ما هو مفهوم الجهاد فى الإسلام؟ وكيف حرفته الجماعات المتطرفة؟.. أزهريون يجيبون
الجهاد فى الإسلام يعنى الدفاع عن العقيدة والوطن والنفس، ثم جهاد النفس الذي يُعد من أعلى درجات الجهاد، وخلال الفترة الأخيرة نجحت الجماعات المتطرفة فى تحريف مفهوم الجهاد، حيث أصبحت هذه الجماعات تعتدي على المسلمين أنفسهم دون وجه حق ويقومون بقتل الأبرياء والعزل بداعى أنهم يخالفون الإسلام والشرع الشريف.
ماذا يعنى الجهاد فى الإسلام؟
من جانبها، قالت الدكتور عزة رمضان أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، فى تصريحات خاصة لـ"الدستور"، إن الجهاد من المصطلحات التي كثر حولها الكلام، بل نستطيع القول إنها من المصطلحات والأبواب الفقهية التي تم توظيفها واستغلالها بشكل سلبي من قِبل بعض الفئات والجماعات حتى وصلنا إلى نحت خاص لمصطلحات جديدة تتعلق به مثل الجهاد الرقمي والإلكتروني وجهاد النكاح إلى آخر ما علق بهذه الكلمة خاصة في العقود الأخيرة. وبالرجوع إلى ما ورد في القرآن والسنة ستجد أن هناك مستويات للجهاد كلها مرتبطة بالدفاع عن العقيدة والوطن والنفس، ثم جهاد النفس الذي يُعد من أعلى درجات الجهاد.
وتابعت: الحقيقة أن الاسلام لم يعرف الاعتداء والبدء بالهجوم، بل جاء الأمر بالجهاد والقتال في سياق رد العدوان حيث قال ربنا: "ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"، بل لم يقف الأمر عند هذا الحد والحياد، وإنما تعداه الى الأمر بالبر والإحسان الى غير المسلمين فقال: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا إليهم". لكن في حالة الهجوم على المسلمين والاعتداء على أراضيهم وتدنيس مقدساتهم هنا يجب على المسلم رد العدوان وإظهار عزة الإسلام.
الجماعات المتطرفة شوهت الإسلام
وأشارت إلى أنه من أجل هذا كان تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة بأنه التصديق، دون جعل العمل جزءا منه، إلا ان الجماعات المتطرفة انحرفت عن هذا الفهم المستقيم، فجعلت الجهاد من أصول العقائد، والحق أنه ليس كذلك بل هو من الفروع الفقهية وله أحكامه بحسب السياق والظروف والملابسات في كل حالة. لم يقف الأمر بهم عند هذا الحد، بل إنها ربطت مفهوم الجهاد بالتكفير الذي يرتبط بدوره بعدة مفاهيم أخرى مثل التمكين والحاكمية والاستعلاء والجاهلية وحتمية الصدام والخلافة التي تمثل المنطلقات السبع للتكفير التي تعتمدها الجماعات المتطرفة. على سبيل المثال فهمهم الأعوج للحديث الشريف "أمرت أن أقاتل الناس..." ولو أنهم فقط فهموا المراد من الكلمات الثلاث الأولى في الحديث وفقا لقواعد اللغة العربية لما استندوا إليه في أعمال القتل والترويع التي يقومون بها تحت اسم الدين.
وأضافت: الحق أن التطرف نفسية عنيفة في ظاهرها منهزمة من داخلها تبحث لها عن مبرر ديني أو مجتمعي لتقوم بأعمال العنف والإرهاب لذلك يكون التصدي لهذا الخلل الناتج عن الفهم الخاطئة بطرق متنوعة وأشكال مختلفة منها ما هو نفسي ومنها التربوي والديني والثقافي بل لا بد من تعاضد هذه الجهات جميعا في بناء الإنسان السوي الذي يفهم دينه ويعي دوره الذي أراده له خالقه، وإعلاء قيم المحبة والسلام حسب العلاقة التي ارتصاها الله بينها وبين خلقه حين قال: "يحبهم ويحبونه" وأي قلب يمتلئ بحب الله ورسوله ودينه ثم يجد فيه مكانا لكراهية الآخر -أيا كان- ومحاولة ايذائه والله تعالى يقول: "يا أيها الناس انا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" فالخطاب موجه للجميع ولتكن لنا أسوة حسنة في رسول الله الذي قال عنه الله: "إنا أرسلناك رحمة للعالمين" لم يقل للمسلمين أو المؤمنين، بل للعالمين أي جميع المخلوقات.
