رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر تدعم الحق الفلسطينى وتحمى التراب الوطنى

«الحقيقة، هى أول ضحية تسقط فى أى حرب»، مقولة للروائى والمسرحى التراجيدى اليونانى، إسخيلوس، الذى عاش فى الفترة من سنة 525 إلى 456 قبل الميلاد، وخاض معارك كبرى، حتى كانت الحروب الفارسية التى انصرف بعدها إلى كتابة المسرحيات ذات المضمون الدرامى والمأساوى.. ولو كان حيًا بيننا الآن، لشهد بأن إسرائيل والغرب، بقيادة الولايات المتحدة، يفعلون كل شىء، إلا أنهم لا يقولون الحقيقة، وخصوصًا ما يتعلق منها بنواياهم فى الشرق الأوسط.. يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم وعقولهم، يحملون غصنًا ذابلًا من الزيتون بيدٍ، وبالثانية، يخفون وراء ظهورهم خنجرهم المسموم، لذلك، فأنت فى ريبة من أمرهم، لا تستطيع معهم أن تقر إلى قرار.. ولكن.
قد يُداخلك القلق على بلدك، مما يحدث حولها فى غزة والضفة الغربية، وما يقع فى لبنان من أحداث جِسام، وتعتقد أن مصر مشغولة بما يحدث فى القرن الإفريقى، وأن جيشنا يُلقى بجل اهتمامه هناك، حفظًا لأمن الصومال الشقيق ووحدة أراضيه، فى إطار اهتمام مصر الشامل بأمنها القومى من ناحية الجنوب وفى البحر الأحمر.. وهذا حقك.. خوف مشروع، يفجره الانتماء والولاء لمصر المحروسة، والرغبة الدائمة أن تنعم فى بلدك بالأمن والسلام، خصوصًا أن تفجر الأحداث على الجبهة الشرقية، ناحية قطاع غزة، لا تنبئ بخير، مع عدو يتربص بالمنطقة، ويسعى إلى إشعال حرب إقليمية فيها، ورغبة دءوبة فى احتلال كامل الأراضى الفلسطينية، بعد إخلائها من سكانها، ضمن «خطة الجنرالات» الإسرائيلية وأخواتها، بتهجير أهالى قطاع غزة إلى سيناء، وسكان الضفة الغربية إلى الأردن.
لكن اطمئن، وأسمِع عقلك ما سبق أن قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى، مرارًا وتكرارًا، وأكده مجددًا، من رفض مصر التام لأى تهجير للفلسطينيين من أراضيهم إلى سيناء أو إلى أى مكان آخر؛ «حفاظًا على القضية الفلسطينية من التصفية وحمايةً لأمن مصر القومى»، فى ظل موقف القاهرة بالإصرار والعمل المكثف لوقف إطلاق النار فى غزة، وإنفاذ المساعدات الإنسانية للقطاع، ودفع جهود إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، «ليحصل الفلسطينيون على حقوقهم المشروعة.. وكلها، تُشكّل الثوابت الراسخة التى تحرص مصر على العمل فى إطارها بهدف أسمى، وهو إرساء السلام والأمن والاستقرار والتنمية فى المنطقة لصالح جميع شعوبها».
لقد أوضح الرئيس السيسى، خلال كلمته فى حفل تخرج دفعة جديدة من أكاديمية الشرطة، يوم السبت الماضى، أن المنطقة والعالم يمران بظروف صعبة للغاية، لكن، تظل سياستنا متوازنة فى ظل هذا الاضطراب الخطير الموجود، وقد حذرنا من ذلك، وقلنا إن استمراره سيؤدى إلى عواقب خطيرة فى المنطقة والعالم.. «بدون شك لازم نكون قلقانين، لأن التطورات خطيرة جدًا ويمكن أن تؤدى إلى اتساع رقعة الصراع»، وقد فقدت قناة السويس تقريبًا من 60:50% من إيراداتها، أى ما يعادل أكثر من ستة مليارات دولارات خلال الأشهر الماضية.. لكن، لا بد من ضرورة تماسك الشعب المصرى بالثوابت الخاصة به، فنحن «حريصون على أن نمارس سياسة تتسم بالتوازن والموضوعية.. وهذه سياسة مصر منذ سنوات»، فى ظل الظروف الموجودة على الحدود الغربية والجنوبية، و«بقالنا سنة على الحدود الشرقية والتطورات اللى تحدث.. هل ده يخلى شعب مصر يقلق».
