أزمة حاملات الطائرات الأمريكية!
تعرضت سفينة تزويد الوقود التابعة للبحرية الأمريكية العاملة فى الشرق الأوسط، «يو إس إن إس بيج هورن» لأضرار، تسببت فى غمر غرفة محركاتها بالمياه، بعد تزويدها لمجموعة حاملة الطائرات «يو إس إس أبراهام لينكولن» بالإمدادات، والتى لا تزال فى المنطقة- قرابة سواحل عُمان- وسط تصاعد التوترات بشأن الحرب بين إسرائيل وحماس، والضربات الإسرائيلية المستمرة التى تستهدف حزب الله فى لبنان.. ولم يكشف أحد حتى الآن عن تفاصيل ما حدث، سوى أن الضرر الذى لحق بهذه السفينة النفطية- التى تحمل عادة نحو ثمانين مدنيًا وخمسة عسكريين على متنها- يُشكل إزعاجًا، لكن الأسطول سيظل قادرًا على العمل بدونها، إذ يمكن لمدمرات المجموعة الضاربة التزود بالوقود فى الميناء، ويمكنها نقل وقود الطائرات إلى حاملة الطائرات، لتزويد الطائرات المقاتلة وطائرات المراقبة على متنها.. وبالرغم من أن «لينكولن» تعمل بمفاعل نووى، فإن مجموعتها الهجومية تتألف من سفن تعمل بالوقود الأحفورى، وتحتاج إلى إعادة الإمداد فى البحر، كما تحتاج الطائرات على متنها إلى وقود الطائرات.. وهذا ما توفره سفينة «بيج هورن» وغيرها من سفن الإمداد المماثلة.. ولم يتضح بعد ما إذا كانت هناك أى سفن أخرى مماثلة متاحة على الفور فى الشرق الأوسط، لخدمة حاملات الطائرات الموجودة فى المنطقة لحماية إسرائيل، ودعمها فى الحرب على لبنان.
الحادث يكشف عن الأزمة التى تعانيها الولايات المتحدة فيما يتعلق بسفن إمداد حاملات الطائرات بالوقود والمؤن اللازمة للعيش على متنها، وخصوصًا ما يقف منها قبالة السواحل اللبنانية، وما قد ينشأ- فى أى وقت- من صراع مع الصين، حول تايوان.. وهنا، يقول الكابتن ستيفن كارمل، نائب الرئيس الأول لشركة ميرسك لاين المحدودة، والعضو السابق فى مجلس الدراسات البحرية، واللجنة التنفيذية لقائد العمليات البحرية، ومجلس البحرية الأمريكية، إنه «من المتوقع أن تحتاج وزارة الدفاع الأمريكية إلى نحو مائة ناقلة من مختلف الأحجام، فى حالة نشوب صراع خطير فى المحيط الهادئ، إلا أن ما يملكه البنتاجون حاليًا ويمكنه الاعتماد عليه، هو أقل من عشر ناقلات.. وهذا يعنى أن الولايات المتحدة لا تفتقر إلى الحمولة المطلوبة لدعم صراع كبير فى المحيط الهادئ فحسب، بل إنها لا تمتلك خريطة طريق يمكن تحديدها للحصول عليها».
بدون ما يكفى من الوقود، فإن القدرات والسفن الأكثر تقدمًا- حتى حاملات الطائرات التى تعمل بالطاقة النووية وتحتاج إلى وقود الطائرات- لن تكون متاحة للاستخدام.. وهذه أزمة فى القدرات، تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة.. ولا يوجد سوى القليل من الوقت، للتوصل إلى حل، إذا ثبتت صحة التكهنات بأن الصراع مع الصين قد يحدث هذا العقد.. ولحسن الحظ، هذه مشكلة يمكن حلها فى الوقت المناسب وبتكلفة معقولة.. ومع ذلك، يتعين على الولايات المتحدة أن تتجاوز التفكير التقليدى والسياسات الراسخة التى «أوصلتنا إلى هذه الحالة الحالية»، كما يقول ستيفن.
