زلزلوا خط بارليف.. الدعاية والروح المعنوية سلاح النصر في حرب أكتوبر
في السادس من أكتوبر 1973، استيقظ العالم على واحدة من أعظم المعارك في التاريخ الحديث، حيث تمكنت القوات المسلحة المصرية من عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف، محققةً نصرًا عسكريًا مذهلًا، لكن خلف هذا النصر العسكري، كانت هناك عوامل أخرى لا تقل أهمية، منها الدعاية والروح المعنوية التي لعبت دورًا حاسمًا في تحقيق هذا الإنجاز.
فمنذ اللحظة الأولى، أدركت القيادة المصرية أهمية الدعاية في رفع الروح المعنوية للجنود والمدنيين على حد سواء، فاستخدمت وسائل الإعلام المختلفة لنقل رسائل تحفيزية وتعزيز الثقة بالنفس وبالقيادة العسكرية، وكانت الإذاعات تبث الأغاني الوطنية والخطب الحماسية، بينما كانت الصحف تنشر قصص البطولات والتضحيات.
والدعاية لم تكن مجرد وسيلة لنقل المعلومات، بل كانت أداة استراتيجية لتعزيز الروح القتالية، فكانت الرسائل الإعلامية تركز على القيم الوطنية والدينية، مما جعل الجنود يشعرون بأنهم يقاتلون من أجل قضية عادلة ومقدسة، مما كان له الأثر في تعزيز الروح المعنوية للجنود، وجعلهم أكثر استعدادًا للتضحية بحياتهم من أجل الوطن.
في هذا السياق، يتحدث عدد من أبطال حرب أكتوبر عن كيفية تأثير هذه العوامل على الجنود والمدنيين على حد السواء، وكانت ضمن أدوات النصر التي اشترك فيها الجندي والمدني.
اللواء نصر سالم: الوعظ الديني وزيارات الفنانين والمثقفين رفعت روحنا المعنوية
تذكر معنا اللواء نصر سالم، أستاذ العلوم الاستراتيجية بأكاديمية ناصر، وأحد أبطال حرب أكتوبر، ما عانى منه الشعب المصري من حالة نفسية صعبة قبل الحرب بسبب صدمة هزيمة يونيو 1967، والتي وصفها بأنها "علقم يجتره الجميع"، مضيفًا أن الوضع النفسي تحسّن بفضل الثقة بالله والإصرار على تحقيق النصر، بالرغم من ضعف وسائل الإعلام وقتها التي كانت تقتصر على قناتين تلفزيونيتين وإذاعات محدودة الانتشار.
وأوضح "سالم"، في حديثه لـ"الدستور"، أن معنويات الشعب المصري كانت عالية، والكل كان متفقًا على ضرورة الحرب لاستعادة الكرامة، مشيرًا إلى أن قرار الرئيس السادات بخوض الحرب جاء معبرًا عن إرادة الشعب والجيش بشكل غير مسبوق، معبرًا: "لو كان السادات مخدش قرار الحرب كان الشعب نط الناحية التانية وحارب"، فكان هناك تصميم على الانتصار مهما كانت التضحيات.
وعن دور هيئة الشؤون المعنوية خلال الحرب، أشار إلى أن الهيئة لم تكن بالقوة الحالية، لكنها كانت فعالة جدًا في رفع معنويات الجنود، ضاربًا مثالًا بأنهم كانوا يقدمون للجنود في الخنادق أدوات بسيطة مثل مضارب الذباب، مما كان له أثر إيجابي على الحالة النفسية للجنود، كما كانت توزع علب حلاقة ومرايا صغيرة لتحفيز الجنود على الاهتمام بمظهرهم، مما ساهم في رفع معنوياتهم.
وأكد أن الدعم المعنوي كان يشمل أيضًا الجانب الديني، حيث كان هناك واعظًا مع كل كتيبة يتحدثون عن فضل الجهاد والاستشهاد، مما كان له تأثير كبير في رفع الروح المعنوية للجنود، كما تم توزيع مصاحف ومنشورات دينية لتعزيز الروح القتالية لدى الجنود، أيضًا كان الفنانون والمثقفون يقومون بزيارات للجبهة لدعم الجنود، مثل أم كلثوم التي كانت تغني للجنود، وليلى نظمي التي غنت لهم أغنيات تحفيزية، مما كان يسهم في رفع الروح المعنوية بشكل كبير.