وحرص الرئيس عبدالسيسى على توجيه عدد من الرسائل إلى الشعب المصرى، «إحنا بخير والأمور بفضل الله مستقرة ومن أحسن لأحسن.. طول ما إحنا فى مصر ثابتين ومستقرين ومتحدين وإدينا فى إيد بعض.. وندير أمورنا بشكل يحفظ بلدنا والمنطقة، دون التورط فى أمور يمكن أن تؤثر على الأمن والاستقرار فى المنطقة.. طول ما المصريين متماسكين.. انتبهوا فى الفترة دى.. حجم الكذب وحجم الإفك والافتراء والشائعات، انتهبوا إنتوا اللى واقفين دلوقتى».. وقال إنه على «المفكرين والمثقفين والإعلام أن يوضحوا المهمة والخطر، ويوضحوا الكذب والشائعات اللى بتتقال، وتُطلق هنا وهناك، اتهامات ليس لها أساس من الصحة.. بيقولوا كلام كتير مش مظبوط.. أنا صريح وصادق معاكم.. وهفضل كده على طول».
لقد انصبت رؤية القيادة السياسية منذ سنوات على تقوية الجيش المصرى.. وأصبح واضحًا الآن أهمية هذه الرؤية، لأن السياسة الإسرائيلية القائمة على إغلاق الأفق السياسى أمام الفلسطينيين، ستكون عواقبها وخيمة، ومن ثم فلا بديل عن إحياء المسار السياسى، فى إطار رفض مصر بشكل تام، التهجير القسرى للفلسطينيين ونزوحهم إلى الأراضى المصرية فى سيناء، فضلًا عن الرفض التام لتصفية القضية الفلسطينية دون حل عادل.. وفى كل الأحوال، لن يحدث على حساب مصر أبدًا، وسيكون ردها حاسمًا، وفقًا لأحكام القانون الدولى، حال حدوث أى سيناريو يستهدف تهجير الفلسطينيين إلى أراضيها فى سيناء، وسط ضغوط تتعرض لها البلاد، سياسية واقتصادية، على خلفية إجراءاتها منع محاولات تهجير الفلسطينيين.. صحيح أننا نرحب بدخول الفلسطينيين فى الظروف العادية فى أى وقت.. لكن دخول مليونى فلسطينى فى ظل الظروف الحالية، يعنى تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد، وهو ما لن تقبله مصر تحت أى ظرف، وهو ما زال يسعى إليه الجانب الإسرائيلى حتى الآن.. لأنه يرى أن فى ذلك حلًا لمشكلاته الداخلية.
لقد أدركت مصر، منذ اللحظات الأولى، أن الهدف من التصعيد فى قطاع غزة، هو وضع مخطط التهجير القسرى للفلسطينيين باتجاه سيناء، لتصدير الأزمة لمصر موضع التنفيذ، من خلال أكبر عملية عسكرية من القصف الموسع على القطاع، لتحوله إلى قنبلة بشرية قابلة للانفجار باتجاه مصر.. لكن تصدير الأزمة لمصر خط أحمر غير قابل للنقاش، لأن هذا المخطط ستكون له تداعيات سلبية على الأمنين القومى المصرى والعربى، ولما يمثله من تصفية كاملة للقضية الفلسطينية، بل واتساع دائرة الحرب لدول أخرى، ما يهدد أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، بل والعالم ككل.. وقد وقفت مصر حائط صد، أمام الدعوات الإسرائيلية والغربية لمخطط التهجير القسرى، ومن خلال الدبلوماسية والموقف الثابت للدولة المصرية، تراجعت القوى الدولية عن هذا المقترح، بل وتبنت وجهة النظر المصرية.
