بالتوقف، والضغط على حماس لإطلاق سراح رهائنها الإسرائيليين.. لا يمكننا ببساطة الاستمرار فى محاولة إحباط إيران بالوسائل الدفاعية فقط.
سيرد منتقدو النهج المتشدد بأننا ندعو إلى التصعيد.. ومع ذلك، وعلى مدى ما يقرب من أربع سنوات، لم يفعل التواصل الدبلوماسى للإدارة الأمريكية مع طهران، إلى جانب ردودها المحسوبة بدقة على العدوان الإيرانى، شيئًا لردعها عن ضربنا وضرب حلفائنا.. ولاحظوا أن الإيرانيين بدأوا يطلبون المفاوضات النووية التى رفضوها على مدى السنوات الثلاث الماضية، فقط عندما بدأوا يخشون من عودة ترامب إلى منصبه، «أنظمة البلطجة تستجيب للعصا».. أما بالنسبة لإسرائيل، فقد أثبتت مرة أخرى أن استثمارها فى تقنيات الدفاع الصاروخى، التى قال المنتقدون إنها لن تنجح أبدًا قد أتى ثماره، وبشكل رئيسى فى إنقاذ مئات أو آلاف الأرواح.. ونفس النوع من الحكمة المضادة للتقليدية سوف يخدمها بشكل جيد، لأنها تُكمل قطع رأس حزب الله فى لبنان ونزع حماس من بيئته من غزة.. الحروب، بمجرد دخولها، يجب خوضها حتى نصر لا لبس فيه.. وهذه نقطة، اختار الأمريكيون تجاهلها فى السنوات الأخيرة، وليس ذلك لصالحنا.. وبينما يفكر الإسرائيليون فى ردهم على الغضب الصاروخى الإيرانى الأخير، فإنهم يعلمون أنهم لا يملكون مثل هذا الترف.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.