واختتم حديثه بالتأكيد على أن حرب أكتوبر كانت مثالًا للإرادة الصلبة والتكاتف الشعبي، حيث لم يكن هناك أي صوت معارض لفكرة الحرب، وكان الجميع يدًا واحدة لتحقيق النصر واستعادة الأرض والكرامة.
الرقيب ميشيل حنا: استقبل الأهالي الجنود العائدين من الجبهة بالفرحة
وحدثنا الرقيب المهندس ميشيل بخيت حنا عزب، أحد أبطال حرب أكتوبر، أن فترة التجنيد كانت تحديًا كبيرًا بالنسبة له ولزملائه الجنود، حيث بدأ تجنيده في 11 أكتوبر 1966 في الإسماعيلية على القناة مباشرة، قبل نكسة 1967، مؤكدًا أن الوضع حينها كان صعبًا للغاية، حيث كان الإعلام يضلل الناس، مما أدى إلى تدهور الروح المعنوية للجنود، خاصةً أن المدنيين كانوا ينظرون إليهم باستخفاف.
وأضاف "عزب" في حديثه مع "الدستور"، أنه رغم هذه الظروف، فإن الشعب المصري وقف صفًا واحدًا مع الجنود خلال ساعة الصفر في حرب أكتوبر. وذكر أن طوابير المواطنين كانت تصطف أمام بنوك الدم للتبرع، حتى أن البنوك اكتفت ورفضت المزيد من المتبرعين لأول مرة في التاريخ، موضحًا أن الجبهة الداخلية كانت داعمة للجيش بشكل كبير، وأن الإعلام المصري خلال الحرب كان صادقًا وينقل الحقيقة، مشيرًا إلى أن كل بيت في مصر كان له ابن أو قريب في الجيش.
وأفاد بأنه خلال فترة الحرب لم تحدث أي جرائم أو قضايا في الشرطة على مستوى الجمهورية، حيث كان الجميع منشغلين بدعم الجنود والاحتفاء بهم، مشيرًا إلى استقبال الأهالي الجنود العائدين من الجبهة بالفرحة والحب، مشددًا على أن تكبيرات الجنود بكلمة "الله أكبر" زلزلت خط بارليف، وأن الجميع كان يتسابق للموت، ولا يهابونه.
وتابع حديثه عن الأجواء داخل الجبهة، موضحًا أنهم كانوا يعملون كفريق واحد، تجمعهم روح الأخوة، حتى أنهم لم يكونوا يعرفون أسماء بعضهم البعض سوى بكلمات مثل "يا دفعة" أو "يا وحش"، واصفًا الجنود بأنهم كانوا فعلًا "وحوش" في المعركة، مشيرًا إلى أنهم كانوا ينامون على الأرض ويصومون رمضان معًا، وأن هدفهم الوحيد كان استعادة الأرض، بغض النظر عن حياتهم الشخصية أو المستقبل.
وأكد أن الروح المعنوية كانت مرتفعة، وأن الجنود كانوا على استعداد لتقديم أرواحهم من أجل مصر، معربًا عن أمله في أن يدرك شباب اليوم حجم التضحيات التي قدمها أجدادهم ليعيشوا في سلام.
أحد أبطال أكتوبر: جهود "الشئون المعنوية" أعادت الثقة للجنود
فيما أشاد الرائد محمد ربيع محمد دسوقي، أحد أبطال حرب أكتوبر، بالدور الكبير الذي لعبته إدارة الشئون المعنوية في إعادة الروح المعنوية للجنود بعد هزيمة 1967 من خلال تنظيم ندوات توعوية ودينية، وساهمت هذه الجهود في استعادة الثقة لدى الجنود، مما جعلهم يتوقون إلى خوض الحرب لاستعادة الكرامة المصرية، وهو ما تحقق في أكتوبر 1973.
وأضاف "دسوقي"، في تصريحات سابقة، أن مرحلة الاستعداد لحرب أكتوبر بعد حرب الاستنزاف شهدت إعادة تشكيل القوات المسلحة وإدخال أسلحة جديدة، وبفضل التدريب المكثف، تمكن المقاتل المصري من التعامل بمهارة مع هذه الأسلحة، مما أدهش العالم، حتى الدول المصنعة لهذه المعدات، مشيرًا إلى أن نجاح الحرب يعود بشكل أساسي إلى خطة الخداع الاستراتيجي، حيث لم يعرف أحد موعد الحرب إلا قبل ساعات قليلة، مما أدى إلى تحقيق عنصر المفاجأة والنجاح الكامل لخطة العبور.