●●●
لست أنت من عليه أن يقلق، بل هم، على الجانب الآخر، هم القلقون.. وما سأذكره تاليًا، لا يعنى تصديقى لما جاء فيه، بل أذكره لتوضيح مدى الخوف الذى يسيطر على عقول الإسرائيليين، حتى ولو كان هذا الخوف نابعًا من رجل جيش متقاعد، فى الجيش الإسرائيلى.
فى مقابلة مع الصحفى الإسرائيلى، شنيور فيبر، أعرب إيلى ديكال، المقدم المتقاعد فى الجيش الإسرائيلى والخبير فى الشئون المصرية، عن قلقه بشأن استعدادات الجيش المصرى لأى حرب محتملة مع إسرائيل.. وأطلق ديكال، الذى كان يشغل منصب رئيس فرع الأبحاث الميدانية فى جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية AMAN، تحذيرًا حادًا لإسرائيل من الجيش المصرى، الذى عزز قواته المسلحة فى السنوات الأخيرة، «الجيش المصرى متمركز على الحدود مع إسرائيل.. أرى الدبابات المصرية متوقفة فى منطقة، لا يُسمح لأى جندى مصرى بالبقاء فيها وفقًا لاتفاق السلام، وتصرفات الجيش المصرى فى سيناء تثبت أنه مستعد للحرب مع إسرائيل.. وأن مصر تتجهز لمواجهة عسكرية، فى الوقت الذى تحدده معادلة القوة العالمية».
فى العام الماضى، يقول داكال، وبعد كل القصص التى تقول إن هناك علاقة رائعة بيننا وبين المصريين، بدأت مصر فى حفر أنفاق ضخمة تحت قناة السويس، وهى أنفاق يبلغ قطر مدخلها سبعة أمتار، طولها ربما عشرات الأمتار، وللأسف لا أعرف كل الأنفاق فى سيناء، أنفاق فى جوانب الجبال، وهى أنفاق لتخزين الأسلحة الاستراتيجية.. نحن العدو، ولا أعرف أى مكان تسلح فيه مصر نفسها، وتحفر وتستثمر ثروة ضخمة فى المعابر والبوابات والذخيرة والوقود إلا سيناء.. مصر تجهز نفسها بأسلحة هجومية لمهاجمة طائراتنا، فهم يحفرون أنفاقًا عالية الدقة والتحصين لإخفاء صواريخهم القادرة على تدمير إسرائيل، فهم يعملون منذ فترة، أن تكون معداتهم مخفية بشكل جيد فى الأنفاق التى تم حفرها بعناية، بحيث تقوم المركبة الحاملة للصواريخ بالإطلاق وتعود إلى الداخل مرة أخرى فورًا.. انتهى كلام داكال.
وهذا الجنرال الإسرائيلى المتقاعد، إسحاق بريك، يؤكد فى حديث لصحيفة «معاريف» العبرية، أن انقلاب الجيش المصرى على إسرائيل دراما سوداء، لا حلّ لها.. لأنه يرى أن مصر تمتلك اليوم أقوى جيش فى الشرق الأوسط، أربعة آلاف دبابة، منها ألفان حديثتان، ومئات الطائرات المقاتلة الحديثة، وأقوى بحرية فى الشرق الأوسط.. ويعترف بأن مصر كانت دولة مسالمة لسنوات عديدة، لذلك فإن إلغاء السلام مع المصريين كارثة أمنية على دولة إسرائيل بكل معنى الكلمة.. «فى هذه الحالة ليس لدينا خيار سوى الدعاء إلى الله، وكل ما يحدث هو من صنع مجموعة من الحمقى يقصد قيادات إسرائيل الذين يريدون لنا الحرب مع مصر.. وما سيترتب عليه، أنهم سوف يدفنون بلدنا، وهذا ضوء أحمر وإنذار طوارئ لجميع المواطنين الإسرائيليين.. إن الحرب الإقليمية مُقبلة علينا، وستكون أخطر وأفظع بمئات الآلاف من الحرب فى غزة، والقباطنة الذين يديرون حربنا، بقراراتهم، يقربوننا من حرب إقليمية عامة، ولا يجهزون لا الجيش ولا الجبهة الداخلية لتلك الحرب، التى ستكون أفظع حروب إسرائيل».
