رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مجلة "الكاتب المصري" في ميزان التاريخ.. بين الترويج للصهيونية والدفاع عن القضية الفلسطينية

مجلة الكاتب المصري
مجلة "الكاتب المصري"

منذ صدور مجلة "الكاتب المصري" المجلة الأدبية الشهرية في عام 1945، وتولى رئاسة تحريرها الدكتور طه حسين؛ وحتي إحتجابها في عام 1948، وبسكرتارية تحرير حسن محمود، وما تضمنته من مساهمات في تحريرها لصفوة من الكتاب الشرقيين والغربيين؛ وثمة إنقسام حول اتجاهاتها من الصهيونية والترويج لها وبين دفاعها عن القضية الفلسطينية؛ خاصة وأن ممولها سبعة شركاء من اليهود بقيادة عائلة هراري.

وكانت مجلة "الكاتب المصري" واحدة من إصدار صحف يهود مصر في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي؛ ومنها: الفجر، والمجلة الصهيونية، وإسرائيل، ومجلة الاتحاد الإسرائيلي، وجريدة الشمس، والتسعيرة، والكليم والصراحة، ومجلة التهذيب والتي أصدرتها طائفة القرائين، وكذلك صحيفة الإرشاد والتي صدرت 1908 وكان رئيس تحريرها سليم ليشع.

عواطف عبد الرحمن: معاصرو المجلة أجمعوا أن صدورها لإسكات الأقلام المصرية

تقول الدكتورة عواطف عبدج الرحمن، أستاذة تاريخ الصحافة المصرية بكلية الإعلام جامعة القاهرة في كتابها "اليهود المصريون والحركة الصهيونية"؛ الصادر عن كتاب الهلال فى 1 مايو 2017، إن المعاصرين لهذه المجلة أجمعوا على أن الهدف من إنشائها كان لضمان إسكات الأقلام والألسن المصرية الممثلة في القيادات الفكرية والثقافية عن محاولة توجيه اللوم أو الهجوم على اليهود أو إثارة القصية الفلسطينية علي صفحات الجرائد المصرية لأن ذلك كان سيجرهم إلي مهاجمة اليهود وكشف أهداف الحركة الصهيونية.

وتابعت "عبد الرحمن"، أن اليهود التفوا حول أحمد شوقي أمير الشعراء لاكتساب صداقته ولم يدخروا وسعًا في انتهاء جميع الفرص والمناسبات للتقرب إليه وإظهار تقديرهم لاشتراكهم في المؤتمر العربي الذي أقيم لتكريم شوقي حيث ألقى مراد فرج قصيدة تكريمًا له وأرسلت جميعة الأدباء والمؤلفين العبريين ونقابة المعلمين اليهود بالقدس برقية على لسان الشاعر اليهودي "بياليك" للمشاركين في هذا التكريم. 

وقد استطاع اليهود أيضًا اجتذاب عباس العقاد مما عرضه إلي إتهام بعض الصحف الوطنية بأن اليهود قد نجحوا في شراء قلمه.

محمد أبو الغار: طه حسين رأي أن الشائعات حول المجلة مصدرها المنافسة التجارية والضغينة السياسية والحسد البغيض 

على عكس ما ذهبت غليه المؤرخة والأكاديمية الدكتورة عواطف عبد الرحمن يذهب الدكتور محمد ابو الغار إلى رؤية مخالفة؛ وهو ما عبر عنه في كتابه "يهود مصر.. من الازدهار إلى الشتات"، الصادر أيضًا عن دار الهلال في عام 2012؛ حيث يقول: “في عام 1945 تساءل الكثيرون كيف يعمل طه حسين في مجلة أصحابها من اليهود، ونشرت بعض الصحف العربية هذه الأسئلة، وأجرت مجلة الإثنين الصادرة عن دار الهلال حديثًا صحفيًا مع طه حسين، وسألته الصحفية صراحة: ”يقولون إنك تعمل على مساعدة الصهيونية"، فأجاب طه حسين: “ليت الذين يذيعون هذا الكلام الفارغ يستطيعون أن يبلوا في خدمة العروبة مثلما أبليت، ليس أدل على أنني أساعد الصهيونية من أنني أحيي الأدب العربي القديم، وأنشر أشياء تتصل بعلوم القرآن الكريم، فأي مساعدة للصهيونية أقوى من هذا؟، وحين يظهر العدد الأول من الكاتب المصرى سوف ترون”. 

