رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"قيمة العلم".. موضوع خطبة الجمعة اليوم 27 سبتمبر 2024

 خطبة الجمعة
خطبة الجمعة

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم 27 سبتمبر 2024م، الموافق 24 ربيع الأول 1446، والتي جاءت تحت عنوان " يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ".
وأكدت وزارة الأوقاف جميع الأئمة الالتزام بموضوع خطبة الجمعة نصًا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة على عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة.

نص خطبة الجمعة اليوم 27 سبتمبر 2024

يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ
بتاريخ 24 ربيع الأول 1446هـ – 27 سبتمبر 2024م
المـــوضــــــــــوع
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، عَلَّمَ آدَمَ وَفَهَّمَ سُلَيْمَان، وَرَفَعَ قَدْرَ أَهْل العِلْمِ وَالإِيقَان، وَجَعَلَ العِلْمَ حِلْيَةً لِلْإنْسَانِ فِي سَائِرِ الأَزْمَان، اللَّهُمَّ نَوِّرْ قُلُوبَنَا وَعُقُولَنَا بِنُورِ العِلْم، وَزَيِّنَّا بِالْحِلْم، وَسَهِّلْ لَنَا مَسَالِكَ الفَهْم، وَأَخْرِجْنَا بِلُطْفكَ مِنْ ظُلُمَاتِ الوَهْم، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لَا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَبَهْجَةَ قُلُوبِنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا وَتَاجَ رَؤُوسِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ وَخَلِيلُه، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ.
وبَعْدُ:

فَإِنَّ المُطَالِعَ المُتَدَبِّرَ لِكِتَابِ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْرِكُ أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ القَضَايَا الَّتِي عُنِيَ بِهَا القُرْآنُ الكَرِيمُ وَأَصَّلَهَا البَيَانُ النَّبَوِيُّ المُعَظَّمُ: صِنَاعَةَ العُقُولِ الَّتِي تُحِبُّ العِلْمَ وَتَشْغَفُ بِهِ، وَتَعْرِفُ قِيمَةَ العِلْمِ وَشَرَفَهُ، وَسُمُوَّهُ وَنُورَانِيَّتَهُ، وَأَثَرَهُ العَظِيمَ فِي ارْتِقَاءِ الإِنْسَانِ فِي الدُّنْيَا وَسَعَادَتِهِ فِي الآخِرَةِ.

وَلَقَدْ أَصْغَى الإِنسَانُ المُسْلِمُ بِعَقْلِهِ وَقَلْبِهِ وَلُبِّهِ وَوِجدَانِهِ إِلَى هَذِهِ النِّدَاءَاتِ الشَّرِيفَةِ فِي الوَحْيَيْنِ الكَرِيمَيْنِ وَهِيَ تَتَحدَّرُ فِي رُوحِهِ وَوَعْيِهِ، لِتَغْرِسَ فِي أَعْمَاقِ فِكْرِهِ أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ مُرَادَاتِ اللهِ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَحَلَّى بِالعِلْمِ وَالفِكْرِ وَالمَعْرِفَةِ، حَيْثُ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالملَائِكَةُ وَأُولُوا العِلْمِ قَائِمًا بِالقِسْطِ}، وَقَالَ تَعَالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبَابِ}، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ}، وقال عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ}، وقال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زدْنِي عِلْمًا}، وقال سبحانه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، وقال سبحانه: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}، وقال تعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ}.

ثمَّ إِذَا بِالبَيَانِ النَّبَوِيِّ المُنِيرِ يَتَدَفَّقُ إِلَى وَعْيِ الإِنْسَانِ المُسْلِمِ حَامِلًا مَعَهُ مَزِيدًا مِنْ تِلْكَ الأَنْوَارِ الدَّاعِيَةِ إِلَى التَّعَلُّمِ وَالاسْتِدْلَالِ وَالتَّفَكُّرِ وَالتَّأَمُّلِ، وَتَحُضُّ عَلَيْهِ، وَتُحَرِّكُ إِلَيْهِ الهِمَمَ العَالِيَةَ، وَتُعَلِّقُ بِهِ الأَنْفُسَ الزَّكِيَّةَ الَماجِدَةَ، فَيَقُولُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ المَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ العِلْمِ”.

أَيُّهَا النَّاسُ! هَلَّا اسْتَقْبَلْنَا هَذِهِ الأَنْوَارَ السَّاطِعَةَ وَاسْتَجَبْنَا لِهَذِهِ النِّدَاءَاتِ النَّافِعَةِ؛ فَوَعَيْنَا عَنِ اللهِ تَعَالَى مُرَادَهُ، وَانْطَلَقْنَا مُقْبِلِينَ عَلَى العِلْمِ، شَغُوفِينَ بِالتَّعَلُّمِ، مُدْرِكِينَ قِيمَةَ العِلْمِ وَقُدْسِيَّتَهُ وَشَرَفَهُ وَجَلَالَهُ وَعَظَمَتَهُ وَمَهَابَتَهُ! إِنَّ العِلْمَ أَغْلَى مَطْلُوبٍ وَأَعَزُّ مَرْغُوبٍ، وَمَنْ أَدْرَكَ شَرَفَ العِلْمِ حَرَصَ عَلَيْهِ بِكُلِّ مَا يَمْلِكُ، فَتَرَاهُ يَقْرَأُ طُولَ عُمُرِهِ، وَيَزِيدُ مِنْ رَصِيدِهِ المَعْرِفِيِّ، وَيُفْنِي عُمُرَهُ حُبًّا فِي العِلْمِ وَالمَعْرِفَةِ مَهْمَا كَانَتْ مَشَقَّةُ العِلْمِ وَالتَّعَلُّمِ.