أما الباحث الإسرائيلى فى معهد «مشغاف» للأمن القومى والاستراتيجية الصهيونية، إيلى كلوتستين، فقال فى تقرير له، إنه من المهم التأكيد أنه، على الرغم من أن إسرائيل لا ترى أى خطر على حدودها الجنوبية فى المستقبل القريب، فإن مصر تنظر إلى الأمور بشكل مختلف.. فالتعاون الأمنى بين الطرفين، واتفاق السلام، والمفاوضات مع حماس، والحرب على الإرهاب فى شبه الجزيرة، كل هذا لم يغير حقيقة أن التهديد المنسوب لمصر، أى السيناريو الأمنى الخطير الذى تواجهه، هو حرب أخرى ضد الجيش الإسرائيلى، وتواصل مصر، الأقوى فى شبه جزيرة سيناء، التدريبات وإجراء المناورات العسكرية، التى تهدف إلى الاستعداد للحرب مع الجيش الإسرائيلى باعتباره أكبر تهديد لأمن القاهرة.. ولا يقتصر الأمر على الكلمات أو التمارين العسكرية فقط.. فكما أصبح واضحًا، فى استثمار مصر مبالغ ضخمة من المال فى بناء بنية تحتية استراتيجية داخل شبه جزيرة سيناء، وفى تمهيد الطرق للوصول إليها فى أسرع وقت، بهدف معلن، هو زيادة قدرة الجيش المحلى على نقل كميات كبيرة من القوات الثقيلة إلى سيناء فى وقت قصير لمواجهة الإرهاب، ولكن وفقًا للتقديرات، فمن الممكن أنه حتى فى غضون ساعات قليلة من لحظة إصدار الأمر، ستتمكن قوات عسكرية مصرية كبيرة من الوصول إلى قلب شبه جزيرة سيناء، ومنها إلى إسرائيل.
●●●
إن مصر، الدولة التى استثمرت كثيرًا فى السلام، من موقف قوة شديد، قادرة على حماية أمنها القومى والحفاظ على حدودها، وتعتزم استكمال استثماراتها فى السلام وحمايته، أو كما قالت القيادة السياسية، ما كان دستورًا لبلادنا، «نحن لا نعتدى.. لا نهاجم ولا نغزو.. نحن نحمى بلادنا ونحمى شعبنا».. منذ اللحظات الأولى لاندلاع العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، فى السابع من أكتوبر الماضى، لم تتوقف مصر عن دعم الأشقاء فى فلسطين.. وعلى الفور، وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى، الجهات المعنية بتكثيف اتصالاتها الدبلوماسية لوقف آلة القتل الإسرائيلى على القطاع، وتابع الموقف العام لتطورات الأحداث من مركز إدارة الأزمات الاستراتيجى، وحذرت مصر من مخاطر وخيمة للتصعيد الجارى بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، فى أعقاب سلسلة من الاعتداءات ضد المدن الفلسطينية.