فى حالة نشوب صراع واسع النطاق مع الصين فى مسرح المحيط الهادئ، من المرجح أن تفقد الولايات المتحدة القدرة على الوصول الموثوق إلى مصادر النفط التى تعتمد عليها حاليًا فى المنطقة.. وسوف تحتاج الولايات المتحدة، بعد ذلك، إلى إدارة خطوط إمداد طويلة للغاية، لضمان تدفق النفط إلى القوات بالكميات المتزايدة بشكل كبير، المطلوبة وفقًا لإيقاع العمليات فى زمن الحرب.. ولكن يجب أن نتذكر أنه سيكون هناك العديد من المستهلكين الآخرين للنفط، الذين يتنافسون على نفس البراميل فى سوق نفط مضطربة للغاية.. ولا بد من التحوط ضد التأثيرات المتتالية على إجمالى نظام النفط، من الإنتاج إلى التوزيع عبر جميع المستخدمين.. لا ينطبق قانون الإنتاج الدفاعى على المصافى الأجنبية، ولا تستطيع الحكومة الأمريكية إجبار أين تذهب هذه البراميل المُنتجة فى الخارج.. يجب ألا تمتلك المصافى النفط للبيع فحسب، بل يجب أن تكون على استعداد لبيعه للجيش الأمريكى فى خضم ما قد يكون حربًا مثيرة للجدل سياسيًا.. «لا ينبغى أن نعتبر هذا الوصول أمرًا مفروغًا منه، خصوصًا فى ضوء النفوذ العميق للصين، ونفوذها المتزايد على سوق النفط الدولية والعالم النامى، والبنية الأساسية للطاقة المرتبطة بها».
إن سلاسل الإمداد الطويلة اللازمة لتوصيل الطاقة، فى زمن الحرب، من مصادر أمريكا الشمالية إلى مسرح العمليات فى المحيط الهادئ، تتطلب عددًا كبيرًا من سفن الناقلات.. وعند التفكير فى متطلبات الناقلات، يجب أن تضع واشنطن فى الحسبان مستوى معينًا من الاستنزاف فى السفن والطواقم المفقودة بسبب العمليات القتالية، وخصوصًا عندما يعطى الخصم الحصيف الأولوية لمهاجمة هذه العناصر الحاسمة، التى تمكن الولايات المتحدة من فرض قوتها، ولا بد من وضع متطلبات الاستنزاف والمرافقة فى الحسبان عند التخطيط.. تحقيق التوازن هذا، بين المطالب اللوجستية التشغيلية فى مواجهة الاستنزاف والتوافر المتطور للناقلات، يشكل تحديًا ديناميكيًا للتخطيط، وهو يتطلب جهدًا ثابتًا طوال مدة الصراع، الذى يتميز بتغير نقاط إمداد النفط بسرعة وتوافر المنصات.
سوف تحتاج الولايات المتحدة إلى عدة أنواع مختلفة من الناقلات للتعامل مع هذه السيناريوهات الصعبة.. وهناك حاجة إلى ناقلات أكبر حجمًا للقيام بالأجزاء الطويلة من عملية التوزيع.. وسوف تكون هذه الناقلات فى الأساس من نوع MR أو «ناقلات متوسطة المدى»، وهى الحجم المثالى للبنتاجون، وسوف تكون هناك حاجة إليها بأعداد كبيرة.. هذه هى السفن التى تحمل ما يقرب من ثلاثمائة وثلاثين ألف برميل من أنواع متعددة من المنتجات المُكررة.. ويمكن تزويدها بمعدات إعادة تزويد الشحنات المجمعة، «CONSOL» لإجراء إعادة تزويد السفن بالوقود فى البحر، والتى سوف تزود الأسطول بالوقود بعد ذلك.. هذه القدرة متاحة حاليًا على عدد قليل من ناقلات MR المستأجرة مع قيادة النقل البحرى العسكرى. ولكن عمليات CONSOL الحالية، هى تدريبات قصيرة الأمد ولم يتم إجراؤها فى ظل ظروف طارئة منذ سنوات عديدة.. والنوع الآخر من الناقلات المطلوبة هو السفن الأصغر حجمًا وذات الغاطس الضحل فى نطاق أربعين ألف برميل، للنقل داخل مسرح العمليات.. وسوف تستخدم هذه الناقلات الأصغر حجمًا لتزويد القوات الموزعة عبر المحيط الهادئ بالوقود.
