هل يستحق نجوم السينما التكريم فى «مهرجانات المسرح»؟
انتشرت ظاهرة تكريم نجوم السينما فى مهرجانات المسرح العربية والدولية بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، لكن توازى مع ذلك طرح أسئلة مهمة، منها: هل يخضع اختيار النجوم المكرمين فى المهرجانات لمعايير محددة سلفًا؟، وهل تغفل تلك التكريمات أو تتجاهل حقوق المسرحيين الذين أفنوا حياتهم فى «أبو الفنون».
وطرحنا تلك التساؤلات على عدد من صناع المسرح ونقاده، الذين تباينت آراؤهم حول الظاهرة ونشرناها فى أحد أعداد «الدستور» قبل أسبوعين، وهو ما استدعى توسيع النقاش حول تلك القضية بشكل أكبر، من خلال معرفة آراء عدد آخر من كتّاب المسرح، والتى نستعرضها خلال السطور الآتية.
منار خالد: حسن التنظيم والمعاملة الراقية أهم لجذب الجمهور
ذكرت الناقدة منار خالد أن الاستعانة بالنجوم تعد حيلة ذكية بهدف التسويق ولفت أنظار الجمهور للمهرجانات المسرحية، خاصة أنها متاحة مجانًا وملك للجميع، حتى لو تحقق الأمر عبر استغلال الدعاية السلبية، أو دعوة بعض الممثلين «الترند»، خاصة أن هذا يعد شكلًا من أشكال التسويق للمشروع».
وقالت: «المشكلة هى أن القائمين على المهرجانات ما يتقدمون إليه باليمين يتراجعون عنه باليسار، فنحن نحقق الجزء المستهدف من استقطاب الجمهور، لكن علينا أن نتساءل: ماذا نفعل مع الجمهور نفسه؟».
وأضافت: «على سبيل المثال، حين فُتح باب الحجز الإلكترونى بالمهرجان القومى للمسرح المصرى ظل الحجز مجانيًا، ويمكن أن يقوم به الجميع لكن دون تأكد مسبق بالحضور من عدمه، وبالتالى ألقى الحجز الإلكترونى عبئًا أكبر على التنظيم، ما جعل كثيرين يحجمون عن القدوم للفعاليات، بجانب عدم وعى موظفى المسارح بالتعامل مع الـ(qrCode)، وهنا كان من الواجب احترام الجمهور الذى دفعت إدارة المهرجان الكثير من الوقت والجهد لاستقطابه».
وواصلت: «على نفس الشاكلة، كان المهرجان التجريبى وعروضه ذات الطبيعة الخاصة، فبعد حيلة دعوة كل النجوم واستخدام أسماء لامعة لم تختلف معاملة الجمهور، وكأنه فى مرتبة أدنى من الوفود ولجان التحكيم، وفى كثير من العروض لم يتمكن الجمهور من الحضور، وهذا لا شأن له باكتمال العدد أو غيره، بل يعود لسوء التنظيم المستمر بالمسارح، بجانب استمرار عدم وعى موظفى المسارح ببروتوكولات التعامل مع الجماهير».
وفاء كمالو: هل يقبل «النجم» العمل المسرحى بنفس الأجور البسيطة التى تحددها اللوائح؟
قالت الدكتورة وفاء كمالو إن المسرح هو المعرفة الكاشفة، والكتابة الحارة الواعية، والدهشة والثراء والجمال، وهو الاشتباك الجدلى العارم بين ملامح المستقبل الغامض وخطورة الرعب الكونى القادم، والبحث عن معنى الوجود والإنسان، مضيفة أن «أبو الفنون» هو الحالة الفنية الاستثنائية النادرة التى نلمس أبعادها السحرية فى المهرجانات المسرحية التى تطرح نفسها بقوة على واقعنا الثقافى وتثير العديد من القضايا والإشكاليات.
وأوضحت أنه أثيرت مؤخرًا إشكالية تكريم نجوم السينما فى المهرجانين القومى والتجريبى وغيرهما، وأصبحنا أمام حالة من الجدل ما بين المعارضين للفكرة والمؤيدين لها، فالمنظور الرومانسى الناعم يؤيد تكريم نجوم السينما باعتبارها من عوامل جذب الجمهور.