خصصت القاهرة مطار العريش الدولى، لاستقبال المساعدات الإنسانية من جميع دول العالم، لإدخالها إلى القطاع الفلسطينى التى تحاصره إسرائيل، بًرا وبحرًا وجوًا، عن طريق معبر رفح البرى، واستقبلت عددًا من المصابين الفلسطينيين لتلقى العلاج فى المستشفيات المصرية.. ودعت مصر إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وتجنب تعريض المدنيين للمزيد من المخاطر، محذرةً من تداعيات خطيرة نتيجة تصاعد حدة العنف، الأمر الذى من شأنه أن يؤثر سلبًا على مستقبل جهود التهدئة، كما دعت الأطراف الفاعلة دوليًا، والمنخرطة فى دعم جهود استئناف عملية السلام، إلى التدخل الفورى لوقف التصعيد الجارى، وحث إسرائيل على وقف الاعتداءات والأعمال الاستفزازية ضد الشعب الفلسطينى، والالتزام بقواعد القانون الدولى الإنسانى فيما يتعلق بمسئوليات الدولة القائمة بالاحتلال.. وبفضل الجهود الدبلوماسية المصرية، بمشاركة دولة قطر والولايات المتحدة الأمريكية، تمكنت القاهرة من إتمام صفقة تبادل للأسرى والرهائن، بين الفصائل الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلى، ووقف إطلاق النار فى القطاع لمدة تجاوزت الأسبوع، وخلال تلك المدة تمكنت مصر من إدخال كميات كبيرة من الأدوية والمواد البترولية والأغذية والمياه، إلى أهالينا فى قطاع غزة المحاصر.
كانت رئاسة الجمهورية، بمثابة خط ساخن لتلقى المكالمات الهاتفية الدولية من زعماء العالم والمنظمات الدولية، لبحث جهود الوساطة المصرية، وكذلك الدور المصرى الفعال لوقف الأعمال القتالية فى غزة، بين الفصائل الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلية، وقد تلقى الرئيس عبدالفتاح السيسى اتصالات هاتفية من زعماء الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين، والأمم المتحدة وغيرها من الدول والمنظمات، تتناول التشاور والتنسيق بشأن جهود وقف التصعيد الجارى فى قطاع غزة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، حيث أعرب الجميع عن القلق البالغ تجاه التدهور المتلاحق والخطير للأحداث، وقد أشار الرئيس فى تلك الاتصالات، إلى قيام مصر باتصالات مكثفة مع الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى والأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة، من أجل احتواء التصعيد الراهن، محذرًا من خطورة تردى الموقف وانزلاقه لمزيد من العنف وتدهور الأوضاع الإنسانية فى قطاع غزة، ودخول المنطقة فى حلقة مفرغة من التوتر تهدد الاستقرار والأمن الإقليميين.
أسست مصر مسارًا دوليًا، ووضعت خطوطًا عريضة للسير عليها، من أجل وقف الأعمال القتالية فى القطاع بين الفصائل الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلية، من خلال الدعوة لعقد قمة عالمية تحت اسم «قمة القاهرة للسلام»، استضافت قادة ورؤساء حكومات ومبعوثى عدد من الدول الإقليمية والدولية، للتشاور والنظر فى سبل الدفع بجهود احتواء الأزمة المتفاقمة فى قطاع غزة، وخفض التصعيد العسكرى بين الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى، الذى راح ضحيته آلاف القتلى من المدنيين الأبرياء منذ اندلاع المواجهات المسلحة، ورفض تام لمحاولة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم إلى سيناء، وصعدت القاهرة على المستوى الرسمى من رفضها لـ«مخططات تهجير الفلسطينيين»، وحذر الرئيس عبدالفتاح السيسى من مخاطر الفكرة.
قال الرئيس خلال القمة، «إن مصر، منذ اللحظة الأولى، انخرطت فى جهود مضنية، آناء الليل وأطراف النهار، لتنسيق وإرسال المساعدات الإنسانية، إلى المحاصرين فى غزة، لم تغلق معبر رفح البرى فى أى لحظة، إلا أن القصف الإسرائيلى المتكرر لجانبه الفلسطينى حال دون عمله، وفى هذه الظروف الميدانية القاسية، اتفقت مع الرئيس الأمريكى، على تشغيل المعبر بشكل مستدام، بإشراف وتنسيق كامل مع الأمم المتحدة، ووكالة «الأونروا»، وجمعية الهلال الأحمر الفلسطينى، وأن يتم توزيع المساعدات، بإشراف الأمم المتحدة، على السكان، فى قطاع غزة، مؤكدًا أن «العالم لا يجب أن يقبل استخدام الضغط الإنسانى، للإجبار على التهجير، وقد أكدت مصر وتجدد التشديد، على الرفض التام، للتهجير القسرى للفلسطينيين، ونزوحهم إلى الأراضى المصرية فى سيناء إذ ذلك ليس إلا تصفية نهائية للقضية الفلسطينية وإنهاء لحلم الدولة الفلسطينية المستقلة، وإهدارًا لكفاح الشعب الفلسطينى، والشعوب العربية والإسلامية، بل وجميع الأحرار فى العالم، على مدار خمسة وسبعين عامًا، هى عمر القضية الفلسطينية».
