الشباب والأزمات الوجودية.. كيف نحول التساؤلات إلى فرص للنمو؟
في زحام الحياة العصرية وتسارع الأحداث وتغير المعايير، يجد الشباب أنفسهم غارقين في بحر من التساؤلات التي لا تجد دائمًا أجوبة سهلة. هذه التساؤلات ليست مجرد أفكار عابرة، بل هي جزء من رحلة البحث عن الذات وفهم العالم من حولهم. ورغم أن البعض يرى تلك الأفكار خطرة وقد تقود إلى الإلحاد أو التشدد الفكري، إلا أنها في الحقيقة قد تكون فرصة ذهبية للنمو الشخصي والفكري، بدلًا من الوقوع في فخ الأفكار المتطرفة أو الشعور بالضياع. يستطيع الشباب استغلال هذه المرحلة للبحث عن إجابات عميقة تعزز تطورهم الذاتي والروحي.
التعليم والحوار: مفاتيح النمو الفكري
لتوجيه هذه التساؤلات في المسار الصحيح، يُعد التعليم والتوعية جزءًا أساسيًا. تقديم دورات في الفلسفة والدين في المدارس والجامعات يمكن أن يساعد الشباب على فهم أعمق للأسئلة الكبرى في الحياة، كما يساهم في تطوير مهارات التفكير النقدي والتأمل العميق. إلى جانب ذلك، يمكن للحوار المفتوح بين الشباب والمجتمع أن يساعد في تبديد الشكوك وتقديم وجهات نظر متنوعة، مما يعزز قدرتهم على التعامل مع التساؤلات الوجودية بشكل صحي.
الدعم النفسي والاجتماعي: دور لا يُستهان به
يلعب الدعم النفسي والاجتماعي دورًا محوريًا في هذا السياق. من خلال جلسات الإرشاد النفسي ومجموعات الدعم، يمكن للشباب أن يجدوا المساحة للتعامل مع مشاعر القلق والشك. إلى جانب ذلك، يُعد التعلم المستمر والقراءة مصادر مهمة للإلهام والتفكير العميق، حيث تفتح الكتب التي تتناول الفلسفة والدين والعلم آفاقًا جديدة أمام الشباب.
في هذا التقرير، يتحدث خبراء في علم النفس والدين عن كيفية التعامل مع التساؤلات الوجودية التي يواجهها الشباب، مثل البحث عن الغاية من الحياة، وكيف يمكن أن تكون فرصة للنمو الفكري بدلًا من الانحدار نحو الإلحاد أو التشدد.
الدكتور فاروق لطيف: الحوار السلس هو الحل
يرى الدكتور فاروق لطيف، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، أن مرحلة المراهقة تمثل تحوّلًا هامًا في حياة الفرد، حيث يبدأ في الانتقال من الانتماء الكامل للأسرة إلى البحث عن استقلالية الذات. وأوضح أن نجاح هذا التحوّل يعتمد على مدى سلاسة التفاوض بين المراهق وأسرته. فإذا كان الحوار سلسًا، يبقى المراهق في إطار طبيعي لا يؤثر على تفكيره بشكل سلبي. أما إذا كان الحوار متشنجًا، فقد يؤدي ذلك إلى بحث المراهق عن مثل أعلى خارج المنزل، سواء كان إيجابيًا مثل المعلم أو سلبيًا مما قد يؤدي إلى تبني أفكار متطرفة مثل الإلحاد أو التعصب.
الدكتورة إيناس علي: الحوار المفتوح سلاحنا ضد التطرف
من جهتها، تؤكد الدكتورة إيناس علي، أخصائية الصحة النفسية، أن الحوار المفتوح والاحتواء هما الأساس في مواجهة التطرف الفكري. وأضافت أن شعور الشباب بالأمان يشجعهم على التعبير عن آرائهم بحرية دون خوف من العقاب، مما يساهم في بناء وعي متزن ومعتدل يحميهم من الأفكار المتطرفة.