وتابعت: «أصحاب الرؤى الوسطية لا يرفضون فكرة النجوم بشرط التكريم الفعلى الثرى للمسرحيين من أصحاب الإنجازات، والذين بذلوا أعمارهم فى المسرح، وهنا تأتى الرؤية الموضوعية لترفض مبدأ تكريم السينمائيين فى مهرجانات (أبو الفنون)، بناء على العديد من تساؤلات الزوايا الحرجة».
وأكملت: «المسرحيون يعملون فى ظروف قاسية، أجورهم هزيلة، والدعاية غائبة تمامًا، والتسويق لا وجود له، فلماذا نتركهم فى مهب الريح؟، لماذا لا نصنع نجوميتهم؟ لماذا نحرمهم تمامًا من الدعاية التى ستأتى بالشهرة؟».
وتساءلت: «ماذا أعطى نجوم السينما للمسرح؟ هل منهم من يقبل العمل المسرحى بنفس الأجور البسيطة التى تحددها لوائح مسرح الدولة؟ علمًا بأن السينمائيين من النجوم لهم ظروف اقتصادية مغايرة تحترم كيانهم الفنى».
وقالت إن المسرح بحاجة إلى استراتيجية جديدة تدفع بهذا الكيان إلى مسارات مختلفة، متسائلة: «لماذا الرضوخ؟ ولماذا ننفى حضور الطاقات الشابة والناضجة ونحكم عليها بالإعدام المعنوى؟»، مكملة: «الشهرة يمكن أن تتحقق، والمهرجانات المسرحية قد تكون مجالًا لبعث الروح الخلاقة فى الأجيال الطالعة، وعلينا أن نستعيد ملامح وإيقاعات ليالى افتتاح مهرجانات المسرح، حتى وإن كانت بلا نجوم سينما، وحينها ستعلم أن الروح الشابة الخلاقة تسرى لتبعث ذلك الجموح الشاهق عبر نبضات قلوب المسرحيين».
إسلام إمام: محمود سعيد: إرضاء الجمهور أولًا ثم نذهب للتسويق الفنى والتجارى
أكد المخرج المسرحى إسلام إمام، عضو اللجنة العليا بالمهرجان القومى للمسرح، أن تكريم أى نجم ليست له علاقة بالمسرح اغتيال لـ«أبو الفنون» ولصناعه الحقيقيين، لأنه حتى التقدير المعنوى، وهو التقدير الوحيد الذى يحصل عليه المسرحيون الذين وهبوا للمسرح عمرهم، مفقود.
وأضاف: «إنك تبعث لهؤلاء برسالة ضمنية مفادها أنه حتى هذا التقدير المعنوى لن تحصلوا عليه أبدًا.. والجميع يعرف أن موارد المسرح المالية قليلة، وأن فنان المسرح لا يحصل إلا على أجر زهيد.. إذن فنحن نحرمه من شكل التقدير الوحيد الذى يمكن أن يحصل عليه ويشعره بالاستحقاق والجدارة». وتابع: «يدّعى البعض أن وجود النجم يلمّع المهرجان إعلاميًا، وفى رأيى أنه على العكس، يحط من قدر مهرجانه إعلاميًا لأنك عبر هذا تعلن عن أن مهرجانك ضعيف وضئيل وفى حاجة للتمسح فى النجوم، وهذا غير صحيح بالمرة، فهناك مهرجانات مسرحية كانت فى عز ازدهارها دون أن تتمسح بأى نجم».
وأكمل: «فكرة أن أكرّم أو أختار شخصية لا تمت لهوية المهرجان بأى صلة، هذا مؤشر ضعف لا قوة، والحقيقة أن هناك وسائل أخرى للجذب الجماهيرى والإعلامى بخلاف أن تأتى بنجم وتضع صورته على الأفيش، وربما فى النهاية حتى لا يحضر مسرحية بالمهرجان بل ربما لا يحضر تكريمه حتى».
