المفتي: مظنة التعارض بين العلم والدين من أسباب الوقوع فى الإلحاد
قال الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، إن الإلحاد نشأ من أفهام مغلوطة نتيجة خوض العقل في غير ميدانه ونتيجة مظنة التعارض بين العلم وبين الدين، مشيرًا إلى أنه لا يوجد عصر من العصور يخلو من وجود شبهة أو طائفة تجعل من الإلحاد بوابة لها، ترى أنه به ومن خلاله يمكن أن تتبوأ مكانًا عليًا، وأن تحقق لنفسها مكاسب دنيوية أو منافع شخصية، وأن يكون لها مزيج في واقع الناس.
وأوضح مفتي الجمهورية في تصريحات صحفية بعض الأمور قد تدفع بالإنسان إلى الوقوع في الإلحاد، وأولها أن هو خوض العقل في غير مجاله، ويمكن للإنسان أن يصل بعقله إلى ما يريد من بعثة الأنبياء وإرسال المرسلين، لكن الإشكالية أن هؤلاء يظنون أن العقل يمكن أن يصل بالإنسان إلى أمور لا يمكن حصرها.
كما أوضح أن العالم يتنوع إلى نوعين: محسوس وغير محسوس، والأعجب أن العلم وأن العقل ذاته ربما يخوضان الإنسان إلى الوصول إلى أن ما لا يقع تحت الحسّ أو ما لا يُرى بالعين ليس ذلك دليلًا على عدم وقوعه أو عدم إمكانه، بدليل أن هناك في دنيا الناس أمورًا كثيرة يقر الإنسان بها ويعترف بوجودها إلا أنه يتعذر عليه أن يقف على حقيقتها أو أن يدرك ماهيتها. والدليل على ذلك هذه النفس التي في الجسم الإنساني، والتي تُنظر إليها على أنها أداة الحركة وباب التمييز وسبيل الأداء لمبدأ الاستخلاف الذي فرضه الله تعالى على الإنسان. ولذا قال الله تبارك وتعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}.
وقال مفتي الجمهورية إن الله سبحانه عبّر بهذا: "وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا"، إشارة إلى محدودية علم الإنسان ووضع حد للأمور وقطع الكبرياء هذا الإنسان، وقد خلق الله خلقًا وهو أعلم بهم، فهو يعلم بأن الإنسان متى يستوي عوده ويستقيم ظهره حتى يبدأ في المبارزة لله تعالى بالمعصية، معلنًا من نفسه القدرة على الإيجاد والخلق.
وبيَّن مفتي الجمهورية أن هذه الآية تأتي لتؤكد للإنسان أنه مهما بلغ من العلم وحاذ من الثقافة، هو في دائرة العلم الإلهي محدود، بل محدود جدًا، بدليل أنه ركب الهواء والماء ومع هذا يعجز عن تدارك هذه الحقيقة التي هي سر الوجود وأداة البقاء. ولهذا كان من رحمة الله تعالى على الناس وإنعامه عليهم أنه كما قيل لله في خلقه رسولان: رسول من الظاهر، ورسول من الباطن. أما رسول الباطن فهو العقل، وأما رسول الظاهر فهو الوحي. إلا أن الاستقامة لرسول الظاهر تتوقف على استقامة رسول الباطن. ومن ثم قيل: إن الناس تعرفوا على ربهم بالنقول وبالعقول.
وخلُص المفتي أن أحد أهم الأسباب التي يمكن أن تؤدي بوقوع الإنسان في دائرة الإلحاد هو عدم الفصل بين المسموح وغير المسموح، بين ما يقع في دائرة البحث وما لا يقع في دائرة البحث، لأن هناك مسلمات قضيّتها أنها حقائق بدائية، يعني واضحة لا تحتاج إلا التسليم والرضا، كالإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر، والقضاء والقدر. أما إقحام العقل في مثل هذه الموضوعات فإما أن يقع في غلو أو تفريط.
وأشار إلى أن القضية الأولى التي تودي بالإنسان منا إلى الوقوع في الإلحاد هو إقحام العقل في مسائل ليست من اختصاصاته، والله تعالى أطلق العنان للعقل أن يفتش وأن يبحث وأن ينقب وأن يستنتج وأن ينظر في ملكوت السماوات والأرض، في العالم العلوي، في الأرض وما عليها، في النفس الإنسانية، وفي أنفسكم أفلا تبصرون؟ لكن جوانب ينبغي أن نتوقف من أمامها، لأن الخوض فيها يذهب بالإنسان إلى مزالق خطيرة؛ فإما أن يلحد ويتجرأ على الله تبارك وتعالى، وإما أن يصبح أسيرًا لشهواته، عبدًا لشبهاته، فلا هو في دائرة الملحدين ولا هو في دائرة المؤمنين.
أما السبب الثاني للوقوع في دائرة الإلحاد هو مظنة التعارض بين العلم والدين، وهذه قضية خطيرة جدًا، هؤلاء الملاحدة عندما ينطلقون في بث شبههم يعتمدون على نتائج العلم التجريبي، ويخطئون فلا معارضة أو تناقض بين العلم والدين في شيء. لماذا؟ لأن الدين لا تُفهم أسراره ولا يمكن للإنسان أن يقف على معانيه إلا من خلال العلم.
وأوضح أن نتائج العلوم التجريبية هي التي تقود الإنسان منا إلى الإيمان بالله تبارك وتعالى. هم يدعون مثلًا أن العالم وُجد بالصدفة أو بالمصادفة، والواقع أن العلم يشهد على بطلان هذه الدعوة. لماذا؟ لأن هذه شبهة، لأن الصدفة في المصطلح العادي لدى الناس هي التقابل بين أمرين دون سابق إعداد أو ترتيب.
وأضاف أن الصدفة في الاصطلاح العلمي تعني إنكار السبب الفاعل أو العلة الغائية. بمعنى بسيط، إنكار أن يكون لهذا العالم موجد أو إله. يكفيني فقط أن أتوقف أمام هذه البنية الداخلية للإنسان، والتي ترى فيها العجب العجاب، والتي ترى فيها القدرة الإلهية مسيطرة داخل هذا الكائن البسيط العاجز الذليل.