وقد سعت مصر من خلال دعوتها إلى هذه القمة، إلى بناء توافق دولى عابر للثقافات والأجناس والأديان والمواقف السياسية، توافق محوره قيم الإنسانية وضميرها الجمعى، ينبذ العنف والإرهاب وقتل النفس بغير حق، يدعو إلى وقف الحرب الدائرة التى راح ضحيتها الآلاف من المدنيين الأبرياء على الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، يطالب باحترام قواعد القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى، يؤكد الأهمية القصوى لحماية المدنيين وعدم تعريضهم للمخاطر والتهديدات، ويعطى أولوية خاصة لنفاذ وضمان تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية وإيصالها إلى مستحقيها من أبناء قطاع غزة، ويحذر من مخاطر امتداد رقعة الصراع الحالى إلى مناطق أخرى فى الإقليم.. وفى نفس الوقت، وضعت القاهرة خطًا أحمر، للأوهام الصهيونية، بتهجير الأشقاء الفلسطينيين من أراضيهم إلى شبه جزيرة سيناء.
وفى الثامن عشر من أكتوبر الماضى، جدد الرئيس السيسى، خلال مؤتمر مشترك مع المستشار الألمانى، فى القاهرة، تحذيره من مخاطر فكرة النزوح إلى سيناء، وقال، «إن نقل المواطنين الفلسطينيين من القطاع إلى سيناء يعنى أننا ننقل فكرة المقاومة وفكرة القتال من قطاع غزة إلى سيناء، وبالتالى تصبح سيناء قاعدة للانطلاق ضد إسرائيل، وفى تلك الحالة من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها وعن أمنها القومى، فتقوم برد فعل والتعامل مع مصر وتوجيه ضربات للأراضى المصرية».. وأعلنها واضحة، «إذا كانت هناك فكرة للتهجير، فتوجد صحراء النقب فى إسرائيل، يمكن نقل الفلسطينيين إليها، حتى تنتهى تل أبيب من مهمتها المعلنة، ضد حماس والجهاد الإسلامى فى قطاع غزة.. إن العملية العسكرية التى ترغب إسرائيل من خلالها تهجير الفلسطينيين إلى سيناء لتصفية الجماعات المسلحة فى غزة، قد تستغرق سنوات لم يتم تحديدها بعد، وبالتالى فى هذه الحالة تتحمل مصر تبعات هذا الأمر، وبالتالى تتحول سيناء إلى قاعدة للانطلاق بعمليات إرهابية ضد إسرائيل، وتتحمل بموجبها مصر مسئولية ذلك الأمر».. ولوَّح بأن «مصر بها مائة وخمسة ملايين نسمة، والرأى العام المصرى والعربى يتأثر بعضهم ببعض، وإذا استدعى الأمر أن نطلب من الشعب المصرى الخروج للتعبير عن رفض هذه الفكرة، فسوف يخرج ملايين من المصريين للتعبير عن رفض الفكرة ودعم موقفنا فى هذا الأمر».
فى نفس الشهر، ترأس الرئيس السيسى اجتماع مجلس الأمن القومى، لاستعراض تطورات الأوضاع الإقليمية، خصوصًا ما يتعلق بتطورات التصعيد العسكرى فى قطاع غزة، وقد صدرت عنه قرارات تنص على مواصلة الاتصالات مع الشركاء الدوليين والإقليميين، من أجل خفض التصعيد ووقف استهداف المدنيين.. تكثيف الاتصالات مع المنظمات الدولية الإغاثية والإقليمية، من أجل إيصال المساعدات المطلوبة.. التشديد على أنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا حل الدولتين، مع رفض واستهجان سياسة التهجير أو محاولات تصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار.. إبراز استعداد مصر للقيام بأى جهد من أجل التهدئة وإطلاق واستئناف عملية حقيقية للسلام.. تأكيد أن أمن مصر القومى خط أحمر ولا تهاون فى حمايته.. وتوجيه مصر الدعوة لاستضافة قمة إقليمية دولية من أجل تناول تطورات ومستقبل القضية الفلسطينية».