واختتم: «أنا حتى الآن لا أفهم كيف يدافع مسرحيون كبار عن تلك المغالطة، ألا يوجد بتاريخنا المسرحى كله فنانون أفنوا أعمارهم من أجله ويستحقون أن يكونوا شخصية المهرجان أو يُكرموا؟!».
عبير لطفى: وجودهم يزيد من اهتمام الإعلام بالفعالية
رأت المخرجة والممثلة عبير لطفى، رئيسة مهرجان إيزيس الدولى لمسرح المرأة، أن تكريم النجوم فى المسرح أو الاستعانة بهم فى فعاليات المهرجانات المسرحية أو اللجان العليا موضوع مثير للاهتمام والجدل.
وأضافت: «فى رأيى حضورهم مفيد لأنه يساعد فى تسليط الضوء على المسرح والمسرحيين، لأن المسرح بشكل عام مظلوم إعلاميًا لعدة أسباب، منها ضعف الميزانيات التى تخدم الدعايا، إضافة لعدم اهتمام الإعلام بشكل عام بالمسرح إلا فى أضيق الحدود، وتحديدًا عندما يكون هناك نجوم».
وتابعت: «وجود نجوم فى المهرجانات المسرحية مفيد ولكن يفضل أن يكون النجم أو النجمة ينتمى إلى المسرح، سواء صانعًا أو ممثلًا، حتى لو كان ذلك قبل نجوميته، حتى يستطيع التواصل مع أهل المسرح، وحتى لا يعتبروا وجوده اقتحامًا بلا أسباب موضوعية تتعلق بالصناعة أو بهوية المهرجان».
وأوضحت أنه على سبيل المثال لا يجب أن نكرّم أو نستعين بنجوم الدراما التليفزيونية أو السينمائية الذين لا ينتمون بأى شكل من الأشكال للحركة المسرحية، حتى لا تصبح هناك فجوة كبيرة بينهم وبين الحدث.
وقالت: «على مستوى التكريمات، هذا يعد ظلمًا بيّنًا لأهل المسرح الذين يقضون أعمارهم فى حب المسرح، والعمل من أجل تطوره. صحيح الجميع ينتمون إلى الفن والقوى الناعمة المصرية، لكن أهل المسرح ومن ينتمون إليه أولى بالتكريم لأن هذا هو العائد الذى يستحقونه».
محمود سعيد: إرضاء الجمهور أولًا ثم نذهب للتسويق الفنى والتجارى
شدد الناقد الدكتور محمود سعيد، على أن التكريم بأى شكل أو وسيلة هو غرض وهدف لأى ممارس للفن قد يسعى إليه، وربما يأتيه بلا أى سعى، إلا أن التكريم فى حد ذاته يعد عرفانًا ووفاء لرصيد فنى كبير ومؤثر لصاحبه.
وأضاف: «مؤخرًا زادت وتيرة تكريم النجوم فى المهرجانات لدرجة أثارت حفيظة الكثيرين ما بين الرفض والقبول، لكن التكريم دومًا شىء مطلوب وحيوى طالما يذهب لمستحقيه، وبكل تأكيد يحق لمسئولى أى مهرجان التفكير فى لعبة التكريم من كل جوانبها».
وتابع: «معنى ذلك هو ترشيح أسماء للتكريم ترفع من أسهم المهرجان، لنجد أنفسنا أمام مفردة التكريم بشقيها الجماهيرى والتسويقى الإعلانى، بمعنى أن التكريم هنا لا بد له أن يُرضى الجمهور أولًا، والجمهور العاشق للمسرح وللنجم، والمتلقى الواعى، والمتلقى المتخصص، ثم نذهب لمنطقة التسويق الفنى والتجارى، وهذا مطلب حيوى ومهم، ولا يضر أن يكون الغرض التجارى هدفًا رئيسيًا لأى منجز فنى أو عرض مسرحى أو مهرجان فنى».
وأكمل: «لعبة الإنتاج أصبحت رافدًا حيويًا من روافد اللعبة الفنية، ولعل الإنتاج فى أحد بنوده يرتبط بشكل ملموس بالتسويق، لذلك من الطبيعى أن نرى النجم مكرمًا، ففى تكريمه تنجيم للمهرجان، وهذا حق مشروع وأثر متبادل بين الطرفين، النجم والمهرجان، فكلاهما يكرم الآخر فيه».