كما شددت على ضرورة استماع الأهل لأبنائهم والدخول في نقاشات مفتوحة حول المفاهيم الدينية بطريقة مقنعة ومحترمة، مؤكدة أن الحوار البناء هو أفضل وسيلة لمعالجة الأسباب التي قد تدفع الشباب نحو الأفكار المتطرفة.
الدكتورة آمنة نصير: الإلحاد ينشأ من التطرف والتعصب
الدكتورة آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، توضح أن الإلحاد غالبًا ما ينشأ نتيجة التعصب والتطرف.
وتقول إن النفس البشرية تنفر من الوصاية، وعندما يُفرض التوجيه الديني بأسلوب وصائي، يتولد نفور من الدين.
وأشارت إلى أن النصوص الدينية تؤكد على حرية الاختيار والإيمان، مستشهدة بقول الله تعالى: "لست عليهم بمسيطر" و"ما عليك إلا البلاغ".
كما أكدت على أهمية العقل في محاربة الأفكار المتطرفة، وأن الإسلام دين يحترم العقل والتأمل.
ووجهت نصيحة للشباب بألا يسمحوا للغواية العقلية بالسيطرة عليهم، وأن يميزوا بين الدين الصحيح والتصرفات المتطرفة التي تمارس باسم الدين.
وأكدت على أن النعم التي تحارب هذا الفكر هي العقل، لذلك الإنسان منوط بسلامة عقله فإن أصابه الجنون سقط عنه التكليف، كذلك نعمة التأمل مما فطر عليه في عقيدته، وهناك موقف مع الفيلسوف ابن رشد الذي سُئل يومًا أيهما أهم في العقيدة العقل أم النص –أي الآيات- فرد قائلًا: "العقل نور والعلم نور، والنور لا يطفئ النور"، إذًا يتم محاسبة الإنسان بنعمة العقل التي يفكر بها وتم إرسال الرسل إليهم حتى يقطع على الناس حجتهم وتتم المحاسبة الكاملة مع نور العقل.
ووجهت نصيحتها للشباب قائلة: "لا تترك غواية العقل تتمكن منك ولا تستبد بالإيمان الذي فطرك الله عليه ولا تحاسب دينك على عقول الأنطاع، فدين الإسلام دين رحب وثري ويحترم قيمة الإنسانية، وقال تعالى في ذلك: "ولقد كرمنا بني آدم"، وهنا لم يقتصر التكريم على المسلمين فقط بل البشرية كلها، فنطاعة المتطرفين وتنصيب أنفسهم كأوصياء سوء أدب مع الله لأنه تدخل في حق الإله وهذا ليس من حق البشر، لذا أتمنى من الشعب المصري أن يستوعب هذا الحوار".
وصل عدد الفتاوى التي أصدرتها دار الإفتاء المصرية عام 2023 فقط إلى 100 ألف فتوى عن الإلحاد، مما يعكس الزيادة الهائلة في عدد الأسئلة والاستفسارات حول هذا الموضوع، واعتمدت على الحوار البناء كأحد أهم أدوات مواجهة الإلحاد، وعقدت 922 جلسة حوارية خلال نفس العام.
مرصد الأزهر: مبادرات لحماية الشباب من التطرف
الأزهر الشريف لم يتوانَ عن مواجهة التساؤلات الوجودية لدى الشباب، عبر إطلاق مبادرات تهدف إلى تحويل هذه التساؤلات إلى فرص للنمو الفكري.
وأوضح الدكتور حمادة شعبان، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر والمشرف بمرصد الأزهر، أن المرصد يعمل على مكافحة التطرف والإرهاب، من خلال رصد ومناقشة ما تنشره الجماعات المتطرفة بأكثر من 12 لغة.
كما أشار إلى مبادرات مثل "اعرف أكتر" لطلاب المدارس، التي تهدف إلى تعزيز الهوية الدينية والوطنية، ومبادرة "اسمع واتكلم" التي ناقشت قضايا اجتماعية حساسة في أكثر من 10 جامعات. كل هذه الجهود تساهم في حماية الشباب من الوقوع في براثن الأفكار المتطرفة وتعزيز التفكير المعتدل.