أَوْليَاءَ الأُمُورِ الكِرَامَ! امْلَؤُوا قُلُوبَ أَوْلَادِكُمْ حُبًّا لِلْعِلْمِ وَشَغَفًا وَنَهَمًا لِلتَّعَلُّمِ، اغْرِسُوا فِي وِجْدَانِهِمْ سُمُوَّ قَدْر العِلْمِ، اجْعَلُوا أَوْلَادَكُمْ يَسِيرُونَ فِي طَرِيقِ العِلْمِ مُتَحَلِّينَ بِالصَّبْرِ عَلَى مَشَقَّةِ التَّعْلِيمِ، متَّسِمينَ بِالأَنَاةِ وَالإِصرَارِ، وَلْيَكُنْ حَادِيهِم قَوْلَ الشَّاعِرِ:

اطْلُبِ العلمَ وَلَا تكسَلْ فَـَما * أَبْـعَدَ الخَيْرَ عَلَى أَهْلِ الكَسَـلْ

وَاهْجُرِ النَّوْمَ وَحَصِّلْهُ فَمَنْ * يَعْرِفِ المطـْلُوبَ يَحْقرْ مَا بَـَذلْ

لَا تَقُلْ قدْ ذَهَـبَتْ أَرْبَـابُـهُ * كلُّ مَنْ سَارَ عَلَى الدَّرْبِ وَصَلْ

أَيُّهَا النَّاسُ! كُونُوا سَدًّا مَنِيعًا وَسِيَاجًا حَصِينًا أمَامَ دَعَوَاتِ التَسَرُّبِ مِنَ التَّعْلِيمِ الَّتِي تَسْتَهْدفُ ضَيَاعَ مُسْتَقْبَلِ أَوْلَادِكُمْ، وَتَبُثُّ رُوحَ الجَهْلِ وَالفَقْرِ وَالأُمِّيَّةِ وَالفَسَادِ وَالإِفْسَادِ وَالتَّرَدِّي الحَضَارِيِّ، وَتَهْدفُ إلَى غيَابِ قِيَمِ المُوَاطَنَةِ وَالوَلَاءِ وَالانْتمَاءِ لِلْوَطَنِ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ عَنْ أَوْلَادِكُمْ مَسْئُولُونَ «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”.

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

وَبَعْدُ:
أَيُّهَا السَّادَة، اغْرِسُوا فِي عُقُولِ أَوْلَادِكُمْ وَوِجْدَانِهِمْ أَنَّ شُعْلَةَ العِلْمِ وَالمَعْرِفَةِ فِي الدُّنْيَا أَضَاءَتْ مِنْ أَرْضِ الكِنَانَةِ مِصْرَ، وَأَنَّ الإِنْسَانَ المِصْرِيَّ عَاشِقٌ لِلْعِلْمِ وَالمَعْرِفَةِ، مُقْبِلٌ عَلَى التَّعَلُّمِ، صَابِرٌ عَلَى مَشَقَّتِهِ، شَغُوفٌ بِالبَحْثِ وَالتَّنْقِيبِ وَالسَّبْقِ العِلْمِيِّ، مُبْدِعٌ فِي مُخْتلفِ العُلُومِ عَلَى اخْتِلَافِ أَلْوَانِهَا، ابْذلُوا فِي سَبِيلِ العِلْمِ كُلَّ غَالٍ وَنَفِيسٍ، وَسَتَرَوْنَ عَائِدَ ذَلِكَ رُقِيًّا وَتَمَدُّنًا وَحَضَارَةً وَأَمانًا وَاسْتِقْرَارًا تَنْدَهِشُ مِنهُ الأَلْبَابُ.

اعْلَمُوا أَيُّهَا الكِرَامُ أَنَّ سَبِيلَ النُّهُوضِ بِبِلَادِنَا اليَوْمَ هُوَ التَّحَرُّكُ بِصُورَةٍ هَائِلَةٍ نَحْوَ العِلْمِ وَالتَّقَدُّمِ فِي جَمِيعِ العُلُومِ وَالفُنُونِ؛ إِنَّ مِفْتَاحَ حُلُولِ أَزَمَاتِنَا هُوَ العِلْمُ، مِفْتَاحُ مُوَاجَهَةِ التَّطَرُّفِ الدِّينِيِّ وَاللَّادِينِيِّ هُوَ العِلْمُ، مفْتَاحُ مُحَارَبَةِ الفَسَادِ هُوَ العِلْمُ، مِفْتَاحُ بِنَاءِ الاقْتِصَادِ المصرِيِّ هُوَ العِلْمُ، مِفتَاحُ إِعَادَةِ صِنَاعَةِ الحَضَارَةِ هُوَ العِلْمُ، أَيُّهَا السَّادَة، العِلْمُ أَوَّلًا، العِلْمُ ثَانِيًا، العِلْمُ ثَالِثًا، لَا تَقَدُّمَ لَنَا إِلَّا بِالعِلْمِ، لَا رُقِيَّ لَنَا إِلَّا بِالعِلْمِ، إِنَّ العِلْمَ هُوَ الحَلُّ!

اللَّهُمَّ علِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا وَانْفَعْنَا بِمَا علَّمْتَنا..
وَأَفِضْ عَلَيْنَا مِنْ أَنْوَارِ العُلُومِ مَا يَنْفَعُنَا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.