واستكملت: “هذه المعاني لا بد أن نتشبع بها ونبثها في نفوس أولادنا ونقوم على نشرها وحراستها ونزاحم في ذلك ولا نترك المجال أمام تلك الجماعات والتنظيمات ممن يقدمون ما فهموه خطأ وزعموه دينا يملؤون به عقول وقلوب الشباب والأجيال الناشئة”. وختاما: “لا بد من بناء وترسخ الوعي وممارسة أسس المواطنة طبقا لنموذج الدولة الحديثة المستندة إلى القانون والمؤسسية والتماسك المجتمعي والأمن الفكري”.
كيف تم تحريف مفهوم الجهاد؟
فى سياق متصل، قال الدكتور أيمن ابوالخير من علماء الأزهر الشريف، لـ"الدستور" إن مفهوم الجهاد في سبيل الله، يشمل الكثير من أبواب الخير، وبقي أن نوضح سعة مفهوم الأدوات والوسائل التي يتحقق بها الجهاد في سبيل الله، حتى لا يظن البعض أنه عجز عن الجهاد باليد فقد سقط عنه الواجب، بل إن أدوات الجهاد واسعة كسعة مفهوم الجهاد نفسه، فهي مراتب ينتقل المسلم من مرتبة إلى مرتبة، بحسب الظروف والأحوال، كما في حديث عبد الله بن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون، وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تَخْلُفُ من بعدهم خُلُوفٌ يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» رواه مسلم في صحيحه.
وتابع "أبوالخير" أن الجماعات المتطرفة حرفت مفهوم الجهاد، وبدلا من أن تجاهد ضد الذين يقتلون المسلمين، أصبحت هذه الجماعات تجاهد ضد المسلمين أنفسهم الأمر الذى كشف هذه الجماعات الإرهابية المتطرفة.
وأضاف أن الجهاد الحقيقي هو ما يساهم في تطوير وتقدم الأمم، وليس في تدهورها وتخلفها عن ركب الحضارة، فنحن مطالبون بجهاد النفس الذي يربيها ويدعو إلى الحق والخير، كذا جهاد العقول لنقدم خدمة للإسلام والمسلمين بل وللإنسانية جمعاء للحاق بركب الحضارة ومواكبة التطور.
وأشار إلى أن من أفعال هؤلاء الإرهابيين المخالفة لمبادئ السلام والرحمة، فعليهم الالتزام بنشر منهج الأزهر الشريف بوسطيته واعتداله، حيث أن الجهاد الحقيقي هو طريق لتحقيق السلم والنماء وليس القتال والعنف.
الإسلام دين سلام ومحبة
فى سياق متصل، قال الدكتور تامر خضر، أستاذ التفسير بجامعة الأزهر، إن الدين الإسلامى دين سلام ومحبة وأخوة، والقرآن كل آياته تدعو إلى السلم والرحمة، واحتكار لفظ "الجهاد" على مفهوم القتال، له تداعيات خطيرة؛ حيث أساءت الجماعات المتطرفة لمعني الجهاد وتم احتكاره علي معنى القتل، مما أساء لصورة الإسلام والمسلمين حول العالم.
الجهاد يهدف لحماية الأوطان
وأوضح "خضر": أن الجهاد في الأصل لم يشرع إلا لحماية الوطن ورد العدوان، وليس لتحقيق أغراض شخصية، فالأصل في الإسلام هو الحماية وليس الاعتداء مصداقا لقوله تعالى: "ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"، مضيفًا أن الجماعات المتطرفة رفعت راية "الجهاد"، لاستغلال مشاعر الناس بالشعارات الرنانة، وهم في الأصل يقومون على تفرقة الناس، وتفتيت الدول، ويسببون البلاء والخراب بالمجتمعات التي ظهروا فيها.