لا أحد يحب الحرب
يتحدث الكثيرون عن الإنسانية.. عن خلفاء الله فى الأرض.. عن السلام.. عن الحب.. جميعنا يحكى فيما يشرب قهوته الساخنة.. وإن داس طير على قدمه صدفة سب الإنسانية والسلام والخلفاء فى لحظة واحدة.
يا سيدى لا أحد يحب الحرب.. لكن كما يقول أهلنا فى الريف.. ما يدرك النار غير اللى كابشها.. الأمم جميعًا تحيا.. لكن هناك فارقًا بين من يحيا بكرامته ومن يحيا دونها.
يعرف ذلك الكيان الشيطانى المزروع عمدًا فى أرضنا أن الإنسان الشرقى عمومًا يعيش باعتقاده بما آمن به سلفه وأسقيناه إياه مع حليب الأمهات.. الشرف والكرامة ليسا مجرد سطور انتهى دورها مع اختفاء الخط اليدوى وظهور الكمبيوتر.. هى ليست لعبة إذن.. العدو يعرفنا جيدًا لكننا لا نعرفه بالمثل أو ربما نعرف بس بنستعبط.
فى سفر التثنية كتب أجدادهم أنهم كى ما يصلوا إلى حلمهم سيدوسون على بشر أفضل منهم.. هم يعرفون أن هذه الأرض ليست لهم، لكنها وعبر آلاف الخطط والسيناريوهات صارت حلمًا.. حلمهم من المحيط إلى الخليج.. وإزاحة من عليها واجب.. ربما تتعدل السيناريوهات تبعًا لظروف الضعف والقوة، لكن الهدف معلوم والطريق إليه معلوم فيما ما زلنا نتخبط بين السنة والفرض.. ونتعامل مع الأمر مثلما نتعامل مع مباريات الأهلى والزمالك.
نحن لا نحب الحرب.. نحن أول من زرع.. أول من بنى.. أول من كتب.. وأول من غنى ينشد الحياة.. نحن نحترم الموت ونجلّه، لكننا نزور الموتى فى حياتهم الجديدة ونتمنى لهم حياة أفضل.
ربما تغيرت أساليب المعارك.. تفاصيلها.. أدواتها.. لكن سيظل العدو هو نفسه.. وطريقه إلى حلمه هو نهرنا وأرضنا وأطفالنا وجثثنا.. لماذا ننسى؟.
ربما يذكرنا أكتوبر العظيم بأننا انتصرنا.. أننا كسرنا غرورهم وغيهم وضلالهم.. لكنه يذكرنا أيضًا أننا لم ننتصر سوى لاستعادة كرامتنا.. الكرامة قبل الأرض.
الكيان فى خطواته الأخيرة يلهث.. لخلق واقع يعطيه الأفضلية قبل أن يجلس على الطاولة.. هو الآن يرفع شعارات الحرب ويبرر الاغتيالات والحرق والهدم والإبادة ويزعم أنه يرد اعتداء الآخرين.. وسواء اتخذ مما حدث فى طوفان الأقصى ذريعة أو لم يفعل.. كان يسعى وسيسعى لإشعالها.. من أجل أن تنطفئ فى اللحظة التى يريد.. وكل عاقل فى المنطقة وفى العالم يعرف أن ثمة نقطة ستقف فيها الحرب ويعلن بعدها الكيان ومن خلفه أنهم جنود السلام وملائكة الرب.. وأنهم يريدون التفاوض.. وقبل أن يجلسوا ستكون الخرائط قد تغيرت ومنحتهم بمنطق القوة آلاف الكيلومترات وعشرات المدن من شرقنا التعيس.. خطوة أخرى نحو هدف أكبر لن يتوقفوا عن الحلم به.
لسنا.. نحن أبناء هذه الأرض من أنصار الميليشيات.. ونعرف جيدًا أين ومتى بدأت صناعة هذه الفرق.. ونعرف من يستخدمها وإلى متى.. والأهم أننا نعرف جيدًا أن هذه البلاد هى السور الأخير الذى يقف شامخًا فى مواجهة الفوضى التى يريدونها.
فى عام ٢٠٠٥.. كنت مسئولًا عن تحرير صحيفة صغيرة.. ووصلنى تقرير مترجم عن خطوات مدعومة بإجراءات أمريكية لنشر الفوضى فى المنطقة.. وكانت التقارير تشير إلى خطط عاجلة وأسماء تنظيمات فى المنطقة ولقاءات خبيثة.. ونشرنا ما وصل إلينا بعد ترجمته.. وهاج المتأسلمون بعد ما نشرناه، وكان أهم ما فيه أن السيدة كونداليزا رايس قالت فى اجتماعها بأحدهم إن الفوضى الخلاقة بهذه المنطقة ستستمر لخمس وعشرين سنة مقبلة.. وبعدها بخمس سنوات فقط جرى ما جرى.. وكانت نتيجة بداية الفوضى ما نراه بأعيننا الآن.. فى السودان.. ليبيا.. العراق.. لبنان.. اليمن.. ولن يتوقف الأمر.. حتمًا لن يتوقف.. وتلك المماحكات ما هى إلا ذريعة لمرحلة جديدة من تلك الفوضى.
ربما تنتهى تلك التنظيمات التى ولدت بليل؛ لأنها لم تحقق للغرب أهدافه كاملة.. أو ربما لأنها فعلت ما يراد منها وانتهى دورها.. لكن فكرة المقاومة لن تنتهى قطعًا.. والصراع على الشرق الأوسط بكل ما فيه لن ينتهى إلا بزوال ذلك الكيان البغيض.. والذين يتصورون أنها مباراة بلاى ستيشن محددة المدة واهمون.. الحرب مستمرة وأشكالها متغيرة.. وأشد ما يخشاه العاقلون الباحثون عن استقرار بلادهم وشعوبهم أن تتوقف حركة البناء.. هو صراع أكبر بين من يريد الحياة حقًا. ومن يريد خرابها من أجل الوهم الذى يراوده.. لا تبحثوا عن أخبار مريحة.. فالصواريخ القادمة من إيران حتمًا لن تكون نهاية الفيلم.. العرض مستمر وربما لسنوات أخرى جديدة.