أحمد خميس:يجب الاختيار بعقلانية وتكريم من يستحق
قال الناقد أحمد خميس إن مسألة تكريم النجوم تعد مسألة حيوية ومهمة للغاية، وتصب فى صالح المهرجانات، وليس مطلوبًا الاستغناء عنها بأى حال، خاصة أن من يسمون بالنجوم مروا بطرق صعبة كى يحوذوا تلك المكانة، المناسبة لتاريخهم الفنى ومشوارهم المؤثر».
وأضاف: «من غير المعقول أن نخذل النجوم أو نقلل من أهمية وجودهم ودعمهم لكل فعالية مسرحية، ويجب أن تتضمن الفعاليات تكريم من يستحق، لكن علينا أن نكون عقلانيين فى اختياراتنا بالقدر الذى يسمح بتكريم المستحق للتكريم فعلًا». واستطرد: «من غير المعقول مثلًا أن يكون الأثر الكبير لنجم ما فى مجال السينما لكنه لم يُضبط كممثل مسرحى إلا فى القليل من العروض، فإذا بنا نضعه مع مكرّم آخر أفنى عمره فى المجال وأخلص له طوال حياته، وأظن هنا تختل المعادلة ويفقد التكريم أثره ومصداقيته عند القائمين والمشتغلين بالعمل المسرحى».
أسامة رءوف: يلقى الأضواء على المهرجانات لكنه يحتاج إلى «إجراءات ضبط»
اعتبر الدكتور أسامة رءوف، رئيس مهرجان أيام القاهرة الدولى للمونودراما، أن وجود فنانين مشهورين ومعروفين فى المهرجانات يلقى الضوء عليها، ويروج لها دون أدنى شك، موضحًا أن هذا الأمر يجب أن يخضع لبعض الضوابط، لأن الأمر أكبر من مجرد تكريم فنان مشهور.
وأضاف: «يجب وضع بعض الضوابط الخاصة بتكريم النجوم فى المهرجانات من وجهة نظرى، فيجب أولًا أن يكون نجمًا له أصول مسرحية، وهو أمر سهل لأن أغلب النجوم فى مصر من أصول مسرحية، ومنهم من بدأ فى مسرح المدرسة والجامعة، وثانيًا يجب أن يحظى النجم بسمعة طيبة، وعلاقة إيجابية مع الجمهور، والبعض يرى أنه من الممكن تكريم أى نجم أيًا كانت ردود الأفعال حوله، وأرى أن هذا الأمر سلبى».
وتابع: «بما أن الفنان لن يكون دخيلًا على المسرح، فهو إذن لن يأخد حقوق فنانى المسرح، وسيكون الفارق الوحيد هو أنه يعمل فى المسرح والسينما والتليفزيون، وهما وسيطان يحققان شهرة عريضة، خلافًا للمسرحيين الذين يقدمون أعمالًا مسرحية فقط؛ وبالتالى لا يحققون الشهرة الكبيرة التى تجعلهم يكرمون للترويج، وإن كان منهم من يكرم عن استحقاق، لرحلته الطويلة وعمره الذى أفناه فى المسرح، وما قدمه من أعمال ومن جهد طوال سنوات عمره، وهو بالطبع يستحق التكريم، ولدينا نجوم ووجوه مشهورة وقامات فنية عتيقة أفنت عمرها فى المسرح، ويمكن تكريم الاثنين بجانب بعضهما البعض».
واستطرد: «تكريم النجوم ليس الطريقة الترويجية الوحيدة للمهرجان، ولكنه إحدى الطرق التى تلقى الضوء إعلاميًا على المهرجانات، حتى تحظى بالمتابعة الجماهيرية، ويشاهد الجمهور ما يقدم بها، حتى يمكن تقييمه ودعمه ومساندته».
واختتم حديثه بالقول: التكريم هو إحدى طرق إلقاء الضوء حتى يشاهد الجمهور المهرجان ويتحقق الاهتمام بالمحتوى، والصدق فيه هو أن يكون المحتوى مفيدًا وداعمًا للإنسان بشكل عام».