وخلال مباحثات مع نظيره الأمريكى، جو بايدن، أكد الرئيس السيسى موقف مصر الثابت برفض سياسات العقاب الجماعى والتهجير، مؤكدًا أن مصر لم ولن تسمح بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأراضى المصرية، فيما أكد الرئيس الأمريكى رفض الولايات المتحدة نزوح الفلسطينيين خارج أراضيهم، معربًا عن التقدير البالغ للدور الإيجابى الذى تقوم به مصر والقيادة المصرية فى هذه الأزمة، واستعرض الرئيسان آخر المستجدات فى ملف المحتجزين بقطاع غزة، وبحثا آفاق التعاون المشترك، لحشد الجهود الدولية من أجل دفع مسار إحياء عملية السلام، بهدف تنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية وفقًا لمقررات الشرعية الدولية.
●●●
لم يقف دور مصر على الجهود الدبلوماسية والسياسية لنصرة القضية الفلسطينية، بل إن القاهرة بذلت أقصى جهودها لاستمرار دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية للأشقاء فى القطاع، سعيًا للوقوف معهم فى الأوضاع الإنسانية الكارثية التى يمرون بها جراء هذا العدوان الدموى.. وقد واجه دخول المساعدات عبر معبر رفح من الجانب المصرى، منذ البداية عقبة أولية، وهى أن المعبر غير مخصص ولا مهيأ إنشائيًا لدخول البضائع ولكنه للأفراد فقط، وهو ما تغلبت عليه مصر بجهود فنية كثيفة وعاجلة ليسمح بمرور الشاحنات، كذلك، فقد قام الجيش الإسرائيلى بقصف الطرق المؤدية للمعبر من الجانب الفلسطينى أربع مرات على الأقل، وهو ما حال دون أى تحرك عليها، وقامت مصر فى خلال فترة وجيزة للغاية بالإصلاح الكامل لهذه الطرق.. واستقبلت مصر المصابين والمرضى من أبناء غزة، لعلاجهم بالمستشفيات المصرية وببعض الدول الشقيقة والصديقة، ومعهم مرافقيهم.. وقد مثلت مساهمة مصر فى المساعدات الإنسانية والطبية والبترولية، من القطاع الأهلى والحكومى والتبرعات الفردية، ما وصل إلى 82% من إجمالى المساعدات.. وقد نفذت القوات الجوية المصرية، عملية إسقاط جوى متكررة للمساعدات الإنسانية بالتعاون مع عدة دول، شملت عشرات الأطنان من المواد الغذائية والطبية، فى ظل الأزمة غير المسبوقة التى يعانى منها السكان، جراء استمرار العمليات العسكرية داخل قطاع غزة، تنفيذًا لتوجيهات الرئيس السيسى، رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، بتكثيف الجهود لدعم الأشقاء الفلسطينيين.
إن مصر التى حظيت بالتشريف، وخلدها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وورد ذكرها أكثر من مرة، موصوفة بالأمن والأمان والخيرات والجنات والزروع والمقام الكريم، وليس فى العالم بلد أثنى الله عليه فى القرآن بمثل هذا الثناء، ولا وصفه بمثل هذا الوصف، ولا شهد له بالكرم غير مصر.. وليس فى العالم بلد أوصى به وبأهله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، غير مصر التى حظيت وشرفها الله عز وجل بأنبيائه الذين عاشوا على أرضها.. هذه البلد يأبى إلا أن يعيش فى سلام وبالسلام، ما دام فيه خير أجناد الأرض... حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.