الأزمة الحالية فى قدرة ناقلات النفط، إلى جانب الصراع المتسارع، قد تؤدى إلى احتمال واضح، بأن تنفد مخزونات الوقود لدى القوات الأمريكية.. وبما أن القدرة الكافية على نقل النفط أمر لا غنى عنه لتحقيق النجاح فى زمن الحرب، ويشكل عاملًا أساسيًا فى التخطيط، فإن التخطيط الحالى للبنتاجون، يجسد افتراضات متأصلة حول ضمان الوصول إلى الإمدادات، مقابل افتراض الوصول إلى الإمدادات، أو كما تصفه رابطة النقل الدفاعى الوطنى، بالقول: «إذا تبنت الولايات المتحدة نهج الوصول المضمون، فسوف يتألف من سفن تحمل العلم الأمريكى مملوكة لشركات أمريكية ويقودها مواطنون أمريكيون- وهو ما يشبه إلى حد ما الاستراتيجية الصينية (التى تنطبق على الأمة الصينية بأكملها، وليس فقط جيشها).. يعتمد نهج الوصول المفترض على الاستعانة بمصادر خارجية لتسليم الوقود للجيش فى أوقات الصراع- مع وصف محدود للأطراف الخاصة المعنية ومدى ضمان الوصول إلى المنتج».
ويميل مخططو اللوجستيات العسكرية إلى افتراض إمكانية الوصول، أى أن الناقلات ستكون متاحة من حمولات تحمل أعلامًا أجنبية.. ويكشف هذا الافتراض عن عدم فهم سوق الناقلات الدولية، والتأثير الكبير الذى تتمتع به الصين عليها الآن، بما فى ذلك قضية الملكية الفعلية، التى غالبًا ما يتم تجاهلها، والتى لا تشبه العلم أو الشركة.. والواقع أن جزءًا كبيرًا من أساطيل الناقلات الأوروبية، التى ترفع أعلامًا تعتبر عادة غير معادية للمصالح الأمريكية، مملوكة فى الواقع لمؤسسات مالية صينية من خلال ترتيبات البيع والإيجار.
افتراض إمكانية الوصول لا يعالج أيضًا الجوانب الديناميكية للغاية لسوق الناقلات، والتأثيرات الدرامية التى يمكن أن تخلفها الأحداث الحالية على مدى توافر الناقلات.. الوضع الحالى الذى يؤثر على أسواق الناقلات العالمية- العرض الشحيح المصحوب بأسعار تأجير عالية- مدفوع بالصراع بين روسيا وأوكرانيا.. لكن هذا مجرد مثال واحد.. قد تكون للصراع مع الصين عواقب أكثر دراماتيكية على الأسواق.. ستكون هناك تأثيرات كبيرة ولكن غير متوقعة، على أسواق النفط وأسواق الناقلات وتدفقات التجارة، التى يمكن أن تستند إليها افتراضات توافر الناقلات.. يعنى افتراض إمكانية الوصول أيضًا افتراض أن شركات الناقلات ومساهميها سيقدرون الجيش الأمريكى، الذى قد لا تربطهم به أى علاقة، على مصالحهم التجارية التى تربطهم بها علاقات طويلة الأمد.
وفى النهاية.. لا بد من القول إن شركات ناقلات النفط، وليس الدول، تمتلك السفن، ويتعين على الشركات التجارية أن تختار الجانب الذى ستقف إلى جانبه.. وسوف يستند جزء من هذا القرار إلى تقييمها لمن «سيفوز» فى الصراع.. واختيار الولايات المتحدة ليس رهانًا آمنًا فى الوقت الحالى.. على الأقل فى نظر الشركات الدولية التى ستظل راغبة فى الحفاظ على علاقاتها التجارية، التى تتجه إلى حد كبير نحو آسيا، عندما ينتهى الصراع.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.