وتابع أبو الغار: "وأرسل له الكاتب الفلسطيني خليل شطارة مستفسرًا عن الموضوع، فبعث إليه طه حسين رسالة نشرتها البلاغ الفلسطينية قال فيها: فأما الشائعات فمصدرها المنافسة التجارية من ناحية، والضغينة السياسية والحسد البغيض من ناحية أخرى، وخلاصة القضية أن سبعة من اليهود المصريين اشتركوا في عمل تجارى صرف قوامه نشر الأدب العربي قديمه وحديثه، ونقل الجيد من الآداب الغربية إلى لغة الضاد، وطلبوا أن أكون مشيرهم في ذلك، فقبلت بعد أن استقصيت وأحسنت الاستقصاء، وتيقنت أن الأمر لا يتصل ولا يمكن أن يتصل بالصهيونية من قريب أو بعيد، وإنني أتحدى من شاء أن يجد في المجلة إشارة إلى الصهيونية أو تأييدا لها، ومن يدرى لعل خصوم هذه المجلة يبهتون فى يوم من الأيام حين يرون فيها خصومة عنيفة للصهيونية، وهجومًا عنيفًا على ظلمها، ودفاعًا عن العرب في وطنهم فلسطين، وإنه أن يخلف ظنه ولا ظن أحد من العرب"، وهكذا كان طه حسين قبل أن تصدر المجلة واضحًا وصريحًا، وأعتقد أن تقييم موقف طه حسين في موضوع مجلة الكاتب المصرى" يجب أن ينبع من شيئين، أولهما مدى تحقيقه لوعده بمضمون المجلة، وثانيهما علاقة موقفه بموقف المثقفين المصريين عمومًا في ذلك التاريخ، من ناحية التعامل مع اليهود المصريين. ومعروف أنه حتى ذلك التاريخ كان المصريون عمومًا لا يمانعون في التعامل مع اليهود المصريين من غير المنتمين للحركات الصهيونية، أي أنهم كانوا – بشكل واضح يتعاملون مع اليهود بشكل طبيعي وعادي.

واستطرد، وقامت هيئة الكتاب بإعادة نشر جميع أعداد المجلة التى صدرت خلال الثلاث سنوات 1945-1948، وصارت متوافرة للقراء بثمن زهيد، والمجلة ثقافية بالدرجة الأولى، والكثير من الموضوعات التي نشرت فيها تصلح لأن يعاد نشرها اليوم وبالإضافة إلى المقالات الثقافية والأدبية والأشعار والنقد الأدبي، كانت المجلة تلخص في أحد أبوابها أخبار العالم الثقافية والفنية، وقد راجعت فهارس جميع الأعداد التي صدرت في السنوات الثلاث فلم أجد شيئًا بقلم طه حسين له علاقة باليهود، باستثناء المقال التي سبق ذكره. 

ولم يتناول أحد من الكتاب الآخرين في المجلة هذا الموضوع، لكن مشكلة فلسطين ذكرت كثيرًا في باب السياسة الدولية، وهو باب يتضمن تقارير أجنبية معظمها من الأمم المتحدة والدول الكبرى، وكانت عبارة عن حقائق وقرارات دولية مترجمة إلى العربية. 

وفي عدد مارس 1946 كتبت المجلة تقريرا عن فلسطين جاء فيه: "أما تقرير لجنة التحقيق الأمريكية البريطانية عن فلسطين فلم يرض أحدا  رغم صدوره بإجماع الآراء، ولم يحقق للصهيونية حلم الدولة اليهودية من ناحية، ولم يدع مجالا لأمل عند العرب من ناحية ثانية، إذ أوصى بفتح باب الهجرة ورفع القيود عن نظام بيع الأراضي، وهما الوسيلتان اللتان يتألم منهما العرب، ويرون أنهما أداة استيلاء الصهيونية على بلادهم وإخراجهم من ديارهم".